لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: 1443/4/14هـ

عبد الله بن علي الطريف
1443/04/13 - 2021/11/18 19:41PM

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: 1443/4/14هـ

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]

الله: ... ما أعذب الكلمة... الله: ... ما أحسن الاسم وأجمل المسمى.. الله... كلمة حلوة النطق، عذبة في السمع، حبيبة إلى القلب، قريبة من النفس، ساكنة بالوجدان، منقوشة في الفؤاد، محفورة في الضمير.

 أما لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: فهي الكلمة المشرفة، وكلمة السعادة، والنجاة والفوز العظيم، والتوحيد الخالص، ومعناها نفي الألوهية عن كل شيء وكل أحد وإثبات استحقاقها لله تعالى وحده لا شريك له. ذلك أن الشرك بالله تنكرُ لجلاله وكفرٌ بحقه، واستهانةٌ بعظمته، وتعد على سلطانه، ولقد أرسل الله رسله وأنزل الله كتبه للدعوة إلى توحيده جل وعلا فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]

 أيها الإخوة: من هنا كان عنوان العقيدة الإسلامية يتمثل في هذه الكلمة العظيمة التي عُرفت لدى المسلمين بكلمة التوحيد، وكلمة الإخلاص، وكلمة التقوى.

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: إعلان ثورة على جبابرة الأرض وطواغيت الجاهلية...

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: نداء عالمي لتحرير الإنسان من عبودية الإنسان والطبيعة وغيرها إلى عبادة الله وحده لا شريك له.. لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: عنوان منهج جديد ليس من صنع حاكم ولا فيلسوف، إنه منهج الله الذي لا تعنوا الوجوه إلا له.. ولا تنقاد القلوب إلا لِحُكمه ولا تخضع إلا لسلطانه..

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: إيذان بمولد جديد لمجتمع جديد، يغاير مجتمعات الجاهلية. مجتمع متميز بعقيدته، متميز بنظامه لا عنصرية فيه ولا إقليمية ولا طبقية لأنه ينتمي إلى الله وحده.. ولا يعرف الولاء إلا له سبحانه.. لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: هي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، وجردت سيوف الجهاد... وهي محض حقِ الله على جميع عباده، وهي الكلمة العاصمة للدم والأموال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي المنشور الذي لا يدخل الجنة أحد إلا به، والحبل الذي لا يصل إلى الله من لم يتعلق بسببه... لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: كلمة الإسلام... ومفتاح دار السلام، وبها انقسم الناس إلى شقي، وسعيد، ومقبول، وطريد.

أيها الإخوة: روح هذه الكلمة وسرها إفراد الرب جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالى جده بالعبادة بجميع أنواعها من المحبة والإجلال والتعظيم والخوف، والرجاء وتوابعها من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة، ولاستعانة، والاستغاثة، وغيرها..

شأن لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: شأن عظيم فمن أجلها خلقت الجن والإنس قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]. ومن أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]. لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: أول واجب على المكلف قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الْإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». رواه البخاري ومسلم عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.   

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: آخرُ واجبٍ على المكلف فمن كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة، قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ». رواه أبو داود وصححه الألباني عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.     

وهي أحسن الحسنات وأفضلها قال أبو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي: قَالَ: «إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا، قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ الْحَسَنَاتِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَالَ هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ». رواه أحمد وصححه الألباني.

ومن فضائل لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: أنها أفضل ما ذُكر اللهُ به عشية عرفة قال النَّبِيُّ ﷺ: «أَفْضَل مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ: لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ، لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير» الدعاء للطبراني عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حديث حسن.

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: أعلى شعبِ الإيمان قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ» رواه البخاري ومسلم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.. لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: أفضل الأعمال والأذكار وأكثرها تضعيفا، وتعدل عتق الرقاب وتكون حرزا من الشيطان كما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: قَالَ: «مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ» رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الْإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» قَالَ فَقُلْتُ مَا أَجْوَدَ هَذِهِ. فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقَالَ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا، ثم أخبره بما قَالَ الرَسُولَ ﷺ: قَبْلَ وُصُولِهِ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ». رواه مسلم.

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: سبب في تفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوبتهما، ولذا لما كان يونس عليه السلام في بطن الحوت (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87] استجاب الله له وفرج كربته.

لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ: سبب للشجاعة والإقدام فكلما ازداد الإنسان علماً بها وعملاً بمقتضاها ازداد بذلك شجاعة وإقداما وجرأة في الحق، ولا أدل على ذلك من حال الأنبياء عليهم السلام وكذا حال أتباعهم من الصديقين والصالحين. أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذاكرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: إن صاحب لا إله إلا الله المخلص في قولها أسعد الناس بشفاعة نبينا محمد ﷺ فقد قال أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قلت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ». رواه البخاري ومسلم..

أيها الإخوة: من كمل التوحيد في قلبه وعرف معنى الشهادة وعمل بمقتضاها سهل عليه فعل الخيرات وترك المنكرات وهانت عليه المصيبات، فالمخلص لله تَخِفُ عليه الطاعات لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه، ويهون عليه ترك ما تهواه نفسه من المعاصي لما يخشى من سخط الله وعقابه، ويتسلى عند المصائب لعلمه أنها من عند الله وكل ما يصيبه من الله فهو خير له في دينه ودنياه، علم حكمة ذلك أم لم يعلم... إن كلمة التوحيد هي الكلمة الباقية فالتوحيد لا يزول بكل معصية إلا إن كانت تنافيه، ولكن كل معصية تزول وتفنى بسبب التوحيد. قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الزخرف: 26،28] فلَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الملك الحق المبين.. ولا إله إلا الله إسلامُ من قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين. ولا إله إلا الله شهادة نرجو بها مجاورة الرب الكريم في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.

وبعد أحبتي: «أَكْثِرُوا مِنْ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ قَبْلَ أَنْ يُحَالُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا». رواه أبو يعلى بإسناد جيد قوي عَنْ أَبيِ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وهو حديث حسن..   

 

المشاهدات 1066 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا