لغة الجسد وعمق الحديث في الإلقاء ..د. نزار نبيل أبو منشار
الفريق العلمي
لنفترض جدلاً أنك تتحدث في جمع مكون من ألف شخص وتوجه نظرك باتجاه زاوية واحدة من الرؤية ولم تقم بتوزيع نظراتك على الحضور الموجودين؛ فيا ترى ما معنى ذلك؟
إن المعنى التطبيقي للأمر أنك قلت بلسان الحال لنصف الحاضرين أنك لا تهتم بهم، وأنهم ليسوا مهمين لديك، وخطابك غير موجه لهم، وهذا معناه أيضاً: لا تستمعوا ولا تتفاعلوا مع كلمتي فهي لا تعنيكم.
هذه حركة واحدة من حركات الجسد، وهذا هو تأثيرها؛ فكيف بنا إذا تحدثنا عن الثبات، وكثرة تحريك اليدين، والحركة على المسرح، والابتسام في غير موضعه والعبوس في وجه الناس ودلالته...
الجسد يتكلم، وتعبيره أقوى من لسانك، فإذا شعر الناس حولك بتأثرك بمصيبة ألمت بهم كان خطابك نافذا إلى قلوبهم، وإن شعروا أنك متحدث ليقال قد تحدث فلان فإن الانطباع المتكون لديهم سيكون: (+ واحد... أو + متحدث).
المتحدث المؤثر هو الذي يحسن استنطاق بدنه، فإذا كان محاضرا شعر الناس بأنفاسه الحارقة التي تدلل على صدقه وتفانيه، وإذا تكلم شمل الحضور جميعا ببسمته ونظرات عيونه وتفاؤله، وليس بعد هذا النجاح من نجاح.
تذكر هنا، أن الناس تستمع يوميا للأخبار والسياسة والفكر والثقافة، وأنه يمر عليهم كل يوم عشر مذيعين وعشر مقدمي برامج وعشرات الأفكار.. وعليك هنا أن تقتنص الناس لفكرك في بحر عاصف من الأفكار والإعلام والاعلان والتحليل والكذب والنفاق والضلال والبهتان والزيغ. فهل أنت على قدر هذا التحدي؟
العمق والأثر وأسس الحصول عليه:
عمق الحديث ومقدار نفاذه للعقول والقلوب يعتمد على مدى إيمان المرء بالفكرة التي يؤمن بها، والناس لا تسمع بآذانها فقط وإنما تسمع بعقولها وعيونها وقلوبها.
وما خرج من القلب أصاب القلب:
ما بين العقل والعاطفة يصل الخطاب، وبمقدار هندسة كلمتك وتوزيعها لخطاب العيون والأذان والقلوب والعقول بقدر امتلاكك لأسباب القوة المؤثرة في توجيه الخطاب وتحرير الأفكار المرجوة في جمهورك الذي تخاطبه.
كثير من المتحدثين لا يجدون الزمن الكافي للأعداد لكلماتهم، لا سيما الساسة منهم، وهؤلاء مطالبون بالاستعداد اللحظي لتقييم الموقف وحالة الجمهور وتصنيف الشرائح واعتماد الكلمات المناسبة، وإلا كانوا رقما جديدا مفرغا من معانيه في عالم المتحدثين.
هي ملكة ومهارة ولا شك، يبدع بها البعض، ويسعى آخرون للوصول إليها، ولكنها على كل الأحوال سمة نجاح، والمهارات تكتسب، والتأثير المنهجي لتغيير القناعات لا بد منه للوصول للغايات الفردية والجماعية.
باختصار.. عمق الخطاب ليس في كثرة الكلام أو صف الجمل المنمقة، بل بمستويات دخول المعلومة إلى العقل والوجدان، بالحكمة القديمة القائلة "خير الكلام ما قل ودل"؛ أي باعتماد التأثير الفعلي لا بعدد الجمل والصوت وجمال المظهر المفرغ من مضمون قوي يهز أعماق النفس والعقل.
من الآن لا تسأل كيف؟ الطريق واضح أمامك، ركز على خطاب العقل والقلب، وأحشد جنود أفكارك وقيمك وأشعارك للتدليل على فكرتك؛ فالقوة بين يديك، والعاقل من يحسن استخدامها.