لا تغتابوا المسلمين

لا تغتابوا المسلمين

29 / 7 / 1437هـ



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي، له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
إخوة الإيمان: حديثنا اليوم عن خصلة ذميمة، تلطخ بدرنها النساء والرجال والشباب و الشيب إلا من رحم الله، إنها مرض اجتماعي يقطّع أواصرَ المحبة بين المسلمين وهي من أسباب إضرام نار العداوات إنها من كبائر الذنوب تخبي نور الإيمان وتنزل عن مرتبة الإحسان، وهي من أسباب عذاب القبر عافانا الله وإياكم، إنها سبب لخسران حسناتك التي حزتها ونعوذ بالله من الخسران إنها الغيبة.

عباد الله: نهانا الله عن الغيبة فقال ﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾ [الحجرات: 12] والغيبة، ذكرك أخاك بما يكره في حال غيبته، وبعد أن نهى سبحانه عن الغيبة ذكر تشبيهاً يبين شناعتها وقذارتها فقال سبحانه ﴿ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12].

قال ابن عاشور في تفسيره: "والتمثيل مقصود منه استفظاع الممثََّل وتشويهه لإفادة الإغلاظ على المغتابين لأن الغيبة متفشية في الناس وخاصة في أيام الجاهلية. فشُبهتْ حالة اغتياب المسلم مَن هو أخوه في الإسلام وهو غائب بحالة أكل لحم أخيه وهو ميت لا يدافع عن نفسه " اهـ. وقال أيضا: " والفاء في قوله: ﴿ فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: 12] فاء الفصيحة، وضمير الغائب عائد إلى ﴿ أَحَدُكُمْ ﴾ [الحجرات: 12]، أو يعود إلى ﴿ لَحْمَ ﴾ [الحجرات: 12].والكراهة هنا: الاشمئزاز والتقذر ".اهـ اللهم اغفر لنا ولمن اغتبنا و وامنن علينا بتوبة نصوح!

أرأيتم إخوة الإسلام كيف شبهها الله ونحن نغتاب ليل نهار إلا ما شاء الله، و شؤم الغيبة وشرها صار قد يصاحبنا اليوم في أجهزتنا المحمولة، فكم في مواقع التواصل من غيبة عالم وداعية ولاعب وغيرهم وكم من استهزاء وسخرية بجنسيات وقبائل و غير ذلك.

معشر الكرام: تحديد عظمة الذنب ليس للناس وإنما لرب الناس، وبما يخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام، فكثرة الوقوع في الغيبة لا يعني أنها معصية سهلة! كان معاذ بن جبل في سفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم قال معاذ: فأصبحت يومَا قريبا منه ونحن نسير فقُلْت يا رسولَ اللهِ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فذكر له النبي عليه الصلاة والسلام أركان الإسلام الخمسة وأبوابا من الخير ثم قال له " ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قُلْت: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقُلْت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم " أخرجه الترمذي وصححه الألباني. وقال عليه الصلاة والسلام " من توكَّل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكَّلْتُ له بالجنةِ". أخرجه البخاري.

عبد الله: هل ركبت البحر؟ هل حلقت فوقه و أبهرك طوله وعرضه؟! هذا البحر الذي صار في وقتنا الحاضر توجه عليه مياه الصرف الصحي ولا تغيره، لو افترض أن كلمة غيبة صارت لونا لأثرت في البحر! فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفيةَ كذا وكذا، قال بعض الرواة: تعني قصيرةً. فقال: لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجت بماءِ البحرِ لمزجته. " أخرجه أبو داوود وصححه الألباني، فربما مثل هذه الكلمة تحدث لمن يسمعها كرها وفسادا.

والغيبة عباد الله سبب من أسباب عذاب القبر، ففي الحديث عند أبي داود: " لما عُرِجَ بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ يخْمِشون وجوهَهم وصدورَهم، فقلتُ: من هؤلاء يا جبريلُ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومِ الناسِ، ويقعون في أعراضِهم. " صححه الألباني.

عباد الله: إن الواجب أن نجتنب الغيبة وأن نتناصح وننكر المنكر، وفي الحديث " مَن ردَّ عَن عِرضِ أخيهِ ردَّ اللَّهُ عن وجهِهِ النَّارَ يومَ القيامةِ " أخرجه الترمذي وصححه الألباني، ومنكر المنكر أنصح للمغتاب وأحرص عليه ممن يجاري ويجامل؛ لأنه يسعى لرد المغتاب عن سبب إثم وعذاب.
ربنا ظلمنا أنفسنا... اللهم إنا نسألك عفة القلب واللسان والسمع والنظر واستغفروا الله إنه كان غفارا.
♦ ♦ ♦

الحمد لله... أما بعد: فإن اللسان نعمة وقد يكون نقمة، فهو باب إلى خيرات عظيمة وباب إلى شرور كبيرة، ومن أكثر هذه الشرور خطورة وانتشارا الغيبة أعاننا الله على اجتنابها والتوبة منها، فهي مما يدل على ضعف الإيمان في قلب المغتاب كما في حديث " يا معشرَ من آمنَ بلسانِه ولم يدخلْ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبعوا عوراتِهم " أخرجه أبو داوود وصححه الألباني.

عبد الله: كم خدعنا الشيطان من مرة يسوغ لنا الغيبة بأمور واهية، نعم ذكر أهل العلم أن الغيبة تجوز لغرض شرعي صحيح لا يمكن الوصول إليه إلا بالغيبة كما دلت على ذلك أدلة، وقد جُمعت في بيتين:
الذمُّ ليسَ بغيبةٍ في ستةٍ space.gif
متظلّمٍ ومعرِّفٍ و محذرِ space.gif
ولمظهرٍ فسقاً ومستفتٍ ومن space.gif
طلبَ الإعانةَ في إزالةِ منكرِ space.gif


فقال أهل العلم يجوز مثلا لمن مُطل في سداد ماله أن يقول في تظلمه فلان مطلني! لا أن يغتابه في أمور أخرى ويعدد معايبه يتشفى بها مما يجد في نفسه.

و لا شك أن المسلم قد يتردد في الكلام فلا يدري هل ما يريد قوله مما يكره الغائب فيكون غيبة أو هو ما لا يكرهه فيحل قوله وهنا نحتاج إلى الورع، قال الفضيل بن عياض " أشد الورع في اللسان ".

إخوة الإيمان: سأسوق جملة من الأسباب المعينة لنا على اجتناب الغيبة بإذن الله: فمن ذلك الدعاء وسؤال الله العون، ومما يعين على اجتنابها تذكر بشاعة الغيبة وأنها كأكل لحم الغائب ميتا، ومما يساعد على البعد عنها النصح والإنكار، ومما يعين أيضا: ذكر الله في المجلس فالذكر يطرد الشيطان، ومن الأسباب: مجالسة عف اللسان، ومما يعين على اجتنابها تقليل الخلطة البدنية والالكترونية ومما يساعد على السلامة منها: قِصر وقت الجلسة، ومما أُثر عن الزهري قوله " إذا طال المجلس صار للشيطان فيه نصيب " ومما يعين على اجتنابها تذكر اكتساب السيئات وخسران الحسنات، قال ابن المبارك - رحمه اللَّه -: "لو كنتُ مُغتابًا أحدًا، لاغتبتُ والديَّ؛ لأنَّهما أحقُّ بحسناتي". وأختم بهذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام "رَحِمَ اللهُ عبدًا كانت لأخيهِ عندَهُ مَظلِمَةٌ في عِرضٍ أو مالٍ، فجاءَهُ فاسْتَحَلَّهُ قبل أنْ يُؤخَذَ، وليسَ ثَمَّ دينارٌ ولا دِرْهَمٌ، فإنْ كانت لَه حَسَناتٌ، أُخِذَ مِن حَسَناتِهِ، وإنْ لم تَكُن لَه حَسَناتٌ حَمَّلُوهُ عليه مِن سَيِّئاتِهِم " أخرجه الترمذي ونحوه عند البخاري.

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7].
المشاهدات 1137 | التعليقات 0