لتمالئ بعض صحف الغرب على السخرية بالنبي هاك خطبة عصماء قديمة لآل طالب عن شمائل النبي

عبدالرحمن اللهيبي
1436/03/25 - 2015/01/16 08:21AM
إن الحمد لله، نَحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يَهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، عزَّ عن الشبيه وعن الندِّ وعن النظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور وسلَّم تسليمًا كبيرًا.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوا أمره ولا تعصوه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]، بالتقوى تستجلب الأرزاق، وتفتح الأغلاق، وتفرج الكرب، وتدفع النقم، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3].

أيها المسلمون:
حديث اليوم حديث تستلذه الأسماع، وتهفو به الأفئدة، وتجثو عندها العواطف، حديث اليوم في سيرة تتقاصر دونها السير، وصفاتٍ لا تدانيها الأوصاف، إنه لمحات ونفحات، تعبق من صفات الرسول المجتبى، وشمائل الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم.

شذرات تزيد الحب حبًّا، والقلب قربًا، تجدد الإيمان، وتعضد الولاء، وتثمر الاتباع، صفاته وشمائله، وكراماته وفضائله، أفق أفيح، وسماء رحبة، وحديقة غناء، يحار الناظر ماذا يقطف، وأي شيء يتخير.

أيها المسلمون:
حين نتحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإننا نتطلب زيادة الإيمان، ومزيد التعظيم والتبجيل، وقدره حقَّ قدره، وازدياد محبته، وكل ذلك مطلوب شرعًا، والثمرة في ذلك طاعته واتباعه، وتعظيم أمره ونهيه، واقتفاء سنته، والثبات على شرعته.


أيها المسلمون:
ومع إيماننا بأنَّه بشرٌ مَخلوق، إلا أنَّ الله تعالى جَمَّله وكمَّله، وطيَّبه خَلْقًا وخُلُقًا، وجَمع له الفضائلَ كُلَّها نسقًا متَّسقًا، مُحمَّد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي، شرفُ نسبِه، وكرم أصلِه، وفضل بلده ومنشئِه - لا يحتاج إلى دليل عليه؛ فإنه نخبة بني هاشم، وسلالة قريش وطميمها، وأشرف العرب وأعزُّهم نفرًا من جهة أبيه وأمه، صلى الله عليه وسلم.

أما بلده مكة؛ فأكرم بلاد الله على الله وعلى عباده، محمد بن عبدالله رسول الله وخليله، فاضت بمحبته القلوب، وامتلأت بإجلاله الصدور، وأسبغ الله عليه من الحسن والجمال في منظره ومخبره، وخَلْقه وخُلُقه، ما جعله آية في الكمال والجمال.

وصفتْه أم معبد فقالت: "إنه ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخَلْق، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإذا تكلَّم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق فصل، لا نذر ولا هذر، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول.


قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في وصفه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبيض مشربًا بحمرة، أدعج العينين، أهدب الأشفار، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت جميعًا، بين كتفيه خاتم النبوة، أجود الناس كفًّا، وأجرأ الناس صدرًا، وأصدق النَّاس لَهجة، وأوفاهم ذمَّة، وألينُهم عريكة، مَنْ رآه بديهةً هابه، ومَنْ خالطه معرفةً أحبَّه، يقول ناعِتَهُ: لم أر قبله ولا بعده مثله"!!

وقال أبو الطفيل: "كان أبيضَ مليح الوجه".

وقال أنس - رضي الله عنه -: "كان بسط الكفين، أزهر اللون، ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، إنما كان شيءٌ يسيرٌ في صبغيه".

وقال البراء - رضي الله عنه -: "كان مربوعًا، بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئًا قط أحسن منه، كان مثل القمر".

وقال جابر - رضي الله عنه -: "كان لا يضحك إلا تبسمًا، إذا نظرت إليه قلت: أكحل العينين، وليس بأكحل، رأيته ليلة أضحيان - أي ليلة بدر - فجعلت أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه حلة حمراء، وأنظر إلى القمر؛ فإذا هو عندي أحسن من القمر"، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "لم أر شيئًا أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدًا أسرع في مشيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما الأرض تُطوَى له، وإنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث"!!


وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "كان أبلج الثنيتَيْنِ، إذا تكلَّم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه".

وقال أنس - رضِيَ الله عنه -: "ما مسِسْتُ حريرًا ولا ديباجًا ألْيَنَ من كفِّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - ولا شَمَمتُ ريحًا ولا عَرفًا أطيب من ريح أو عَرف رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم".

ولمَّا قدِمَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المدينة مُهاجرًا، وأقبل الناس ينظرون إليه، جاء عبدالله بن سلام - رضي الله عنه – مع الناس لينظر إليه - وكان من أحبار اليهود وعلمائهم - يقول: "فلما نظرتُ إلى وجه النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب".

هذه بعض أوصاف النبي الكريم، في جَمال الخلق، وحسن الصورة، وكمال الهيئة.

أمَّا كمال النفس ومكارم الأخلاق؛ فقد كان في أعلاها، وله من الذرى أسناها، ويكفي في ذلك شهادة ربه له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي))، لذا فقد كان مثالاً عاليًا في كل فضيلة، كان - صلى الله عليه وسلم - دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخَّاب ولا فحَّاش، ولا عتَّاب ولا مدَّاح، طويل السكوت، لا يتكلَّم في غير حاجة، لا يضر أحدًا ولا يعيِّره، ولا يتبع عورته، يعفو ويصفح، ويعاشِرُ النَّاس بالرحمة واللطف، يتغافل عما لا يشتهيه ولا يهمُّه، أما الحلم والاحتمال، والعفو والصبر - فهي صفات ميزه ربه بها، ما خير بين أمرين إلا اختار أيْسَرَهُما، ما لم يكن إثما؛ فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، ما انتقم لنفسه، إلا أن تُنتهك حرمة الله؛ فإنه يغضب لله.

أمَّا الجود والكرم والبذل والعطاء؛ فإنه يعطي عطاءَ مَنْ لا يخشى الفقر، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أعدل النَّاس وأعفَّهم، وأصدقهم لهجة وأعظمهم أمانة، كان يسمى قبل نبوته بالصادق الأمين.


وكان أشجعَ النَّاس؛ لاقى الشدائد والأهوال وثَبَتَ وصمد، لم يلن ولم يتزعزع؛ قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "كنا إذا حمي البأس، واحمَرَّت الحُدُق، اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه".

أمَّا أدبه وحياؤه؛ فيقول أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: ((كان أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئًا عُرف في وجهه))؛ رواه البخاري.
لا يثبت نظره في وجه أحد، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، كان متواضعًا بعيدًا عن الكبر، يعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه كأحدهم، ويَمنع من القيام له كما يُقام للملوك، تقول عائشة - رضي الله عنها -: "كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته".
كان أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأشفقهم، وأرحم الخلق بالخلق، وصدق الله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 128].


إنَّها الرحمة التي جمعت له قلوب الخلق: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ} [آل عمران: 159].
لطف في المعشر، وتبسم عند اللقاء؛ في "الصحيحين" عن جابر - رضي الله عنه - قال: "ما حجبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم".

أمَّا زُهْدُه في الدنيا؛ فحسبُك تقلُّله منها، وإعراضُه عن زهرتِها، وقد سيقتْ إليْهِ بحذافيرها، وترادفَتْ عليْهِ فتوحُها، إلى أن توفِّي - صلى الله عليه وسلم - ودِرْعُه مرهونةٌ عند يهودي في نفقة عياله، وهو يدعو يقول: ((اللهم اجعلْ رِزْقَ آل مُحمد قوتًا))؛ رواه البخاري ومسلم.


عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما شبِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام تباعًا من خبز حتى قُبِضَ"، وقالتْ أيضًا: "ما ترك رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - دينارًا ولا دِرْهمًا ولا شاةً ولا بعيرًا))، وقالت: "كان فراشُه من أدم، وحشوُه من ليف".. كل ذلك مخرج في "الصحيحين".
أمَّا خوفه من ربه، وخشيته وطاعته له، وشدة عبادته - فذاك شأن عظيم؛ يقوم الليل إلا قليلاً، ويسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، ويصلي حتى تَرِمَ أو تنتفخ قدماه، فيقال له: "قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"!! فيقول: ((أفلا أكون عبدا شكورًا!))؛ رواه البخاري ومسلم.


قام ليلةً فقرأ في ركعة سورة البقرة والنساء وآل عمران، ومع كل ذلك فإنه يقول: ((إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))!!

عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرأ عليَّ))، قلت: يا رسول الله، أأقرأُ عليك وعليك أنزل! قال: ((إني أحب أن أسمعه من غيري))؛ فقرأت سورة النساء حتى أتيت هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء: 41]، قال: ((حسبك الآن))، فالتفتُّ، فإذا عيناه تذرفان؛ رواه البخاري ومسلم.
صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ يَا خَيْرَ الوَرَى وَهَمَتْ عَلَيْكَ سَحَائِبُ الرِّضْوَانِ
هذا الحبيب يا محب، وهذه بعض القطوف من شمائل النبي الرؤوف، بحر من الحب لا ساحل له، وفضاء من الخير لا منتهى له، شمائل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا تحدها الكلمات، ولا توفيها العبارات، وحسبنا من ذلك الإشارات.


وإن على أمة الإسلام أن تتربى على سيرته، وأن تتخلق بخُلُقه، وتتبع هديه، وتستنَّ بسنته، وتقفو أثره، فما عرفت الدنيا ولن تعرف مثله، وإن لدينا - نحن المسلمين - من ميراثه ما نفاخر به الأمم، ونسابق به الحضارات.

فهذا النبع فأين الواردون؟! وهذا المنهل فأين الناهلون؟!

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.


أيها المسلمون:
لقد كانت لرسول الله مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - عند ربه المكانة العلية، والمنزلة السامية الجلية؛ فقربه واصطفاه، أسرى به وناجاه، ومن كل فضل حباه، واقرأ في ذلك: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى} [النجم: 1 - 4].

صلَّى بالأنبياء، ثم عرج به إلى السماء، ووصل إلى سدرة المنتهى، ودنا واقترب، وراجع ربَّه في عدد الصلوات، وقال لموسى - عليه السلام -: ((قد رَجَعْتُ إلى ربِّي حتَّى استحْيَيْتُ منه))؛ رواه مسلم.

شرح الله صدره، وغفر ذنبه، ورفع ذكره: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 1 - 4].
قرن الله اسْمَهُ باسْمِه في شهادة التوحيد، وفي الأذان، وفي الإيمان: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136]، وفي الطاعة: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92]، {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، صلى الله عليه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، جعله شاهدًا على الناس: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} [الأحزاب: 45 - 46]، أقسم الله تعالى به: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72]، ولاطَفَهُ بقوله: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]، ووعده بالعطاء حتى الرضا: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5]، {وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: 3]، طمأنه ربه بالحفظ والرعاية والأمن والكفاية: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 95]، {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]، وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48].

كانت حياته أمانًا لأهل الأرض، أمانًا من الهلاك العام والعذاب الطَّام: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33].

أعطاه الله الكوثر، وآتاه السبع المثاني والقرآن العظيم، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأتم عليه نعمته عليه، وهداه ونصره، وجعله رحمة للخلق: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

أيها المسلمون:
نَبِيٌّ هذا شأنه، ورسولٌ هذا شأوه، وعظيمٌ هذا قدره - لا يضره شَنَأُ الشانئين، ولا ينال سماءه حقد الحاقدين.

إن رسول الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد فاضت بمحبته قلوب المسلمين، وتشربت بمودته جوارح المؤمنين، وقدره عند الله عظيم، ولن يضر الشمس أن تشتمها خفافيش الظلام، ولن يغير الحق تهويش الباطل، وإذا عجز الباغي أمام الحقيقة فزع إلى الشِّتام، ومن جف دلوه من الماء أثار التراب والغبار.

فاللهم اشرح صدورنا بمحبة نبينا، واشف صدورنا ممن آذانا في نبينا، اللهم ارزقنا طاعة رسولك محمد - صلى الله عليه وسلم - واتباع سنته.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أمِّنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل الطغاة والملاحدة والمفسدين.

اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم أصلح بطانته، واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين، اللهم وفقه ونائبه وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صلاح العباد والبلاد.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل عليهم بأسك ورجْزَك إله الحق.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفث كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم ادفع وارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، ولجميع المسلمين.

ربنا لا تؤاخذنا بذنوبنا، ولا بما فعل السفهاء منا، ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهُمَّ أغِثْنا، اللهم أغثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا غدقًا مجللاً، عامًّا نافعًا غير ضار، تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ}
المشاهدات 2058 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا شيخنا

أضفت شيئاً يسيرا في الخطبة الثانية يتعلق بالصحيفة الفرنسية

وهذا هو...

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له الملكُ الحقُ المبين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
أيها المسلمون... لقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه المكانةَ العلية، والمنزلةَ الساميةَ الجلية؛ أسرى به وناجاه، وقربه واصطفاه، ومن كلِّ فضلٍ حباه، واقرأ في ذلك: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى}.
صلَّى بالأنبياء، ثم عُرج به إلى السماء، ووصل إلى سدرة المنتهى، ودنا واقترب، وراجع ربَّه في عدد الصلوات، وقال لموسى عليه السلام: ((قد رَجَعْتُ إلى ربِّي حتَّى استحْيَيْتُ منه))؛ رواه مسلم.
شرح الله صدره، وغفر ذنبه، ورفع ذكره: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}.
كانت حياتُه أمانًا لأهل الأرض من الهلاك والعذاب: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }.
أعطاه الله الكوثر، وآتاه السبعَ المثاني والقرآنَ العظيم، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأتم عليه النعمة، وهداه ونصره، وأرسله: {رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وحجة على الناس أجمعين، وفتح به أعينا عمياً وآذانا صما وقلوبا غلفاً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المسلمون.... نَبِيٌّ هذا شأنه، ورسولٌ هذا شأوه، وعظيمٌ هذا قدره.... لا يضره شَنَأُ الشانئين، ولا ينالُ سماءَه حقدُ الحاقدين.
نشرت صحيفة فرنسية رسوماً مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، فاضطرب المسلمون وماجوا في مشارق الأرض ومغاربها، كيف تتجرأ هذه الصحيفة الآثمة الظالمة على هذا الفعل.. وأقدم بعض المسلمين المنتمين لتنظيمات متطرفة على اقتحام الصحيفة، وقتل بعض من فيها، وحدث ما حدث.. وهو أمر لا نرضاه.. ولكن:
يجب أن يعلم أن الصحيفة شريكة فيما حدث، لأنها استفزت المسلمين باعتدائها المستمر على دينهم... نعم.. اعتدت عليهم وعلى دينهم، لأن ما تفعله ليس من حرية التعبير في شيء، بل هو اعتداء عليهم وعلى دينهم ونبيهم، ومن الواجب أن تحترم الصحيفة هذا الدين وهذه الأمة التي يزيد عددها عن المليار ونصف من سكان الأرض اليوم... ومن واجب الحكومة الفرنسية أن تطفيء شعلة الفوضى من الأساس، وتجعل من ضمن قوانينها عدم الإساءة إلى دين حوالي 5 ملايين مسلم من المواطنين الفرنسيين أنفسهم، بل يجب على الحكومة الفرنسية والمثقفين الفرنسيين أن يأخذوا الموضوع مأخذ الجد، وهو إعادة النظر في بعض التشريعات المتصلة بحرية التعبير... ومتى وُضعت تشريعاتٌ لحرية التعبير تحمي الآخرين من الإهانات والانتهاكات.. فإن كثيراً من المشاكل التي نراها اليوم ستكون محدودة جدا في وقت لاحق.
نحن أيها الكرام.. ندين القتل الذي وقع في الصحيفة الفرنسية، ولكن: ماذا عن الإرهاب اللفظي والاعتداء المعنوي الذي كانت تقوم به الصحيفة ضد نبينا وحبيبنا وقرة عيوننا..؟! ألا يجب أن يدان.. كما يدان الإرهاب المادي الذي من أهم وأبرز ظواهره القتل؟
لماذا حرّمت قوانين الغرب الضد سامية!! ولم تحرم الضد إسلامية!! المنتشرة اليوم في أوساط كثيرة من الأوساط الإعلامية والثقافية في أوربا والغرب بمجمله؟
هذه الصحيفة كانت تتعمد إهانة المسلمين وإهانة نبيهم ودينهم وهذا الأمر لا تبيحه أي قيم أخلاقية أو إنسانية مهما كان الأمر.. لذا يجب على الغرب والشرق وكل بقاع الأرض.. أن تسن تشريعات لتجريم كل من يسيء إلى الأديان والثقافات الأخرى، مثلما تم وضع قانون لتجريم الـضد سامية في أوربا.
أيها الكرام.. إن رسولنا وحبيبنا وقرة عيوننا الله محمدًا صلى الله عليه وسلم... قد فاضت بمحبته قلوبُ المسلمين، وتشربت بمودته جوارحُ المؤمنين، وقدره عند الله عظيم، ولن يضر السحابَ نبحُ الكلاب، ولن يغير الحق تهويشُ الباطل، وإذا عجز الباغي أمام الحقيقة.. فزع إلى الشِّتام، ومن جف دلوه من الماء.. أثار التراب والغبار.
فاللهم اشرح صدورنا بمحبة نبينا، واشف صدورنا ممن آذانا في نبينا، اللهم ارزقنا طاعة رسولك محمد - صلى الله عليه وسلم - واتباع سنته.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خير خلق الله.. نبينا محمد بن عبدالله..