لماذا صوت الأتراك بنعم في الاستفتاء؟ أمير سعيد
احمد ابوبكر
1438/07/22 - 2017/04/19 05:41AM
[align=justify]من بعد أن قال الأتراك "نعم" في الاستفتاء على تعديلات الدستور التركي، تبين أن الحوافز الدافعة للتصويت الإيجابي كانت من الوجاهة بحيث إنها منحت هذا التفويض للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأركان حكمه. تلك الحوافز التي كان من أبرزها:
التصويت الإيجابي للرئيس التركي نفسه، الذي ينسب له كثيرون – بعد الله عز وجل – الفضل الكبير في تحقيق النهضة التي تعيشها تركيا، ومن ثم كانت شريحة لا بأس من الأتراك مأخوذة باتجاه دعم هذا الرئيس بغض النظر عن تفاصيل ذلك التعديل.
وإذا كان الحافز السابق معتاداً في مثل هذه الاستفتاءات، كون الرئيس وحزبه قد حصلا في عديد من الاستحقاقات الانتخابية والاستفتائية على الأغلبية، ومن الطبيعي أن تصوت الغالبية لبرنامجهما أيا كان، لكن ينضاف هنا مزية خاصة بالأتراك تتعلق بشغفهم بالزعامة واحترامهم لمقتضياتها، وتفويضهم الاعتيادي على دعم هؤلاء الزعماء بدءاً من سلطان الدولة العثمانية وانتهاء بزعماء العدالة والتنمية مروراً بفريق يخالفهما تماماً أيديولوجياً كمصطفى كمال المسمى – زوراً - بأبي الأتراك (أتاتورك).
حالة القلق التي انتابت الأتراك على مسار نهضتهم عندما تبين لهم إيثار الأحزاب المعارضة لمصالحها الذاتية عن مصلحة بلادهم بتعنتهم في تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها رئيس الحكومة السابق البروفيسور أحمد داود أوغلو، وفرض شروط تعجيزية أدت لإعادة الانتخابات البرلمانية بما هز ثقة الأتراك بالنظام البرلماني، ودفعهم نحو تأييد كبير لنظام رئاسي قوي.
انزعاج الأتراك عموماً من وجود جيوب قوية من فلول الدولة العميقة تتقوى بثغرات الدستور الحالية التي تمنح مؤسستي الجيش والقضاء استقلالية زائدة عن حد المقبول في نظام ديمقراطي يشدد على أسبقية الإرادة الشعبية عن غيرها من أصول وثوابت النظم العسكرية والاستبدادية، وهذا ازداد وضوحاً إثر الانقلاب التي نفذته قيادات عسكرية لم تزل عصية على الانصياع للإرادة الشعبية المتمثلة في الرئاسة والحكومة والبرلمان. وإذ يمنح الدستور بتعديلاته الجديدة صلاحية أكبر للبرلمان ثم الرئاسة في تعيين أعضاء المجالس العسكرية والقضائية الكبرى؛ فإن تلك التعديلات تبعث على الاطمئنان أكثر لهذا.
التجربة السلبية للنظام البرلماني في تركيا، بقانونه الحالي، بما أفضى إلى إقامة حكومات ائتلافية كثيرة في زمن وجيز بما أدى إلى ضعف تلك الحكومات، وإخفاقها في تحقيق برنامجها، وعجزها عن صياغة برنامج موحد من الأساس حيث تقتضي التركيبة الحالية أن تتشكل الحكومات الائتلافية من أحزاب متعارضة جداً في أيديولوجيتها، هذا فضلاً عن فشل الحكومات الائتلافية السابقة في تنفيذ برامجها رغم تقارب أيديولوجيتها قبل وبعد حكومة حزب الرفاه، وقبل حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة.
استجاشة الشعور الديني والقومي والوطني التي أفرزها التأييد شبه المطلق من الاتحاد الأوروبي، والحكومات الأوروبية، والإعلام الغربي عموماً للتصويت بـ"لا" للتعديلات الدستورية، إلى مدى مستفز لهذا الشعور عبر التدخل السافر من تلك الدول في الشأن التركي الداخلي، والاهتمام البالغ بتشويه صورة الرئيس التركي وأركان نظامه، بما جعل كثيرين يتفكهون بأن الدول الأوروبية تهتم بالتصويت في الاستفتاء بأكثر من اهتمامها بشأنها الداخلي وانتخاباتها البرلمانية، ما جعل دولاً كألمانيا والنمسا وهولندا واليونان تهتم بهذا الاستفتاء كما لو كانت شعوبها ستدلي بأصواتها فيه!
انحياز جهات مشبوهة، كحزب العمال الكردستاني، وغيره من المنظمات اليسارية الإرهابية، لرفض التعديلات الدستورية جعل الرافضين لمسلك هذه المنظمات ينضم تلقائياً لجهة التأييد المطلق للتعديلات الدستورية.
نجاح الحملات الرئاسية والحكومية في إزالة مخاوف قطاعات شعبية مترددة كانت أفئدتها قد أصغت للدعاية المضادة، بتمهيد التعديلات الدستورية لنظام ديكتاتوري يقوده "الديكتاتور المستبد أردوغان" على حد تعبيرات هذه الدعاية وأبواقها.
الأخطار المحيطة بتركيا ساهمت في إلجاء قطاعات شعبية لطلب نظام يحظى برئاسة قوية، وزعامة غير مترددة، ولهذا لوحظ أن المناطق القريبة من الحساسيات الصراعية، لاسيما في الشرق التركي قد صوتت بـ"نعم" لهذه التعديلات الدستورية.
مع ما تقدم، إلا أن التصويت لم يكن بـ"نعم" كبيرة، وهذا يعكس قلقاً متفهماً في زوايا معينة من عدة أمور:
- قلق من تفرد أردوغان بالحكم.
- قلق من استفزاز الغرب في ظل علاقة اقتصادية تفرض على تركيا التعامل الهادئ مع الجيران الأوروبيين.
- قلق من الابتعاد شيئاً فشيئاً عن المؤسساتية في الحكم.
لكن في الأخير كانت حوافز "نعم" أكبر من قلق "لا"، وقد أفضت الأولى إلى هذا التصويت الإيجابي الذي أسس لنظام جديد يعتبره الرئيس التركي "جمهورية جديدة"، وهو بهذا ينقل تركيا إلى عصر يفارق ما كان الكماليون يعتبرونه "تركيا الحديثة"، لأنه، لو افترضنا جدلاً أن مصطفى كمال قد أسس "تركيا الحديثة"؛ فإن مرور قرن من الزمان على هذه "الحداثة" كفيلة بجعلها "رجعية" عند من يقيسون الحداثة والرجعية بالزمان، ويجعلون "التقدمية" رهينة مجافاة الماضي بكل حيثياته؛ فإذا كان هذا هو المعيار بتقديرهم؛ فلقد صاروا هم أيضاً من ذلك "الماضي" القريب الذي سيدعه الأتراك خلف ظهرهم، ويمضون في طريقهم "التقدمي" الذي لا يحده زمان "أتاتورك".[/align]
التصويت الإيجابي للرئيس التركي نفسه، الذي ينسب له كثيرون – بعد الله عز وجل – الفضل الكبير في تحقيق النهضة التي تعيشها تركيا، ومن ثم كانت شريحة لا بأس من الأتراك مأخوذة باتجاه دعم هذا الرئيس بغض النظر عن تفاصيل ذلك التعديل.
وإذا كان الحافز السابق معتاداً في مثل هذه الاستفتاءات، كون الرئيس وحزبه قد حصلا في عديد من الاستحقاقات الانتخابية والاستفتائية على الأغلبية، ومن الطبيعي أن تصوت الغالبية لبرنامجهما أيا كان، لكن ينضاف هنا مزية خاصة بالأتراك تتعلق بشغفهم بالزعامة واحترامهم لمقتضياتها، وتفويضهم الاعتيادي على دعم هؤلاء الزعماء بدءاً من سلطان الدولة العثمانية وانتهاء بزعماء العدالة والتنمية مروراً بفريق يخالفهما تماماً أيديولوجياً كمصطفى كمال المسمى – زوراً - بأبي الأتراك (أتاتورك).
حالة القلق التي انتابت الأتراك على مسار نهضتهم عندما تبين لهم إيثار الأحزاب المعارضة لمصالحها الذاتية عن مصلحة بلادهم بتعنتهم في تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها رئيس الحكومة السابق البروفيسور أحمد داود أوغلو، وفرض شروط تعجيزية أدت لإعادة الانتخابات البرلمانية بما هز ثقة الأتراك بالنظام البرلماني، ودفعهم نحو تأييد كبير لنظام رئاسي قوي.
انزعاج الأتراك عموماً من وجود جيوب قوية من فلول الدولة العميقة تتقوى بثغرات الدستور الحالية التي تمنح مؤسستي الجيش والقضاء استقلالية زائدة عن حد المقبول في نظام ديمقراطي يشدد على أسبقية الإرادة الشعبية عن غيرها من أصول وثوابت النظم العسكرية والاستبدادية، وهذا ازداد وضوحاً إثر الانقلاب التي نفذته قيادات عسكرية لم تزل عصية على الانصياع للإرادة الشعبية المتمثلة في الرئاسة والحكومة والبرلمان. وإذ يمنح الدستور بتعديلاته الجديدة صلاحية أكبر للبرلمان ثم الرئاسة في تعيين أعضاء المجالس العسكرية والقضائية الكبرى؛ فإن تلك التعديلات تبعث على الاطمئنان أكثر لهذا.
التجربة السلبية للنظام البرلماني في تركيا، بقانونه الحالي، بما أفضى إلى إقامة حكومات ائتلافية كثيرة في زمن وجيز بما أدى إلى ضعف تلك الحكومات، وإخفاقها في تحقيق برنامجها، وعجزها عن صياغة برنامج موحد من الأساس حيث تقتضي التركيبة الحالية أن تتشكل الحكومات الائتلافية من أحزاب متعارضة جداً في أيديولوجيتها، هذا فضلاً عن فشل الحكومات الائتلافية السابقة في تنفيذ برامجها رغم تقارب أيديولوجيتها قبل وبعد حكومة حزب الرفاه، وقبل حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة.
استجاشة الشعور الديني والقومي والوطني التي أفرزها التأييد شبه المطلق من الاتحاد الأوروبي، والحكومات الأوروبية، والإعلام الغربي عموماً للتصويت بـ"لا" للتعديلات الدستورية، إلى مدى مستفز لهذا الشعور عبر التدخل السافر من تلك الدول في الشأن التركي الداخلي، والاهتمام البالغ بتشويه صورة الرئيس التركي وأركان نظامه، بما جعل كثيرين يتفكهون بأن الدول الأوروبية تهتم بالتصويت في الاستفتاء بأكثر من اهتمامها بشأنها الداخلي وانتخاباتها البرلمانية، ما جعل دولاً كألمانيا والنمسا وهولندا واليونان تهتم بهذا الاستفتاء كما لو كانت شعوبها ستدلي بأصواتها فيه!
انحياز جهات مشبوهة، كحزب العمال الكردستاني، وغيره من المنظمات اليسارية الإرهابية، لرفض التعديلات الدستورية جعل الرافضين لمسلك هذه المنظمات ينضم تلقائياً لجهة التأييد المطلق للتعديلات الدستورية.
نجاح الحملات الرئاسية والحكومية في إزالة مخاوف قطاعات شعبية مترددة كانت أفئدتها قد أصغت للدعاية المضادة، بتمهيد التعديلات الدستورية لنظام ديكتاتوري يقوده "الديكتاتور المستبد أردوغان" على حد تعبيرات هذه الدعاية وأبواقها.
الأخطار المحيطة بتركيا ساهمت في إلجاء قطاعات شعبية لطلب نظام يحظى برئاسة قوية، وزعامة غير مترددة، ولهذا لوحظ أن المناطق القريبة من الحساسيات الصراعية، لاسيما في الشرق التركي قد صوتت بـ"نعم" لهذه التعديلات الدستورية.
مع ما تقدم، إلا أن التصويت لم يكن بـ"نعم" كبيرة، وهذا يعكس قلقاً متفهماً في زوايا معينة من عدة أمور:
- قلق من تفرد أردوغان بالحكم.
- قلق من استفزاز الغرب في ظل علاقة اقتصادية تفرض على تركيا التعامل الهادئ مع الجيران الأوروبيين.
- قلق من الابتعاد شيئاً فشيئاً عن المؤسساتية في الحكم.
لكن في الأخير كانت حوافز "نعم" أكبر من قلق "لا"، وقد أفضت الأولى إلى هذا التصويت الإيجابي الذي أسس لنظام جديد يعتبره الرئيس التركي "جمهورية جديدة"، وهو بهذا ينقل تركيا إلى عصر يفارق ما كان الكماليون يعتبرونه "تركيا الحديثة"، لأنه، لو افترضنا جدلاً أن مصطفى كمال قد أسس "تركيا الحديثة"؛ فإن مرور قرن من الزمان على هذه "الحداثة" كفيلة بجعلها "رجعية" عند من يقيسون الحداثة والرجعية بالزمان، ويجعلون "التقدمية" رهينة مجافاة الماضي بكل حيثياته؛ فإذا كان هذا هو المعيار بتقديرهم؛ فلقد صاروا هم أيضاً من ذلك "الماضي" القريب الذي سيدعه الأتراك خلف ظهرهم، ويمضون في طريقهم "التقدمي" الذي لا يحده زمان "أتاتورك".[/align]