لماذا تأخرنا وتقدم الصحابة؟! (خطب مختارة)
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1432/10/17 - 2011/09/15 15:45PM
لا يمر على المسلمين يوم إلا ويتمنون فيه أن تكتحل أعينهم بالانتصار على أعدائهم، ورؤية صرح الإسلام يمتد بين أعينهم من أقصى الأرض إلى أقصاها، وترى كثيرًا منهم يسعى لتحقيق هذا الهدف، كل حسب رؤيته وهواه، فهذا يسلك يمينًا، وذاك يسلك شمالاً، وثالث يتأمل فيسلك مسلكًا ثالثًا ورابعًا وخامسًا، إلا أن البعض قد يغفل كثيرًا عن أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فلن ينصلح حال المسلمين وأمتهم التي هي خير الأمم التي أخرجت للناس إلا باتباع المنهج الإسلامي الصافي النقي الذي تحرك به أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ربما كانت تلك مزية لهذه الأمة دون غيرها، أن لا يكون صلاحها إلا باتباع ذلك النهج الكامل المتكامل الذي تحرك به أولئك الأفذاذ، ذلك الجيل الفريد الذي تربى على يد المعلم الأول -صلى الله عليه وسلم-.
إن المتأمل في أحوال صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجدهم قد حققوا نجاحات وانتصارات على كافة الأصعدة، الدنيوية والدينية، العسكرية والحربية، المدنية والحضارية، العلمية والعملية، التنموية والنهضوية، وذلك على الرغم من قلة عددهم، وضعف عتادهم، وقلة ذات أيديهم، وتكالب الناس جميعًا عليهم، وتفوق أعدائهم عليهم في الجوانب العسكرية والإمكانات المادية، إلا أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تميزوا بما لم يتميز به أحد قبلهم، تميزوا بإيمان كالجبال استقر في قلوبهم، لم تُغْرهم دنيا دنيئة، ولم تتحرك نفوسهم تجاه شهوات زائلة، وإنما نظروا إليها بازدراء، نظروا إليها نظرة المرتفع بهامته عن دنيا الناس، إذا أبصر أحدهم الدنيا تحت قدميه لم تتحرك نفسه لالتقاطها، بل يطؤها بقدميه غير باكٍ عليها ولا متوجع لفراقها.
فبمثل هذه الروح ننتصر على أعدائنا، وبمثل هذه الروح فقط، فليس هناك من سبيل آخر للنصر إلا بالارتفاع عن الدنيا، وجعلها فحسب أداة من أدوات تحصيل الآخرة ورفعة الدين وكرامة الإسلام وسياسة الدنيا به، لهذا السبب تأخر النصر، ولم يقع حتى هذه اللحظة ما يشفي صدور قوم مؤمنين، بل على الضد من ذلك يقع في كل ساعة ما يدمي قلوب المؤمنين، ويقض مضاجعهم، ويعكر صفو حياتهم؛ ذلك لأن كثيرًا من المسلمين اليوم استولى على قلبه حب الدنيا وكراهية الموت، وأصبحت الدنيا هي الرقم واحد في حياته، فإذا تعلم تعلم للدنيا، وإذا عمل عمل للدنيا، وإذا عمل عملاً خيريًا عمله لأجل الدنيا، حتى إنه أحيانًا إذا صلى وتصدق وحج فإنه يفعل ذلك لأجل الدنيا ليقال فعل وفعل.
فما أحوجنا لتقمص شخصيات الأصحاب الكرام في تعاطيهم مع الدنيا، وفي سعيهم للانتصار بانتهاج النبع الصافي النقي الذي تلقوه مباشرة من فم النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم- قولاً وفعلاً، فلم يحيدوا عنه قيد شبر، ولم يبدلوا كما بدل مَنْ بعدهم، فلوثا المنهج باتباعهم نهجًا غربيًا فاشلاً في إصلاح نفسه فضلاً عن أن يصلح غيره، حيث أعلى من قيمة الفرد وحريته المنفتحة على حساب المجتمع وأخلاقه وأعرافه وما يصلحه، أو نهجًا شرقيًا يعلي من قيمة الجماعة على حساب الفرد وتطلعاته وحاجاته الشرعية التي كفلها الله -عز وجل- له، أو غير ذلك من مناهج البشر التي مهما اجتهد صانعوها في إسباغ صفة الكمال عليها فإنها تظل مفتقرة إلى المنهج الرباني الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
إن الله -عز وجل- يصطفي من كل جيل للانتصار جنودًا يستحقونه عن جدارة، ويأخذون بأسبابه المعنوية والمادية التي نسج على منوالها المنتصرون في كل جيل، والذين -بالتأمل- لم يأتوا بشيء من عند أنفسهم، بل سلكوا السبيل نفسه الذي تحقق الانتصار على أيدي من سلكوه من قبل، فحققوا في سنوات معدودات ما عجزت القوى الأرضية والبشرية عن تحقيقه في عقود وأزمان طويلة من محاولات اختراع المناهج التي تفتقت عنها قرائح من نصَّبوا أنفسهم آلهة من دون الله -عز وجل-، يحلون ويحرمون وفقًا لما تمليه عليهم أهواؤهم وأنفسهم المريضة التي ترفض صراحةً ما يأتي من عند الله تعالى، أو تتهم منهجه بالقصور وعدم المناسبة للعيش به في أزمنتنا التي نحيا بها.
وإننا -في ملتقى الخطباء- حاولنا في مختاراتنا لهذا الأسبوع أن نقف على أسباب انتصار أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أعدائهم، لنعرف كيف تمكنوا من فتح الدنيا ووضعها تحت أقدامهم في وقت يسير، رغم قلة العدد وضعف العدة والعتاد، ورغم تكالب الأعداء، مشيرين كذلك إلى بعض الأمراض التي سيطرت على المسلمين اليوم، والتي بسببها تحقق الخذلان للأمة وتسلط عليها الأعداء. فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا موضعًا خصبًا لنصرته، وأن يصطفينا ويستعملنا في نصرة دينه وكتابه ونبيه، وأن يرضى عنا ولا يستبدلنا، وأن نكون موفقين في الوقوف على أسباب النصرة والعمل بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الأولى: المد والجزر في تاريخ الإسلام ورجال أهل الإسلام؛ للشيخ ماجد آل فريان
الخطبة الثانية: كيف انتصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)؛ للشيخ فيصل سعود الحليبي
الخطبة الثالثة: كيف انتصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)؛ للشيخ فيصل سعود الحليبي
الخطبة الرابعة: من أسباب الخذلان (1) تعلق القلوب بغير الله تعالى؛ للشيخ إبراهيم الحقيل
الخطبة الخامسة: من أسباب الخذلان (6) حب الدنيا وكراهية الموت؛ للشيخ إبراهيم الحقيل
الخطبة السادسة: أسباب النصر وأسباب الهزيمة من خلال سورة الأنفال؛ للشيخ عبد المجيد الزنداني
الخطبة السابعة: هؤلاء هم الصحابة؛ للشيخ ناصر بن محمد الأحمد
الخطبة الثامنة: أسباب النصر في جيل الصحابة؛ للشيخ أحمد فريد
الخطبة التاسعة: أسباب النصر والتمكين؛ للشيخ عبد العزيز بن الطاهر بن غيث
إن المتأمل في أحوال صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجدهم قد حققوا نجاحات وانتصارات على كافة الأصعدة، الدنيوية والدينية، العسكرية والحربية، المدنية والحضارية، العلمية والعملية، التنموية والنهضوية، وذلك على الرغم من قلة عددهم، وضعف عتادهم، وقلة ذات أيديهم، وتكالب الناس جميعًا عليهم، وتفوق أعدائهم عليهم في الجوانب العسكرية والإمكانات المادية، إلا أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تميزوا بما لم يتميز به أحد قبلهم، تميزوا بإيمان كالجبال استقر في قلوبهم، لم تُغْرهم دنيا دنيئة، ولم تتحرك نفوسهم تجاه شهوات زائلة، وإنما نظروا إليها بازدراء، نظروا إليها نظرة المرتفع بهامته عن دنيا الناس، إذا أبصر أحدهم الدنيا تحت قدميه لم تتحرك نفسه لالتقاطها، بل يطؤها بقدميه غير باكٍ عليها ولا متوجع لفراقها.
فبمثل هذه الروح ننتصر على أعدائنا، وبمثل هذه الروح فقط، فليس هناك من سبيل آخر للنصر إلا بالارتفاع عن الدنيا، وجعلها فحسب أداة من أدوات تحصيل الآخرة ورفعة الدين وكرامة الإسلام وسياسة الدنيا به، لهذا السبب تأخر النصر، ولم يقع حتى هذه اللحظة ما يشفي صدور قوم مؤمنين، بل على الضد من ذلك يقع في كل ساعة ما يدمي قلوب المؤمنين، ويقض مضاجعهم، ويعكر صفو حياتهم؛ ذلك لأن كثيرًا من المسلمين اليوم استولى على قلبه حب الدنيا وكراهية الموت، وأصبحت الدنيا هي الرقم واحد في حياته، فإذا تعلم تعلم للدنيا، وإذا عمل عمل للدنيا، وإذا عمل عملاً خيريًا عمله لأجل الدنيا، حتى إنه أحيانًا إذا صلى وتصدق وحج فإنه يفعل ذلك لأجل الدنيا ليقال فعل وفعل.
فما أحوجنا لتقمص شخصيات الأصحاب الكرام في تعاطيهم مع الدنيا، وفي سعيهم للانتصار بانتهاج النبع الصافي النقي الذي تلقوه مباشرة من فم النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم- قولاً وفعلاً، فلم يحيدوا عنه قيد شبر، ولم يبدلوا كما بدل مَنْ بعدهم، فلوثا المنهج باتباعهم نهجًا غربيًا فاشلاً في إصلاح نفسه فضلاً عن أن يصلح غيره، حيث أعلى من قيمة الفرد وحريته المنفتحة على حساب المجتمع وأخلاقه وأعرافه وما يصلحه، أو نهجًا شرقيًا يعلي من قيمة الجماعة على حساب الفرد وتطلعاته وحاجاته الشرعية التي كفلها الله -عز وجل- له، أو غير ذلك من مناهج البشر التي مهما اجتهد صانعوها في إسباغ صفة الكمال عليها فإنها تظل مفتقرة إلى المنهج الرباني الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
إن الله -عز وجل- يصطفي من كل جيل للانتصار جنودًا يستحقونه عن جدارة، ويأخذون بأسبابه المعنوية والمادية التي نسج على منوالها المنتصرون في كل جيل، والذين -بالتأمل- لم يأتوا بشيء من عند أنفسهم، بل سلكوا السبيل نفسه الذي تحقق الانتصار على أيدي من سلكوه من قبل، فحققوا في سنوات معدودات ما عجزت القوى الأرضية والبشرية عن تحقيقه في عقود وأزمان طويلة من محاولات اختراع المناهج التي تفتقت عنها قرائح من نصَّبوا أنفسهم آلهة من دون الله -عز وجل-، يحلون ويحرمون وفقًا لما تمليه عليهم أهواؤهم وأنفسهم المريضة التي ترفض صراحةً ما يأتي من عند الله تعالى، أو تتهم منهجه بالقصور وعدم المناسبة للعيش به في أزمنتنا التي نحيا بها.
وإننا -في ملتقى الخطباء- حاولنا في مختاراتنا لهذا الأسبوع أن نقف على أسباب انتصار أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أعدائهم، لنعرف كيف تمكنوا من فتح الدنيا ووضعها تحت أقدامهم في وقت يسير، رغم قلة العدد وضعف العدة والعتاد، ورغم تكالب الأعداء، مشيرين كذلك إلى بعض الأمراض التي سيطرت على المسلمين اليوم، والتي بسببها تحقق الخذلان للأمة وتسلط عليها الأعداء. فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا موضعًا خصبًا لنصرته، وأن يصطفينا ويستعملنا في نصرة دينه وكتابه ونبيه، وأن يرضى عنا ولا يستبدلنا، وأن نكون موفقين في الوقوف على أسباب النصرة والعمل بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الأولى: المد والجزر في تاريخ الإسلام ورجال أهل الإسلام؛ للشيخ ماجد آل فريان
الخطبة الثانية: كيف انتصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)؛ للشيخ فيصل سعود الحليبي
الخطبة الثالثة: كيف انتصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)؛ للشيخ فيصل سعود الحليبي
الخطبة الرابعة: من أسباب الخذلان (1) تعلق القلوب بغير الله تعالى؛ للشيخ إبراهيم الحقيل
الخطبة الخامسة: من أسباب الخذلان (6) حب الدنيا وكراهية الموت؛ للشيخ إبراهيم الحقيل
الخطبة السادسة: أسباب النصر وأسباب الهزيمة من خلال سورة الأنفال؛ للشيخ عبد المجيد الزنداني
الخطبة السابعة: هؤلاء هم الصحابة؛ للشيخ ناصر بن محمد الأحمد
الخطبة الثامنة: أسباب النصر في جيل الصحابة؛ للشيخ أحمد فريد
الخطبة التاسعة: أسباب النصر والتمكين؛ للشيخ عبد العزيز بن الطاهر بن غيث