لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى ،، ( الجمعة 1442/1/9 هـ )

يوسف العوض
1442/01/07 - 2020/08/26 10:35AM

الخطبة الأولى

عِبَادَ اللَّهِ : رَوَى الشَّيْخَانِ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ )) صَحَّحَه الألبَانيُّ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ، وَالْمَعْنَى ؛ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ وَهُو يَشْرَح هَذَا الْحَدِيثِ : “ أنَّ النبي-صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- شبَّه دَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ التَّوْحِيدِ بالأبِ الْوَاحِد لِاشْتِرَاك جَمِيعِهِمْ فِيهِ وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لِأَنْبِيَائِه كُلِهم… ، وَهَذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ دِينُ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ ، مِنْ أَوَّلِهِمْ نُوحٍ إلَى خاتمِهم محمَّدٍ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ الْوَاحِدِ ، وَأَمَّا شَرَائِعُ الْأَعْمَالِ وَالْمَأْمُورَاتُ فَقَدْ تَخْتَلِفُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الأمَّهاتِ الشَّتى “اهـ .
عِبَادَ اللَّهِ : ومن العِلاقاتِ التي تَلفتُ الانتباهَ العِلاقَةٌ بَيْن نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ  فهي عِلاقَةٌ حَمِيمِةٌ وقويةُ فَكَانَ لَموسى فَضْلُ عَلَيْنَا بالنَّصِيحَةِ لِلنَّبِيّ مُحَمَّدٍ فِي مُرَاجَعَةِ رَبِّه بِتَخْفِيفِ الصَّلاَةِ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ فَضْلٌ عَلَى مُوسَى عِنْدَمَا أَعَْلنَ مُشَارَكَتَه لمُوسَى في صومِ يومِ عَاشُورَاءَ شُكراً للِّه لمَّا أَنْجاه اللَّهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ فَقَالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لِلْيَهُودِ نَحْنُ أحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ ! .
عِبَادَ اللَّهِ : فَدَعَوْنَا نَعيشُ مَع الْمَشْهَدَيْن الْأَوَّلِ الذي كَانَ فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالثَّانِي الذي كان فِي الْأَرْضِ عِنْدَمَا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَدِينَة ، فإلى المشهدِ الأولِ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيّ عَنْ مَالِك بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (( ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ. قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي) ، يَقُول الْقُرْطُبِيّ : «الْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِمُرَاجَعَة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ لَعَلَّهَا لِكَوْن أُمَّةِ مُوسَى كُلّفْت مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ غَيْرُهَا مِنْ الْأُمَمِ فَثَقُلَت عَلَيْهِم فَأَشْفَق مُوسَى عَلَى أُمِّهِ محمد عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ والسلام مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ مُوسَى : «إِنِّي قَدْ جَرِبَتْ النَّاسَ قَبْلَكَ » .
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللَّهِ : انتهى مشهدُ السَّمَاءِ فلْنتعرفْ عَلَى مَشْهَدِ الْأَرْضِ فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ إلَه عَنْهُمَا قَالَ : (قدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَد الْيَهُودَ يَصُومُون يومَ عَاشُورَاء فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "ما هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَه ؟ " قَالُوا : هَذَا يومٌ عظيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَه ، وغرَّق فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَه مُوسَى شكرًا فَنَحْنُ نَصومُه فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "فنُحنُ أحقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى منكم" فَصَامَه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) رواه البُخَاري و مُسلِم ، أَجْل ! إنَّ محمداً وَأُمَّتَه أَوْلَى بِمُوسَى وَأَوْلَى بِكُلِّ الْأَنْبِيَاءِ ؛ لِأَنَّهُم آمَنُوا بِالْأَنْبِيَاءِ ، وصدَّقوا رِسَالَاتِهِم ، { آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ } .
ولَا يَعْرَفُ الْفَضْلَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إلَّا ذَوُو الْفَضْلِ ، ولذلك جَاءَ فِي الحديثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لَا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَومَ القِيَامَةِ فَأُصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي، أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّه)) ..
 
المشاهدات 1131 | التعليقات 2

جزاك الله خيرا


امين يارب العالمين واياك يا اخي العزيز