للتعفف .. لا للتسول

بسم الله الرحمن الرحيم أُوصِي نَفسِي وإيَّاكم بِتَقوَى الله؛ فَتَقوَى اللهِ سَعَادَةٌ وفلاحٌ في الدُّنيَا وَالآخِرَة ]وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا[. إِخْوَةُ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ .. الصَّدقةُ والإنفاقُ، وبَذْلُ البِرِّ والمعروف، وسَخاءُ اليَدِ والنَّفْس؛ مِنْ أعظَمِ شِيَمِ الأبرار، وهيَ مِنْ أسبابِ مُضَاعَفةِ الأجُور، ]مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[. وتفقُّدُ أحوَالِ الفُقراءِ والمساكين، والضُّعفاءِ والمحتاجين، والسَّعيُ في قضَاءِ حوائجِهِم؛ أمارَةٌ على توفيقِ الله لِعَبدِه، ومَوْعُودٌ عليهِ بالثَّوَابِ العظيم ]وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ[. وَفِي مُقَابِلِ مَا حَثَّ اللهُ عليهِ في كتابِه، وسُنَّةِ رسولِه r؛ مِنْ بَذْلِ الصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ؛ فَقَدْ جَاءَ دِينُكمُ العظيمُ آمِرًا بالتَّعَفُّفِ ممَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، معَ التَّحْذِيرِ الشَّدِيدِ مِنْ سُؤالِهم، والتطَلُّعِ إلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَإظْهَارِ الفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ أَمَامَهُم. وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى عَنْ فُقَراءِ الصَّحَابَةِ أَنْهَمْ كَانُوا لَا يُظْهِرُونَ فَقْرَهُم، وَلَا يُعلِنُونَ حَاجَتَهُم لِلنَّاسِ، بَلْ إنَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ تَعفُّفِهِم يَظنُّهم مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَالِهِمْ أَنَّهُمْ ]أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا[. وَنَهَى رَسُولُ اللهِ r فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ وَطَلَبِهم، فَقَالَ r (لا تَزَالُ الْمَسْألَةُ بأَحَدِكُمْ حتَّى يَلْقَى اللهَ، ولَيسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْم) وَقَالَ رَسُولُ الله r (مَن سَألَ الناسَ أَمْوالَهم تَكثُّرًا، فإنَّما يَسأَلُ جَمْرًا، فلْيَستَقِلَّ، أو لْيَستكثرْ) وسؤالُ اللهِ تعالى؛ أجدَى مِن سؤالِ المخلوقين، قال r: (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، ومَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللهُ له برزقٍ عَاجِلٍ أو آجِل) وكان r يأمرُ أصحابَهُ دائمًا بالاستِعفَافِ والبُعدِ عن سؤالِ الخَلْق، فعَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ t أنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصَارِ سَأَلُوا رسولَ اللهِ r، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حتَّى إذَا نَفِدَ مَا عِنْدَهُ قال: (مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ). وامْتِهَانُ التسوُّل، والإعانَةُ عليه؛ يؤدِّي بالنَّاسِ إلى العَجْزِ والكسَل، ويَنْشُرُ فيهِمُ البَطَالةَ والتَّواكُل، وحُبَّ القُعودِ، وكُرْهَ العمَل، قال ﷺ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ) ويقولُ r:(المؤمِنُ القَويُّ خيرٌ وأحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمِنِ الضَّعيف، وفي كُلٍّ خير، احْرِصْ على ما يَنْفَعُك، واستَعِنْ باللهِ، ولا تَعْجَز). وَهَنَاك ظَاهِرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ فِي بُيُوتِ اللهِ U الَّتِي جُعِلَتْ لعِبَادَةِ الله، وإقامَةِ ذِكرِه، وقد نصَّ أهلُ العلمِ على النهيِ عن السؤالِ في المسَاجد، وكراهيةِ إعطاءِ السَّائلِ فيها، وقد وردَ في الحديث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r (نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُنْشَدَ فِيهِ ضَالَّةٌ) وَهَذِهِ مَسْؤولِيةِ الْجميعِ وَليسَت خَاصَةٍ فَقَط بالإِمَامِ وَالْمُؤذِّنِ، فالواجبُ التعاونَ على مَنْعِ هذهِ الظَّوَاهِر في المسَاجِد؛ بالحِكْمَةِ، وبالتي هي أحسَنُ، مِن غَيرِ تَشْوِيشٍ، أو رَفْعٍ للأصوات. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا.. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. الحمد لله وحده ... مَعَاشِرُ الْمُؤْمِنِينَ ... اعلموا أنَّ اللهَ قد قدَّرَ الأرزاقَ وكتَبَها، وأنَّ على المرءِ أنْ يأخُذَ بالأسبابِ في تَحصِيلِ رِزْقِهِ على الوَجهِ الذي يُرضي الرَّازِقَ سبحانه، وأنْ لا يكونَ المرءُ عالَةً على الآخرين ]هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور[. ومعَ إقبَالِ موَاسِمِ الخَيرات؛ يَنْشَطُ بينَ النَّاس: مُتَسوِّلونَ يستَعْطِفونَ الناسَ بأساليبَ مختلفة، في المسَاجِدِ والأسواق، والشوَارعِ والطُّرقَات. ولم تزَل الجهاتُ المختصَّةُ تُحذِّرُ مِن دَفعِ الأموَالِ إلى المجهولينَ مِنَ المتسوِّلين؛ لِمَا في ذلكَ مِنَ أضرَارٍ اجتماعيَّةٍ واقتصاديَّة، وشرعيَّةٍ وأمنية. وقَدْ يسَّرَ اللهُ لنا في هذهِ البِلادِ المُبارَكة؛ جَمعيَّاتٍ مَوثُوقَة، ومِنَصَّاتٍ خَيريَّةٍ رسميَّة، تقومُ بدَوْرِها الكَبيرِ في إيْصَالِ التَّبَرُّعَاتِ إلى المُحْتَاجِين، والتَّفْريجِ عنِ المُعْسِرين، بيُسْرٍ وسُهُولَة، وتثبُّتٍ وتَحَقُّق، يحْصُلُ به التكافُل، وتبرأُ به الذِّمة. ألَا فاتَّقوا الله عباد الله.. اسْتَعِدُّوا لِشَهْرِكُم، وقدِّموا لأنفُسِكُم، وتوكَّلوا على ربِّكم في تَحْصِيلِ أرزَاقِكُم، واعلموا أنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ عَبدٍ عن مَالِه؛ من أين اكتسبَهُ؟ وفيمَ أنفقه؟ (فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَع، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى). اللهم إنا نعوذُ بك مِنَ الهَمِّ والحزَن، والعَجزِ والكسل، ومن الجُبنِ والبُخل، ومن غَلَبةِ الدَّينِ وقَهْرِ الرِّجال، واكفنا اللهُمَّ بحلالِكَ عن حرَامِك، وبفَضلِكَ عمَّن سِوَاك، برحمتِكَ يا أرحم الراحمين. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيْفَيْنِ، وَوَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُزَرَاءَهُ وَأَعْوَانَهُ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَهَيِّئْ لَهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تُعِينُهُما عَلَى الْخَيْرِ، يَا رَبَّ العَالَمِينَ .اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيْعِ الْـمُسْلِمِيْنَ وَالْـمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
المرفقات

1648182268_للتعفف .. لا للتسول.docx

1648182282_للتعفف .. لا للتسول.pdf

المشاهدات 823 | التعليقات 0