كيف يكون الحال فى شوال

zaghloula zaghloula
1435/10/05 - 2014/08/01 07:33AM
الحمد لله
الذي أحيانا حتى أدركنا شهر رمضان، وهذا فضل منه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بلي- حي من قضاعة- أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأُخر الآخر سنة- أي مات الثاني موتًا طبيعيًّا بعد عام من استشهاد الأول، فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيتُ المُؤخَّر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد فتعجبتُ لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة- عدد ركعات الفرائض خلال السنة الهجرية- وكذا وكذا ركعة صلاة سنة )وفي رواية (فما بينهما أبعد من السماء والأرض.... (1).

والحمد لله الذي أعاننا على صيامه وقيامه، وهذه فضل أيضًا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (2).
وأشهد أن لا اله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم أمام الصائمين والمتقين. اللهم صلي و سلم وبارك على عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبة ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الصحابة والتابعين وارض اللهم عنا معهم يا أرحم الرحمين.

أما بعد
فنحن جميعًا في حاجة إلى أن يستمر حالنا هذا طوال العام على نفس النهج الذي كنا عليه في رمضان، ولئن كان شهر رمضان المبارك قد انتهى، فإن عمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه بدنه..
قال عز وجل لنبيه : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. وقال سبحانه قبل عن عيسى عليه السلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].

أسئلة يجب على كل مسلم أن يٍسألها لنفسه، لماذا صُمت؟ وعن أي شيء صُمت؟ وما الذي جعلني أنجح في تحمل مشاق الصيام؟ وما المطلوب مني بعد رمضان؟

أخوة الإسلام، عبادة الصيام تختلف عن باقي العبادات في شيئين الأول: أسلوب أو طريقة الأداء، والثاني المدة.
أما عن الشيء الأول وهو أسلوب الأداء فجميع العبادات عند أدائها يراك الناس، فالصلاة يراك مَن بالمسجد تسجد وتركع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان" (3).
والزكاة يراك الناس أو مَن يأخذ الزكاة وأنت تعطي المال؛ حيث الأصل في الزكاة الظهور قال تعالى: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)) (البقرة).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها يقال بسبعين ضعفًا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفًا (4).

والحج يراك الحجيج وأنت تؤدي المناسك، وكل هذا يُسمَّى أداءً إيجابيًّا، والأداء الإيجابي قد يعتريه الرياء أو حب الشهرة أو الافتخار أما الصيام فلا أحد يراك وأنت تمتنع عن الأكل والشرب أو الزوجة يومًا كاملاً ولكنك تنفذ ما قال الله،
وهذا يُسمَّى أداءً سلبيًّا، وهو الامتناع، والأداء السلبي غالبًا لا يعتريه الرياء أو الافتخار قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس في الصوم رياء" (5).

أما الشيء الثاني: فهو المدة- أي الوقت- فالصلاة تحتاج لعدة دقائق حتى يتمها المصلي بخشوع وخضوع، والزكاة تحتاج لساعات حتى يقوم بها المزكي، والحج يحتاج ثلاثة أو أربعة أيام حتى تتم جميع المناسك، أما الصيام فيحتاج إلى شهرٍ كامل حتى يتم ويتحقق.
أخي المسلم، ثلاثون يومًا تؤدي أداء الامتناع، ثلاثون يومًا تصوم النهار والحر شديد، ثلاثون يومًا تقوم الليل والليل طويل، ثلاثون يومًا تعبًا وجهدًا ومشقةً، ثلاثون يومًا صائمًا، فلماذا صُمتَ؟

صمتَ من أجل الله وحده، الذي قال في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به" (6).
وصمت راغبًا في الثواب،
صمت متمنيًّا أن تكون من عتقاء رمضان
صمتَ لعلك تحصل على التقوى
أخي المسلم، من أجل كل هذا صمت، فعن أي شيء صمت؟
صمت عما أحل الله لك طوعًا ورضًا وحبًا لربك، أليس كذلك؟ بلى.
إذًا أليس أولى بك أن تمتنع عن الحرام طوعًا ورضًا لربك وحبًّا له؟!!. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (9).

أخي المسلم، ما الذي جعلك تنجح في تحمل مشاقة الصيام؟ فالصيام كعبادة هو أشق أنواع العبادات بسبب طريقة الأداء، وطول المدة ومع ذلك تحملت تلك المشاقة والسبب الإرادة والعزم التي تولدت بداخلك تجاهه تلك العبادة.
فالإرادة والعزم التي تولَّدت بداخلك جعلتك تأخذ كل الطرق والوسائل لإنجاح الصيام وتذلل كل الصعاب والعقبات التي تقف أمامك لتحول بينك وبين إتمام الصيام، أي أنَّك أخذت نفسك بالعزيمة ولم تلجأ للرخص إلا في أضيق الحدود أو مضطرًا

المطلوب منك فقط (الإرادة والعزم) نحو الشيء الذي تريده أنت، وأعلم أن الله- سبحانه وتعالى- حينما يجد فيك الإرادة والعزم سيذلل لك كل الصعاب وييسر لكل كل الطرق لكي تصل إلي ما تريد كما فعل معك في الصيام قال تعالى: .(قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)) (آل عمران).

واعلم يا عبد الله ان الله ينادي عليك من قريب لكي ييسر لك الطريق ويرشدك بعد الضلال فيقول "يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضُري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم و إنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم و إنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومَّن إلا نفسه" (11).
‌أخي المسلم، ردد مع نفسك كثيرًا "يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومَّن إلا نفسه".

فنعوذ بالله أن يأتي يومٌ نلوم فيه أنفسنا

الحمد لله
الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشد .
لا يخفى على احد وضع المجتمعات الحالية التي يعيش فيها المسلمون ، وأنواع الفتن والمغريات التي بنارها يكتوون ، وأصناف الشهوات والشبهات التي بسببها أضحى الدين غريباً ، فنال المتمسكون به مثلاً عجيباً ( القابض على دينه كالقابض على الجمر ) .
روى مسلم وأحمد عن حذيفة: قال:قال رسول الله ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره الفتنة مادامت السماوات والأرض والآخر مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب هواه)).
ولا شك عند كل ذي لب أن حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم من ذى قبل،
الذي يقول النبي e في شأنه : ( لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً ) رواه أحمد 6/4.
ويضرب عليه الصلاة والسلام للقلب مثلاً آخر فيقول : ( إنما سمي القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح طهراً لبطن ) رواه أحمد 4/408 وهو في صحيح الجامع
فتثبيت هذا المتقلب برياح الشهوات والشبهات أمر خطير يحتاج لوسائل جبارة تكافئ ضخامة المهمة وصعوبتها
من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم :
( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) ، ( ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا ) . ولما كانت ( قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) رواه الإمام أحمد ومسلم
روى الترمذي عن أنس: ((كان رسول الله يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)).
وعن ابن عمر قال:قال رسول الله ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)).
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .
. كان رسول الله e يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) رواه الترمذي
ومن أعظم أسباب التثبيت . ذكر الله
- تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً ) الأنفال /45 . فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد .
وتأمل بماذا استعان يوسف عليه السلام في الثبات أمام فتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها ؟ ألم يدخل في حصن " معاذ الله " فتكسرت أمواج جنود الشهوات بفضل من الله ؟
وكذا تكون فاعلية الأذكار في تثبيت المؤمنين .
والجنة بلاد الأفراح ، وسلوة الأحزان ، ومحط رحال المؤمنين والنفس مفطورة على عدم التضحية والعمل والثبات إلا بمقابل يهوّن عليها الصعاب ، ويذلل لها ما في الطريق من عقبات ومشاق .
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي..... فلنستعن بذكر الله حتى تستقيم حياتنا ونفوز بالجنة باذن الله تعالى.
روى مسلم عن أنس بن مالك: قال:قال رسول الله ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ، قال: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج ثمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل)).
وينبغي لمن رزقه الله الطاعة الاستمرار عليها:روى مسلم عن عائشة: قالت:قال رسول الله ((أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل)).
روى أحمد عن ثوبان: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)).
المشاهدات 1588 | التعليقات 0