لُطفٌ خَفيٌ !! 1442/10/23هـ
يوسف العوض
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُه ونستعينُه ، ونستغفرُه ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ، ومن سيئاتِ أعمالِنا ، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له ، ومَن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ ) مُسْلِمُونَ ) ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد ..
وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ ### يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ
أيُّها المُسلمونَ : ما أعظمَ الخالقَ سبحانه وما ألطفَه بعباده ، نعمُه، جلت قدرتُه، علي جميع الخلائق، لا تُعد ولا تُحصي (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)، دائما، وفي رحلة الإنسان مع الحياة، يبحثُ فقط، وفي الغالب الأعم، عن أشياءَ لا يملكُها، ظانا أنها سرُ سعادتِه، متمنيا لو حالفَه قدرُ اللهِ بوجودِها، فهي في تقديره، منتهى الأمل، وغايةُ المنى ، وقد تأتي هذه الأشياء، وإذا به يبحثُ عن سعادته ( الأخرى ) في غيرها، وقد لا تأتي هذه الأشياءُ، فيعيش حياتَه كلهَا حزينا مهموما، بينما الحقيقةُ، التي لا تقبلُ الشكَ ولا التأويل، أن سعادةَ الإنسان الحقيقيةَ، في قناعتِه بأن اللهَ أعطاه من النِّعم الكثير، وصرفَ عنه من النِّقم الكثير، وما تفضيلُ بعضِ الخلق علي غيرِهم، في الصحة أو المال أو غيرِهما، إلا بحكمةٍ ، يعلمُها ربُ العالمين وحدَه، الذي لا يُظلمُ في مُلكه مخلوق .
أيّها المسلمون : كم تساوي نعمةُ الصحة والعافية، لو قدرناها بالمال؟ كم تساوي نعمةُ الستر؟ كم تساوي نعمةُ الطمأنينة وراحةِ البال؟ كم تساوي نعمةُ وجود الزوجة والأبناء؟ كم تساوي نعمةُ القبول وحبِّ الناس؟ كم تساوي نعمةُ الذكاء؟ وكم تساوي نعمةُ الفراسة؟ لو أمضيتُ حياتك كلهَا متسائلا كم تساوي؟؟ ما أسعفك الوقت !! بل هي نِعَمٌ لا يعادلُها مالٌ ، تستوجبُ الرضا، وشكرَ المنعم، وهي الغنى الكامل، كماعلمنا نبينا صلي الله عليه وسلم : (ليس الغِنَى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غني النفس)، وكما نصحَنا، فقال: وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاس، وجاءت روعتُه وإبداعُه لما قال:( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنا فِي سِرْبِهِ مُعَافي فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ) .
أيُّها المُسلمونَ : إنِّها القناعة إذن ، حتى مع السعي وطلب المال، يُحكى أنَّ رجلاَ فقيراً، يرعى أمَه وزوجتَه وأولادَه، ويعملُ خادما لدى أحدِهم، مخلصا في عمله، على الوجهِ الأكمل، إلا أنه ذاتَ يومٍ، تغيب عن العمل، فقال سيدُه في نفسه: لابد أن أعطيه دينارا زيادة، حتي لا يتغيبَ عن العمل ، فبالتأكيد كان غيابُه طمعا في زيادة راتبه، لأنه يعلمُ بحاجتي إليه، وبالفعل حين حضرَ العاملُ في اليوم التالي، أعطاه راتبَه، وزاد عليه الدينار، لم يتكلم العامل، ولم يسأل سيدَه عن سبب الزيادة، وبعد فترةٍ، غاب العاملُ، مرة أخرى، فغضبَ سيدُه غضبا شديدا وقال: سأنقصُ الدينار الذي زدتُه، وحدثَ فعلا، وأنقصه، ولم يتكلم العاملُ أيضا ولم يسأله عن نقصانِ راتبِه !! فتعجبَ الرجلُ مِنْ ردة فعل الخادم، وسأله :زدتُك فلم تسأل، وأنقصتُك فلم تتكلم! فقال العامل: عندما غبتُ، المرةَ الأولي، رزقني اللهُ مولودا !! فحين كافأتني بالزيادة، قلتُ هذا رزق مولودي، قد جاء معه، وحين غبتُ المرةَ الثانية، ماتت أمي، وعندما أنقصتَ الدينارَ قلتُ هذا رزقُها، قد ذهبَ بذهابها !!
ما أجملَها مِنْ نفوسٍ نقية، تقنعُ وترضى بما وهبها الرحمن وتترفعُ عن نسب ما يأتيها من زيادةٍ في الرزق، أو نقصانٍ، إلى الإنسان.
الخطبة الثانية
الحمدلله وكفى وصلاة وسلاما على عبده المصطفى :
أيُّها المُسلمونَ : إن العالمَ كلَه الآن قائمٌ، ولم يَقعد، بلادٌ أغلقت أبوابَها، وصناعاتٌ توقفت، وأناسٌ يتساقطون صرعى ، خوفٌ وهلعٌ وترقب،ما الخطبُ؟ إنه (الكورونا) هذا الڤيروس القاتل، الذي أعلنت معه مراكزُ الأبحاث العالمية حالةَ الاستنفار والتعبئة العامة، أملا في علاجٍ للخلاص، وحماية للبشرية من كارثةٍ أليمة، وهنا نثمنُ جهدَ العلماء الباحثين، ورغم ذلك، يبقى سؤال: كم مثيلاً لكورونا صرفَه الله عنا؟ وربما عاش وغادر، دون أن نستشعرَه، حيثُ كانت عنايةُ الله تعالي، حفظا وحماية، أليست هذهِ نعما مخفية، لم تتوصل لإدراكها العقول، أليس هذا لطفا خفيا.. إن السعادةَ قريبةٌ من الإنسان، بل تسكنُ نفسَه وروحَه، فالسعادةُ في قلب هذا الإنسان، فقط عليه أن يتأملَ نعمَ اللهِ العظيمة، أن ينظرَ إلي الموجود، ولا يتعلقَ بالمفقود، يجتهد، ويكافح، ويبحث عن الأفضل، وفي كل الأحوال، يجعلُ الرضا عنوانا لنفسه، ومنهاجا لحياته. حقا وصدقا،( اللهُ لطيفٌ بعباده) .
المشاهدات 2835 | التعليقات 3
كتب الله أجركم فضيلة الشيخ
أمل إعادة النظر في هذه الجملة ( متمنيا لو مَنَّتْ عليه الأقدارُ بوجودها )
ربما تكون العبارة مشكلة على البعض وتم تعديلها احتياطا جزاك الله خيرا
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق