لا خصومة بين الصحابة والقرابة
أبو عبد الله الأنصاري
1434/04/12 - 2013/02/22 01:47AM
[align=justify]لا خصومة بين الصحابة والقرابة 22/2/2013
نقف اليوم مع فرية من كبريات الفرى في تاريخ الإسلام ، وأكذوبة من أقبح الكذبات في حياة المسلمين ، تلك الفرية اختلقتها عقول مخترعي دين الشيعة الأوائل ، إنها فرية عارية تزعم وجود خصومة وعداوة بين الصحابة والقرابة ، بين أصحاب المصطفى المرضيين من جهة وقرابته من أهل بيته الطيبين من جهة أخرى ، وأن الصحابة كانوا أعداءً للقرابة ، والقرابة كانوا يتبرؤون من الصحابة ، وبالأخص من أبي بكر وعمر - رَضي الله عنهما - ، بل لقد افتروا على الله كذباً بعيداً حينما أسسوا زوراً يقول : أن البراءة من الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما – هي من ضرورات الولاء لعلي بن أبي طالب وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه لا يجتمع في قلب واحد حب الصحابة والقرابة ، ولا حب علي بن أبي طالب وحب أبي بكر وعمر – رضي الله عنهم أجمعين - ، ووالله لقد ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ) .
وحقيقة الأمر أن هذا الزعم محض زور وكذب على تاريخ أمتنا وعقيدتها ، تقيأه فئةٌ من المتآمرين على هذه الأمة بهدف تمزيق لحمتها والفتِّ في عضدها ، وهو في جانب آخر مسعى خبيث لقطع صلة الأمة بسلفها ، ونزع ثقتها في ساداتها وهداتها ، إنه باختصار محاولة قديمة لضرب وحدة هذه الأمة الدينية والدنيوية من خلال تشويه نظرتها لجيلها الأول الفريد ، ألا ما أقبح أن يعمد أولئك الأفاكون إلى تزوير أشرق وأنصع صفحات تاريخ هذه الأمة الخيرة المباركة بمثل ذلك الكذب والتزوير ، ألا ما أقبح الكذب حينما يُتخذُ ديناً تفسد به القلوب وتضلل به العقول ، لكن مع سخف هذه الفرية وسماجتها أمام واضحات العقيدة والتاريخ إلا من الواجب تفنيد شبهات هؤلاء المفترين على تاريخنا المشككين في أئمتنا ، وجماع القول أنه لم يكن في هذه الأمة افتراق أبداً بين الصحابة والقرابة ، ولا خصومة مطلقاً في صدر هذه الأمة في شأن الشيخين أبي بكر وعمر ، ولم يكن أحدٌ لا من شيعة علي ولا غيرهم يجرؤ على النيل من مرتبة الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ، لما استقر في قلوب العامة والخاصة من جلالة قدرهما وعلو مرتبتهما ، وكانت أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كلها متفقةً على الإقرار بفضلهما ومنزلتهما ، حتى تجرأ على ذلك قوم من غلاة الشيعة ومتعصبتهم ما زال الشيطان يلبس عليهم دينهم حتى زين لهم أن حبهم وتشيعهم لعلي يوجب الطعن في خليفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبراءة منهما ، وحتى يزهق الله باطلهم ويقذف عليه بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق فقد كان أول من برئ من الطعن في الشيخين وأنكر على الزائغين طعنهم فيهما ونيلهم منهما هم أئمة أهل البيت أنفسُهم ، ويغنينا عن الكثير من القول لتفنيد هذه الفرية الصماء أن ننقل لإخواننا المسلمين ثناءات أئمة أهل بيت النبوة - عليهم رضوان الله - على شيخي صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر وعمر ، وأن أهل بيت النبوة في هذا الأمر على كلمة سواء ، لم يخالف لاحقٌ منهم سابقاً ، ولا متأخرٌ متقدماً ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ، فمن ذلك :
ما ثبت عن علي نفسه - رضي الله عنه – بل وتواتر عنه أنه قال - وهو على منبر الكوفة - : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر -رضي الله عنهما-) ، وعنه - رضي الله عنه - أنه قال : ( لا يفضلني أحد على الشيخين إلا جلدته حد المفتري ) ، وفي الصحيحين أنه قال - في حق عمر عند تشييع جنازته - : ( ما خلفت أحداً أحب إليّ من أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنتُ لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت أسمع كثيراً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، وإن كنتُ لأظن أن يجعلك الله معهما ) ، وروى الآجري في الشريعة عنه - رضي الله عنه - أنه قال : ( قدَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر - رضي الله عنه - فصلى بالناس ، وقد رأى مكاني ، وما كنت غائباً ولا مريضاً ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا ) ، وروى المقدسي بسنده أن أمير المؤمنين - رضي الله عنه - عنه بلغه أن نفرا من الناس يتناولون أبا بكر وعمر بالسوء ، فقال: ( لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل ) ، ثم صعد المنبر وخطب الناس خطبة بليغة جاء فيها : ( ما بال أقوام يذكرون سيدَي قريش وأبوَي المسلمين ؟ أنا مما قالوا بريء ، وعلى ما قالوا معاقِب ، ألا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضهما إلا فاجر ردي ، ألا فمن أحبني فليحبهما ، ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا بريء منه ، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبتُ على هذا أشد العقوبة ، ولكن لا ينبغي أن أعاقِب قبل التقدم ، ألا فمن أُتيتُ به يقول هذا بعد اليوم ، فإن عليه ما على المفتري ، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها : أبو بكر وعمر).
وهذا الثناء من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على خليفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر وعمر هو ما نقله عنه أبناؤه – عليهم رضوان الله – فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية -وهو ابن علي - رضي الله عنه - من زوجته الحنفية- قال : قلت لأبي : أي الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أبو بكر ، قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر .
وعلى منهاج أمير المؤمنين - رضي الله عنه - في معرفة منزلة الشيخين كان معتقد الشيعة الأوائل ، فإنهم لم ينازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين ، وهذا ما اعترف به قدماء أكابر الشيعة ، فقد ذكر أبو القاسم البلخي أن سائلاً سأل شريك بن عبد الله بن أبي نمر – وهو من كبار شيعة علي - رضي الله عنه - فقال له : أيهما أفضل : أبو بكر أو علي ؟ فقال له شريك : أبو بكر ، فقال السائل : أتقول هذا وأنت من الشيعة ؟ فقال : نعم ، إنما الشيعي من قال مثل هذا ، والله لقد رقى عليٌ هذه الأعواد -يريد أعواد منبر مسجده في الكوفة- فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر . أفكنا نرد قوله ؟ أكنا نكذبه ؟ والله ما كان كذابا !! ، وعن جرير بن عبد الحميد - وكان رئيس الشيعة ببلده - يقول : أنا إلى تصديق علي بن أبي طالب أحوج مني إلى تكذبيه ، قال علي - رضي الله عنه - : ' أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ' .
حب الصحابة والقرابة سنة ألقى بها ربي إذا أحياني
وعلى هذا الموقف درج الأئمة الكرام من آل بيت النبوة ومنهم : الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين - حدث عن نفسه فقال : دخل عليَّ المغيرة بن سعيد فذكر من قرابتي وشبهي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وكنتُ أشبَّهُ وأنا شاب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ثم لعن أبا بكر وعمر، فقلت : يا عدو الله ، أعندي ! ( أي أتفعل ذلك عندي ) قال : ثم خنقته - والله - حتى دلع لسانه. وثبت عن الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين - أنه قال: ( أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول) ، وعنه - رضي الله عنه - أنه قال لجابر الجعفي: ( إن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ، ويتناولون أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، ويزعمون أني أمرتهم بذلك ؛ فأخبرهم : أني أبرأ إلى الله تعالى منهم ، والله برئٌ منهم ، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما ، وأترحم عليهما ، إن أعداء الله غافلون عنهما) ، ويقول بسام الصيرفي : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن أبي بكر وعمر فقال : ( والله إني لأتولاهما ، وأستغفر لهما ، وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا هو يتولاهما ) ، أما أخوه الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين - فيقول : ( البراءة من أبي بكر وعمر هي البراءة من علي رضي الله عنهم ، فإن شئت فتقدم ، وإن شئت فتأخر ) ، أما الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( المعروف بجعفر الصادق) فقال عنه المؤرخ الذهبي : ( وكان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهرا وباطنا ، هذا لا ريب فيه ، ولكن الرافضة قوم جهلة ، قد هوى بهم الهوى في الهاوية فبعداً لهم ) ومن دفاعه - رضي الله عنه - عن خليفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حدث به عبد الجبار بن عباس الهمداني: أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة ، فقال : ( إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم ، فأبلغوهم عني : من زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه برئ ) ، وعن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر وابنه جعفر عن أبي بكر وعمر فقالا : يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما ؛ فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسب رجل جده ؟! أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما ) ، وعن جعفر بن محمد أنه كان يقول : (ما أرجو من شفاعة علي شيئاً ، إلا وأنا أرجوا من شفاعة أبي بكر مثله ، لقد ولدني مرتين ) ، وعنه - رضي الله عنه - أنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال: ( إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة ) ، وعنه أنه قال: ( برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر) ، قال الذهبي معقباً على هذا الأثر: ( قلت : هذا القول متواتر عن جعفر الصادق ، وأشهد بالله إنه لبار في قوله ، غير منافق لأحد ، فقبح الله الرافضة ).
وقد سمى أئمة سلفنا من يطعن في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بالرافضي ، ولحكمة إلهية شاء الله أن يكون أول من سمى الطاعنين في الشيخين بهذا الاسم إمامٌ من أئمة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألا وهو الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في ذلك : ( وكانت الشيعة أصحاب علي يقدمون عليه أبا بكر وعمر ، وإنما كان النزاع في تقدمه على عثمان ، ولم يكن حينئذ يسمى أحدٌ لا إماميا ولا رافضا ، وإنما سموا رافضة وصاروا رافضة لما خرج زيد بن علي بن الحسين بالكوفة في خلافة هشام ، فسألته الشيعة عن أبي بكر وعمر فترحم عليهم ، فرفضه قوم ، فقال : رفضتموني رفضتموني ، فسموا رافضة ، وتولاه قوم فسموا زيدية لانتسابهم إليه ، ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى رافضة إمامية وزيدية ، فالزيدية خير من الرافضة أعلم وأصدق وأزهد وأشجع ) ، ويقول أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين : ( وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر ) ، وسئل الإمام الشافعي عن الرافضي ؟ فقال: ( من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي ) ، وكان يقول : ( لم أر أحداً أشهد بالزور من الرافضة ) ، وقد سئل إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل عن الرافضة من هم ؟ فقال : ( هم الذين يسبون أو يشتمون أبا بكر وعمر ) ، وقال : ( وأما الرافضة فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم قالوا: إن عليّ بن أبي طالب أفضل من أبي بكر الصديق ) ، قال الذهبي رحمه الله : ( كل من أحب الشيخين فليس بغال، بلى من تعرض لهما بشيء من تنقص فإنه رافضي غال ، فإن سبَّ فهو من شرار الرافضة ، فإن كفَّر فقد باء بالكفر واستحق الخزي ) ، وقال : ( من أبغض الشيخين واعتقد صحة إمامتهما فهو رافضي مقيت ، ومن سبهما واعتقد أنهما ليسا بإمامي هدى فهو من غلاة الرافضة ) .
إن الروافض شر من وطئ الحصى *** من كل إنس ناطق أو جان
مدحوا النبي وخونوا أصحابه *** ورموهم بالظلم والعدوان
حبوا قرابته وسبوا صحبه *** جدلان عند الله منتقضان
فكأنما آل النبي وصحبه *** روح يضم جميعها جسدان
فئتان عقدهما شريعة أحمد *** بأبي وأمي ذانك الفئتان
فئتان سالكتان في سبل الهدى *** وهما بدين الله قائمتان
قل إن خير الأنبياء محمد *** وأجل من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد *** وكذاك أفضل صحبه العمران
قل خير قول في صحابة أحمد *** وامدح جميع الآل والنسوان
لا تركنن إلى الروافض إنهم *** شتموا الصحابة دون ما برهان
لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد *** وودادهم فرض على الإنسان
حب الصحابة والقرابة سنة *** ألقى بها ربي إذا أحياني [/align]
[/align][align=justify][/align][/align][/align][/SIZE]
نقف اليوم مع فرية من كبريات الفرى في تاريخ الإسلام ، وأكذوبة من أقبح الكذبات في حياة المسلمين ، تلك الفرية اختلقتها عقول مخترعي دين الشيعة الأوائل ، إنها فرية عارية تزعم وجود خصومة وعداوة بين الصحابة والقرابة ، بين أصحاب المصطفى المرضيين من جهة وقرابته من أهل بيته الطيبين من جهة أخرى ، وأن الصحابة كانوا أعداءً للقرابة ، والقرابة كانوا يتبرؤون من الصحابة ، وبالأخص من أبي بكر وعمر - رَضي الله عنهما - ، بل لقد افتروا على الله كذباً بعيداً حينما أسسوا زوراً يقول : أن البراءة من الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما – هي من ضرورات الولاء لعلي بن أبي طالب وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه لا يجتمع في قلب واحد حب الصحابة والقرابة ، ولا حب علي بن أبي طالب وحب أبي بكر وعمر – رضي الله عنهم أجمعين - ، ووالله لقد ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ) .
وحقيقة الأمر أن هذا الزعم محض زور وكذب على تاريخ أمتنا وعقيدتها ، تقيأه فئةٌ من المتآمرين على هذه الأمة بهدف تمزيق لحمتها والفتِّ في عضدها ، وهو في جانب آخر مسعى خبيث لقطع صلة الأمة بسلفها ، ونزع ثقتها في ساداتها وهداتها ، إنه باختصار محاولة قديمة لضرب وحدة هذه الأمة الدينية والدنيوية من خلال تشويه نظرتها لجيلها الأول الفريد ، ألا ما أقبح أن يعمد أولئك الأفاكون إلى تزوير أشرق وأنصع صفحات تاريخ هذه الأمة الخيرة المباركة بمثل ذلك الكذب والتزوير ، ألا ما أقبح الكذب حينما يُتخذُ ديناً تفسد به القلوب وتضلل به العقول ، لكن مع سخف هذه الفرية وسماجتها أمام واضحات العقيدة والتاريخ إلا من الواجب تفنيد شبهات هؤلاء المفترين على تاريخنا المشككين في أئمتنا ، وجماع القول أنه لم يكن في هذه الأمة افتراق أبداً بين الصحابة والقرابة ، ولا خصومة مطلقاً في صدر هذه الأمة في شأن الشيخين أبي بكر وعمر ، ولم يكن أحدٌ لا من شيعة علي ولا غيرهم يجرؤ على النيل من مرتبة الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ، لما استقر في قلوب العامة والخاصة من جلالة قدرهما وعلو مرتبتهما ، وكانت أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كلها متفقةً على الإقرار بفضلهما ومنزلتهما ، حتى تجرأ على ذلك قوم من غلاة الشيعة ومتعصبتهم ما زال الشيطان يلبس عليهم دينهم حتى زين لهم أن حبهم وتشيعهم لعلي يوجب الطعن في خليفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والبراءة منهما ، وحتى يزهق الله باطلهم ويقذف عليه بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق فقد كان أول من برئ من الطعن في الشيخين وأنكر على الزائغين طعنهم فيهما ونيلهم منهما هم أئمة أهل البيت أنفسُهم ، ويغنينا عن الكثير من القول لتفنيد هذه الفرية الصماء أن ننقل لإخواننا المسلمين ثناءات أئمة أهل بيت النبوة - عليهم رضوان الله - على شيخي صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر وعمر ، وأن أهل بيت النبوة في هذا الأمر على كلمة سواء ، لم يخالف لاحقٌ منهم سابقاً ، ولا متأخرٌ متقدماً ، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ، فمن ذلك :
ما ثبت عن علي نفسه - رضي الله عنه – بل وتواتر عنه أنه قال - وهو على منبر الكوفة - : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر -رضي الله عنهما-) ، وعنه - رضي الله عنه - أنه قال : ( لا يفضلني أحد على الشيخين إلا جلدته حد المفتري ) ، وفي الصحيحين أنه قال - في حق عمر عند تشييع جنازته - : ( ما خلفت أحداً أحب إليّ من أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنتُ لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كنت أسمع كثيراً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، وإن كنتُ لأظن أن يجعلك الله معهما ) ، وروى الآجري في الشريعة عنه - رضي الله عنه - أنه قال : ( قدَّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر - رضي الله عنه - فصلى بالناس ، وقد رأى مكاني ، وما كنت غائباً ولا مريضاً ، ولو أراد أن يقدمني لقدمني ، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لديننا ) ، وروى المقدسي بسنده أن أمير المؤمنين - رضي الله عنه - عنه بلغه أن نفرا من الناس يتناولون أبا بكر وعمر بالسوء ، فقال: ( لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل ) ، ثم صعد المنبر وخطب الناس خطبة بليغة جاء فيها : ( ما بال أقوام يذكرون سيدَي قريش وأبوَي المسلمين ؟ أنا مما قالوا بريء ، وعلى ما قالوا معاقِب ، ألا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضهما إلا فاجر ردي ، ألا فمن أحبني فليحبهما ، ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا بريء منه ، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبتُ على هذا أشد العقوبة ، ولكن لا ينبغي أن أعاقِب قبل التقدم ، ألا فمن أُتيتُ به يقول هذا بعد اليوم ، فإن عليه ما على المفتري ، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها : أبو بكر وعمر).
وهذا الثناء من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على خليفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر وعمر هو ما نقله عنه أبناؤه – عليهم رضوان الله – فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية -وهو ابن علي - رضي الله عنه - من زوجته الحنفية- قال : قلت لأبي : أي الناس خيرٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : أبو بكر ، قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر .
وعلى منهاج أمير المؤمنين - رضي الله عنه - في معرفة منزلة الشيخين كان معتقد الشيعة الأوائل ، فإنهم لم ينازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين ، وهذا ما اعترف به قدماء أكابر الشيعة ، فقد ذكر أبو القاسم البلخي أن سائلاً سأل شريك بن عبد الله بن أبي نمر – وهو من كبار شيعة علي - رضي الله عنه - فقال له : أيهما أفضل : أبو بكر أو علي ؟ فقال له شريك : أبو بكر ، فقال السائل : أتقول هذا وأنت من الشيعة ؟ فقال : نعم ، إنما الشيعي من قال مثل هذا ، والله لقد رقى عليٌ هذه الأعواد -يريد أعواد منبر مسجده في الكوفة- فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر . أفكنا نرد قوله ؟ أكنا نكذبه ؟ والله ما كان كذابا !! ، وعن جرير بن عبد الحميد - وكان رئيس الشيعة ببلده - يقول : أنا إلى تصديق علي بن أبي طالب أحوج مني إلى تكذبيه ، قال علي - رضي الله عنه - : ' أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ' .
حب الصحابة والقرابة سنة ألقى بها ربي إذا أحياني
وعلى هذا الموقف درج الأئمة الكرام من آل بيت النبوة ومنهم : الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين - حدث عن نفسه فقال : دخل عليَّ المغيرة بن سعيد فذكر من قرابتي وشبهي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وكنتُ أشبَّهُ وأنا شاب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ثم لعن أبا بكر وعمر، فقلت : يا عدو الله ، أعندي ! ( أي أتفعل ذلك عندي ) قال : ثم خنقته - والله - حتى دلع لسانه. وثبت عن الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين - أنه قال: ( أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول) ، وعنه - رضي الله عنه - أنه قال لجابر الجعفي: ( إن قوماً بالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ، ويتناولون أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، ويزعمون أني أمرتهم بذلك ؛ فأخبرهم : أني أبرأ إلى الله تعالى منهم ، والله برئٌ منهم ، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما ، وأترحم عليهما ، إن أعداء الله غافلون عنهما) ، ويقول بسام الصيرفي : سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن أبي بكر وعمر فقال : ( والله إني لأتولاهما ، وأستغفر لهما ، وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا هو يتولاهما ) ، أما أخوه الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين - فيقول : ( البراءة من أبي بكر وعمر هي البراءة من علي رضي الله عنهم ، فإن شئت فتقدم ، وإن شئت فتأخر ) ، أما الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( المعروف بجعفر الصادق) فقال عنه المؤرخ الذهبي : ( وكان يغضب من الرافضة، ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر ظاهرا وباطنا ، هذا لا ريب فيه ، ولكن الرافضة قوم جهلة ، قد هوى بهم الهوى في الهاوية فبعداً لهم ) ومن دفاعه - رضي الله عنه - عن خليفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما حدث به عبد الجبار بن عباس الهمداني: أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة ، فقال : ( إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم ، فأبلغوهم عني : من زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه برئ ) ، وعن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر وابنه جعفر عن أبي بكر وعمر فقالا : يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما ؛ فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسب رجل جده ؟! أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما ) ، وعن جعفر بن محمد أنه كان يقول : (ما أرجو من شفاعة علي شيئاً ، إلا وأنا أرجوا من شفاعة أبي بكر مثله ، لقد ولدني مرتين ) ، وعنه - رضي الله عنه - أنه سئل عن أبي بكر وعمر فقال: ( إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة ) ، وعنه أنه قال: ( برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر) ، قال الذهبي معقباً على هذا الأثر: ( قلت : هذا القول متواتر عن جعفر الصادق ، وأشهد بالله إنه لبار في قوله ، غير منافق لأحد ، فقبح الله الرافضة ).
وقد سمى أئمة سلفنا من يطعن في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بالرافضي ، ولحكمة إلهية شاء الله أن يكون أول من سمى الطاعنين في الشيخين بهذا الاسم إمامٌ من أئمة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألا وهو الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في ذلك : ( وكانت الشيعة أصحاب علي يقدمون عليه أبا بكر وعمر ، وإنما كان النزاع في تقدمه على عثمان ، ولم يكن حينئذ يسمى أحدٌ لا إماميا ولا رافضا ، وإنما سموا رافضة وصاروا رافضة لما خرج زيد بن علي بن الحسين بالكوفة في خلافة هشام ، فسألته الشيعة عن أبي بكر وعمر فترحم عليهم ، فرفضه قوم ، فقال : رفضتموني رفضتموني ، فسموا رافضة ، وتولاه قوم فسموا زيدية لانتسابهم إليه ، ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى رافضة إمامية وزيدية ، فالزيدية خير من الرافضة أعلم وأصدق وأزهد وأشجع ) ، ويقول أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين : ( وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر ) ، وسئل الإمام الشافعي عن الرافضي ؟ فقال: ( من قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين فهو رافضي ) ، وكان يقول : ( لم أر أحداً أشهد بالزور من الرافضة ) ، وقد سئل إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل عن الرافضة من هم ؟ فقال : ( هم الذين يسبون أو يشتمون أبا بكر وعمر ) ، وقال : ( وأما الرافضة فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم قالوا: إن عليّ بن أبي طالب أفضل من أبي بكر الصديق ) ، قال الذهبي رحمه الله : ( كل من أحب الشيخين فليس بغال، بلى من تعرض لهما بشيء من تنقص فإنه رافضي غال ، فإن سبَّ فهو من شرار الرافضة ، فإن كفَّر فقد باء بالكفر واستحق الخزي ) ، وقال : ( من أبغض الشيخين واعتقد صحة إمامتهما فهو رافضي مقيت ، ومن سبهما واعتقد أنهما ليسا بإمامي هدى فهو من غلاة الرافضة ) .
إن الروافض شر من وطئ الحصى *** من كل إنس ناطق أو جان
مدحوا النبي وخونوا أصحابه *** ورموهم بالظلم والعدوان
حبوا قرابته وسبوا صحبه *** جدلان عند الله منتقضان
فكأنما آل النبي وصحبه *** روح يضم جميعها جسدان
فئتان عقدهما شريعة أحمد *** بأبي وأمي ذانك الفئتان
فئتان سالكتان في سبل الهدى *** وهما بدين الله قائمتان
قل إن خير الأنبياء محمد *** وأجل من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد *** وكذاك أفضل صحبه العمران
قل خير قول في صحابة أحمد *** وامدح جميع الآل والنسوان
لا تركنن إلى الروافض إنهم *** شتموا الصحابة دون ما برهان
لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد *** وودادهم فرض على الإنسان
حب الصحابة والقرابة سنة *** ألقى بها ربي إذا أحياني [/align]
[/align][align=justify][/align][/align][/align][/SIZE]