لماذا بعد رمضان؟ 3-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1445/10/02 - 2024/04/11 06:43AM

لماذا بعد رمضان؟ 3-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسَلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

مَجلِسٌ مِن مَجالسِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-، وَعظَ فيهِ أَصحابَهُ موعظةً وَجِلَتْ مِنهَا القُلوبُ، وذَرَفَتِ الدُّموعُ، وخَيَّمَ على المَكانِ السَّكينةُ والخُشوعُ، فَخَرَجَ حَنْظَلَةُ الْأُسَيِّدِيُّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-رَاجِعًا إلى بَيتِهِ، قَد ملأَ الإيمانُ قَلبَهُ فبَلغَ مَقامَ الإحسانِ، حتى كأنَّه يَرى الجنَّةَ والنَّارَ رأيَ العَينِ، وعِندما دَخلَ بيتَه استقبلَهُ الأطفَالُ والزَّوجةُ، فَضَاحَكَهُم ولاعَبَهُم، ثُمَّ خَرجَ إلى عَمَلِهِ فانشَغَلَ بِهِ قَلِيلًا، وفَجأةً تَغيَّرَ وَجهُهُ، فَخَرجَ مُنْطَلِقًا إلى رَسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-، قَد عَلا الحزنُ وَجهَهُ، وملأَ الشجنُ قلبَه، يَمشي في شَوارعِ المدينةِ مَهمومٌ مغمومٌ. 

فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَلَاحظَ حَالَهُ الغَريبَ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ فَقَالَ: ‌نَافَقَ ‌حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَمَ-يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ-خَالَطنَاهم وانشَغَلنا بِهم-فَنَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا مِثْلُكَ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ، فَانْطَلَقَا حَتَّى دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَمَ-، فَقَالَ: "‌نَافَقَ ‌حَنْظَلَةُ-يَا رَسُولَ اللهِ-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَتْ قُلُوبُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي، لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَأَظَلَّتْكُمْ بِأَجْنِحَتِهَا-يعني أنَّكم تَكونونَ مِن عالَمِ الملائكةِ، فيَنزلونَ لِلعَيشِ مَعَكم-وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً"، فساعةٌ في الطَّاعاتِ، وساعةٌ في المُباحاتِ.

أيُّها الأحبَّةُ: هل أحسَستُم بهذا الشُّعورِ بَعدَ رَمضانَ؟ هل أَصابَكم ما أصابَ حَنظلةُ-رَضِيَ اللهُ عنه-، عِندَما أحسَّ بذلكَ التَّغييرِ الذي أصابَ قلبَه بينَ مَجالسِ المُنافسةِ ومَجالسِ المُعافسةِ؟

كَانتْ أوقاتًا جميلةً يقضيها المسلمُ في بُيوتِ الرحمنِ، يقرأُ فيها صَفَحاتٍ من القرآنِ، يَحُفُه فيها الأصحابُ والجِيرانُ، يَتَنَقَلُ فيها بينَ آياتِ الوعدِ والوعيدِ، والجنةِ والنَّارِ، فَيَقْشَعِّرُ جِلْدُهُ ثُمَّ يلينُ جِلْدُهُ وقَلْبُهُ لذكرِ اللهِ، واليومَ أصبَحَتْ الصَّفحاتُ بِضعَ آياتٍ، ونَخشى أن يَطولَ الأمدُ فَتُصبحَ القلوبُ قَاسياتٍ.

هَل تَذكُرونَ تِلكَ الرَّكعاتِ المُباركاتِ في قِيامِ اللَّيلِ؟ كَانتْ الصُّفوفُ كالبُنيانِ المَرصوصِ في مَنظرٍ جَميلٍ، فالأَبْدانُ خاضِعَةٌ، والقُلوبُ خاشِعَةٌ، والعُيونُ دامِعةٌ، وأما اليومَ فَقَد نَقَصَ في اللَّيلِ عَدَدُ الرَّكعاتِ، وأصبحَتْ سَريعةً قَصيرةً خَفيفاتٍ، لا يَكادُ يُقرأُ فيها إلا بَعضُ آياتٍ، وأما بَعضُهم فقد كانَ آخرُ العَهدِ بِالقيامِ، آخرَ لَيلةٍ قَامَها مَعَ الإمامِ.

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 فلقد كَانَ في شَهرِ الجُودِ إطعامٌ وصَدَقاتٌ وَزكاةٌ، ورأينَا في وُجوهِ الفُقراءِ السرورَ والابتسامةَ، تَفريجُ كُرَبَةٍ، وإطعامُ مِسكينٍ، وتَفطيرٌ صائمٍ، وكَفالةُ يتيمٍ، وإعانةُ أُسَرَةٍ، وقضاءُ دينِ مُعْسِرٍ، وأما اليَومَ فقَلَّ البَذلُ والعَطاءُ، وجَفَّ نهرُ الكرمِ فلا يَصِلُ إلى ما كانَ عليهِ من الجودِ والخيرِ.

هَل تَتَذكرونَ كلماتِ الدُّعاءِ؟ واليَدَ المَرفوعةَ للسَّماءِ؟ كَم كانتْ لحظاتُ قُربٍ من اللهِ-عزَّ وجلَّ-، وكَانتْ النِّداءاتُ الخَفيَّةُ يَتَنَازعُها الرَّجاءُ والوَجلُ، عاشَ فيها المسلمُ قولَه-تَعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، فَطلبَ كلما خَطرَ بالبالِ وذَكَرَه اللِّسانُ، واليومَ ها هيَ اليدُ قد انخَفَضتْ، وها هي الألسنُ قد صَمَتتْ، وها هي الهِممُ قد خَفَتَتْ، وها هي القُلوبُ قَد شُغِلَتْ.

فما الذي حَدثَ بَعدَ رَمضانَ؟ ولماذا هذا الفُتورُ والنِّسيانُ؟ فَهل نافقَ بعضُنا؟

الحَقيقةُ أنَّ ما كَانَ في رَمضانَ من زيادةِ الخَيرِ والعِباداتِ، أمرٌ طَبَعِيٌّ لكَثرةِ المُعينِ والتَّنافسِ على الطَّاعةِ، فَلا يُتَصوَّرُ أن يَبقَى الإنسانُ على ما هو عَليهِ في رَمضانَ، ولَكنْ أيضًا لا يُتَوقعُ أن يَتركَ الإنسانُ كلَّ ما كَانَ عليهِ في رَمضانَ، بَل بَقيَ لهُ آياتٌ ورَكعاتٌ، وصَدقاتٌ ودَعواتٌ، وهَكذا ساعاتٌ وساعاتٌ، وتَذكروا قَولَ النَّبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها وإن قَلَّ".

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1712807159_لماذا بعد رمضان؟3-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1712807159_لماذا بعد رمضان؟3-10-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 850 | التعليقات 0