لا إله إلا الله فضلها ومعناها
أبو عبد الله الأنصاري
1433/09/16 - 2012/08/04 05:18AM
حديثنا اليوم عن أجل ما تحدث عنه المتحدثون وأشرف ما تكلم به وعنه المتكلمون إنه حديث عن الكلمة العظمى لا إله إلا الله نتحدث عن فضلها وشرفها ونتكلم عن معناها ومضمونها :
واستفتح المقام بكلمات رائعة للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى يقول فيها عن مكانة هذه الكلمة: ( وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ ، وَفَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ وَنُصِبَتِ الْقِبْلَةُ ، وَجُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ ، وَهِيَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الْعَاصِمَةُ لِلدَّمِ وَالْمَالِ وَالذُّرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، وَالْمُنْجِيَةُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ ، وَهِيَ الْمَنْشُورُ الَّذِي لَا يُدْخَلُ الْجَنَّةُ إِلَّا بِهِ ، وَالْحَبْلُ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِسَبَبِهِ ، وَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ ، وَبِهَا انْقَسَمَ النَّاسُ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ ، وَمَقْبُولٍ وَطَرِيدٍ ، وَبِهَا انْفَصَلَتْ دَارُ الْكُفْرِ مِنْ دَارِ الْإِيمَانِ ، وَتَمَيَّزَتْ دَارُ النَّعِيمِ مِنْ دَارِ الشَّقَاءِ وَالْهَوَانِ ، وَهِيَ الْعَمُودُ الْحَامِلُ لِلْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وهذه الكلمة هي أساس الدين ، وهي الفارق بين أهل الجنة وأهل النار ، وهي: الكلمة الطيبة التي ضربها الله مثلا كشجرة طيبة ، وهي: دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين )
قال الله سبحانه وتعالى : {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} ، قال مجاهد : كلمة التقوى : لا إله إلا الله . ، وهي كلمة الله العليا التي قال عنها سبحانه : {وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا} ، وهي الكلمة الباقية التي قال عنها سبحانه : {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً} يعني : لا إله إلا الله ، وهي المثل الأعلى الذي قال عنه سبحانه : {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى}.
وفيها من عظيم الأجر ما لا يوجد في سواها كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ) .
وهي أثقل من السموات والأرض القاصمة لكل شيء كما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أن نوحا عليه السلام قال لابنه عند موته : آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ولا إله إلا الله فى كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله ) . صححه المحدث الألباني رحمه الله .
وهي الكلمة التي تفتح لها أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش كما في السنن الكبرى للنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا قَالَ عَبْدٌ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، مُخْلِصًا إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ ). حسنه المحدث الألباني .
وهي كلمة الإجابة روى الترمذي والنسائي عن رجلين من أصحاب رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما يقول عبد قط : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مخلصاً بها روحه مصدقاً بها لسانه إلا فتق الله له السماء حتى ينظر الله إلى قائلها ، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله ) . صححه المحدث الألباني .
وهي الكلمة الحق التي من قالها لم تطعمه النار عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه قال : لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الله : لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي وإذا قال : لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال : لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد وإذا قال : لا إله إلا الله ولا وحول ولا قوة إلا بالله قال : لا إله إلا أنا لا حول ولا قوة إلا بي " وكان يقول : " من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار " . رواه الترمذي وابن ماجه حسنه المحدث الألباني .
وهي الكلمة التي من قالها عند موته أشرق لها وجهه ونفس الله عنه كربته كما جاء عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: " رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلا، فقال: مالك يا أبا فلان؟ لعلك ساءتك امرأة عمك يا إبا فلان؟ قال: لا - (وأثنى على أبي بكر) إلا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات، سمعته يقول: إني لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه، ونفس الله عنه كربته، قال: فقال عمر: إني لاعلم ماهي! قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت: لا إله الله؟ قال طلحة: صدقت، هي والله هي ".أخرجه الامام أحمد وصححه الألباني .
وهي الكلمة التي من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة لما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ".أخرجه الحاكم وغيره بسند حسن عن معاذ.
وهي أحسن الحسنات كما قال أبو ذر رضي الله عنه قلت : يا رسول الله كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار فقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا عملت سيئة فاعمل حسنة ، فإنها عشر أمثالها ) قلت : يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات قال : ( هي أحسن الحسنات ) حسنه المحدث الألباني .
وهي أفضل الذكر عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الذكر : لا إله إلا الله وأفضل الدعاء : الحمد لله " . رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه المحدث الألباني .
وهي مفتاح الفرج لكل هم َوالتنفيس لكل كرب وغم كما قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ : ( دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ : لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ، مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ ) ، وفي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ».
وهي أفضل مما طلعت عليه الشمس كما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ).
وبها تنال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما روى أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه ) حسنه الأرناؤوط.
وهي الكلمة التي لا يثبت معها ذنب كما في صحيح مسلم عن عبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ ».
وهي الكلمة المكفرة للذنوب العَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : سَيُصَاحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ ويُنْشَرُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلا كُلِّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : وَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ ؟ فُيَهَابُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : بَلَى ، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ ، وَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ ، فَيُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَثْقُلُ وَزْنُهُ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ ، فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ ، فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ ، قَالَ : ( فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ ) رواه الترمذي وحسنه وصححه الألباني .
قال أبو طاهر السلفي أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحراني قال : أنا حضرت رجلا في المجلس وقد زعق عند هذا الحديث ومات وشهدتُ جنازته وصليت عليه ) .
فيا لجلالة هذه الكلمة على الله ويا لعظيم أجرها عنده ولذلك فلن يأتي أحد في أشرف الأماكن والأزمان بأفضل منها ولهذا جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( أفضل ما قُلتُ أنا والنبيون من قبلي يوم عرفة لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) . رواه الإمام مالك في الموطأ وصححه المحدث الألباني .
وهي أفضل شعب الإيمان مطلقاً في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى ، عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ) .
الخطبة الثانية
معاشر الناس : يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ( وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأولَ ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فبذلك يصير الكافر مسلما ، والعدو وليا ، والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال ) . ويبين ذلك ما رواه الجماعة عن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله، فمن قال: لا إله إلاَّ الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلاَّ بحقه وحسابه على الله ).
معاشر الناس : إذا تبين فضلُ شهادة إلا إله إلا الله وعظيمُ قدرها ومنزلتها وبالغ شأنها وشرفها فاعلموا أن ذلك الفضل الكبير لهذه الكلمة إنما يناله أهلها الذين ينطقون بها بألسنتهم ويشهدون بمعناها الحق بقلوبهم يقولونها وهم يفقهونها ويحققونها ويلتزمون بما تضمنه من التوحيد والتجريد ومن هنا فإن على من أراد أن ينفعه الله ويرفعه بهذه الكلمة أن يوجه عنايته إلى الفقه بمعناها ومعرفة مدلولها حتى لا يكون قائلاً لهذه الكلمة وهو لا يعرف منها إلا لفظها وحروفها .
وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعلم بها فقال : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ، فلابد للمسلم من العلم بمعنى هذه الكلمة ومدلولها حتى إذا شهد بهذه الكلمة لا يكون شاهداً بلفظ لا يدري معناه بل يكون شاهداً بالمعنى الذي تضمنته ودلت عليه .
ومعنى لا إله إلا الله هو أنه لا مستحق للعبادة بجميع أنواعها وأفرادها وصورها إلا الله وحده ، فهو المعبود بحق وكل معبود من دونه فباطل كما قال تعالى : ( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ) ، فهذه الكلمة توجب إفراد الله بالعبادات واعتقاد أنه لا حق في العبادة إلا له ولا حق فيها لأحد سواه .
وبذلك صار لهذه الكلمة جانبان : جانب نفي وجانب إثبات ، فجانب النفي في قوله لا إله وهو يعني نفي أن يكون لأي أحد من الخلق حق في العبادة ، بمعنى أن المخلوقين جميعاً كلهم عبيد لله مملوكون له وأنه ليس فيهم من يستحق أن يعظم أو يعبد أو يدعى أو يرجى أو ينادى أو يستغاث به لأنهم لا يستحقون من ذلك شيئا ، والجانب الثاني : هو إثبات أن الله وحده هو الذي يستحق العبادة والتعظيم والدعاء والرجاء والخوف والمحبة والرهبة والرغبة لأنه رب العالمين مالك يوم الدين الذي إياه نعبد وإياه نستعين .
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ) كما في الصحيحين .فمن قال لا إله إلا الله فقد نفى أن يكون لغير الله حق في شيء من العبادة وأثبت العبادة كلها لله وحده لا شؤيك له في عبادته كما أنه لا شريك له ملكه .
ومن قال لا إله إلا الله فقد برئ من كل عبادة تصرف لغير الله ، ومن كل معبود يعبد من دون الله كائناً من كان ، فالملائكة والرسل والصالحون والأولياء عباد مكرمون لا يسبقون ربهم بالقول وهم بأمره يعملون ، وقد قال تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) وقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ ، إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون ) ، وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والتهليل يمنع أن يُعبَد غيرُه، أو يُرجَى أو يُخَاف أو يُدعَى ) ، فيبرأ أهل هذه الكلمة من كل تعظيم لغير الله ، ومن كل ذبح ونذر لغير الله ، ومن كل دعاء ورجاء لغير الله ، ومن كل استعانة واستغاثة بغير الله ، ومن كل خوف ورهبة من غير الله ، ومن كل ذل وخضوع لغير الله ، لأن جميع هذه الأمور عبادات ، ولا إله إلا الله معناها أن لا مستحق لجميع العبادات إلا الله كما قال تعالى : ( وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه ) وقال سبحانه : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : ( وَرُوحُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَسِرُّهَا : إِفْرَادُ الرَّبِّ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ، وَتَبَارَكَ اسْمُهُ ، وَتَعَالَى جَدُّهُ ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ - بِالْمَحَبَّةِ وَالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ : مِنَ التَّوَكُّلِ وَالْإِنَابَةِ وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ ، فَلَا يُحَبُّ سِوَاهُ ، وَلَا يُخَافُ سِوَاهُ ، وَلَا يُرْجَى سِوَاهُ ، وَلَا يُتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ ، وَلَا يُرْغَبُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَا يُرْهَبُ إِلَّا مِنْهُ ، وَلَا يُحْلَفُ إِلَّا بِاسْمِهِ ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَّا لَهُ ، وَلَا يُتَابُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَا يُطَاعُ إِلَّا أَمْرُهُ ، وَلَا يُتَحَسَّبُ إِلَّا بِهِ ، وَلَا يُسْتَغَاثُ فِي الشَّدَائِدِ إِلَّا بِهِ ، وَلَا يُلْتَجَأُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَا يُسْجَدُ إِلَّا لَهُ ، وَلَا يُذْبَحُ إِلَّا لَهُ وَبِاسْمِهِ ، وَيَجْتَمِعُ ذَلِكَ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ : أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا إِيَّاهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ ، فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَقِيقَةَ الشَّهَادَةِ ، وَمُحَالٌ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ مَنْ تَحَقَّقَ بِحَقِيقَةِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَقَامَ بِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ) أ.هـ.
فمن قال لا إله إلا الله شاهداً بهذا المعنى الذي دلت عليه بقلبه ملتزما به لا يتجه لغير إلهه ولا يفزع ولا يلجأ لسوى معبوده فهو الذي ينتفع بهذه الكلمة وينال بركتها وعائدتها في الدارين .[/size]
واستفتح المقام بكلمات رائعة للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى يقول فيها عن مكانة هذه الكلمة: ( وَهِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاوَاتُ ، وَفَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَعَلَيْهَا أُسِّسَتِ الْمِلَّةُ وَنُصِبَتِ الْقِبْلَةُ ، وَجُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ ، وَهِيَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ الْعَاصِمَةُ لِلدَّمِ وَالْمَالِ وَالذُّرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ ، وَالْمُنْجِيَةُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ ، وَهِيَ الْمَنْشُورُ الَّذِي لَا يُدْخَلُ الْجَنَّةُ إِلَّا بِهِ ، وَالْحَبْلُ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِسَبَبِهِ ، وَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ ، وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ ، وَبِهَا انْقَسَمَ النَّاسُ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ ، وَمَقْبُولٍ وَطَرِيدٍ ، وَبِهَا انْفَصَلَتْ دَارُ الْكُفْرِ مِنْ دَارِ الْإِيمَانِ ، وَتَمَيَّزَتْ دَارُ النَّعِيمِ مِنْ دَارِ الشَّقَاءِ وَالْهَوَانِ ، وَهِيَ الْعَمُودُ الْحَامِلُ لِلْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وهذه الكلمة هي أساس الدين ، وهي الفارق بين أهل الجنة وأهل النار ، وهي: الكلمة الطيبة التي ضربها الله مثلا كشجرة طيبة ، وهي: دين الإسلام الذي لا يقبل الله دينا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين )
قال الله سبحانه وتعالى : {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} ، قال مجاهد : كلمة التقوى : لا إله إلا الله . ، وهي كلمة الله العليا التي قال عنها سبحانه : {وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا} ، وهي الكلمة الباقية التي قال عنها سبحانه : {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً} يعني : لا إله إلا الله ، وهي المثل الأعلى الذي قال عنه سبحانه : {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى}.
وفيها من عظيم الأجر ما لا يوجد في سواها كما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَنْ قَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ) .
وهي أثقل من السموات والأرض القاصمة لكل شيء كما روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أن نوحا عليه السلام قال لابنه عند موته : آمرك بلا إله إلا الله فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ولا إله إلا الله فى كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله ) . صححه المحدث الألباني رحمه الله .
وهي الكلمة التي تفتح لها أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش كما في السنن الكبرى للنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَا قَالَ عَبْدٌ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، مُخْلِصًا إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ ). حسنه المحدث الألباني .
وهي كلمة الإجابة روى الترمذي والنسائي عن رجلين من أصحاب رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما يقول عبد قط : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مخلصاً بها روحه مصدقاً بها لسانه إلا فتق الله له السماء حتى ينظر الله إلى قائلها ، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله ) . صححه المحدث الألباني .
وهي الكلمة الحق التي من قالها لم تطعمه النار عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه قال : لا إله إلا أنا وأنا أكبر وإذا قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الله : لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي وإذا قال : لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال : لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد وإذا قال : لا إله إلا الله ولا وحول ولا قوة إلا بالله قال : لا إله إلا أنا لا حول ولا قوة إلا بي " وكان يقول : " من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار " . رواه الترمذي وابن ماجه حسنه المحدث الألباني .
وهي الكلمة التي من قالها عند موته أشرق لها وجهه ونفس الله عنه كربته كما جاء عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: " رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلا، فقال: مالك يا أبا فلان؟ لعلك ساءتك امرأة عمك يا إبا فلان؟ قال: لا - (وأثنى على أبي بكر) إلا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات، سمعته يقول: إني لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه، ونفس الله عنه كربته، قال: فقال عمر: إني لاعلم ماهي! قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت: لا إله الله؟ قال طلحة: صدقت، هي والله هي ".أخرجه الامام أحمد وصححه الألباني .
وهي الكلمة التي من كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة لما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ".أخرجه الحاكم وغيره بسند حسن عن معاذ.
وهي أحسن الحسنات كما قال أبو ذر رضي الله عنه قلت : يا رسول الله كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار فقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا عملت سيئة فاعمل حسنة ، فإنها عشر أمثالها ) قلت : يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات قال : ( هي أحسن الحسنات ) حسنه المحدث الألباني .
وهي أفضل الذكر عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الذكر : لا إله إلا الله وأفضل الدعاء : الحمد لله " . رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه المحدث الألباني .
وهي مفتاح الفرج لكل هم َوالتنفيس لكل كرب وغم كما قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ : ( دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ : لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ، مَا دَعَا بِهَا مَكْرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ ) ، وفي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ : ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ».
وهي أفضل مما طلعت عليه الشمس كما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لأن أقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ).
وبها تنال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما روى أحمد في المسند عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصا يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه ) حسنه الأرناؤوط.
وهي الكلمة التي لا يثبت معها ذنب كما في صحيح مسلم عن عبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ ».
وهي الكلمة المكفرة للذنوب العَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : سَيُصَاحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ ويُنْشَرُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلا كُلِّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : وَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةٌ ؟ فُيَهَابُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ : لاَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : بَلَى ، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ ، وَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ ، فَيُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَثْقُلُ وَزْنُهُ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ ، فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كِفَّةٍ ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ ، فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ ، قَالَ : ( فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ ) رواه الترمذي وحسنه وصححه الألباني .
قال أبو طاهر السلفي أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحراني قال : أنا حضرت رجلا في المجلس وقد زعق عند هذا الحديث ومات وشهدتُ جنازته وصليت عليه ) .
فيا لجلالة هذه الكلمة على الله ويا لعظيم أجرها عنده ولذلك فلن يأتي أحد في أشرف الأماكن والأزمان بأفضل منها ولهذا جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( أفضل ما قُلتُ أنا والنبيون من قبلي يوم عرفة لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) . رواه الإمام مالك في الموطأ وصححه المحدث الألباني .
وهي أفضل شعب الإيمان مطلقاً في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى ، عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ) .
الخطبة الثانية
معاشر الناس : يقول شيخ الإسلام رحمه الله : ( وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأولَ ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فبذلك يصير الكافر مسلما ، والعدو وليا ، والمباح دمه وماله معصوم الدم والمال ) . ويبين ذلك ما رواه الجماعة عن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله، فمن قال: لا إله إلاَّ الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلاَّ بحقه وحسابه على الله ).
معاشر الناس : إذا تبين فضلُ شهادة إلا إله إلا الله وعظيمُ قدرها ومنزلتها وبالغ شأنها وشرفها فاعلموا أن ذلك الفضل الكبير لهذه الكلمة إنما يناله أهلها الذين ينطقون بها بألسنتهم ويشهدون بمعناها الحق بقلوبهم يقولونها وهم يفقهونها ويحققونها ويلتزمون بما تضمنه من التوحيد والتجريد ومن هنا فإن على من أراد أن ينفعه الله ويرفعه بهذه الكلمة أن يوجه عنايته إلى الفقه بمعناها ومعرفة مدلولها حتى لا يكون قائلاً لهذه الكلمة وهو لا يعرف منها إلا لفظها وحروفها .
وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعلم بها فقال : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ، فلابد للمسلم من العلم بمعنى هذه الكلمة ومدلولها حتى إذا شهد بهذه الكلمة لا يكون شاهداً بلفظ لا يدري معناه بل يكون شاهداً بالمعنى الذي تضمنته ودلت عليه .
ومعنى لا إله إلا الله هو أنه لا مستحق للعبادة بجميع أنواعها وأفرادها وصورها إلا الله وحده ، فهو المعبود بحق وكل معبود من دونه فباطل كما قال تعالى : ( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ) ، فهذه الكلمة توجب إفراد الله بالعبادات واعتقاد أنه لا حق في العبادة إلا له ولا حق فيها لأحد سواه .
وبذلك صار لهذه الكلمة جانبان : جانب نفي وجانب إثبات ، فجانب النفي في قوله لا إله وهو يعني نفي أن يكون لأي أحد من الخلق حق في العبادة ، بمعنى أن المخلوقين جميعاً كلهم عبيد لله مملوكون له وأنه ليس فيهم من يستحق أن يعظم أو يعبد أو يدعى أو يرجى أو ينادى أو يستغاث به لأنهم لا يستحقون من ذلك شيئا ، والجانب الثاني : هو إثبات أن الله وحده هو الذي يستحق العبادة والتعظيم والدعاء والرجاء والخوف والمحبة والرهبة والرغبة لأنه رب العالمين مالك يوم الدين الذي إياه نعبد وإياه نستعين .
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ) كما في الصحيحين .فمن قال لا إله إلا الله فقد نفى أن يكون لغير الله حق في شيء من العبادة وأثبت العبادة كلها لله وحده لا شؤيك له في عبادته كما أنه لا شريك له ملكه .
ومن قال لا إله إلا الله فقد برئ من كل عبادة تصرف لغير الله ، ومن كل معبود يعبد من دون الله كائناً من كان ، فالملائكة والرسل والصالحون والأولياء عباد مكرمون لا يسبقون ربهم بالقول وهم بأمره يعملون ، وقد قال تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) وقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ ، إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون ) ، وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( والتهليل يمنع أن يُعبَد غيرُه، أو يُرجَى أو يُخَاف أو يُدعَى ) ، فيبرأ أهل هذه الكلمة من كل تعظيم لغير الله ، ومن كل ذبح ونذر لغير الله ، ومن كل دعاء ورجاء لغير الله ، ومن كل استعانة واستغاثة بغير الله ، ومن كل خوف ورهبة من غير الله ، ومن كل ذل وخضوع لغير الله ، لأن جميع هذه الأمور عبادات ، ولا إله إلا الله معناها أن لا مستحق لجميع العبادات إلا الله كما قال تعالى : ( وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه ) وقال سبحانه : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) .
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى : ( وَرُوحُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَسِرُّهَا : إِفْرَادُ الرَّبِّ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ، وَتَبَارَكَ اسْمُهُ ، وَتَعَالَى جَدُّهُ ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ - بِالْمَحَبَّةِ وَالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ : مِنَ التَّوَكُّلِ وَالْإِنَابَةِ وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ ، فَلَا يُحَبُّ سِوَاهُ ، وَلَا يُخَافُ سِوَاهُ ، وَلَا يُرْجَى سِوَاهُ ، وَلَا يُتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ ، وَلَا يُرْغَبُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَا يُرْهَبُ إِلَّا مِنْهُ ، وَلَا يُحْلَفُ إِلَّا بِاسْمِهِ ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَّا لَهُ ، وَلَا يُتَابُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَا يُطَاعُ إِلَّا أَمْرُهُ ، وَلَا يُتَحَسَّبُ إِلَّا بِهِ ، وَلَا يُسْتَغَاثُ فِي الشَّدَائِدِ إِلَّا بِهِ ، وَلَا يُلْتَجَأُ إِلَّا إِلَيْهِ ، وَلَا يُسْجَدُ إِلَّا لَهُ ، وَلَا يُذْبَحُ إِلَّا لَهُ وَبِاسْمِهِ ، وَيَجْتَمِعُ ذَلِكَ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ : أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا إِيَّاهُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ ، فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَقِيقَةَ الشَّهَادَةِ ، وَمُحَالٌ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ مَنْ تَحَقَّقَ بِحَقِيقَةِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَقَامَ بِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ ) أ.هـ.
فمن قال لا إله إلا الله شاهداً بهذا المعنى الذي دلت عليه بقلبه ملتزما به لا يتجه لغير إلهه ولا يفزع ولا يلجأ لسوى معبوده فهو الذي ينتفع بهذه الكلمة وينال بركتها وعائدتها في الدارين .[/size]