لا تغضب
طلال شنيف الصبحي
الغضب 5 / 2 / 1441ه
(خطبة للشيخ ناصر الزهراني. بتصرف)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
أَمَّا بَعْدُ: فأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
عباد الله: أقبل رجل ونفسه متشوقة، وأذنه صاغية، وفؤاده متطلع. أقبل إلى أين؟ ومشى إلى من؟ ويتطلع إلى من؟ أقبل إلى المصطفى إلى المعلم الأعظم، والمربي الأكمل، إلى من أوتي جوامع الكلم. واختصر له الكلام اختصاراً يريد منه موعظة بليغة، ووصية جامعة، وكلمة نافعة، فناجاه في أدب واحترام، وتطلّع وترقب، يا رسول الله أوصني، قال: ((لا تغضب))، استمع الرجل، وهو لا زال حانياً رأسه، مرخياً سمعه، يريد أن يسمع بقية الوصية وتكملة الموعظة، فإذا بالنبي يقف عندها ولا يزيد عليها شيئاً، فيكرر الرجل طلبه مرة أخرى، يا رسول الله أوصني قال: ((لا تغضب))، فردد مراراً، قال: ((لا تغضب)) [أخرجه البخاري].
إنها وصية موجزة، وموعظة مختصرة، ولكنها جامعة مانعة، وهي تدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير، وفي رواية أخرى أن رجلاً قال: يا رسول الله قل لي قولاً وأقلل عليّ لعلي أعقله، قال: ((لا تغضب)) فأعاد عليه مراراً كل ذلك يقول: ((لا تغضب))، ((لا تغضب))، ((لا تغضب)) فلماذا لا تغضب؟؟.
الغضب جماع الشر، ومصدر الهلاك، وعنوان الدمار، الغضب خلق أحمق، وتصرف أهوج، وداء مزعج، وخطر محدق، وشيطان أخرس؛ الغضب نار في الفؤاد، وجمرة في القلب، وشرار في العين، وحمرة في الوجه، وتوتر في الأعصاب، وانتفاخ في الأوداج، وحمق في التصرف، ومسارعة للانتقام، ومبادرة للتشفي؛ آثاره أليمة، ونتائجه عظيمة وعواقبه وخيمة؛ دُمّرت به أسر، ومُزقت به بيوت، وقُطّعت به أرحام، وأشعلت به فتن، وقامت بسببه محن، وزُرعت بفعله إحن؛ رُمّلت به نساء، وأريقت به دماء، يُغضب الرحمن، ويفرّق الإخوان، ويُعمي الأبصار، ويُصم الآذان.
كثرت الخصومات، وعظمت الشكايات، تفككت أعداد من الأسر، وتمزقت فئام من الأواصر، كثر الطلاق، وعظم الفراق، واستشرى الشقاق، وأغلب ذلك بأسباب الغضب.
فالغضب: خلق ذميم، وتصرف لئيم، وفعل مشين، مفتاح لأكثر البلايا، وسبب لأعظم الرزايا، هذا إذا زاد عن حدّه، وخرج عن قصده، وإلا فالغضب موجود، وبعضٌ منه محمود.
الغضب هو غليان دم القلب طلباً لدفع الأذى، أو الانتقام ممن وقع منه الأذى. وإننا في هذا الواقع الذي نعيشه، والذي زادت فيه متطلبات الحياة، وتعقدت أمورها، وتعددت شرورها، أصبحنا نرى الغضب يسري في النفوس، ويجري في الدماء، فكثير من الناس في غضب دائم وتوتر مزعج، وقلق مرهق. أظلمت القلوب، وخافت النفوس، وتوترت الأعصاب، ظاهرةٌ أصبحت تُرى حتى في الأطفال الصغار، وقد نُقلت إليهم عدواه، وشملتهم بلواه، وفي أقل من شهر طالب ُفي المرحلة الابتدائية يخنق صديقه فيقتله، وأخر في المرحلة المتوسطة يتشاجر مع صاحبه فيرديه قتيلا، نسأل الله السلامة والعافية.
الغضب خلقٌ زُرع في الإنسان، فهو صفة من صفاته، وآية من آياته، مثله مثل الحلم والضحك والبكاء.. وغيرها. ولكن له حد معين يجب أن لا يتعداه، وقانون محدد يجدر أن لا يتخطاه.
وقال مبيناً أن الرجل الشديد، والفارس الشجاع، ليس هو الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه، ولكن الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) [متفق عليه].
ومن صفات الله تعالى الغضب، ولكن اقتضت حكمته ورحمته وحلمه جل وعلا أن تسبق رحمته غضبه، فسبحانه ما أحلمه وأعظمه!!. وقد امتدح الله تعالى عباده المؤمنين الذين يملكون أنفسهم عند الغضب، يغفرون ويصفحون ويحلمون ويعفون، بقوله تعالى: وإذا ما غضبوا هم يغفرون وقال تعالى: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وقال تعالى: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم بارك الله
أقول قولي هذا وأستغفر
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم فيستطيع من كان الغضب والانفعال طبعه وسجيته أن يسكن غضبه ويظبط تصرفاته وذلك باتباع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك تذكر ما أعده الله من الثواب لمن كظم غيظه وعفا وأصلح:
قال تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله
وقال تعالى عن المتقين: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين
كانت جاريةٌ تصب الماء على يدي جعفر الصادق – رحمه الله – فوقع الإبريق من يدها فانتثر الماء عليه، فاشتد غضبُه، فقالت له: يا مولاي والكاظمين الغيظ ، قال: كظمت غيظي، قال: والعافين عن الناس ، قال: عفوت عنك، قالت: والله يحب المحسنين ، قال: أنت حرّة !! فانظر احترامهم لآيات القرآن وآدابه.
وقال : ((من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يُخيّره في أي الحور شاء)) [رواه الترمذي].
وقال : ((ما تجرّع عبد جرعة أفضل عند الله من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله عز وجل)) [رواه أحمد].
3- التعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال تعالى: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم
استبّ رجلان عند النبي والصحابة جلوس عنده، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً، قد أحمرّ وجهه، فقال النبي : ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) [أخرجه البخاري].
4- الوضوء:
قال : ((إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)) [رواه أبو داود].
5- تغيير الهيئة:
قال : ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإذا ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)) [رواه أبو داود].
6- السكوت:
قال : ((علموا ويسّروا ولا تعسّروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت)) [رواه أحمد].
7- أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم:
فكم من إنسان تدمرت حياته، وشقيت أسرته بسبب الغضب، فيغضب الرجل غضباً شديداً فيطلق زوجته، ثم يندم بعد ذلك وقد لا ينفع الندم. يغضب الإنسان غضباً شديداً فيعاقب أبناءه بما يندم عليه، أو يموت منه كمداً.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عُمّاله أن لا تعاقب عند غضبك.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أول الغضب جنون وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب.
8- الترفع عن الجهال والصبر عليهم وعدم مجاراتهم:
فإن الإنسان إذا تدنى إلى مستواهم أصبح مثلهم، يروى أن رجلاً أسمع أبا الدرداء كلاماً، فقال له أبو الدرداء: يا هذا لا تُغرقن في سبّنا، ودع للصلح موضعاً، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
وشتم رجل الشعبي، فقال له: إن كنت كما قلتَ فغفر الله لي، وإن لم أكن كما قلتَ، فغفر الله لك.
عباد الله: ومن الغضب ما يكون محموداً بل ما يكون واجباً، وهو الغضب لله عز وجل. لم يكن يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء. وهذا على العكس من حالنا تماماً إلا من رحم، فنحن نغضب لأنفسنا، ولكن قل منا من يغضب لله تعالى.
أمر الله جبريل عليه السلام أن يدمّر قرية من القرى فقال: (يا رب إن فيها عبدك الصالح فلاناً، فقال تعالى: به فابدأ فإنه لم يتمعّر وجهه مرة من أجلي)، فأين الغضب لله عز وجل اليوم؟
اللهم ردنا إليك ردا جميلا
اللهم ردنا إليك ردا جميلا.
هذا وصلوا وسلموا
طلال شنيف الصبحي
هنا المرفق
تعديل التعليق