لماذا لا نعيد ترتيب أشياءنا الصغيرة.. قلم : خالد حامد
الفريق العلمي
قلم قديم ممحاة قديمة دفتر مبعثر لا ندري ما بداخله ! اوراق كثيرة متناثرة بطاقات قديمة او جديدة لا يهم المهم هو هذه الاشياء الكثيرة المبعثرة داخل حياتنا لطالما نقول اننا نتخلص منها لكن أؤجل ذلك يوما بعد يوم بعد شهر بعد شهر وتمتلئ الطاولة بهذه الأشياء ولا استطيع التخلص منها ثم أفاجأ بعد ذلك بضياع أشيائي الثمينة ؟! يا الهي أين ذهبت ما الذي ابتلعها؟ ثم ابحث في هذه الكومة من الخردة فيضيع يومي بحثا عنها و أتأخر عن عملي ويوبخني مديري وينظر زملائي إلي بازدراء ؟ يا ترى من السبب؟
هل عرفتم السبب الآن ؟ نعم انها عدم ترتيب اشياءنا التي نكره أن نقضي ثوان أو بضع دقائق في ترتيبها لكن حين نهملها تقلب حياتنا رأسا على عقب !! وقد يتساءل المرء أمعقول هذا الكلام أيعقل أن تضيع حياتي بهذه السهولة نعم ليس فقط تضيع بل تتبعثر ايضا!
وهكذا أيضا الذنوب المتناهية في الصغر نهملها ولا نلقي لها بالا ونقول هو ذنب صغير لا يرى بالعين المجردة فأنا لم ازني ولم أسرق ولم أقتل، لكن كذبت كذبة بيضاء كما يدعون، نظرت نظرة طفيفة ، ضحكت على مسكين ، تنمرت على فلان وفلان وحقرته ، او غير ذلك من الذنوب التي لا نكترث بها .
لكن هذه الذنوب مع كثرتها وتواليها والاصرار إليها تتحول الى كبائر !! والعياذ الله ، كما جاء في الحديث عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ وذا بعودٍ، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه.
فالحذر الحذر أخي الكريم من الصغائر فهي كلما كثرت تكاد تهلكك كما سماها الرسول صلى الله عليه وسلم بمحقرات الذنوب، فمثلها مثل الأشياء المبعثرة في غرفتك وفي مكتبك إذا لم تتخلص منها فمع الوقت يصبح بيتك ومكتبك اكوام من النفايات من الورق ومما لا يلزم.
وأحسن ما حُدت وعرفت به الصغيرة أنها ما دون الحدين حدُ الدنيا وحدُ الآخرة، وهذا التعريفُ مرويٌ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وارتضاه شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال رحمه الله: أمثل الأقوال في هذه المسألة القول المأثور عن ابن عباس، وذكره أبو عبيد، وأحمد بن حنبل وغيرهما وهو: أن الصغيرة ما دون الحدين: حد الدنيا وحد الآخرة. وهو معنى قول من قال: ما ليس فيها حد في الدنيا، وهو معنى قول القائل: كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو نار فهو من الكبائر.
وما اكثر التساهل بهذه الصغائر في زماننا هذا ، بل بعض الناس يكاد بتكرارها أقر فعليا بممارستها كأنها حلال والعياذ بالله ! فكما يجتمع الجبل من كومة حصى ثم صخور ثم يصبح جبلاً كذلك ، هذه الصغائر تفسد صفحاتنا إذ لم نتداركها سريعا وتبعثر أوقاتنا وجمال صحائفنا عند الله.
فليس معنى كون هذه الذنوب من الصغائر، أن يستهين بها العبد، أو يتجاسرُ عليها، فإن الصغائر تنقلب إلى كبائر بالإصرار عليها، واستهانة العبد بالمعصية قد تدخلها في حد الكبيرة.
قال ابن القيم رحمه الله: وها هنا أمرٌ ينبغي التفطّن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر. وقد يقترن بالصغيرة من قلّة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر. بل يجعلها في أعلى المراتب. وهذا أمرٌ مرجعه إلى ما يقوم بالقلب. وهو قدر زائد على مجرّد الفعل. والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره.
أما مكفراتها فيسيرة ان شاءالله لمن يسر الله عليه ، فليس من المعقول أن نجعل هذه القاذورات تعكر صفو حياتنا وتدمر بقية يومك فلابد من النظافة الدائمة والمستمرة ولا نتركها حتى تتراكم ونعيد ترتيب اشيائنا كما نريد .
فهذه الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، لقوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا. {النساء:31}.
وتكفرها كذلك الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة، وصوم رمضان، لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.
وما عدا ذلك من الطاعات التي وردت الأحاديث بأنها تكفر الذنوب، كصوم عرفة، وصوم عاشوراء، ونحو ذلك ،فهو محمولٌ عند الجمهور على الصغائر، فإنها تكفر بأمثال هذه الطاعات، التي ثبت في الشرع تأثيرها في محو الصغائر.
إذا أخي الكريم أختي الكريمة ، هل ما زلت لا تريد ترتيب أشيائك الصغيرة ؟