كيف ينجو الإنسان من عذاب القبـر ؟..

                                                      كيف ينجو الإنسان من عذاب القبـر ؟..

الحمد لله الذي جعل في كلّ زمان فترة من الرّسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى، و يصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، و يُبصرون بنور الله أهل العمى.. فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، و كم من ضال تائه قد هدوه، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين.. و أشهد أن لا إله إلاّ الله شهادة الصّفاء و النّقاء لربّ الأرض و السّماء، و أشهد أنّ حبيبنا و شفيعنا محمّدا عبد الله و رسوله، فتح به آذانا كانت صمّاء و أعين كانت عمياء، اللهم فصلّ و سلّم و بارك عليه و على آله و صحبه أجمعين..

أمّا بعد: كيف يمكننا أن ننجو من عذاب القبر ؟..

سؤال يؤرق الكثيرين جوابه، وذلك لما يشكّله القبر من مرحلة مفزعة، ينتقل بها المرء من حياته الرحبة، وعالمه الفسيح إلى حفرة ضيّقة مظلمة تتداخل فيها أضلاعه، ويفقد بها أهله وأحبّته وأصدقاءه..

ولولا ما جاء به الإسلام من سبل وأعمال إذا عملها الإنسان نجا بفضل الله من عذاب القبر لشكّل الخوف من القبر قلقاً يلاحق الإنسان ويقض مضجعه في كلّ فترات حياته فلا يدري أينجو أم يهلك ؟..

فقد جاء الإسلام بأمور أخبر أنّها من المنجّيات والمانعات من عذاب القبر، وحثّ على القيام بها، والحرص عليها، لتكون له عوناً له في قبره عندما يُودَع فيه وحيداً، فمن تلك الأعمال:

1) الرّباط في سبيل الله: فإنّ من أفضل الطاعات، وأجلِّ القربات التي يدفع الله بها عن المسلمين الشرور الكثيرة، وتتحقّق بها المصالح العظيمة، الرّباط في سبيل الله..

قال في فتح الباري: والرّباط هو: ملازمة المكان الذي بين المسلمين والكفار وحراسة المسلمين منهم..

وقد وردت النّصوص الكثيرة من الكتاب والسنة تبيّن فضل الرباط في سبيل الله، قال تعالى:  " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ". ( سورة آل عمران: 200 )..

والمفصود بالرّباط الإقامة في الثغور على الحدود الإسلاميّة لمواجهة العدوان الخارجي الكافر والاستعداد لصدّه، وهي الأماكن التي يخاف على أهلها من أعداء الإسلام، والمرابط هو المقيم فيها، المعدّ نفسه للجهاد في سبيل الله والدّفاع عن دينه وإخوانه المسلمين..

وجاء في فضل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه وأَمِنَ الفتَّان "، وفي سنن أبي داود " وأمن من فتنة القبر "..

2) الشهادة في سبيل الله: الشّهيد في اللّغة أصله من الشّهود و الحضور، و منه الشهادة التي تقابل الغيب، كما يقول تعالى: " عالِمُ الغَيْبِ و الشهادة ". ( سورة الأنعام الآية: 73 )

وقد غلبَ لفظ (الشهيد) في لسان الشريعة على مَن يُقْتل مجاهِدًا في سبيل الله، ولكن مَن ينظُر في القرآن الكريم، يجد أنَّ لفظ (شهيد) لَم يردْ في المواضع التي أورده فيها القرآن بهذا المعنى الذي يدلُّ على الاستشهاد في سبيل الله، بل نرى القرآن الكريم قد آثَر لفظ (القتْل) على لفظ الاستشهاد عند ذِكْر القتال، والقتْل في سبيل الله كما في قوله تعالى: " ولَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ". ( سورة البقرة الآية: 154)، ولَم يَجِئ النّظم القرآني بلفظ ( يستشهد ) بدلاً عن لفظ ( يقتل )، الذي جاء عليه النظم القرآني.. وسمّي شهيداً، لأنّ الله وملائكته شهدوا له بالجنّة، ولأنّه حي، فهو شاهد أي حاضر..

ومثل هذا قوله تعالى: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ". ( سورة آل عمران الآية: 169 )، وقوله سبحانه وتعالى:  " وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ". ( سورة آل عمران الآية: 157 )، وقوله تعالى: "  وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ". ( سورة النساء الآية: 74 )، وقوله  جلّ ثناؤه: "  إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ". ( سورة التوبة الآية: 111 )، وهكذا نرى الآيات القرآنية تتوارَد على لفظ ( القتْل )، ولا نجد موضعًا واحدًا جاء فيه لفظُ استشهاد بدلاً عن لفظ القتْل..

3) حفظ سورة تبارك وتلاوتها: فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ضرب رجلٌ من أصحاب رسول الله  صلّى الله عليه وسلّم خباءه – خيمته - على قبر، وهو لا يحسب أنّه قبر، فإذا قبرُ إنسانٍ يقرأ سورة الملك حتى ختمها، فأتى النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنّه قبر، فإذا قبر إنسانٍ يقرأ سورة الملك حتّى ختمها، فقال النّبي صلّى الله عليه و سلّم: " هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر "، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب..

4) الموت بداء من أدواء البطن: فعن سليمان بن صرد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " من قتله بطنه لم يعذب في قبره "، ( رواه أحمد والترمذي ) وقال: هذا حديث غريب.. والمراد بالحديث حصول النجاة من عذاب القبر لمن مات بداء من أدواء البطن كسرطان البطن والقرحة وغير ذلك..

5) الموت ليلة الجمعة ويومها: فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم: " ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلاّ وقاه الله فتنة القبر ".( رواه أحمد والترمذي ).. والحديث يدلّ على أنّ الموت ليلة الجمعة أو يومها من أسباب الوقاية من عذاب القبر، وهو فضل محض لا تدخل للإنسان في تحصيله إلاّ أن يحرص على الشّهادة في هذا اليوم فينال فضلين فضل الشّهادة وفضل الموت في يوم الجمعة.. أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم: "  إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ". ( سورة التوبة الآية: 111 )، صدق الله العظيم.. أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم و للمسلمين..

الثانية: بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على سيّدنا محمّد رسول الله و على آله و صحبه و من والاه..

أمّا بعد، 

هذه بعض الأعمال التي من عملها مؤمناً محتسباً كفاه الله بهنّ عذاب القبر، وأبدله الله في قبره نعيماً يمتدّ إلى يوم القيامة، وتخصيص هذه الأعمال بالذّكر لا ينفي أن يكون لغيرها أثرها في دفع عذاب القبر، والتهوين على المسلم من فظائع ذلك المكان الموحش، فقد تمنع عنه صلاته عذاب القبر، وقد يدفع عنه صدقته وبره وإحسانه، وقد يحميه صيامه وحجّه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " إنّ الميّت إذا وُضع في قبره إنّه يسمع خفق نعالهم حين يولّوا مدبرين، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصّيام عن يمينه، وكانت الزّكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصّدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى النّاس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول: فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان إلى النّاس ما قبلي مدخل "..  ( رواه الطبراني في الأوسط ).. وفي الجملة فعلى الإنسان أن يعظّم رجاؤه بربّه، ويحرص على العمل الصالح، ويجتنب ما يغضب الله فهو الضّمان من عذاب القبر، قال تعالى:" ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون ". ( سورة الرّوم الآية: 44 ) قال مجاهد: في القبر ..

ألا وصلّوا عباد الله على رسول الهدى، فقد أمركم بذلك في كتابه فقال: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ". (الْأَحْزَابِ: 56 )..

اللهم صَلِّ على محمّد وأزواجه وذرّيته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وأزواجه وذرّيته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن الآل والصَّحْب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين..

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، ودمّر اللهمّ أعداءك أعداء الدّين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشلغه بنفسه، واجعل تدبيره تدميره يا جبّار يا متين.. اللهمّ كُنْ للمسلمين المستضعفين في كلّ مكان، اللهم كُنْ لهم مؤيّدا ونصيرا وظهيرا، اللهم إنّهم جياع فأطعمهم، وحفاة فاكسهم ومظلومون فانتصر لهم يا ربّ العالمين، يا قوي يا سميع الدّعاء..

اللهم إنّا نسألك الجنّة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النّار وما قرَّب إليها من قول وعمل، اللهم إنّا نسألك من الخير كلّه عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشرّ كلّه عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كلّ خير، والموتَ راحةً لنا من كلّ شرّ يا ربّ العالمين.. اللهمّ أعنا ولا تُعِنْ علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على مَنْ بغى علينا، اللهمّ اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين، لك مخبتين، لك أواهين منيبينَ، اللهم تَقَبَّلْ توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبِّت حجتنا، وسدِّد ألسنتنا يا ربّ العالمين..

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم بارك لنا في أعمالنا وأعمارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا يا رب العالمين.. اللهم إنا نسألك حسن الختام والعفو عما سلف وكان من الذنوب والعصيان، اللهم ارحم موتانا واشف مرضانا وتول أمرنا يا رب العالمين..

عباد الله: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ". ( سورة النّحل الآية: 90 )، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، " وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ". ( سورة العنكبوت الآية: 45 ).. و قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله..


المشاهدات 1864 | التعليقات 0