لله المنّ / فقه التمام
خالد التميمي
1442/09/24 - 2021/05/06 20:50PM
لله المنّ / فقه التمام 1442/9/25
الحمدُ للهِ المنعمِ علينَا بمواسِمِ الخيراتِ، والـمُتَفَضِلِ علينَا بعظيمِ الهباتِ، نحمدُه تعالى ونشكُرُهُ، ونتوبُ إليه ونستَغفرُه، وأشهدُ ألا إِلَهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريك له ، وأشهدُ أنَّ محمداًعبدُه ورسوله .. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا
أيها الأحبة: هذا شهر رمضان قد قاربَ تمامُه، وتصرمت لياليه وأيامُه؛ فمن كان منا محسناً فيه فعليه الإكمال والإتمام، ومن كان مقصراً فليختمه بالتوبة والاستدراك فإنما الأعمال بالخواتيم… واستثمروا ما بقي من أوقاته بما يقربكم إلى الشكور العليم .
ها قد مَضَتْ خمسٌ وعشرون ليلة قَدْ زَيَّنَتْ أَهْلَهَا بِالْإِيمَانِ وَكَسَتْهُمْ مِنَ التَّقْوَى مَا قَوَّى صِلَتَهُمْ بِرَبِّهِمْ، وَطَهَّرَ بِالصِّيَامِ بَوَاطِنَهُمْ، وَصَحَّحَ فِي الْحَيَاةِ مَسَارَهُمْ. .
فَحُقَّ عَلَى الْأَلْسُنِ أَنْ تَلْهَجَ لِلَّهِ حَمْدًا وَتَمْجِيدًا، وَتَعِجَّ لَهُ شُكْرًا وَتَكْبِيرًا عَلَى نِعْمَه وآلائه… .
حُقَّ عَلَيكم أَنْ تسْتَشْعِرُوا فَضْلَ الله عَلَيْكمْ وَمَغَانِمَكمْ وَمَكَاسِبَكمْ مِما امتنّ عليكم به.
لله الحمدُ والمنّ فَلَقَدْ عِشْنَا فِي رمضان أَيَّامًا مِنَ الدَّهْرِ لَا تُنْسَى،
تَعَلَّمْنَا مِنَ الْمَعَانِي الْإِيمَانِيَّةِ وَالدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ مَا يَكُونُ لَنَا زَادًا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا.
تَعَلَّمْنَا قِيمَةَ الْوَقْتِ وَاسْتِثْمَارِ الدَّقَائِقِ، فَالصَّائِمُ قَدْ هَجَرَ الْمُلْهِيَاتِ وَأَقْبَلَ عَلَى الصَّالِحَاتِ الْبَاقِيَاتِ لِأَنَّهُ اسْتَيْقِنُ أَنَّهَا أَيَّامٌ مَعْدُودَاتٌ.
تَعَلَّمْنَا فيه أَعْلَى مَرَاتِبِ الدِّينِ أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّنَا نَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ نَكُنْ نَرَاهُ فَهُوَ يَرَانَا،
خمسٌ وعشرون يَوْمًا كانت ملئى بدُرُوسٍ صَامِتَةٍ فِي مُرَاقَبَةِ اللَّهِ، فوَاعِظَنا الدَّاخِلِيَّ يُخَاطِبُنا بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى، فلَا يَخْطُرُ بِبَالِ صائم أَنْ يَتَوَارَى وَيُفْطِرَ،
وَلَايَزَالُ الْمُجْتَمِعُ بِخَيْرٍ مَادَامَتْ شُعْلَةُ الْأَمَانَةِ تُضِيءُ قُلُوبَ أَفْرَادِهَا.
رأينَا في الأَيَّامِ الْخَوَالِي أَنَّ أَهْنَأَ النَّاسِ حَالًا وَنَفْسًا وَأَجْرًا هُمْ مَنْ عَاشُوا مَعَ كَلَامِ اللَّهِ، فَكَانَ الْقُرْآنُ جَلِيسَهُمْ وَالْـمُصْحَفُ أنيسهُمْ، فَمَعَ الْقُرْآنِ تَحْلُو الْحَيَاةُ وَيَطِيبُ الْعَيْشُ وَتَطْمَئِنُّ الصُّدُورُ.
تَعَلَّمْنَا أَنَّ الْبَذْلَ وَالْعَطَاءَ وَالْجُودَ وَالسَّخَاءَ مَعَانِيَ جَمِيلَةً تَسْتَعْذِبُهَا الْقَرَائِحُ…
ورَأَيْنَا أَنْ بسط الْكَفَّيْنِ بِالْعَطَاءِ سَهْلٌ مُيَسَّرٌ لِمَنْ صَدَقَ وَسَعَى لِلْآخِرَةِ سَعْيَهَا (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
تَعَلَّمْنَا أَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الطَّاعَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعِينُ عَلَى الْخَيْرِ؛ فَبِهَذَا الِاجْتِمَاعِ شَجَّعَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا،
مَسَاجِدُنَا أُحْيِيَتْ بِالرُّكِعِ السُّجِودِ وَصَفُوفُه تَشْهَدُ بِالسَّبَّاقِينَ الْمُنَافِسِينَ، جِبَاهٌ وَضَّاءَةٌ سْجدت لِبَارِيهَا، وَدُمُوعٌ رَقْرَاقَةٌ تَقَاطَرت من مَآقِيهَا.
تَطَبَّعْنَا مَعَ الصِّيَامِ بِجميلِ الْأَخْلَاقِ… فِي عَصْرِ تزعزعِ الْأَخْلَاقِ، أَيَّامٌ ملئت دُرُوسًا فِي تَرْوِيضِ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَعَلَى عَفَافِ اللِّسَانِ وَغضّ الْبَصَرِ.
فَاتَّقَوُا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَحَافِظُوا عَلَى مَا غَنِمْتُمْ فِي شَهْرِكُمْ مِنْ مُكْتَسَبَاتٍ يَزِدْكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ فَضْلِهِ وأحسنوا فيما بقي… فإنما الأعمال بالخواتيم (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا, وتجاوز اللهم عن تقصيرنا وتفريطنا, واجعلنا من عتقائك من النار…
بَارَكَ اللَّهُ لَنَا فِي الْوَحْيَيْنِ، وَنَفَعَنَا وَإِيَّاكُمْ بِهَدْيِ سَيِّدِ الثَّقَلَيْنِ.
الخطبة الثانية
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
اعلموا وفقني اللهُ وإياكم أن اللهَ قد شرعَ لنا في ختامِ الشهرِ عباداتٍ جليلةً نزدادُ بها إيمانًا، وتكمُلُ بها عبادتُنا؛
شرعَ لنا زكاةَ الفطرِ، والتكبيرَ، وصلاةَ العيدِ.
أما زكاةُ الفطرِ فروى عَبدُ الله بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال“ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ”. متفق عليه.
والواجبُ في زكاة الفطر أن تُخرجَ صاعاً من طعامِ أهل البلد ، ومقدارُ الصاعِ النبويِّ كيلوان وأربعون غراما كما ذكر الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله.
يجبُ على المسلمِ أن يخرجَها عن نفسِه وعن كلِّ من تلزمُه نفقتُه من زوجةٍ أو قريبٍ، إذا لم يستطيعوا إخراجَها عن أنفسِهم؛ فإن استطاعوا فيخرجوها هم عن أنفسِهم؛ لأنهم المخاطبون بها أصلاً، ومن أخرجها عن خَدَمِهِ فعليه أن يخبرهم بذلك.
وتجبُ بغروبِ الشمسِ ليلةَ العيدِ، ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين، ومن أخرجَها بعدَ صلاةِ العيدِ بلا عذرٍ فهي صدقةٌ منَ الصدقاتِ، لا تبرأُ بها ذمتُهُ؛ لمخالفته أمر رسولِ اللهِ ﷺ.
وتسلّم لفقراءِ المكانِ الذي أنتم فيه، ولا بأس من إرسالها لبلدٍ فقراؤُه أشدَّ حاجةٍ…
وحسِّنوها وكمّلوها، ولتكنْ مِنْ طيّبِ أطعمتكم التي تجدون فـ(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون
أيها الأحبة: ومما يشرعُ لكم بعدَ إكمالِ العدةِ التكبيرُ، ووقتُه من غروبِ الشمسِ ليلةَ عيدِ الفطرِ إلى صلاةِ العيدِ، قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
وصيغةُ التكبيرِ: اللهُ أكبر اللهُ أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. بتأكدُ أن يجهرَ الرجالِ بها في المساجدَ والأسواقِ والبيوتِ، إعلانًا لتعظيمِ اللهِ، وإظهارًا لعبادتِه وشكرِه. ويُسِرُّ النِّسَاءُ بها .
أيها الإخوة: صلاةُ العيدِ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، ومن أعلامِ الدينِ الظاهرةِ… ينبغي على كلِّ مستطيعٍ حضورَ صلاة العيد بل رأى بعض العلماء وجوبَها كالسعدي وأبوحنيفة وهو اختيار شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمهم الله جميعا.
اخرجوا إلى صلاةِ العيدِ متجمّلين بأحسنِ لباسٍ وطيب ، وأخرجوا لها نساءَكم وأطفالَكم ومَن تحتَ أيديكم، امتثالاً لأمرِ رسولِ اللهِ ﷺ وابتغاءَ الخيرِ، وحضور دعوةَ المسلمين، فكم في صلاة العيد من خيراتٍ تُنزل وجوائزَ من الربِّ الكريمِ تحصّلُ، ودعواتٍ طيباتٍ تقبلُ..
والسنةُ أن تأكلُوا قبلَ خروجِكم إلى المسجد عدة تمراتٍ وتْرًا 3 أو 5 أو 7 واخرجوا
إلى هذه الصلاةِ مشيًا إن استطعتم ، وأدوا هذه الشعيرة بخشوعٍ وتعظيم قلبٍ .
هذا وستقامُ الصلاةُ في هذا الجامع الساعة 5:10 بمشيئة الله …
اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك ، والعتق من نيرانك ، اللهم أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة يا رب العالمين.
اللهم بلَّغَنا اللهُ أيام العيدِ في عمرٍ مديدٍ ، ورأي رشيد ، وعيشٍ رغيد، ومنَّ علينا بالقبولِ إنك حميدٌ مجيد.
المرفقات
1620333789_لله المنّ:فقه التمام.docx
1620333789_لله المنّ:فقه التمام.pdf