لاَ تـَسْتََسلِمْ لِلْـحُـزْنِ 1438/3/10 ه
سعد آل مجري
1438/03/10 - 2016/12/09 05:43AM
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، جَعَلَ الحَيَاةَ دَارَ بَلاَءٍ وامتِحَانٍ، مُتقَلَّبِةَ الأَحْوَالِ بَيْنَ سُرورٍ وَأَحْزَانٍ، لِلْكَشْفِ عَنْ حَقَائقِ النَّفْسِ وثَوابِتِ الإِيمَانِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، أَمَاتَ وأَحيَا، وأَضْحَكَ وأَبْكَى، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا ونَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُاللهِ ورَسُولُهُ، صَبَرَ عَلَى الحُزْنِ والابتِلاَءِ، وبَيَّنَ لأُمَّتِهِ عِلاَجَ ذَلِكَ والدَّواءَ، -صلى الله عليه وسلم-وَعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ وَالاَهُ، وعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهُدَاهُ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَأَوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجلَّ، فَإِنَّها أَمَانٌ مِنَ الفِتَنِ والبَلاَيا، ومَنَعَةٌ مِنَ الأَحْزَانِ وَالرَّزَايا، ومُكَفِّرَةٌ لِلذُّنُوبِ والخَطَايَا، يَقُولُ الحَقُّ تَبَارَكَ وتَعَالَى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) إخوة الإيمان : إن حِكْمَةَ اللهِ اقتَضَتْ أَلاَّ تَستَقِرَّ الحَيَاةُ عَلَى حَالٍ، فَدَوامُ الحَالِ مِنَ المُحَالِ، فَهِيَ دَائِمَةُ التَّقَلُّبِ بِأَهلِها، بَيْنَ يُسْرٍ وعُسْرٍ، وصَفَاءٍ وكَدَرٍ، وسُرورٍ وحُزْنٍ، والإِنْسَانُ حِينَ يَفْقِدُ شَيئاً مِنْ مَحْبُوباتِهِ، أَو يُصَابُ بِمَكْرُوهٍ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ غَالِباً مَا تَنْتَابُهُ حَالَةٌ مِنَ الهُمُومِ، وتَغْشَاهُ سَحَابَةٌ مِنَ الغُمُومِ، فَيَعِيشُ فِي دَائِرَةٍ مِنَ الحُزْنِ، إِلاَّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُؤمِنَ بِأَنَّ هَذَا ابتَلاَءٌ مِنَ اللهِ، فَالإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بَيْنَ ابتِلاَءٍ بِالشَّرِّ وابتِلاَءٍ بِالخَيْرِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)) إِنَّ الفَرَحَ والحُزْنَ عُنْصَرانِ فِي الحَيَاةِ مُتَضَادَّانِ، خَلَقَهُمَا اللهُ فِي وِجْدَانِ كُلِّ إِنْسَانٍ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى يَهَبُ النُّفُوسَ الفَرَحَ والتَّرَحَ، قَالَ تَعَالَى: ((وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى)) وَهَذا الضَّحِكُ والبُكَاءُ إِنَّما هُوَ انْعِكَاسٌ لِنَظْرَةِ الإِنْسَانِ وفَهْمِهِ لِسُنَنِ الحَيَاةِ وأَحْدَاثِها، وطَرِيقَةِ تَعَامُلِهِ مَعَها، فَالإِنْسَانُ فِي حَيَاتِهِ قَدْ يَسْلُكُ طَرِيقاً يَكُونُ سَبباً فِي تَكْدِيرِ صَفْوِهِ وتَنْغِيصِ حَيَاتِهِ، ويزداد حُزْنِهِ وبَلاَئِهِ، لِذَلِكَ حَثَّ الإِسْلاَمُ المَرْءَ عَلَى التَّسَلُّحِ بِالجَلَدِ والصَّبْرِ، إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ مَا يُكَدِّرُ الصَّفْوَ أَو التَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرٌ، فَلاَ شَيءَ أَنْفَعُ وأَجْدَى مِنَ الصَّبْرِ، فَالصَّبْرُ عَلَى المُصَابِ خَيْرٌ مِنَ الاستِسلاَمِ لِلْحُزْنِ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، ومَا أُعْطِي أَحَدٌ خَيْراً وأَوسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)).رواه البخاري
عباد الله : قَدْ يَعتَرِي الحَيَاةَ بَعْضُ الأَحْزَانِ، فَهِيَ سُنَّةٌ إِلَهيَّةٌ فِي حَيَاةِ بَنِي الإِنْسَانِ، ولَقَدْ ابتَلَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-بابتِلاَءَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ المِحَنِ والشَّدَائِدِ التِي أَعقَبَها الحُزْنُ فِي حَيَاتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَفَقَدَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ شَخْصَينِ عَزِيزَيْنِ عَلَى قَلْبِهِ، هُمَا: أُمُّ المُؤمِنينَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُويلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وعَمُّهُ أَبَو طَالِبٍ، فَحزن لفقدهما وكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يَحْزَنُ بِسَبَبِ إِعْرَاضِ قَوْمِهِ عَنْ دَعْوَتِهِ واستِهزَائِهمْ، ومُقَاطَعَتِهمْ لَهُ وتَكْذِيبِهمْ، كَمَا دَلَّ على ذَلِكَ قَولُ الحَقِّ تَبَارَكَ وتَعَالَى: ((قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)) وَقَولُهُ تَعَالَى لَهُ: ((فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)) وَقَولُهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضَاً: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)) وَلقدْ وَاسَاهُ الله عَزَّ وجَلَّ بِمَا يُثَبِّتُ قَلْبَهُ، ويُخَفِّفُ عَنْهُ لَوعَةَ الحُزْنِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَصَ الأَنْبِياءِ مِنْ قَبلِهِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)) فَفِي قِصَّةِ يَعقُوبَ الذِي فَقَدَ ابنَهُ يُوسُفَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- ثُمَّ فُجِعَ بِفَقْدِ ابنِهِ الآخَر، فَزَادَ هَمُّهُ وحُزْنُهُ، ((قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) وَكَذا يُونُسُ عَلْيِهِ السَّلاَمُ وهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ، بَثَّ فِي دُعَائِهِ لَوعَةَ الحُزْنِ والكَرْبِ لِرَبِّهِ عَزَّوجَلَّ، فَقَالَ: ((لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) إِنَّ التَّأَمُّلَ فِي قِصَصِ الأَوَّلِينَ، وسِيَرِ المُرسَلِينَ، يَبْعَثُ فِي النَّفْسِ الثَّبَاتَ، عَلَى مَواطِنِ الحُزْنِ والنَّكَباتِ، ويَبُثُّ فِي النَّفْسِ الأَمَلَ بِتَجَاوُزِ الأَحْزَانِ والكُرُبَاتِ، فَالكَرْبُ يَعقُبُهُ الفَرَجُ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً)).صححه الألباني
إخوة الإيمان : إِنَّ حَالَةَ الحُزْنِ التِي تُصِيبُ الإِنْسَانَ، لَيْسَتْ دَائِماً مَدْعَاةَ السُّوءِ والضُّرِّ، بَلْ إِنَّها سَبَبٌ لِمُرَاجَعَةِ النَّفْسِ، فَاللهُ تَعالَى يَقُولُ: ((وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) ويَقُولُ الحَقُّ سُبْحَانَهُ: ((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)) بَلْ إِنَّ وقُوعَ الشَّيءِ المَكْروهِ قَدْ يَأْتِي بِمَا هُوَ خَيْرٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) إِنَّ تَرْويضَ النَّفْسِ عَلَى الشَّدائِدِ قَبْلَ وقُوعِها، يُخَفِّفُ عَلَيْهِ استِقبَالَها ودَفْعَها، أَمَّا النَّحِيبُ عَلَى مَا مَضَى، والحُزْنُ عَلَى مَا انْقَضَى، فَإِنَّهُ لاَ يَعْمُرُ مُستَقْبَلاً، ولاَ يُجِدِّدُ أَمَلاً، بَلْ إِنَّهُ يُضْعِفُ الإِنْسَانَ ويُوهِنُ قُواهُ، ويَجْعَلُهُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى مَواجَهَةِ أَعْبَاءِ الحَيَاةِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ واستَعِنْ بِاللهِ ولاَ تَعْجِزْ، وإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَو أَنِّي فَعلْتُ كَذَا لَكَانَ كَذَا وكَذَا، ولَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ ومَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ "لَو" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)).رواه مسلم
إِنَّ السُّخْطَ والجَزَعَ لايُغَيِّرُ مِنْ قَضَاءِ اللهِ شَيئاً، قَالَ تَعَالَى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) إِنَّهُ لاَ يُنْكَرْ عَلَى المَرْءِ أَنْ يَحْزَنَ إِذَا وَقَعَتْ أَسَبَابُ الحُزْنِ، ولَكِنَّ المَذْمُومَ هُوَ الاستِسلاَمُ لِلْحُزْنِ والإِذْعَانُ لَهُ، مَعَ أَنَّ سُنَّةَ الحَيَاةِ جَرَتْ أنَّ الحُزْنَ لاَ يَلْبَثُ أَنْ يَنْجَلِيَ بَعْدَ وَقْتٍ، لِيَحُلَّ مَحَلَّهُ الفَرَحُ وتَعُودَ مِياهُ السُّرورُ إِلَى مَجَارِيها، قَالَ تَعَالَى: ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)).
عِبادَ اللهِ :عَلَى المُسلِمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا يُواجِهُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ ابتِلاَءاتٍ، إِنَّمَا هُوَ تَكْفِيرٌ لِلْخَطَايَا والسَّيِّئَاتِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِنْ نَصَبٍ ولاَ وَصَبٍ، ولاَ هَمٍّ ولاَ حَزَنٍ، ولاَ أَذَىً ولاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُها إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)).رواه البخاري
إِنَّ الابتِلاَءَ بِالمِحَنِ والأَحْزَانِ، يُهَذِّبُ النَّفْسَ ويُصْلِحُ عِوَجَها، ويَجْعَلُها تَتَوبُ إِلَى بَارِئِها، فَرُبَّ أُنَاسٍ كَانُوا فِي غَايَةِ الغَفْلَةِ والإِعْرِاضِ، وحِينَ أَلَمَّتْ بِهِمُ المَصَائِبُ والأَحْزَانُ والأَمْراضُ، تَنَبَّهُوا وَلَجأَوا إِلَى رَبِّهِمْ، وأَظْهَروا النَّدَمَ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِي جَنْبِ خَالِقِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)).
إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ صَبْراً ورِضاً عَنِ المَصَائبِ والأَحْزَانِ أَكَثَرُهُمْ إِيمَانَاً، وأَحْسَنُهُمْ يَقِيناً، يَقُولُ عَلَيهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ: ((إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وإِنَّ اللهَ تَعالَى إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ))صححه الألباني
فَلاَ تَأْسَ أَيُّها المُسلِمُ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وأَحْسِنِ التَّوكُّلَ عَلَى رَبِّكَ، وسَلِّمِ الأَمْرَ إِلَيْهِ؛ فَسيَكْفِيكَ هَمَّ الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ الحُزْنَ مَهْمَا بَلَغَتْ حِدَّتُهُ لاَ يَدُومُ، فَتَفاءَلُوا بِالفَرَجِ ولاَ تَركَنُوا إِلَى الهُمُومِ، وتَوكَّلُوا عَلَى اللهِ الحَيِّ القَيُّومِ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
لَقَدْ جَاءَ دِينُنُا الحَنِيفُ بِمَا يَكْفُلُ لِلْمُسلِمِ التَّخَلُّصَ مِنْ آفَاتِ الحُزْنِ، ومِنْ هَذَهِ العِلاَجَاتِ: الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وقَدَرِهِ، فَإِيمَانُ المُؤمِنِ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وأَنَّ الأُمُورَ بِيَدِ مُقَدِّرِها سُبْحَانَهُ، وأَنَّ الأَرزَاقَ مَقْسُومَةٌ، والآجَالَ مَحتُومَةٌ، وأَنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَستَكْمِلَ رِزقَها وأَجَلَها، يُذْهِبُ الكَثِيرَ مِنَ الهُمُومِ والأَحْزَانِ، والمُؤمِنُ الحَقُّ يَستَحْضِرُ حِكْمَةَ اللهِ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَصَابَهُ، إِذْ إِنَّ أَفْعَالَ اللهِ لاَ تَصْدُرُ إِلاَّ عَنْ حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، ومَا أَجْمَلَ أَنْ يَصْحَبَ التَّوكُّلُ المُؤمِنَ فِي جَمِيعِ حَالاَتِهِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ((قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) إِنَّ مَنْ يَتَوكَّلْ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ويَصْبِرْ عِنْدَ وقُوعِ الحُزْنِ والمُصَابِ، يَنَلِ الخَيْرَ مِنَ اللهِ وحُسْنَ الثَّوابِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يَبتَلِي لِيُعْطِيَ، ويَمتَحِنُ لِيَصْطَفِيَ، يَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ))رواه البخاري
والمُؤمِنُ لاَ يَرْجُو إِلاَّ مِنَ اللهِ وَحْدَهُ فِي رَفْعِ حُزْنِهِ ومُصِيبَتِهِ، ودَفْعِ كُرْبَتِهِ وبَلِيَّتِهِ، وإِذَا تَكَالَبَتْ عَلَيْهِ الأَحْزَانُ رَفَعَ أَكُفَّ الضَّراعَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُوهُ لِيَكْشِفَ عَنْهُ ضُرَّهُ، قَالَ تَعَالَى: ((أمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) وَلَقَدْ أَرشَدَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ خِلاَلِ سِيرَتِهِ العَطِرَةِ المُبَارَكَةِ إِلَى إِرشَادَاتٍ وتَعلِيمَاتٍ عَظِيمَةٍ، ووَصَايَا نَافِعَةٍ مُهِمَّةٍ، لِعِلاَجِ الهَمِّ والغَمِّ والكَرْبِ والحُزْنِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاَةِ، وهُوَ فِي ذَلِكَ يَمتَثِلُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ والحُزْنِ والشِّدَّةِ: ((لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَواتِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ))متفق عليه
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم مَا يُذْهِبُ عَنْهُمُ الحُزْنَ، فعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَصَابَ مُسْلِمًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أُمَّتِكَ، نَاصِيَتِي فِي يَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ بَصَرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَ لَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَجًا "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَتَعَلَّمُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ»صححه الألباني
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ : كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ))اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ))
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، ولاَ تَستَسلِمُوا لِلْحُزْنِ والمَصَائِبِ، واصْبِروا فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَاجِبٌ، واجْعَلُوا مِنَ الأَحْزَانِ والبَلاَيَا رَافِداً لَكُمْ لِفِعْلِ الخَيْرَاتِ، تَلْجَأُونَ بِنُزُولِها لِرَبِّ الأَرْضِ والسَّمَاواتِ، لِتَنَالُوا أَجْرَ الصَّبْرِ والدَّعَواتِ.
عباد الله َصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فقَالَ: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )).
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
الخطبة جاهزة بعد التخريخ والتحقيق والتدقيق
المصدرhttp://www.mara.gov.om/jumaa/index.php?option=com_content&task=view&id=118
ملاحظة مهمه / موقع خطب الجمعة بسلطنة عمان فيه خطب جميلة وتكتب بالتشكيل واسلوبها رائع ولكنها لا تخلو من الأحاديث الضعيفة ولا تخرج أحاديثها وفيها بعض المخالفات فليحذر الخطيب من النقل دون تحقيق وتدقيق وفق الله الجميع
أَمَّا بَعْدُ، فَأَوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجلَّ، فَإِنَّها أَمَانٌ مِنَ الفِتَنِ والبَلاَيا، ومَنَعَةٌ مِنَ الأَحْزَانِ وَالرَّزَايا، ومُكَفِّرَةٌ لِلذُّنُوبِ والخَطَايَا، يَقُولُ الحَقُّ تَبَارَكَ وتَعَالَى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) إخوة الإيمان : إن حِكْمَةَ اللهِ اقتَضَتْ أَلاَّ تَستَقِرَّ الحَيَاةُ عَلَى حَالٍ، فَدَوامُ الحَالِ مِنَ المُحَالِ، فَهِيَ دَائِمَةُ التَّقَلُّبِ بِأَهلِها، بَيْنَ يُسْرٍ وعُسْرٍ، وصَفَاءٍ وكَدَرٍ، وسُرورٍ وحُزْنٍ، والإِنْسَانُ حِينَ يَفْقِدُ شَيئاً مِنْ مَحْبُوباتِهِ، أَو يُصَابُ بِمَكْرُوهٍ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ غَالِباً مَا تَنْتَابُهُ حَالَةٌ مِنَ الهُمُومِ، وتَغْشَاهُ سَحَابَةٌ مِنَ الغُمُومِ، فَيَعِيشُ فِي دَائِرَةٍ مِنَ الحُزْنِ، إِلاَّ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُؤمِنَ بِأَنَّ هَذَا ابتَلاَءٌ مِنَ اللهِ، فَالإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا بَيْنَ ابتِلاَءٍ بِالشَّرِّ وابتِلاَءٍ بِالخَيْرِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)) إِنَّ الفَرَحَ والحُزْنَ عُنْصَرانِ فِي الحَيَاةِ مُتَضَادَّانِ، خَلَقَهُمَا اللهُ فِي وِجْدَانِ كُلِّ إِنْسَانٍ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ وتَعالَى يَهَبُ النُّفُوسَ الفَرَحَ والتَّرَحَ، قَالَ تَعَالَى: ((وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى)) وَهَذا الضَّحِكُ والبُكَاءُ إِنَّما هُوَ انْعِكَاسٌ لِنَظْرَةِ الإِنْسَانِ وفَهْمِهِ لِسُنَنِ الحَيَاةِ وأَحْدَاثِها، وطَرِيقَةِ تَعَامُلِهِ مَعَها، فَالإِنْسَانُ فِي حَيَاتِهِ قَدْ يَسْلُكُ طَرِيقاً يَكُونُ سَبباً فِي تَكْدِيرِ صَفْوِهِ وتَنْغِيصِ حَيَاتِهِ، ويزداد حُزْنِهِ وبَلاَئِهِ، لِذَلِكَ حَثَّ الإِسْلاَمُ المَرْءَ عَلَى التَّسَلُّحِ بِالجَلَدِ والصَّبْرِ، إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ مَا يُكَدِّرُ الصَّفْوَ أَو التَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرٌ، فَلاَ شَيءَ أَنْفَعُ وأَجْدَى مِنَ الصَّبْرِ، فَالصَّبْرُ عَلَى المُصَابِ خَيْرٌ مِنَ الاستِسلاَمِ لِلْحُزْنِ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، ومَا أُعْطِي أَحَدٌ خَيْراً وأَوسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)).رواه البخاري
عباد الله : قَدْ يَعتَرِي الحَيَاةَ بَعْضُ الأَحْزَانِ، فَهِيَ سُنَّةٌ إِلَهيَّةٌ فِي حَيَاةِ بَنِي الإِنْسَانِ، ولَقَدْ ابتَلَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-بابتِلاَءَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ المِحَنِ والشَّدَائِدِ التِي أَعقَبَها الحُزْنُ فِي حَيَاتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَفَقَدَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ شَخْصَينِ عَزِيزَيْنِ عَلَى قَلْبِهِ، هُمَا: أُمُّ المُؤمِنينَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُويلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وعَمُّهُ أَبَو طَالِبٍ، فَحزن لفقدهما وكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يَحْزَنُ بِسَبَبِ إِعْرَاضِ قَوْمِهِ عَنْ دَعْوَتِهِ واستِهزَائِهمْ، ومُقَاطَعَتِهمْ لَهُ وتَكْذِيبِهمْ، كَمَا دَلَّ على ذَلِكَ قَولُ الحَقِّ تَبَارَكَ وتَعَالَى: ((قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)) وَقَولُهُ تَعَالَى لَهُ: ((فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ)) وَقَولُهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضَاً: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)) وَلقدْ وَاسَاهُ الله عَزَّ وجَلَّ بِمَا يُثَبِّتُ قَلْبَهُ، ويُخَفِّفُ عَنْهُ لَوعَةَ الحُزْنِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَصَ الأَنْبِياءِ مِنْ قَبلِهِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَكُلاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)) فَفِي قِصَّةِ يَعقُوبَ الذِي فَقَدَ ابنَهُ يُوسُفَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- ثُمَّ فُجِعَ بِفَقْدِ ابنِهِ الآخَر، فَزَادَ هَمُّهُ وحُزْنُهُ، ((قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) وَكَذا يُونُسُ عَلْيِهِ السَّلاَمُ وهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ، بَثَّ فِي دُعَائِهِ لَوعَةَ الحُزْنِ والكَرْبِ لِرَبِّهِ عَزَّوجَلَّ، فَقَالَ: ((لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) إِنَّ التَّأَمُّلَ فِي قِصَصِ الأَوَّلِينَ، وسِيَرِ المُرسَلِينَ، يَبْعَثُ فِي النَّفْسِ الثَّبَاتَ، عَلَى مَواطِنِ الحُزْنِ والنَّكَباتِ، ويَبُثُّ فِي النَّفْسِ الأَمَلَ بِتَجَاوُزِ الأَحْزَانِ والكُرُبَاتِ، فَالكَرْبُ يَعقُبُهُ الفَرَجُ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً)).صححه الألباني
إخوة الإيمان : إِنَّ حَالَةَ الحُزْنِ التِي تُصِيبُ الإِنْسَانَ، لَيْسَتْ دَائِماً مَدْعَاةَ السُّوءِ والضُّرِّ، بَلْ إِنَّها سَبَبٌ لِمُرَاجَعَةِ النَّفْسِ، فَاللهُ تَعالَى يَقُولُ: ((وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) ويَقُولُ الحَقُّ سُبْحَانَهُ: ((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)) بَلْ إِنَّ وقُوعَ الشَّيءِ المَكْروهِ قَدْ يَأْتِي بِمَا هُوَ خَيْرٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) إِنَّ تَرْويضَ النَّفْسِ عَلَى الشَّدائِدِ قَبْلَ وقُوعِها، يُخَفِّفُ عَلَيْهِ استِقبَالَها ودَفْعَها، أَمَّا النَّحِيبُ عَلَى مَا مَضَى، والحُزْنُ عَلَى مَا انْقَضَى، فَإِنَّهُ لاَ يَعْمُرُ مُستَقْبَلاً، ولاَ يُجِدِّدُ أَمَلاً، بَلْ إِنَّهُ يُضْعِفُ الإِنْسَانَ ويُوهِنُ قُواهُ، ويَجْعَلُهُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى مَواجَهَةِ أَعْبَاءِ الحَيَاةِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ واستَعِنْ بِاللهِ ولاَ تَعْجِزْ، وإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَو أَنِّي فَعلْتُ كَذَا لَكَانَ كَذَا وكَذَا، ولَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ ومَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ "لَو" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)).رواه مسلم
إِنَّ السُّخْطَ والجَزَعَ لايُغَيِّرُ مِنْ قَضَاءِ اللهِ شَيئاً، قَالَ تَعَالَى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) إِنَّهُ لاَ يُنْكَرْ عَلَى المَرْءِ أَنْ يَحْزَنَ إِذَا وَقَعَتْ أَسَبَابُ الحُزْنِ، ولَكِنَّ المَذْمُومَ هُوَ الاستِسلاَمُ لِلْحُزْنِ والإِذْعَانُ لَهُ، مَعَ أَنَّ سُنَّةَ الحَيَاةِ جَرَتْ أنَّ الحُزْنَ لاَ يَلْبَثُ أَنْ يَنْجَلِيَ بَعْدَ وَقْتٍ، لِيَحُلَّ مَحَلَّهُ الفَرَحُ وتَعُودَ مِياهُ السُّرورُ إِلَى مَجَارِيها، قَالَ تَعَالَى: ((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)).
عِبادَ اللهِ :عَلَى المُسلِمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا يُواجِهُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ ابتِلاَءاتٍ، إِنَّمَا هُوَ تَكْفِيرٌ لِلْخَطَايَا والسَّيِّئَاتِ، يَقُولُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَا يُصِيبُ المُسلِمَ مِنْ نَصَبٍ ولاَ وَصَبٍ، ولاَ هَمٍّ ولاَ حَزَنٍ، ولاَ أَذَىً ولاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُها إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)).رواه البخاري
إِنَّ الابتِلاَءَ بِالمِحَنِ والأَحْزَانِ، يُهَذِّبُ النَّفْسَ ويُصْلِحُ عِوَجَها، ويَجْعَلُها تَتَوبُ إِلَى بَارِئِها، فَرُبَّ أُنَاسٍ كَانُوا فِي غَايَةِ الغَفْلَةِ والإِعْرِاضِ، وحِينَ أَلَمَّتْ بِهِمُ المَصَائِبُ والأَحْزَانُ والأَمْراضُ، تَنَبَّهُوا وَلَجأَوا إِلَى رَبِّهِمْ، وأَظْهَروا النَّدَمَ عَلَى مَا فَرَّطُوا فِي جَنْبِ خَالِقِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)).
إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ صَبْراً ورِضاً عَنِ المَصَائبِ والأَحْزَانِ أَكَثَرُهُمْ إِيمَانَاً، وأَحْسَنُهُمْ يَقِيناً، يَقُولُ عَلَيهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ: ((إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وإِنَّ اللهَ تَعالَى إِذَا أَحَبَّ قَوماً ابتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ومَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ))صححه الألباني
فَلاَ تَأْسَ أَيُّها المُسلِمُ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وأَحْسِنِ التَّوكُّلَ عَلَى رَبِّكَ، وسَلِّمِ الأَمْرَ إِلَيْهِ؛ فَسيَكْفِيكَ هَمَّ الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَمُوا أَنَّ الحُزْنَ مَهْمَا بَلَغَتْ حِدَّتُهُ لاَ يَدُومُ، فَتَفاءَلُوا بِالفَرَجِ ولاَ تَركَنُوا إِلَى الهُمُومِ، وتَوكَّلُوا عَلَى اللهِ الحَيِّ القَيُّومِ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
لَقَدْ جَاءَ دِينُنُا الحَنِيفُ بِمَا يَكْفُلُ لِلْمُسلِمِ التَّخَلُّصَ مِنْ آفَاتِ الحُزْنِ، ومِنْ هَذَهِ العِلاَجَاتِ: الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وقَدَرِهِ، فَإِيمَانُ المُؤمِنِ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، ومَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وأَنَّ الأُمُورَ بِيَدِ مُقَدِّرِها سُبْحَانَهُ، وأَنَّ الأَرزَاقَ مَقْسُومَةٌ، والآجَالَ مَحتُومَةٌ، وأَنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَستَكْمِلَ رِزقَها وأَجَلَها، يُذْهِبُ الكَثِيرَ مِنَ الهُمُومِ والأَحْزَانِ، والمُؤمِنُ الحَقُّ يَستَحْضِرُ حِكْمَةَ اللهِ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَصَابَهُ، إِذْ إِنَّ أَفْعَالَ اللهِ لاَ تَصْدُرُ إِلاَّ عَنْ حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، ومَا أَجْمَلَ أَنْ يَصْحَبَ التَّوكُّلُ المُؤمِنَ فِي جَمِيعِ حَالاَتِهِ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ((قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) إِنَّ مَنْ يَتَوكَّلْ عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ويَصْبِرْ عِنْدَ وقُوعِ الحُزْنِ والمُصَابِ، يَنَلِ الخَيْرَ مِنَ اللهِ وحُسْنَ الثَّوابِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يَبتَلِي لِيُعْطِيَ، ويَمتَحِنُ لِيَصْطَفِيَ، يَقُولُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ))رواه البخاري
والمُؤمِنُ لاَ يَرْجُو إِلاَّ مِنَ اللهِ وَحْدَهُ فِي رَفْعِ حُزْنِهِ ومُصِيبَتِهِ، ودَفْعِ كُرْبَتِهِ وبَلِيَّتِهِ، وإِذَا تَكَالَبَتْ عَلَيْهِ الأَحْزَانُ رَفَعَ أَكُفَّ الضَّراعَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُوهُ لِيَكْشِفَ عَنْهُ ضُرَّهُ، قَالَ تَعَالَى: ((أمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) وَلَقَدْ أَرشَدَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ خِلاَلِ سِيرَتِهِ العَطِرَةِ المُبَارَكَةِ إِلَى إِرشَادَاتٍ وتَعلِيمَاتٍ عَظِيمَةٍ، ووَصَايَا نَافِعَةٍ مُهِمَّةٍ، لِعِلاَجِ الهَمِّ والغَمِّ والكَرْبِ والحُزْنِ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاَةِ، وهُوَ فِي ذَلِكَ يَمتَثِلُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى حَيْثُ يَقُولُ: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يَقُولُ عِنْدَ الكَرْبِ والحُزْنِ والشِّدَّةِ: ((لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ رَبُّ السَّمَواتِ ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ))متفق عليه
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم مَا يُذْهِبُ عَنْهُمُ الحُزْنَ، فعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَصَابَ مُسْلِمًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أُمَّتِكَ، نَاصِيَتِي فِي يَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ بَصَرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَ لَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَجًا "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَتَعَلَّمُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ»صححه الألباني
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ : كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ))اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ))
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، ولاَ تَستَسلِمُوا لِلْحُزْنِ والمَصَائِبِ، واصْبِروا فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَاجِبٌ، واجْعَلُوا مِنَ الأَحْزَانِ والبَلاَيَا رَافِداً لَكُمْ لِفِعْلِ الخَيْرَاتِ، تَلْجَأُونَ بِنُزُولِها لِرَبِّ الأَرْضِ والسَّمَاواتِ، لِتَنَالُوا أَجْرَ الصَّبْرِ والدَّعَواتِ.
عباد الله َصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فقَالَ: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )).
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
الخطبة جاهزة بعد التخريخ والتحقيق والتدقيق
المصدرhttp://www.mara.gov.om/jumaa/index.php?option=com_content&task=view&id=118
ملاحظة مهمه / موقع خطب الجمعة بسلطنة عمان فيه خطب جميلة وتكتب بالتشكيل واسلوبها رائع ولكنها لا تخلو من الأحاديث الضعيفة ولا تخرج أحاديثها وفيها بعض المخالفات فليحذر الخطيب من النقل دون تحقيق وتدقيق وفق الله الجميع
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق