لـماذا بعد رمضان؟-8-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري(خط كبير)

محمد بن سامر
1444/10/07 - 2023/04/27 05:59AM

لـماذا بعد رمضان؟-8-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

مَجلِسٌ مِن مَجالسِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وسَلمَ-، وَعظَ فيهِ أَصحابَهُ موعظةً وَجِلَتْ مِنهَا القُلوبُ، وذَرَفَتِ الدُّموعُ، وخَيَّمَ على المَكانِ السَّكينةُ والخُشوعُ، فَخَرَجَ حَنْظَلَةُ الْأُسَيِّدِيُّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-رَاجِعًا إلى بَيتِهِ، قَد ملأَ قَلبَهُ الإيمانُ، وبَلغَ مَقامَ الإحسانِ، حتى كأنَّه يَرى الجنَّةَ والنَّارَ رأيَ العِيانِ، وعِندما دَخلَ بيتَه استقبلَهُ الأطفَالُ والزَّوجةُ، فَضَاحكَ الصِّبْيَانَ، وَلَاعَبَ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ خَرجَ إلى عَمَلِهِ فانشَغَلَ بالعَمَلِ قَلِيلًا، وفَجأةً تَغيَّرَ وَجهُ حَنظَلَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَخَرجَ مُنْطَلِقًا إلى رَسولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وَسَلَمَ-، قَد عَلا وَجهَهُ تَباريحُ الأحزانِ، وامتلأتْ عَينُه بِنَظراتِ الأشجانِ، يَمشي في شَوارعِ المدينةِ مَهمومٌ سَرحانُ. 

فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَلَاحظَ حَالَهُ الغَريبَ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ فَقَالَ: ‌نَافَقَ ‌حَنْظَلَةُ يَا أَبَا بَكْرٍ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَمَ-يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَمَ-عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ-خَالَطنَاهم وانشَغَلنا بِهم-فَنَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَمَ-، فَانْطَلَقَا حَتَّى دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَمَ-، فَقَالَ: "‌نَافَقَ ‌حَنْظَلَةُ-يَا رَسُولَ اللهِ-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَمَ-: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وآلِه وَسَلَمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَتْ قُلُوبُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي، لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَأَظَلَّتْكُمْ بِأَجْنِحَتِهَا-يعني أنَّكم تَكونونَ مِن عالَمِ الملائكةِ، فيَنزلونَ لِلعَيشِ مَعَكم-وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً، سَاعَةً وَسَاعَةً"، فساعةٌ في الطَّاعاتِ، وساعةٌ في المُباحاتِ.

أيُّها الأحبَّةُ: هل أحسَستُم بهذا الشُّعورِ بَعدَ رَمضانَ؟ هل أَصابَكم ما أصابَ حَنظلةُ-رَضِيَ اللهُ عنه-، عِندَما أحسَّ بذلكَ التَّغييرِ الذي أصابَ قلبَه بينَ مَجالسِ المُنافسةِ ومَجالسِ المُعافسةِ؟

كَانتْ أوقاتًا جميلةً يقضيها المسلمُ في بُيوتِ الرحمنِ، يقرأُ فيها صَفَحاتٍ من القرآنِ، يَحُفُه فيها الأصحابُ والجِيرانُ، يتَنقلُ فيها بينَ آياتِ الوعدِ والوعيدِ، والجنة والنَّارِ، فتَقشَعِّرُ ثُمَّ تَلينُ جُلودُ المهتدينَ وقُلوبُهم لذكرِ اللهِ، واليومَ أصبَحَتْ الصَّفحاتُ بِضعَ آياتٍ، ونَخشى أن يَطولَ الأمدُ فَتُصبحَ القلوبُ قَاسياتٍ.

هَل تَذكُرونَ تِلكَ الرَّكعاتِ المُباركاتِ في قِيامِ اللَّيلِ؟ كَانتْ الصُّفوفُ كالبُنيانِ المَرصوصِ في مَنظرٍ جَميلٍ، والأبدانُ يَكسوها الخُضوعُ، والقُلوبُ يَغشاها الخُشوعُ، والعُيونُ يَعلوها الدُّموعُ، وأما اليومَ فَقَد نَقَصَ في اللَّيلِ عَدَدُ الرَّكعاتِ، وأصبحَتْ سَريعةً قَصيرةً خَفيفاتٍ، لا يَكادُ يُقرأُ فيها إلا بَعضُ آياتٍ، وأما بَعضُهم فقد كانَ آخرُ العَهدِ بِالقيامِ، آخرَ لَيلةٍ قَامَها مَعَ الإمامِ.

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

 فلقد كَانَ في شَهرِ الجُودِ إطعامٌ وصَدَقاتٌ وزَكَواتٌ، ورأينَا في وُجوهِ الفُقراءِ دُموعًا للفَرحِ وابتساماتٍ، تَفريجُ كُرَبٍ، وإطعامُ مِسكينٍ، وتَفطيرٌ للصَّائمينَ، كَفالةُ أيتامٍ، وإعانةُ أُسَرٍ، وقضاءٌ لِدَينِ الغَارمينَ، وأما اليَومَ فقَلَّ البَذلُ والعَطاءُ، وجَفَّتْ اليَدُ التي كَانتْ تَتَدفقُ كَالمَاءِ، فلا تَصِلُ إلى ما كانتْ عليهِ من الجودِ والسَّخاءِ.

هَل تَتَذكرونَ كلماتِ الدُّعاءِ؟ واليَدَ المَرفوعةَ للسَّماءِ؟ كَم كانتْ لحظاتٌ قُربٍ من اللهِ-عزَّ وجلَّ-، وكَانتْ النِّداءاتُ الخَفيَّةُ يَتَنَازعُها الرَّجاءُ والوَجلُ، عاشَ فيها المسلمُ قولَه-تَعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، فَطلبنا كلما خَطرَ بالبالِ وذَكَرَه اللِّسانُ، واليومَ ها هيَ اليدُ قد انخَفَضتْ، وها هي الألسنُ قد صَمَتتْ، وها هي الهِممُ قد خَفَتَتْ، وها هي القُلوبُ قَد شُغِلَتْ.

فما الذي حَدثَ بَعدَ رَمضانَ؟ ولماذا هذا الفُتورُ والنِّسيانُ؟ فَهل نافقَ بعضُنا؟

الحَقيقةُ أنَّ ما كَانَ في رَمضانَ من زيادةِ الخَيرِ والعِباداتِ، أمرٌ طَبيعيُّ لكَثرةِ المُعينِ والتَّنافسِ على الطَّاعاتِ، فَلا يُتَصوَّرُ أن يَبقَى الإنسانُ على ما هو عَليهِ في رَمضانَ، ولَكنْ أيضًا لا يُتَوقعُ أن يَتركَ الإنسانُ كلَّ ما كَانَ عليهِ في رَمضانَ، بَل بَقيَ لهُ آياتٌ ورَكعاتٌ، وصَدقاتٌ ودَعواتٌ، وهَكذا ساعاتٌ وساعاتٌ، وتَذكروا قَولَ النَّبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلمَ: "أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها وإن قَلَّ".

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم إني أسألُك لي وللمسلمينَ الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ عَلى الرُّشدِ، وشُكرَ نِعمتِكَ، وحُسنَ عبادتِكَ، ولِسانًا صَادقًا، وقَلبًا سليمًا، يا وليَّ الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ، يا مصرفَ القلوبِ ومقلِبَها ثبتْ قلوبنا على دينِك وطاعتِك.

اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.

اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ.

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1682564506_لـماذا بعد رمضان؟-8-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1682564506_لـماذا بعد رمضان؟-8-10-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1309 | التعليقات 0