لا بد من المحاسبة ..
عبدالله محمد الطوالة
الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} ..
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وحدهُ لا شريك لهُ، لهُ مطلق العزِّ والقوةِ والغنى .. منهُ الـمُبتدأُ، وعليهِ الـمُعتمدُ، وإليهِ الـمُنتَهى، {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ..
وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدهُ ورسولهُ، النبيُّ المصطفى، والرسول المرتضى، والقدوةُ الـمُجتبى .. بعثه الله للعالمين رحمةً وبشراً، وشاهداً وداعياً وذِكْرا، مَن صلَّى عليه مرةً صلى الله عليه بها عشرا .. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله الأرفعين قدراً، وصحابته الأطيبين ذِكراً .. والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا ..
أمَّا بعدُ: فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا اللهَ رحمكم اللهُ، اتقوهُ حقَّ التقوى .. خلِّ الذنوبَ صغيرِها وكبيرِها ذاكَ التُقى .. واصنعَ كماشٍ فوقَ أرضِ الشوكِ يحذرُ ما يرى .. لا تحقرنَّ صغيرةً إن الجبالَ من الحصى ..
ألا وإن طولُ الأملِ يُنسي الآخرةَ، واتِّباعُ الهوى يصدُّ عن الحق، فدع ما يُريبُك إلى ما لا يُرِيبُك، واترك الشٌبهاتِ استبراءً لدينك، وقل أمنت بالله ثم استقم .. و{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ..
معاشِرَ المؤمنين الكرام: في اختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ عِظةٌ وعِبرَةٌ، وَفي تَوَالي الأَيَّامِ وَتَصَرُّمِ الأَعمَارِ موعِظةٌ وذِكرا: قال جلَّ وعلا: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ خِلفَةً لِمَن أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَو أَرَادَ شُكُورًا}، وفي نهاية كلِّ عامٍ وقفةٌ من وقفات مُراجعةِ الذات، ومحاسبةُ النّفسِ، حِفاظاً على المكاسِبِ المحصَّلة، وتصحِيحاً للأوضاع الخاطِئةِ، وسعياً للتغيير نحو الأفضلِ والأكمل .. {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا}، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} .. تأملوا يا عباد الله: عامٌ كاملٌ، مُترعٌ بالأحداثِ المروعِةِ، مُتخمٌ بالوقائع المفزِعةِ .. تغيراتٌ كبيرة، وابتلاءاتٌ شديدةٌ .. عانت منها كثيرٌ من المجتمعات .. {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} .. فيا لها من عبرةٍ لو تأمَّلها عاقِل، ويا لها من ذكرى لو تنبَّه لها مدَّكر .. سنةٌ كاملةٌ نقصَت من أعمارنا، وقربتنا من آجالنا .. اثنا عشر شهراً مُتوالِية، فيها من الساعاتِ ما يزيدُ على الثمانيةِ الألافِ ساعةٍ، ومن الدقائقِ ما يربو على النِّصفِ مليونِ دقيقةٍ، كُلُّها مرَّت تِباعًا، وتصرّمت سِراعًا، وأُغلِقَت سِجلاتُها جميعاً .. فما الذي أودعناه فيها، وبماذا ستشهدُ علينا .. {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} .. فإلى متى نسبحُ في بحار الغفلات، ونسيرُ مع رياحِ الهوى والجهالات، أوليسَ وراءنا حِساباً، أوليس وراء الحساب جزاءاً ؟ بلى والله: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} ..
فدعونا أحبتي في الله: نتساءل عن وقتنا الذي انتهى كيفَ أمضيناه، وفيمَ قضيناه، وهيا لنتأمل في سجل أعمالنا كيف أمليناه, وماذا أودعناه، وتعالوا بنا كي نحاسب أنفسنا على ما فعلناه وما قدمناه، فإن كان خيرًا حمدنا الله كثيراً وشكرناه، وإن كان غير ذلك تبنا إلى الله واستغفرناه .. نعم يا عباد الله: لا بدَّ من وقفةِ محاسبة جادة، فالله جلَّ جلاله يقول: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}، ويقول سبحانه وبحمده: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} .. وقال جل وعلا: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} .. قال أمير المؤمنين الفاروق رضي الله عنه: أيها الناس، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} ..
وقالَ الإمام ابن القيم رحمه الله: "تركُ المحاسبة والاسترسالُ, وتسهيلُ الأمورِ وتمشيتُـها، يقودُ إلى الهلاكِ، وهذه حالُ أهلِ الغرور، يُغْمضُ عينَيهِ عن العواقبِ ويُمَشّيِ الحال، ويتكِلُ على العفو، فيُهملُ المحاسبة والنظرُ في العاقبة" .. وكتبَ عمرُ بن الخطابِ رضي الله عنه إلى بعضِ عمُّالِهِ: "حاسب نفسكَ في الرخاء قبلَ حسابِ الشِدَّة، فإن من حاسبَ نفسهُ في الرخاءِ قبلَ حساب الشدة، عادَ أمرُه إلى الرضا والغِبطة، ومن ألهتهُ حياتهُ وشغلتْـهُ أهواؤه عادَ أمرُه إلى النَّدامةٍ والخسارة" وقال الحسن البصري رحمه الله: "إن المؤمنَ لا تراهُ إلا يلومُ نفسهُ على كلِّ حالاته، ويندمُ ويلومُ نفسَهُ، وإنّ الفاجرَ ليمضي قُدُمـاً لا يعاتبُ نفسَه"، وقال الإمام الماوردي: "محاسبةُ النفسِ أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهارَه، فإن كان محمودًا أمضاه، وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل" .. وقال قتادة رحمه الله: صلاح القلب بمحاسبة النّفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها .. وقال الإمام ابن القيم: "حقٌ على المؤمن الحازم، أن لا يغفَل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها، فكل نفَسٍ من أنفاسهِ جوهرةٌ نفيسة, يمكن أن يُشترى بها كنزٌ لا يتناهى نعيمه، فإضاعة هذه الأنفاس خسرانٌ عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهلُ الناس، وأقلهم عقلًا، وإنما يظهر لهُ حقيقةُ هذا الخسران يومُ التغابن، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}..
ووالله إِنَّهُ لتَوفِيقٌ عظيم، وعطاءٌ كبيرٌ، أن يهبَ اللهِ تعالى لعبده المؤمن أُذُناً تعي وتَسمَعُ، وَقَلباً يَخشَى وَيَخشَعُ، وعقلاً يرتدِعُ ويُقلِع .. قَالَ جَلَّ وَعَلا {إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى}، وَقَالَ سُبحَانَهُ: {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .. فذاك الَّذِيَ سيستفِيد مِن مُرُورِ الأَيَّامِ، وَيتعِضُ بتَعَاقُبُ السِّنِينَ، وَهُو الَّذِيَ سيَنتَفِعُ بِالأَحدَاثِ، وَتُحَرِّكُ قُلبَهُ القَوَارِعُ والفواجع، وَأَمَّا مَنِ طالت نَومَتُهُ، وَاستَحكَمَت غَفلَتُهُ، وَأَحَاطَت بِهِ خَطِيئَتُهُ، فأنَّا له أن يعتَبَر: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}، {أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بها أَو آذَانٌ يَسمَعُونَ بها فَإِنَّهَا لا تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِنْ تَعمَى القُلُوبُ الَّتي في الصُّدُورِ} ..
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: جاء في حديث صحيح قال عليه الصلاة والسلام: "نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ" .. فالصحة والفراغُ من أجلِّ النِعَم، وَأعَظم العطَايَا، لَكِنَّهَا مِنحٌ مُؤقتةٌ، وعَطايا مُستردةٌ .. فَيَا مَن أطال الغفلةَ وابتعد، مَتى العَودَةُ والأوبة ؟! مَتى الندم والتَّوبَةُ ؟! أبعد فوات الأوان: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} .. {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَن الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} ..
بارك الله ..
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله ....
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} ..
معاشر المؤمنين الكرام: سيقف كلٌّ منا أمام ربه عارياً حافياً، يُختمُ على فيهِ, وتتكلم جوارحهُ، فخذوا لهذا الموقف زادًا كافيًا، وأعدوا للسؤال جوابًا شافيًا .. ورحم الله عبداً خلا بنفسه فحاسبها، ونظر في صحائف أيّامه وسجلات أعماله, ماذا ادَّخرَ فيها .. قال مالك بن دينار: رحم اللّه عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثمّ زمّها، ثمّ خطمها، ثمّ ألزمها كتاب اللّه عزّ وجلّ فكان لها قائداً ..
نعم يا عبدالله .. اجلس مع نفسك وحاسِبها، فالمحاسبة مهمةٌ وضرورية، {أنْ تَقولَ نَفسٌ يا حَسْرتى عَلى ما فَرطتُ في جَنْبِ اللهِ وإنْ كُنْتُ لَمِنَ الساخِرين}، وقال جل وعلا عن الخاسرين: {إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} .. ولمن يسأل, وعلى ماذا أحاسِبُ نفسي ..
نقول حاسِبها على فروضك وصلواتك, هل أديتها كما ينبغي، أم قصَّرت فيها .. فأول ما يحاسب المرء على صلاته ..
حاسِبها على وردِكَ من القرآن هل تعاهدته أم هجرته .. فالقرآنُ حجةٌ لك أو عليك ..
حاسِبها على أرحامِك وأقاربِك هل واصلتهم وجدَّدت العهد بهم, أم قطعتهم وهجرتهم .. فـ "ما مِن ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ لصاحبِه العقوبةَ في الدُّنيا مع ما يَدَّخرُ لهُ في الآخرةِ من البَغي وقطيعةِ الرَّحمِ".
حاسِبها على أموالك ونفقاتِك هل اكتسبتها من حلال, وهل أنفقتها فيما يرضى الله تعالى .. فكل جِسمٍ نبت من سحتٍ فالنار أولى به .. ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ومنها عن ماله من أكتسبه وفيم أنفقه ..
حاسِبها على لسانِك وكلماتِك هل راقبته وتنبهت لما تقول, فلا يكُبُّ الناسَ في النار إلا حصائِدُ ألسنتهم ..
حاسِبها على أبناءك وبناتك ومن هم تحت يدك, هل تابعتهم وصدقت النصيحة لهم .. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ..
حاسِبها على جوالِك وأجهزة حواسيِبك هل كُلُّ ما فيها سليمٌ من المحاذير الشرعية، فالعين تزني وزناها النظر .. وفي محكم التنزيل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ..
حاسِبها على أوقاتِك وساعاتِك فيما تمضى وكيف تمرُّ .. فالفراغ نعمةٌ كبيرةٌ وأكثر الناس لا يحسنُ استثماره ..
حاسِبها على غفلاتِك وبعدك عن مولاك، فما ضرب القلوب شرٌ من الغفلة .. قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ..
حاسِبها على الغيبة والنميمة، فهذا عبدالله بن وهب رحمه الله يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أن أصوم يوماً فأجهدني، أي طال الأمر علي، فنويت أني كلما اغتبتُ إنساناً أن أتصدقَ بدرهم، فمن حُبِّ الدَّراهم تركتُ الغيبة ..
هكذا يحاسِبُ المسلم نفسهُ، يسألها عن حقوقِ الناس؟ .. هل أداها أم ضيَّعها .. عن الولائم التي أقامها، والأماكن التي زارها، والمناسبات التي حضرها، والأحاديث التي خاض فيها ونوعها، والرسائل التي كتبها وأرسلها، ونحو ذلك من الأسئلة .. وإذا علم الله تعالى من عبده حُسن النيةِ, وصدقَ الرغبةِ في التوبة والتَّحسن، ومحبةَ القيام بما أوجب الله عليه، أعانهُ اللهُ وسددهُ، وهيأ له الأسباب، وفتح له من خزائنِ جوده، ما لا يخطر له على بال .. ففي الحديث القدسي الصحيح: قال الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ ذكرتهُ في ملإِ خيرٍ منه، وإن تقربَ إلي شبراً تقربتُ منهُ ذراعاً، وإن تقربَ مني ذراعاً تقربتُ منهُ باعاً، وإن أتاني يمشي أتيتهُ هرولة .. والله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم .. فـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صل .. محمد