لماذا الصلاة؟

شايع بن محمد الغبيشي
1445/01/16 - 2023/08/03 23:22PM

لماذا الصلاة؟

الْحَمْدَ لِلَّهِ رب العالمين والصلاة والسلام على أشر الأنبياء وخاتم المرسلين لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد: عباد الله أوصيكم بلزوم تقوى الله حتى نلقاه قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))

عباد الله، تأملت دعاء إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}([1]) لماذا دعا إبراهيم عليه السلام بهذا الدعاء وهو بهذه المنزلة العلية؟ فهو خليل الله، وسماه أمة وجعله للناس إماماً ومع ذلك يضرع إلى ربه قائلاً: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} ويلح على ربه أن يقبل منه هذا الدعاء: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} فما دلالات هذه الدعوة؟

عباد الله في هذه الدعوة دروس وهدايات منها:

أولاً: عظم منزله الصلاة عند الله جل وعلا وأنها أعظم ما تقربه به أولياءه وأصفيائه إليه سبحانه ولذا جعل إبراهيم عليه السلام الغاية من إسكان أهليه وذريته عند بيته الحرام إقامة الصلاة نأمل قوله عليه السلام: { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ }([2])

وقد مدح الله اسماعيل عليه السلام بقوله: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } ([3]) وذكر عيسى عليه السلام منة ربه عليه بقوله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} ([4]) وأمر الله نبيه بإقامة الصلاة: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} ([5]) بأمره أن يأمر أهل بالصلاة ويصطبر على ذلك: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} ([6])  كل هذه النصوص عباد الله تدلنا على عظم مكانة الصلاة وأهمية العناية بها لهذا كانت الصلاة آخر ما وصلى به النبي صلى الله عليه وسلم وعلى سرير الموت فعَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ آخِرُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صدره وما كان يَفِيصُ بِهَا لسانُهُ :(الصلاةَ الصلاةَ! اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا مَلَكَتْ أيمانُكُمْ) رواه ابن حبان وصححه الألباني

فما أعظم منزلة الصلاة وما أعظم إجلال الأنبياء لها ولذا عباد الله علينا أن نعظم الصلاة ونربي أهلينا على تعظيمها وإجلالها ونجعل إقامتها أعظم هدف في حياتنا.

ثانياً: أن العبد للصلاة يحتاج فيها إلى عون الله وتوفيقه ولذا لهج إبراهيم بالدعاء إلى ربه أن يجعله  مقيماً للصلاة فإقامة الصلاة أن يستشعر العبد أنه ذاهب للقاء ربه جل وعلا والصلة به سبحانه أعظم محبوب يذهب إليه سبحانه ليجد عنه العون والهداية ونور القلب والوجه واشراق الحياة فقد قال صلى الله عليه وسلم والصلاة نور.

ماذا لو استشعر المصلى هذا الحوار؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " رواه مسلم

قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ رحمه الله: مَنْ مِثْلُكَ يَا ابْنَ آدَمَ خُلِّيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمِحْرَابِ وَالْمَاءِ كُلَّمَا شِئْتَ دَخَلْتَ عَلَى اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ " إنها صلتك يا عبد الله بربك تأنس به وتقر فتسعد وينشرح صدرك ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ( وجعلت قرة عيني في الصلاة)

لقد كان السلف الصالح يتمثلون صفة الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم ( رجل قلبهم معلق بالمساجد) فهو في شوق دائم إلى الصلاة قال عدي بن حاتم رحمه الله : ما جاء وقت الصلاة إلا وأنا إليها بالأشواق، وما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا لها مستعد.

وعن مصعب بن عبد الله قال: سمع عامر بن عبد الله المؤذن، وهو يجود بنفسه، ومنزله قريب من المسجد، فقال: خذوا بيدي، فقيك له: إنك عليل، فقال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟ فأخذوا بيده، فدخل في صلاة المغرب، فركع مع الإمام ركعة ثم مات.

عن يزيد بن أبي حبيب قال: لما احتضر ابن أبي السرح جعل يقول من الليل: أأصبحتم؟ فيقولون: لا، فلما كان عند الصبح، قال: يا هشام، إني لأجد برد الصبح فانظر، ثم قال: اللهم اجعل خاتمة عملي الصبح. فتوضأ، ثم صلى فقرأ في الأولى بأم الكتاب والعاديات، وفي الأخرى بأم القرآن وسورة، وسلم عن يمينه وذهب يسلم عن يساره فقُبض.

الخطبة الثانية

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمد عبده ورسوله أما بعد :
عباد الله ومن هداية دعوة إبراهيم عليه السلام

ثالثاً: أن يستشعر العبد مسؤوليته عن نفسه وأهل بيته في إقامة الصلاة والمحافظة عليها في بيوت الله

قول النبي صلى الله عليه وسلم :(مروا أولادكم بالصلاة واضربوهم عليها لعشر سنين ...) رواه الإمام أحمد

وبين الأمر بالصلاة والضرب عليها ثلاث سنوات يؤمر فيه الابن بالصلاة أكثر من خمسة ألاف مرة، وهي كافية بإذن الله في انتظام الابناء في الصلاة ومحافظتهم عليها، خاصة إذا تعاون الوالدان واستعانا بالله على ذلك فالغالب أن يكلل سعيهما بالنجاح.

لقد كان صلى اله عليه وسلم يوقظ أزواجه للصلاة عَن أم سَلمَة قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ» يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ «لِكَيْ يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَة» رواه البُخَارِيّ

وكانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلاَةِ. يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلاَةَ، الصَّلاَةَ. ثُمَّ يَتْلُو هذِهِ الآيَةَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} رواه مالك في الموطأ.

تأملوا عبادة خبر هذا الرجل الذي أمر أبناءه بالصلاة حتى بعد موته، تقول إحدى الفتيات: مات أبي ووجدنا وصيته وفيها: [ لقد ظللت سنوات أجتهد في حتى تحبوا الصلاة، ويعلم الله كم دعوت الله حتى تكونوا من أهلها، فأوصيكم بالصلاة ... يا أبنائي إنني أحبكم فلا تنسوني من الدعاء في سجودكم ] لقد أثرت هذه الوصية من هذا الأب المشفق في الأسرة بكاملها بكل من سمع بها وحقق الله أمنيته فكانت أسرته من المحافظين على الصلوات، بل تأثر بها بعض من سمعها .

عباد الله لماذا نحرم ابناءنا لذة الصلة بالله عز وجل ونرضى بانقطاعهم عنه سبحانه؟ فنحرمهم التوفيق والرحمة والهداية وانشراح الصدر. لماذا نحرم ابناءنا تكفير السيئات والخطايا ونحن في زمن يعج بالفتن المهلكة وقد قال عز وجل:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }([7])

عباد الله إن تضيع الصلاة خسارة الدنيا والآخرة، وشقاء الدنيا والآخرة تأمل قول الله جل وعلا: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا }([8]) وقوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } ([9]) وقوله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }([10])  

عباد الله ما أعظم غنائم الصلاة، قال ابن القيم الجوزية رحمه الله : "الصلاة : مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى ، طاردة للأدواء ، مقوية للقلب ، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس ، مذهبة للكسل ، منشطة للجوارح ، ممدة للقوى ، شارحة للصدر ، مغذية للروح ، منورة للقلب ، حافظة للنعمة ، دافعة للنقمة ، جالبة للبركة ، مبعدة من الشيطان ، مقربة من الرحمن" فلنكن من أهل هذه الغنائم.

 

 



([1]) [إبراهيم: 40]
([2]) [إبراهيم: 37]
([3]) [مريم: 54، 55]
([4]) [مريم: 30، 31]
([5]) [الإسراء: 78]
([6]) [طه: 132]

 
([7]) [هود: 114]
([8]) [مريم: 59]
([9]) [الماعون: 4، 5]
([10]) [المدثر: 42، 43]

 

المرفقات

1691094115_لماذا الصلاة؟.pdf

المشاهدات 619 | التعليقات 0