( لا تغضب ) مختصرة

أنشر تؤجر
1445/11/22 - 2024/05/30 15:30PM

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَمَرَ عِبَادَهُ بِالاِسْتِقَامَةِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَبْتَغِي بِهَا النَّجَاةَ وَالسَّلاَمَةَ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وأصحابه  وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

أَمَّا بَعْدُ : فَأُوصِيكُمْ  - عِبَادَ اللهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ اتَّقُوا اللهَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى طَاعَتِهِ فِي كُلِّ زَمَنٍ  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب 70 – 71].

عباد الله : داء خطير ، وصفة شيطانية ، ومرض انتشر في بعض النفوس ، أدى إلى خروجها عن طورها وتفكيرها ، إنه مرض أدى إلى القتل ، وإلى طلاق الزوجات وفراق الإخوان ، وتنازع الأقارب !

حذَّرَ منه رسول الله ﷺ أصحابَه الكِرام ، إنه داء ومرض الغضب !

جاء رجل اسمه جَارِيَةُ بن قُدَامَةَ إلى النبي ﷺ، وقال له: يا رسول الله، قلْ لي قَوْلاً وأَقْلِلْ عَلَيَّ؛ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ؟ قَالَ ﷺ (لا تَغْضَبْ) فَرَدَّدَ مِرَارًا، ورسول الله يقول :( لا تَغْضَبْ ).

هذه الوصية الغالية التي نطق بها أشرفُ الخلق ، نبينا محمد ﷺ وَصِيَّة لم يُرِدْ بها الرجل السائل فقط ، بل أراد أن تكون لكل المسلمين على امتداد العصور ، جيلاً بعد جيل ، حتى يَرِث الله الأرض ومَن عليها .

ولو تصفَّحنا كتاب الله سنجد أن الله امتدح عباده المؤمنين الذين يَملكون أنفسهم عند الغضب ، ويغفرون ، ويصفحون ، ويعفون ، قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ وقال تعالى :﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.

وبيَّن ﷺ أنَّ الرجل الشديد ليس هو الذي يَصْرَعُ الرجالَ ولا يَصْرَعونه ، فقال عليه الصلاة والسلام :( ليس الشديد بالصُّرَعَة ، إنما الشديد الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ ).

وكم من مسلم اليوم بسبب لحظة غضب هَدَمَ أُسرته ، وشتت شملها ! وكم من شخص بسبب غضبه هدم كل عناصر الودِّ والصداقة مع أصحابه وأقاربه !!

وقد قال الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أول هذه الظاهرة جنون ، وآخرها ندم .

عباد الله : انظروا إلى سيرة خير القرون ، الذين كانوا أصفياء القلوب ، إلى الذين كانوا أشداء على الكفار رُحماء بينهم ؛ لتروا كيف دفعوا بالتي هي أحسن ، كيف ابتعدوا عن الظاهرة الشيطانية ، كيف سيطروا على أنفسهم .

ويكفي أن تنظر إلى سيرة أفضل البشر نبينا محمد ﷺ ، لأنه إذا ذكرت الأخلاق ، فنبينا صاحبُها ، وإذا ذكرت التربية ، فنبينا معلمها وأستاذها ، وصدق الله :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾.

في ذات يوم ، وبينما رسول الله ﷺ يوزِّع الغنائم على المسلمين ، يأتيه أعرابيٌّ فيخترق المجلس ، ويقول للنبي ﷺ : زِدْني يا محمد ، فليس المال مالك ، ولا مالك أبيك ؛ فتبسَّم النبي ﷺ وقال : ( صدقتَ ؛ إنه مال الله ).

 فالنبي ﷺ لم يَحْقِد على هذا الأعرابي الفظِّ ، الذي كان جافيًا في عباراته ، بل قال له النبي ﷺ :( صدقتَ يا أخا العرب ؛ إنه مال الله )، وزاده عطاءً ، وكان عمر رضي الله عنه واقفًا ، فقال : يا رسول الله ، دَعْنِي أضرب عنق هذا الأعرابي ، فهذا الإنسان تجاوز حدَّه ، فقال ﷺ :( يا عمرُ ، دعه ؛ فإن لصاحبِ الحقِّ مقالاً ) ليس هناك انتقام للنفس ، ليس هناك انتقامٌ للشخصية، ولكن هناك قلب رحيم ﷺ ؛ فلم يكن يغضب عليه الصلاة والسلام إلا إذا انتهكت محارم الله ، ومقترناً بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهذا هو الغضب المحمود الذي من أجل الله ، وليس من أجل الدنيا .

يخاطبني السفيه بكل قبح ** فأكره أكــون له مجيبا

 يزيد سفاهة فأزيد حلـما ** كعود زاده الإحراق طيبا

وسئل الامام احمد رحمه الله عن حسن الخلق فقال :" حسن الخلق أن لا تغضب "

اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيِّئَها لا يصرف عنا سيِّئَها إلا أنت .

أقول ما تسمعون ... وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية :

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . أما بعد :

أيها المؤمنين : لقد جعل النبي ﷺ علاجًا لهذا المرض ، ووَصْفَةٌ نَّبَوِيَّةٌ لمعالجة الغضب ؛ منها :

 الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم : جلس النبي ﷺ ورجلان يَسْتَبَّانِ، وأحدهما قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ ، فقال رسول الله ﷺ :( إني لأَعْلَمُ كلمةً لو قالها ، لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعُوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ذهبَ عَنه ما يَجِدُ ).

ومن العلاج : السكوت ، قال ﷺ :( عَلِّمُوا وَيَسِّرُوا ، ولا تُعَسِّرُوا ، وإذا غَضِبَ أحدُكم ، فَلْيَسْكُتْ )، لأن الإنسان إذا تكلم وهو غضبان ، فإنه سوف يسب ويشتم ، وربَّما يكفر بالله، لأنه حال غضبه لا يدرك ما يقول , فإذا امتنع الإنسان عن الكلام وهو غضبان حتى تهدأ جمرة الغضب وتطفأ فورته ، فحينئذ سيكون الكلام سديداً ، وتكون العاقبة حميدة ؛ لذلك أمرنا رسولنا ﷺ بالسكوت .

ومن العلاج : أن على الإنسان إذا غضِب أن يغيِّر هيئته ، وكيف ذلك ؟! قال رسولُ الله ﷺ :( إذا غَضِبَ أحدُكم وهو قائمٌ ، فليجْلِسْ ، فإنْ ذَهَبَ عنه الغضبُ ، وإلاَّ فَلْيضطجِعْ ).

 ومن العلاج للغضب : الوضوء ، فقد روي عن رسول الله ﷺ أنه قال :( إنَّ الغضبَ من الشيطان ، وإنَّ الشيطان خُلِقَ من النارِ ، وإنما تُطْفَأُ النارُ بالماء ، فإذا غَضِبَ أحدُكم ، فَلْيَتَوَضأْ ).

وهذه بشارة من النبي ﷺ لمن يكظم غيظه وغضبه ، قال ﷺ :( من كَظَمَ غَيظًا وهو قادرٌ على أنْ يُنْفِذَه ، دَعَاهُ اللهُ على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، حتى يخَيِّرَه من الحُور العين ما شاءَ ).

فيا مَن تبحث عن الحياة السعيدة في الدنيا ، يا مَن تبحث عن طريق الجنة ، لا تَغْضَبْ ؛ هذه وصية نبيِّنا ﷺ.

اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عنا سيِّئَها لا يصرف عنا سيِّئَها إلا أنت .

اللهم ارزُقنا العدلَ في الغضب والرِّضا ، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات ، وتركَ المنكرات ، اللهم إنا نسألك من الخير كلِّه عاجله وآجله ، ونعوذ بك من الشر كله عاجلة وآجله .

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا  الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين .

اللَّهُمَّ آمنا في دورنا وأصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى .

سبحانَ ربِّك ربِّ العزّةِ عمّا يَصفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المرفقات

1717072196_لا تغضب.docx

المشاهدات 713 | التعليقات 0