لتكبروا الله على ما هداكم أبو بكر البخيت
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1432/12/03 - 2011/10/30 15:10PM
لتكبروا الله على ما هداكم
أبو بكر البخيت
إن من النعم التي أنعم الله - تعالى - بها على هذه الأمة أن جعل لها مواسم للطاعات، ومواقيت للاستزادة من الخيرات، تتعرض فيها للنفحات الربانية، والنسائم الإيمانية، مواسم تنادي فتقول: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الخير أقصر، ومن هذه المواسم، أيام عشر ذي الحجة.
فقد ورد في فضلها الأحاديث والآيات، واختصت ببعض السنن والطاعات.
وأحب في هذه الكلمات أن أقف مع سنة من سنن هذه العشر التي هجرها كثير من الناس، ألا وهي سنة التكبير.
فقد ثبت في المسند عند أحمد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ).
وذكر البخاري في صحيحه تعليقاً عن ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما -: (أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما).
ومع الحرص الشديد من الصحابة رضوان الله عليهم من إحياء هذه الشعيرة تعجب من عزوف الكثير عن هذه السنة.
ولعل مما يسهم في إحياء هذه السنة أن يعلم المسلم ما يترتب عليها من الفوائد التربوية والآثار الإيمانية.
وسأجتهد مستعينا بالله في ذكر شيء من هذه الآثار.
1. التعبد لله - عز وجل - بهذه السنة:
فحين يستشعر العبد وهو يلهج بالتكبير أنه إنما يقوم بذلك تعبدا لله، حيث أن الشريعة جاءت بالحث على هذا الأمر، يجد لهذا التكبير حلاوة، ويشعر بشرف عبوديته لربه، كما قال الشاعر:
ومما زادني شرفا وتيها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا
ويكون من عباد الله المقربين الذين قال فيهم - جل وعلا -: (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الزخرف: 68)، ووعدهم بالبشرى فقال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: 17 -18).
2.التأمل في معنى (الله أكبر):
فإن العبد إذا قال: (الله أكبر) فإن إنما يصف الله بما وصف به نفسه من أنه - سبحانه - الكبير: أي العظيم، وهو المتكبر - جل وعلا - عن ظلم العباد وعن كل شر وسوء، وأنه - عز وجل - ذو الكبرياء والعظمة.
فإن استشعار هذه المعاني العظيمة أثناء التكبير مما يزيد الإيمان في قلب العبد، وهو كذلك تعبد بأسماء الله وصفاته التي أمر الله بها فقال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (لأعراف: 180).
3.استشعار معية الله- تبارك وتعالى -:
فحين يقول العبد: (الله أكبر) ويكرر ذلك فإنه اعتراف بأن الله أكبر من كل شيء، فهو أكبر ممن طغى وتجبر، وهو أكبر من الظالمين الذين يظلمون الناس، ولذلك فهو القادر - سبحانه - على نصرة المظلوم، وهو أكبر من كل المخلوقات التي قد تضر بإذنه - تعالى -، فهو القادر - سبحانه - على دفعها عن عباده، وهو - عز وجل - أكبر من الكافرين الذين يعيثون في الأرض فسادا، فهو القادر - سبحانه - على رد كيدهم في نحرهم.
والعبد بتكرار هذه الجملة أعني التكبير-إنما هو اعتراف بعبوديته للعظيم الكبير - سبحانه - الذي يكشف الضر وينصر المظلوم، ولذلك فإن العبد يقول: (لا إله إلا الله والله أكبر).
4.في التكبير إظهار للولاء والبراء، وفيه مخالفة للمشركين.
فإن العبد حين يكبر الله إنما يعظمه عما وصفه به أهل الكفر والشرك الذين جعلوا له الشركاء، وجعلوا له - سبحانه - ما يكرهون، وفيه براءة من الذين يعظمون الأحجار والأصنام فكانوا يقولون: (اعل هبل) فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقولوا: (الله أعلى وأجل).
وهذا غاية التبرؤ والمخالفة لفعل الكفار.
ولما كان للكفار في موسم الحج من الخرافات والاعتقادات الباطلة والشرك ما ينافي تعظيم الله فكانوا في تلبيتهم يقولون (لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك) كان إظهار التكبير فيه أعظم البراءة مما يشركون فيه.
ومن ذلك ما كانوا يفعلون بذبائحهم من نشر اللحم وتلطيخ أنفسهم بالدماء ظنا منهم أنهم يتقربون إلى الله، فبين الله - تعالى -أن هذه جهالات وخرافات، ورد عليهم فقال: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج: 37)، وشرعت التسمية والتكبير على الذبيحة، وهذه أعظم مخالفة لما عليه أهل الشرك.
فما أجمل أن يستشعر العبد حين يكبر الله أنه يتبرأ من الكفار المشركين، وهذا أوثق عرى الإيمان.
5.التكبير فيه تطهير للقلب من أمراضه.
فإن العبد إذا كبر الله بالتعظيم والإجلال، وواطأ قلبه لسانه في التكبير، فكان الله أكبر في قلبه من كلِّ شيء، لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله - تعالى - يشغله عنه.
أما إذا كان في قلبه شيء يشتغل به عن الله دلّ على أن ذلك الشيء أكبر عنده من الله فإنه إذا اشتغل عن الله بغيره، كان ما اشتغل به هو أهم عنده من الله، و كان قوله: (الله أكبر) بلسانه دون قلبه؛ لأن قلبه مقبل على غير الله.
فإذا ما أطاع القلبُ اللسان في التكبير، أخرجه من لبس رداء التكبّر المنافي للعبودية، و منعه من التفات قلبه إلى غير الله، فيمنعه حقّ قوله: (الله أكبر) و القيام بعبودية التكبير من هاتين الآفتين، اللتين هُما من أعظم الحُجب بينه و بين الله - تعالى -.
6.في التكبير شكر لله على الهداية:
فقد قال - تعالى -: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185).
وقال: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج: 37). فبين الله - سبحانه - أنه شرع التكبير لما خص هذه الأمة ووفقها وهداها لهذه المواسم وخذل عنها أهل الملل الأخرى، لما ضلوا أضلهم الله عنها.
فالتكبير إذاً، هو شكر لله على ما خص هذه الأمة من الكرامة، ووفقها للقيام بالعبادة، وهداها إلى طريق الفلاح والسعادة.
7.إن في التكبير دعوة للإنسان للعمل الصالح.
فحين يعظم العبد ربه بقوله، يجب عليه أن يظهر هذا التعظيم على فعله بفعل ما يحب الله واجتناب ما يسخطه، قال الفخر الرازي: (واعلم أن تمام هذا التكبير إنما يكون بالقول والاعتقاد والعمل أما القول: فالإقرار بصفاته العلي، وأسمائه الحسنى، وتنزيهه عما لا يليق به من ند وصاحبة وولد وشبه بالخلق، وكل ذلك لا يصح إلا بعد صحة الاعتقاد بالقلب وأما العمل: فالتعبد بالطاعات من الصلاة والصيام، والحج).
8.التكبير من تعظيم شعائر الله - تعالى -:
ولذلك فإن العبد يكبر بعد انقضاء عدة الصوم وفي الحج وفي عشر ذي الحجة وفي ذهابه لصلاة العيدين، وعند الأضحية، وفي أيام التشريق، وذلك لإظهار هذه الشعائر العظيمة وقد قال الله - تعالى -: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32).
فاحرص يا عبد الله على إظهار هذه الشعيرة العظيمة، وغيرها من السنن التي حث عليها الشارع، فإن فيها الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، ومهما خفيت علينا هذه الآثار فيكفي في ذلك أنها جاءت من عند أحكم الحاكمين - جل وعلا -.
وقد ورد عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله - رضي الله عنهما - أنهما كانا يكبران في أيام منى في المسجد وفي الخيمة ويرفعان أصواتهما بذلك حتى ترتج منى تكبيرا.
فمتى نسمع هذه التكبيرات في المساجد والمصليات؟
أسأل الله أن يوفقنا للتمسك بالسنة، والالتزام بما أمر الله ورسوله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: المختار الإسلامي
أبو بكر البخيت
إن من النعم التي أنعم الله - تعالى - بها على هذه الأمة أن جعل لها مواسم للطاعات، ومواقيت للاستزادة من الخيرات، تتعرض فيها للنفحات الربانية، والنسائم الإيمانية، مواسم تنادي فتقول: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الخير أقصر، ومن هذه المواسم، أيام عشر ذي الحجة.
فقد ورد في فضلها الأحاديث والآيات، واختصت ببعض السنن والطاعات.
وأحب في هذه الكلمات أن أقف مع سنة من سنن هذه العشر التي هجرها كثير من الناس، ألا وهي سنة التكبير.
فقد ثبت في المسند عند أحمد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ).
وذكر البخاري في صحيحه تعليقاً عن ابن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهما -: (أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما).
ومع الحرص الشديد من الصحابة رضوان الله عليهم من إحياء هذه الشعيرة تعجب من عزوف الكثير عن هذه السنة.
ولعل مما يسهم في إحياء هذه السنة أن يعلم المسلم ما يترتب عليها من الفوائد التربوية والآثار الإيمانية.
وسأجتهد مستعينا بالله في ذكر شيء من هذه الآثار.
1. التعبد لله - عز وجل - بهذه السنة:
فحين يستشعر العبد وهو يلهج بالتكبير أنه إنما يقوم بذلك تعبدا لله، حيث أن الشريعة جاءت بالحث على هذا الأمر، يجد لهذا التكبير حلاوة، ويشعر بشرف عبوديته لربه، كما قال الشاعر:
ومما زادني شرفا وتيها *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا
ويكون من عباد الله المقربين الذين قال فيهم - جل وعلا -: (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الزخرف: 68)، ووعدهم بالبشرى فقال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: 17 -18).
2.التأمل في معنى (الله أكبر):
فإن العبد إذا قال: (الله أكبر) فإن إنما يصف الله بما وصف به نفسه من أنه - سبحانه - الكبير: أي العظيم، وهو المتكبر - جل وعلا - عن ظلم العباد وعن كل شر وسوء، وأنه - عز وجل - ذو الكبرياء والعظمة.
فإن استشعار هذه المعاني العظيمة أثناء التكبير مما يزيد الإيمان في قلب العبد، وهو كذلك تعبد بأسماء الله وصفاته التي أمر الله بها فقال: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (لأعراف: 180).
3.استشعار معية الله- تبارك وتعالى -:
فحين يقول العبد: (الله أكبر) ويكرر ذلك فإنه اعتراف بأن الله أكبر من كل شيء، فهو أكبر ممن طغى وتجبر، وهو أكبر من الظالمين الذين يظلمون الناس، ولذلك فهو القادر - سبحانه - على نصرة المظلوم، وهو أكبر من كل المخلوقات التي قد تضر بإذنه - تعالى -، فهو القادر - سبحانه - على دفعها عن عباده، وهو - عز وجل - أكبر من الكافرين الذين يعيثون في الأرض فسادا، فهو القادر - سبحانه - على رد كيدهم في نحرهم.
والعبد بتكرار هذه الجملة أعني التكبير-إنما هو اعتراف بعبوديته للعظيم الكبير - سبحانه - الذي يكشف الضر وينصر المظلوم، ولذلك فإن العبد يقول: (لا إله إلا الله والله أكبر).
4.في التكبير إظهار للولاء والبراء، وفيه مخالفة للمشركين.
فإن العبد حين يكبر الله إنما يعظمه عما وصفه به أهل الكفر والشرك الذين جعلوا له الشركاء، وجعلوا له - سبحانه - ما يكرهون، وفيه براءة من الذين يعظمون الأحجار والأصنام فكانوا يقولون: (اعل هبل) فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقولوا: (الله أعلى وأجل).
وهذا غاية التبرؤ والمخالفة لفعل الكفار.
ولما كان للكفار في موسم الحج من الخرافات والاعتقادات الباطلة والشرك ما ينافي تعظيم الله فكانوا في تلبيتهم يقولون (لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك) كان إظهار التكبير فيه أعظم البراءة مما يشركون فيه.
ومن ذلك ما كانوا يفعلون بذبائحهم من نشر اللحم وتلطيخ أنفسهم بالدماء ظنا منهم أنهم يتقربون إلى الله، فبين الله - تعالى -أن هذه جهالات وخرافات، ورد عليهم فقال: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج: 37)، وشرعت التسمية والتكبير على الذبيحة، وهذه أعظم مخالفة لما عليه أهل الشرك.
فما أجمل أن يستشعر العبد حين يكبر الله أنه يتبرأ من الكفار المشركين، وهذا أوثق عرى الإيمان.
5.التكبير فيه تطهير للقلب من أمراضه.
فإن العبد إذا كبر الله بالتعظيم والإجلال، وواطأ قلبه لسانه في التكبير، فكان الله أكبر في قلبه من كلِّ شيء، لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله - تعالى - يشغله عنه.
أما إذا كان في قلبه شيء يشتغل به عن الله دلّ على أن ذلك الشيء أكبر عنده من الله فإنه إذا اشتغل عن الله بغيره، كان ما اشتغل به هو أهم عنده من الله، و كان قوله: (الله أكبر) بلسانه دون قلبه؛ لأن قلبه مقبل على غير الله.
فإذا ما أطاع القلبُ اللسان في التكبير، أخرجه من لبس رداء التكبّر المنافي للعبودية، و منعه من التفات قلبه إلى غير الله، فيمنعه حقّ قوله: (الله أكبر) و القيام بعبودية التكبير من هاتين الآفتين، اللتين هُما من أعظم الحُجب بينه و بين الله - تعالى -.
6.في التكبير شكر لله على الهداية:
فقد قال - تعالى -: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة: 185).
وقال: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج: 37). فبين الله - سبحانه - أنه شرع التكبير لما خص هذه الأمة ووفقها وهداها لهذه المواسم وخذل عنها أهل الملل الأخرى، لما ضلوا أضلهم الله عنها.
فالتكبير إذاً، هو شكر لله على ما خص هذه الأمة من الكرامة، ووفقها للقيام بالعبادة، وهداها إلى طريق الفلاح والسعادة.
7.إن في التكبير دعوة للإنسان للعمل الصالح.
فحين يعظم العبد ربه بقوله، يجب عليه أن يظهر هذا التعظيم على فعله بفعل ما يحب الله واجتناب ما يسخطه، قال الفخر الرازي: (واعلم أن تمام هذا التكبير إنما يكون بالقول والاعتقاد والعمل أما القول: فالإقرار بصفاته العلي، وأسمائه الحسنى، وتنزيهه عما لا يليق به من ند وصاحبة وولد وشبه بالخلق، وكل ذلك لا يصح إلا بعد صحة الاعتقاد بالقلب وأما العمل: فالتعبد بالطاعات من الصلاة والصيام، والحج).
8.التكبير من تعظيم شعائر الله - تعالى -:
ولذلك فإن العبد يكبر بعد انقضاء عدة الصوم وفي الحج وفي عشر ذي الحجة وفي ذهابه لصلاة العيدين، وعند الأضحية، وفي أيام التشريق، وذلك لإظهار هذه الشعائر العظيمة وقد قال الله - تعالى -: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32).
فاحرص يا عبد الله على إظهار هذه الشعيرة العظيمة، وغيرها من السنن التي حث عليها الشارع، فإن فيها الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، ومهما خفيت علينا هذه الآثار فيكفي في ذلك أنها جاءت من عند أحكم الحاكمين - جل وعلا -.
وقد ورد عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله - رضي الله عنهما - أنهما كانا يكبران في أيام منى في المسجد وفي الخيمة ويرفعان أصواتهما بذلك حتى ترتج منى تكبيرا.
فمتى نسمع هذه التكبيرات في المساجد والمصليات؟
أسأل الله أن يوفقنا للتمسك بالسنة، والالتزام بما أمر الله ورسوله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: المختار الإسلامي