لماذا الهــَّــــــــــــــــــم ؟

محمد بن سليمان المهوس
1440/03/06 - 2018/11/14 20:03PM

الخُطْبَةُ الأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا ..

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فَتَقْوَى اللهِ خَيْرُ زَادٍ لِيَوْمِ الْمِيعَادِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ وَهَيَّأَ لَهُ مِنَ الأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ مَا يَضْمَنُ لَهُ صَلاَحَ حَيَاتِهِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ إِنْ هُوَ أَحْسَنَ اسْتِغْلاَلَهَا وَتَرْوِيضَ نَفْسِهِ عَلَيْهَا، فَالإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فِي مُجَاهَدَةٍ مَعَ أَحْوَالِهَا،كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} مُكَابَدَةٌ لِنَفْسِهِ، وَلِنَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وَلِمَصَاعِبِ الْحَيَاةِ وَمَشَاقِّهَا وَأَهْوالِهَا، يَغلِبُ تارةً ويُغلَبُ أُخْرَى، يَفْرَحُ وَيَحْزَنُ، يَضْحَكُ وَيَبْكِي، وَهَكَذَا دَوَالَيْكَ. فَالْحَيَاةُ لاَ تَصْفُوُ لأَحَدٍ مِنْ أَكْدَارِهَا.

وَإِنَّ مِنْ أَكْدَارِ الْحَيَاةِ حَالَةً تَنْتَابُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ، بَلْ لَوْ قِيلَ: لاَ يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَعِيدًا، وَالنَّاسُ فِيهَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثـِرٍ.

إِنَّهَا حَالَةُ ضِيقِ الصَّدْرِ وَمَا يَنْتَابُ الْمُسْلِمَ مِنَ الْقَلَقِ وَالأَرَقِ أَحْيَانًا.

تَرَى بَعْضَهُمْ كَئِيبًا كَسِيرًا تَتَغَيَّرُ حَالُهُ، وَتَتَنَكَّرُ لَهُ نَفْسُهُ، قَدِ اسْتَسْلَمَ لِلشَّيْطَانِ بِجَمِيعِ أَحَاسِيسِهِ، فَيُظْهِرُ لَكَ مِنَ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ وَالشَّكْوَى، مَا يُغْلِقُ أَمَامَكَ الْكَثِيرَ مِنْ أَبْوَابِ الْفَرَجِ وَالتَّنْفِيسِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ أُولَئِكَ يُوغِلُ فِي الاِنْقِيَادِ لِتَلْبِيسِ الشَّيْطَانِ، وَيَكَادُ أَنْ يـُقْدِمَ عَلَى خُطُوَاتٍ تُغَيِّرُ مَجْرَى حَيَاتِهِ، مِنْ طَلاَقٍ لِلزَّوْجَةِ، وَتَرْكٍ لِلْوَظِيفَةِ، وَانْتِقَالٍ عَنِ الْمَنْزِلِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، وَقَدْ يَصِلُ أَمْرُهُ إِلَى الاِنْتِحَارِ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ عَلَيْهِ.

فَلِمَاذَا الْهَمُّ وَالْحُـزْنُ يَا عَبْدَ اللهِ وَأَنْتَ تَحْمِلُ إِيمَانًا صَادِقًا، وَيَقِينًا جَازِمًا بِأَنَّ لَكَ رَبًّا مَوْصُوفًا بِكُلِّ كَمَالٍ، وَمُنَزَّهًا عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، رَبًّا لِجَمِيعِ الْعَالَمِينَ، وَإِلَهًا لِجَمِيعِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ وَلاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ سِوَاهُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى. 

نَعَمْ - عِبادَ اللهِ - الإِيمَانُ هُوَ الْحَياةُ؛ فَلاَ حَيَاةَ بِلاَ إِيمَانَ، وَهُوَ النَّفْحَةُ الرَّبَّانِيَّةُ الَّتِي يَقْذِفُهَا اللهُ فِي قُلُوبِ مَنْ يَخْتَارُهُمْ مِنْ أَهْلِ هِدَايَتِهِ، وَيُهَيِّئُ لَهُمْ سُبُلَ الْعَمَلِ لِمَرْضَاتِهِ، وَيَجْعَلُ قُلُوبَهُمْ تَتَعَلَّقُ بِمَحَبَّتِهِ، وَتَأْنَسُ بِقُرْبِهِ ! فَيَكُونُونَ فِي رِيَاضِ الْمَحَبَّةِ، وَفِي جِنَانِ الْوَصْلِ، فَهُمُ الَّذِينَ دَنَوْا مِنْهُ بِالصَّالِحَاتِ وَالطَّاعَاتِ، فَدَنَا مِنْهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحَمَاتِ، وَالأُنْسِ وَالْمَسَرَّاتِ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»

[رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ].

لِمَاذَا الْهَمُّ وَالْحُـزْنُ يَا عَبْدَ اللهِ وَأَنْتَ تَحْمِلُ أَعْظَمَ الأَسْبَابِ لِطَرْدِ الْغَمِّ وَالْهَمِّ وَالْحُزْنِ؟! أَلَا وَهُوَ قُوَّةُ التَّوْحِيدِ، وَتَفْوِيضُ الأَمْرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَاللهُ هُوَ الَّذِي يَجْلِبُ النَّفْعَ وَيَدْفَعُ الضُّرَّ، لاَ رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، عَدْلٌ فِي قَضَائِهِ، يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ، وَيَمْنَعُ عَمَّنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا. 

فَأَحْسِنِ الظَّنَّ بِاللهِ تَعَالَى، وَكُنْ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى فَارِجٌ لِهَمِّكَ،كَاشِفٌ لِغَمِّكَ، فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ» وَالْحَدِيثُ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ.

أَسْأَلُ اللهَ جَلَّ وَعَلاَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُمْ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَنْ يَشْرَحَ صُدُورَنا، وَيُزِيلَ هُمُومَنَا، وَغُمُومَنَا، وَأَنْ يَكْتُبَ لَنَا السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ مِنْ كُلِّ ذنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .. أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَسْبَابِ طَرْدِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحُزْنِ: كَثْرَةُ الدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعُ إِلَى اللهِ، وَالإِلْحَاحُ عَلَيْهِ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ؛ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللهِ؛ فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

وَمِنْ أَسْبَابِ طَرْدِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَالإِقْبَالُ إِلَى طَاعَةِ عَلاَّمِ الْغُيُوبِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.

يَا صَاحِبَ الْهَمِّ ِّقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي.

فَقَدْ أَرْشَدَنَا لِذَلِكَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الذِّكْرِ، هُوَ كَاشِفٌ لِلْحُزْنِ، وَمُذْهِبٌ لِلْهَمِّ، لِمَنْ يَتْلُوهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِتَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ، فَلَيْسَ شَيْءٌ مِثْلُهُ مُذْهِبٌ لِلأَوْهَامِ وَالأَحْزَانِ، وَالأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ الْعَصْرِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}، وَقَالَ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا}.

فَاتّقُوا الله َعِبادَ اللهِ، وكُونُوا لله أقْرَبْ تَكُونُوا بِحَياتِكُمْ أَسْعَدْ.

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم.

المرفقات

الهم-؟

الهم-؟

المشاهدات 1748 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا