لغةُ العيد..التفاؤل [خطبة عيد الفطر]

محمد الأحمد
1434/09/30 - 2013/08/07 18:50PM
خطبة عيد الفطر

لغةُ العيد..التفاؤل

هشام بن صالح الذكير
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدِ الله فلا مضل الله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد الله إله إلا الله وحده لا شريك الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صَلِّ محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله! خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً.
الله أكبر! عنت الوجوه لعظمته، عز سلطانه، وعم إحسانه.
الله أكبر! كلما ذكره الذاكرون، الله أكبر! عدد ما هلل المهللون، وكبَّر المكبرون، وسبح المسبحون.
اللهم أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً..
قال جل في علاه: " ولتكلموا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ".
معاشر المؤمنين والمؤمنات:
لغة العيد هي لغة الابتسامَة الجماعية من البعيد والقريب .. والصاحب والغريب.
حالة المجتمع في العيد تنقلبُ إلى تزاورٍ وتراحمٍ وتراسلٍ وتهاتُف ..

يا لَه من مشهدٍ مَهِيب .. حين يخرج المجتمع المسلم بكافَّة أطيافِه إلى المصلَّى جماعاتٍ وفرادى .. راكبين ومترجلين .. بصوت يزلزل القلوب ( الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً .. )
هُتَافٌ بالتكبير .. رجاءَ الرحمة من رَبٍّ رحيم ،،
العيد .. بهجة في النفوس تُغذِي لغة المشاعر بين المسلمين، فهي النسيم العليل في حر الهجير.

هذا التحوُّل المجتمعي يُجسِّد لدى المؤمن معنى عظيماً .. يُحبُّه الله ..
إنه ( التفاؤل ).
فالفرحُ، والابتهاجُ، وحسن الظن بالله أن يتقَبَّل ما عمله خلال شهر العبادَة .. كل ذلك يَصُبُّ في دائرة ( التفاؤل ) الذي يُحِبُّه الله ويرضاه.
التفاؤل .. منبعٌ معين " يتدَفَّق منه الأمل، ويقود إلى العمل "( ).

أيها المؤمنون والمؤمنات:
لقد جاءَ الشرعُ المطهَّر بنبذِ كلِّ ما فيه شؤمٌ أو اعتقادُ تأثيرِ في محسوساتٍ لا تملك ضراً ولا نفعاً، وقد كانت العربُ إذا رأت طيراً ذَهَب ذات الشمالِ أحجمت عن سَفرها، وإذا ذهبَ إلى اليمين أقدمت.
وكانت العرب تتشاءَم من شهر صفر، فكانوا لا يعقدون فيه النكاح، حتى شَعَّ نور الإسلام فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل) قالوا: وما الفأل؟ قال: (الكلمة الطيبة).
وقد فطَر الله تعالى في النفوس الابتهاج بالمنظر الجميل، والروضة الغَّنَاء، فكيف بالفأل الذي يتدفق منه الأمل، ويقود إلى العمل ؟

الفأل عبارة عظيمة .. تعني استشعار قدوم الخير بتحقق الأفراح والمسرات واستبعادِ وقوعِ الأذى والمكروهات"( ) وذلك يشملُ كلَّ ما يَنشَطُ له الإنسان من قولٍ أو فعل، سواءٌ كان مرئياً أو مسموعاً( ).
الفأل .. هو من " صميم التوحيد لأنه حُسنٍ ظَنٍّ بالله تعالى، فلا يستقيم في قلب العبد إيمان راسخ مع سوء ظن وتشاؤُمٍ بالأقدار "( ).

تأملوا معي شيئاً من صور التفاؤل التي يحكيها القرآنُ الكريمُ عن الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام ..
فهذا نبي الله إبراهيم حينما دخلَتْ عليه الملائكة وبشروه بغلام عليم، فاستعجب نبي الله من ذلك { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِين * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّون }[الحِجر:55-56]
وهذا نبي الله يعقوب ما زال ينتظرُ غائبَه الذي طالَ فقدُه وهو متفائلٌ ومحسنٌ بالله الظن { يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون}[يوسف:87]

ولقد كانَ الفأل واضحاً في هديه صلى الله عليه وسلم على اختلاف الأحوال والظروف.
فهذه عائشةُ رضي الله عنها تقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمُّنُ في تنعله وترجُّله وطُهورِه وفي شأنه كله. متفق عليه.
قال بعض العلماء: إن ذلك من باب التفاؤل بأهل اليمين( ).
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تحويل ردائه في الاستسقاء، ففي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ.
وتحويله صلى الله عليه وسلم للرداء على وجه التفاؤل بتغيير الحال( ).
وتفاؤله صلى الله عليه وسلم حتى في أَدِقِّ الأمور .. فقد أخرج أبو داود بسند حسن عن بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملاً يسأل عن اسمه فإذا أعجبه فَرِحَ به وإِنْ كَرِهَ اسمَه رُئيَ كراهة ذلك في وجهه( ).
بل غَيَّر النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بعض الصحابة من باب التفاؤل.

أيها الإخوة والأخوات..
جوهر التفاؤل يكون في أوقات الأَزَمَات والمِحَن.
إبَّانَ الدعوة المكية ..
هناك رجلٌ كبير اسمه ياسر (أبو عمار)، وعجوزٌ مريضة اسمها سمية (هي أم عمار) .. رَضِيَا بالله رَبَّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً، فأصدر صنديدُ قريشٍ أبو جهلٍ قراراً بتعذيبهما.
فكان جُند أبي جهلٍ يخرجون بهما إلى الأبطح إذا حَمِيَت الرمضاء فيعذبونهم بَحِرِّها ..
وتحت سطوة التعذيب .. يمرُّ عليهما النبي صلى الله عليه وسلم ويبث روح التفاؤل وحسن الظن بالله فيقول: "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة "( ).
أيُّ نَشوةٍ يشعر بها آلُ ياسرٍ بتلك الكلمة الطيبة من فِيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
وفي موقف آخر عصيب .. وَصفَه الله تعالى وَصفاً بليغاً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..
{إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا}[الأحزاب:10-11]
هناك.. في غزوة الخندق بينما المؤمنون يحفرون.. اعتَرضَت عليهم صخرة.
يقول البراء رضي الله عنه: " فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءَ وأخذ المعول فقال : ( بسم الله ) ثم ضرب ضربة، وقال : ( الله أكبر، أُعطِيت مَفَاتيح الشَّام، والله إني لأنظرُ قصورَها الحُمُر الساعة) ، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال : ( الله أكبر، أُعطيِت فَارس، والله إني لأبصر قَصرَ المدائن الأبيضَ الآن) ثم ضرب الثالثة، فقال : ( بسم الله ) ، فقطع بقية الحجر، فقال: (الله أكبر، أُعطيت مَفَاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبوابَ صنعاء من مكاني ) "( ).اهـ.

إخواني المسلمين والمسلمات:
التفاؤل الحقيقي هو الذي يورثُ " قوةً وثباتاً ونشاطاً "( )، لا خمولاً وكسلاً وخلوداً إلى الدَّعَة والراحة وترك العمل.

فالتفاؤل جعل ياسراً وسميةَ يَصبِران على التعذيب، ومازادهم البلاءُ إلى صبراً وثباتاً.
والتفاؤل جعلَ الصحابةَ يَنشَطُونَ يَومَ الخندق..
والتفاؤل هو الذي جَعَل أبا بكر يثبتُ يومَ الغار حين قالَ: " يا نبي الله لو أَنَّ بعضَهم طَأطَأ بَصَرَه رآنا، قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهم ". متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه.
التفاؤل يعني طرد الهم والغم ..

واقعنا يعيش حالةً من القلقِ الذي يَدِبُّ في القلوب ..
خوفٌ من المستقبل .. وغلاء في الأسعار، وحُلُم امتلاك المسكن، وخشية من الإملاق !
والعلاج الناجع هو التفاؤل الذي يورث حسن الظن بالله ..

معاشر المسلمين..
املؤا عيدكم بالتفاؤل مهما اشتدَّت الظروف..
عيدنا أهل الإسلام .. عيد تفاؤلٍ وفرح، فلنغرس شجرة التفاؤل في قلوبنا، حتى تؤتي أُكلَها كلَّ حِينٍ بإذنِ رَبِّها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه إنه غفور رحيم.


[ الخطبة الثانية ]:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا نساء المسلمين، للمرأة في الإسلام مكانة سامية، ولها دور عظيم في صناعةِ التفاؤل.
عيشوا معي هذا الموقفَ البطولي من صانعةِ التفاؤل .. تلك المرأةُ العظيمة، زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم خديجةُ بنتُ خويلد.
يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من ليلةٍ عظيمةٍ كان يتعبَّد فيها بغار حراء، فنزل عليه وحَيٌ من السماء وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الوحي وهو جالسٌ في كرسي بين السماء والأرض، فيدخل على خديجة رضي الله عنها في حالة من الذعر والخوف .. ويقول: " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي " فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، وأخبر صلى الله عليه وسلم خديجة ما حصل ثم يقول: " لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ".
فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: " كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ "( ).
تأملوا..
كيف صنعت تلك المرأةُ التفاؤلَ لدى أعظم شخصية عرفها التاريخ، ولم تَكتَفِ بذلك بل انطلقت به إلى ابن عم لها هو ورقة بن نوفل من أجل أن يَقَصُّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه ما رأى.

قدرةٌ عجيبة في طَمْأَنَة زوجها، واستشرافٌ للمستقبل، وذكاءٌ في إدارةِ الأزمة.
فأنت أيها المؤمنة .. صانعةُ التفاؤلِ في بيت الزوجية.
إنَّ لديكِ لغةً خاصَّة في بثِّ روحِ الأمل، وشَحْذِ الهِمم، والصَّبْرِ عَلَى الأزمات، فلا غرو أن تكونَ المرأةُ الصالحة هي خيرُ متاعِ الدنيا.
يا صغيرَ العيد .. ويا فرحتَه وزهرتَه:
لَعِبُك في هذا العيد، ومبادرتُك بالتحية والسلام لكل مَنْ تراه، وابتسامتُك العريضة، وجَرْيُك من هنا وهناك .. كل هذا يوحي بصفاء سريرةٍ ونقاء قلب،
إنه فرح وانبساطٌ وتفاؤلٌ بالحياة.
هل علمتَ يا صغيري أنَّ هذه الروح التي بين جنبيك يعجز عنها بعض الكِبَار ؟
كم من كبيرٍ .. تمنى لو كانَ صغيراً !
حافظ على هذه الروح مهما بَلَغ بك العمر، ولا تجنَح بك الأمواج إلى شَطٍّ بعيد.

أيها المريض الذي أعياهُ المرض ..
يا مَنْ غَلَبْتْه الديون ..
إلى كل مهموم مُبتَلَى ..
إلى كل امرأةٍ أظلمتْ عليها الدنيا ..
تفاءلوا في هذا العيد (( وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ))
تفاءلوا .. وابتهجوا .. فالله يُحب الفأل.
تفاءلوا .. فالابتلاءات ماضية ..
يا أهل سوريا .. تفاءَلوا واستبشروا فالفرج قادم، والطاغية زائل بإذن الله.
يا أهل مصر .. تفاءَلوا واستبشروا ..
" كَم في القرآنِ من بشائرَ ومَفاتِحَ للتفاؤل! {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد}[الشورى:28] فها هي الأرض تُسْقَى بَعد جَدْبِهَا، فَلنَنْتَظِر بَشَائر عِزَّةِ الأمةِ ونَصْرِهَا {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين}[يوسف:110] ( )ا.هـ.

اللهم كن لإخواننا المسلمين في أرض الشام .. اللهم سَدِّد رميهم وقَوِّ عزائهم، اللهم أفرغ عليهم صَبَراً، اللهم نصرك الذي وعدت.
اللهم فُكَّ أسرى المأسورين من المسلمين ..
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا
اللهم تَقَبَّل منا صالح القول والعمل ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
المرفقات

الخطبة - التفاؤل لغة العيد.doc

الخطبة - التفاؤل لغة العيد.doc

المشاهدات 2667 | التعليقات 1

خطبة موفقة .. وفقك الله