لا لِلْعُنْصُرِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ
محمد البدر
1441/02/19 - 2019/10/18 02:10AM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]. وَقَالَ تَعَالَى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لحجرات: 13]. اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَ النَّاسَ جَمِيعًا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَجَعَلَ أَرْفَعَهُمْ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَتْقَاهُمْ لَهُ ،فالناس كل الناس يعودون للأبوين آدم وحواء لكنهم تفرقوا في أوطانهم واختلفت ألوانهم وأعراقهم واللهُ -جَلَّ وَعَلَا- كَرَّمَ بَنِي آدَمَ، وَفَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ تَفْضِيلًا عَظِيمًا ،قَالَ تَعَالَى : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22].
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ, كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَاعْلَمُوا يا عِبَادَ اللهِ: أَنَّ الْأُخُوَّةَ عَلَى نَوْعَيْنِ ، أُخوَّةُ النَّسَبِ ،وَأُخُوَّةٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات: 10].
وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْحَسَنَاتِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ: مَا آتَاهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مِنَ الْحُقُوقِ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَا تُسَاوِي شَيْئًا، كَانَتْ تُورَثُ إِذَا مَاتَ مَنْ يَمْتَلِكُهَا -يَعْنِي إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا فَإِنَّهَا تُورَثُ كَمَا تُورَثُ الْأَشْيَاءُ-.فأَعْطَى اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- الْمَرْأَةَ حَقَّهَا وَأَعَادَهَا إِلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ؛ وَذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهَا شَرِيكَةٌ لِلرَّجُلِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْعَمَلِ قَالَ تَعَالَى:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ »رَوَاهُ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ. فالتقوى ميزان التفاضل لا الشرف والنسب.
الْجُعَلِ : دويبة سوداء كالخنفساء تدير الخراء بأنفها يُدَهْدِهُ : يدحرج ال عُبِّيَّةَ: الكبر والفخر .
.أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
عِبَادَ اللهِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ بِدِينِ السَّلَامِ، بِدِينِ الرَّحْمَةِ، بِالدِّينِ العَظِيمِ الَّذِي يُؤَلِّفُ وَيُجَمِّعُ، وَلَا يُنَفِّرُ وَلَا يُفَرِّقُ، هُوَ دِينُ الْحَقِّ دِينُ اللهِ يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العنصرية منتنة: فعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: « كنا في غَزاةٍ فكسَع(1)رجلٌ من المهاجرينَ رجلًا من الأنصارِ، فقال الأنصارِيُّ : يا لَلأنصارِ، وقال المهاجرِيُّ : يا للمهاجرينَ فسمِع ذاك رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : «ما بالُ دَعوى جاهليةٍ ،قالوا : يا رسولَ اللهِ، كسَع رجلٌ من المهاجرينَ رجلًا من الأنصارِ، فقال : دَعوها فإنها مُنتِنَةٌ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1)أَيْ ضَرَبَ دُبُره وَعَجِيزَته بِيَدٍ أَوْ رِجْل , أَوْ سَيْف وَغَيْره " انتهى .
والعنصرية من عادات الجاهلية: فقد روي أن أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَابَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ؛ فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ؛ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ؛ إِخْوَانُكُمْ وَخَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدَيْهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ؛ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ؛ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ « أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا: مَاتَت. قَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا؛ فَقَالَ: دُلُّونِي عَلَى قَبْرهَا ؛ فَدَلُّوهُ ؛ فَصَلَّى عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ، وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لَا يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي بِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنِّي » رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فعلينا عباد الله أن نتحرّر من الفرقة والتشاحن والتباغض والتقاتل والتحزب والعصبية والقبلية.. يجب علينا أن نكون صَفًّا واحدًا مُتلاحِمًا كالبنيان المرصوص مع ولاة أمرنا وعلمائنا في استتباب الأمن والقضاء على العنصرية المقيتة، يجب أن نكون جميعًا يدًا واحدة مع رجال الأمن للحفاظ على ديننا وبلادنا وأمننا وعقيدة التوحيد تجمعنا ودار الإسلام تؤوينا، لا فخر لنا إلا بطاعة الرحمن، ولا عزة ولا كرامة لنا إلا بالإيمان، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ...الا وصلوا ..
المرفقات
لِلْعُنْصُرِيَّةِ-فِي-الْإِسْلَامِ
لِلْعُنْصُرِيَّةِ-فِي-الْإِسْلَامِ