لا حول ولا قوة إلا بالله

هلال الهاجري
1445/01/15 - 2023/08/02 17:50PM

الحمدُ للهِ فاطرِ الأكوانِ وبَاريْها، ومُسيِّرِ الأفلاكِ ومُجْريْها، وخالقِ الدَّوابِ ومُحصِيْها، ومُقسِّمِ الأرزاقِ ومُعْطِيْها، ومقدِّرِ الآجالِ ومُوفيهَا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ الربُّ المعبودُ، لا مَانِعَ لمَا وَهَبَ، ولا مُعْطِيَ لمَا سَلَبَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، شَرَحَ اللهُ لهُ صَدْرَهُ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ، صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا، أما بعدُ:

 فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون).

حَديثُنا اليَومَ عَنْ كَلِمةٍ وَلَكِنْ مِنْ أَعجَبِ الكَلِمَاتِ، كَلِمَةٌ تُحمَلُ بِهَا أَثقَالٌ كَالجِبالِ، وتُكَابَدُ بِها شَدَائدُ الأَهوَالِ، ويُواجَهُ بِها بَواسلُ الأبطَالِ، وَيُنَالُ بِهَا رَفِيعُ الأَحوَالِ، وتُعينُ عَلى عَسيرِ الأَشغالِ، حَتَى قَالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَد جَاءَ في الأَثرِ: إنَّ المَلائكَةَ لَمَّا أُمِروا بِحَمْلِ العَرْشِ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا كَيْفَ نَحْمِلُ عَرْشَكَ وَعَلَيْهِ عَظَمَتُكَ وَجَلالُكَ، فَأَمَرَهم بِقَولِهَا فَحَمَلوهُ، إنَّها: (لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ).

هِيَ الكَلَمةُ التي تَخرُجُ بِقَولِها مِن حَولِكَ وقُوَّتِكَ إلى حَولِ اللهِ وقُوَّتِهِ، فكَأنَّكَ تَقولُ: اللهمَّ لا قَدرَةَ لي في الانتِقالِ مِن حَالٍ إلى حَالٍ، ولا قُوَّةَ لي عَلَى شَيءٍ إلا بِكَ، عِندَها تَستَبدِلُ ضَعفَكَ بِقُوَّةِ العَزيزِ القَاهِرِ، وتَنتَقِلُ مِن عَجزِكَ إلى بَأسِ القَويِّ القَادرِ، كَمَا اعتَمَدَ هُودٌ عَليهِ السَّلامُ عَلَى حَولِ وقُوَّةِ رَبِّهِ لَمَّا وَاجَهَ قَومَهُ: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، وكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لا حِيلةً لي وَلا حَولٌ وَلا *** لِي قُوَّةٌ إلا بِقُدرَةِ رَبِّنَا

(لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ)كَنزٌ مِن كُنوزِ الجَنَّةِ كَمَا قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ لأبي مُوسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (يا عبدَاللهِ بنَ قَيْسٍ: أَلا أَدُلُّكَ على كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجنَّةِ؟)، فقُلْتُ: بَلَى يا رسولَ اللهِ، قالَ: (قُلْ: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ)، فَثَوابُهَا نَفِيسٌ وَسَهلٌ مُدَّخَرٌ في الجَنَّةِ، كَمَا أنَّ الكَنزَ هُوَ أَنفَسُ وَأسهَلُ الأموَالِ، ولِذَلكَ كَانَ قُولُها مِن أسبَابِ مَغفِرةِ الذُّنوبِ، قالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (مَا عَلَى الْأَرْضِ رَجُلٌ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، إِلَّا كُفِّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ)، فَهَل رَأَيتُم أَنفسَ أو أسهَلَ مِن هَذا الكَنزِ؟.

(لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ) هِيَ أَنيسُ الذَّاكرينَ، وَهِيَ أَمانُ الخَائفِينَ، وَهِيَ سَلوَّةُ المَحزونينَ، وَهِيَ عِدَّةُ المُجَاهِدينَ، كَتَبَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إلى مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضيَ اللهُ عَنهم: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ وَلَّيْتُكَ قَيْسَارِيَّةَ فَسِرْ إِلَيْهَا وَاسْتَنْصِرِ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، وَأَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، اللَّهُ رَبُّنَا وَثِقَتُنَا وَرَجَاؤُنَا وَمَوْلَانَا فَنِعَمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ، فَسَارَ إِلَيْهَا فَحَاصَرَهَا وَوَقعَ قِتَالٌ عَظِيمٌ انتَهى بالنَّصرِ والفَتحِ.

وَكَانَ حَبِيبُ ‌بنُ ‌مَسْلَمَةَ يَسْتَحِبُّ إِذَا لَقِيَ عَدُوًّا أَوْ نَاهَضَ حِصْنًا أَنْ يَقٌولَ: ‌لَا ‌حَوْلَ ‌ولا ‌قُوةَ ‌إلا ‌باللهِ، وَإِنَّهُ نَاهَضَ يَوْمًا حِصْنًا، فَقَالَهَا، وَقَالَهَا الْمُسْلِمُونَ، فَانْهَزَمَ الرُّومُ، وَانْصَدَعَ الْحِصْنُ.

(لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ) نَقولُها مَع المؤذنِ إذا قَالَ: حَيَّ على الصَّلاةِ، حَيَّ عَلى الفَلاحِ، إقرَاراً أنَّهُ لا حَولَ لَنا ولا قُوةَّ على القِيامِ لأَعظِمِ العِباداتِ إلَّا بِعَونِ اللهِ تَعالى، ونَقُولُها في أَذكَارِ بَعدِ الصَّلاةِ، اعتِراَفاً أنَّنا مَا صَلَّينا إلا بِإعَانةٍ مِنَ اللهِ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، تَحقِيقَاً لِقَولِنا فِيها: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أَي: عَلى عِبَادَتِكَ.

أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفروه إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ عَظيمِ الإحسانِ، وَاسعِ الفَضلِ والجُودِ والامتنانِ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أَنَّ مُحمدًا عَبدُهُ وَرَسولُهُ؛ صَلى اللهُ وَسَلَّمَ عَليهِ وعَلى آلِهِ وصَحبهِ أَجمعينَ، أمَا بَعدُ:

أَيُّها الأحِبَّةُ .. عِندَمَا نَخرُجُ مِنْ بُيَوتِنا، فَإنَّنا نَحتَاجُ إلى هِدايةٍ تَحمِينَا مِنَ الفِتَنِ والشَّهَواتِ، وإلى كِفَايةٍ لِمَا نُريدُ مِنَ المَطَالبِ والحَاجاتِ، وإلى وِقَايةٍ مِنَ شَرِّ الحَوادثِ والفَاجِعاتِ، وإلى حِفظٍ مِن وَسوَسةِ الشَّياطينِ المُضِّلَّاتِ، فإليكَ هَذهِ الكَلِمَاتُ المُبَارَكَاتُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قَالَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ: بِسمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ، ‌يُقالُ ‌لَهُ: ‌هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيطَانُ، فَيَقُولُ الشَّيطَانُ لِشَيطَانٍ آخَرَ: كَيفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟).

(لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلا بِاللهِ) هِيَ مِفتاحُ الحَاجاتِ، وَبَابُ الطَّلَباتِ، فَيُلِّحُ بِها الفَقيرُ، ويَلهَجُ بِها المَريضُ، ويُرَدِّدُها المَهمومُ، ويُكَرِّرُها المَغمومُ، فَتُفتَحُ بِها أبوابُ السَّمَاواتِ، وَيُستَجابُ بِها الدَّعواتُ، وتَنزِلُ مِن رَبِّنا الرَّحَمَاتُ، وَصَدقَ اللهُ تَعالى (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ).

يَا رَبُّ أَنتَ خَيرُ رَازِقٍ *** أَزحَتَ يَا قَدِيرُ كُلَ مُعضِلةٍ

تَطُوفُ بي مَضَايِقٌ أَخَالُهَا *** لَا تَنتَهي .. فَتَنتَهي بِالحَوقَلَةِ

اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وَاخذُلِ الشِّركَ والمشركينَ، اللهمَّ انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنينَ، اللهمَّ فَرِّج هَمَّ المهمومينَ من المُسلمينَ، ونفِّسْ كَربَ المكرُوبِينَ، واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينينَ، واشفِ مَرضَانا ومرضَى المُسلمينَ، برحمتِكَ يَا أرحمَ الرَّاحمينَ، اللهمَّ كُنْ لإخوانِنا المُستضعَفينَ في دِينِهم في سَائرِ الأوطانِ، اللهمَّ آتِ نُفوسَنا تَقواها، وزكِّها أَنتَ خَيرُ من زكَّاها، أَنتَ وَليُّها ومَولاها، اللهمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنا، وأَصلِحْ أئمَّتَنا وولاةَ أَمرِنا، واجعل ولايتَنا فيمنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ واتبعَ رِضَاكَ يَا ربَّ العَالمينَ، اللهمَّ وفِّقْ وليَّ أَمرِنا لمَا تحبُّه وتَرضَاهُ من الأقوالِ والأعمالِ يَا حَيُّ يا قَيومُ، اللهمَّ أَصلِح لَهُ بِطانتَه يَا ذا الجَلالِ والإكرامِ، اللهمَّ لا تخيِّبنا ونَحنُ نَرجوكَ، ولا تُعذِبنا ونَحنُ نَدعوكَ، اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بِكَ منَ الفَقرِ إلا إليكَ، ومن الذُّلِ إلا لَكَ، ونَعوذُ بِكَ أَن نَقولَ زُورًا، أو نَغشَى فُجورًا، اللهمَّ اجعلْ لَنَا قُلوبًا تَوابةً، لا فَاجِرةً ولا مُرتَابةً، اللهمَّ نَعوذُ بِنُورِ وَجهِكَ الذي أَشرقتْ لَهُ الظُّلماتُ، وصَلُحَ عَليهِ أَمرُ الدُّنيا والآخرة،ِ أَنْ يَنزِلَ بِنَا غَضبُكَ، أو يَحلَّ بِنَا سَخطُكَ، ولا حَولَ ولا قُوةَ إلَّا بِكَ.

المرفقات

1690987812_لا حول ولا قوة إلا بالله.docx

1690987824_لا حول ولا قوة إلا بالله.pdf

المشاهدات 1979 | التعليقات 0