لا تغضب ولك الجنة

بسم الله الرحمن الرحيم إخوة الإيمان والعقيدة ... ظاهرةٌ ذميمة سيئة شيطانية، انتشرت في طبقات المجتمع، في أسواقنا، وشوارعنا، ودوائرنا، وبيوتنا، بل حتى في مساجدنا، هذه الظاهرة التي تؤدِّي إلى سلوك غير محمود، وتؤدي إلى هدم البيوت، وقطع المودَّة بين المسلمين. حذَّرَ منها رسول الله ﷺ أصحابَه الكِرام، وجعل ثواب المبتعد عنها الجنة، قال عنها الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب t: أول هذه الظاهرة جنون، وآخرها ندم. فهل عرفتَم هذه الظاهرة؟ إنَّها الغضب. جاء رجل اسمه جَارِيَةُ بن قُدَامَةَ إلى النبي ﷺ، وقال له: يا رسول الله، قلْ لي قَوْلاً وأَقْلِلْ عَلَيَّ؛ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ؟ قَالَ ﷺ (لا تَغْضَبْ) فَرَدَّدَ مِرَارًا، ورسول الله (لا تَغْضَبْ). هذه الوصية الغالية التي نطق بها أشرفُ الخلق، الحبيب محمد ﷺ وَصِيَّة لم يُرِدْ بها الرجل السائل فقط، بل أراد أن تكون لكل المسلمين على امتداد العصور، جيلاً بعد جيل، حتى يَرِث الله الأرض ومَن عليها، بل اسمع إلى أبي الدرداء، وهو يقول: قلتُ: يا رسول الله، دُلَّنِي على عمل يدخلني الجنةَ، قال (لا تَغْضَبْ، ولكَ الجنة). ولو تصفَّحنا كتاب الله سنجد أن الله امتدح عباده المؤمنين الذين يَملكون أنفسهم عند الغضب، ويغفرون، ويصفحون، ويَحْلُمون، ويعفون، قال تعالى ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ وقال ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾. وبيَّن ﷺ أنَّ الرجل الشديد ليس هو الذي يَصْرَعُ الرجالَ ولا يَصْرَعونه، فقال (ليس الشديد بالصُّرَعَة، إنما الشديد الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). جاء في تفسير قوله تعالى ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي: بالصبر عند الغضب، وبالعفوُ عند الإساءة، فإذا فعلوا عصمهم الله، وخضع لهم عدوُّهم. بالله عليكم يا مسلمون، كم من مسلم اليوم بسبب لحظة غضب هَدَمَ أُسرته، وشتت شملها! وكم من مسلم بسبب غضبه هدم كل عناصر الودِّ والصداقة مع أصحابه! وكم من مسلم بسبب الغضب لَعَنَ والديه، وتلفَّظ عليهما بأشنع عبارة تَخرج من لسانه! كم من شخص بسبب لحظة الغضب تنكَّر لمن أسدى إليه معروفًا، وصنع له جميلاً!! انظروا إلى سيرة الذين كانوا أصفياء القلوب، إلى الذين كانوا أشداء على الكفار رُحماء بينهم؛ لتروا كيف دفعوا بالتي هي أحسن، كيف ابتعدوا عن الظاهرة الشيطانية، كيف سيطروا على أنفسهم. ويكفي أن تنظر إلى سيرة سيدنا محمد ﷺ، لأنه إذا ذكرت الأخلاق، فمحمد صاحبُها، وإذا ذكرت التربية، فمحمد أستاذها، وصدق الله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾. في ذات يوم، وبينما رسول الله ﷺ يوزِّع الغنائم على المسلمين، يأتيه أعرابيٌّ فيخترق المجلس، ويقول للنبي ﷺ: زِدْني يا محمد، فليس المال مالك، ولا مالك أبيك. فتبسَّم النبي ﷺ وقال (صدقتَ؛ إنه مال الله). والله، لو يعلم هذا الأعرابي وغيره أنَّ عاقبة الاعتداء على رسول الله ﷺ هي الإعدام أو السجن أو العذاب الأليم، لَمَا تجرَّأ على فِعْل ذلك، ولكنهم عرفوه ﷺ صاحب القلب الرحيم، صاحب القلب المملوء بالرحمة والشفقة على المسلمين. فالنبي ﷺ لم يَحْقِد على هذا الأعرابي الفظِّ، الذي كان جافيًا في عباراته، بل قال له النبي ﷺ (صدقتَ يا أخا العرب؛ إنه مال الله))، وزاده عطاءً، وكان عمر t واقفًا، فقال: يا رسول الله، دَعْنِي أضرب عنق هذا الأعرابي، فهذا الإنسان تجاوز حدَّه، فقال ﷺ (يا عمر، دعه؛ فإن لصاحبِ الحقِّ مقالاً) ليس هناك انتقام للنفس، ليس هناك حِقْدٌ دفين، ليس هناك انتقامٌ للشخصية، ولكن هناك قلب رحيم ﷺ. أقول ما تسمعون ...       الحمد لله رب العالمين ... معاشر المؤمنين ... لقد وضع النبي ﷺ علاجًا لهذا المرض، وَصْفَةٌ نَّبَوِيَّةٌ لمعالجة الغضب: منها: الاستعاذة بالله من الشيطان: جلس النبي ﷺ ورجلان يَسْتَبَّانِ، وأحدهما قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ، فقال رسول الله ﷺ (إني لأَعْلَمُ كلمةً لو قالها، لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعُوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهبَ عَنه ما يَجِدُ). ومن العلاج: السكوت: قال ﷺ (عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا، ولا تُعَسِّرُوا، وإذا غَضِبَ أحدُكم، فَلْيَسْكُتْ) لأن الإنسان إذا تكلم وهو غضبان، فإنه سوف يسب ويشتم، وربَّما يكفر بالله، لذلك أمرنا رسولنا ﷺ بالسكوت. على الإنسان إذا غضِب أن يغيِّر هيئته، كيف! قال رسولُ الله ﷺ (إذا غَضِبَ أحدُكم وهو قائمٌ، فليجْلِسْ، فإنْ ذَهَبَ عنه الغضبُ، وإلاَّ فَلْيضطجِعْ). ومن العلاج للغضب الوضوء، قال رسول الله ﷺ (إنَّ الغضبَ من الشيطان، وإنَّ الشيطان خُلِقَ من النارِ، وإنما تُطْفَأُ النارُ بالماء، فإذا غَضِبَ أحدُكم، فَلْيَتَوَضأْ). وهذه بشارة من النبي ﷺ لمن يكظم غيظه وغضبه، قال ﷺ (من كَظَمَ غَيظًا وهو قادرٌ على أنْ يُنْفِذَه، دَعَاهُ اللهُ على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخَيِّرَه من الحُور العين ما شاءَ). فيا مَن تبحث عن الحياة السعيدة في الدنيا، يا مَن تبحث عن طريق الجنة، لا تَغْضَبْ، وَلَكَ الْجَنَّةُ، هذه وصية نبيِّنا ﷺ. اللهم حسِّن أخلاقنا، وارزُقنا العدلَ في الغضب والرِّضا، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وتركَ المنكرات، اللهم إنا نسألك من الخير كلِّه عاجله وآجله. وصلى الله على نبينا محمد ...
المرفقات

1658476316_لا تغضب ولك الجمة.docx

1658476324_لا تغضب ولك الجمة.pdf

المشاهدات 1322 | التعليقات 0