كَيْفَ يَتَطَهَّرُ الْمَرِيضُ وَيُصَلِّي 14 ربيع الثاني 1435هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1435/04/12 - 2014/02/12 14:22PM
كَيْفَ يَتَطَهَّرُ الْمَرِيضُ وَيُصَلِّي
14 ربيع الثاني 1435هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَمَّلَ ضَمَائِرَنَا بِشَرَائِعِ الإِيمَانِ ، وَزَيَّنَ ظَوَاهِرَنَا بِشَعَائِرِ الإِسْلامِ , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، شَرَعَ لَنَا طَهَارَةَ الْقُلُوبِ وَالأَبْدَان ، فَبَيَّنَ الأَسْبَابَ وَالْوَسَائِلَ وَالطُّرُقَ أَتَمَّ بَيَان ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مِنْ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ الإِيمَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ , فَلا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلا مُعَقِّبَ لِقَضَائِهِ .
وَإِنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ حَقَّا أَنَّهُ إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ شَكَرَ اللهَ وَحَمِدَهُ وَإِذَا أَصَابَهُ مَكْرُوهٌ صَبَرَ وَلَجَأَ إِلَى رَبِّهِ فِي كَشْفِ ضُرِّهِ , فَعَنْ صُهَيْبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَإِنَّ الْمَرَضَ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِهِ شَرٌّ وَأَلَمٌ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ خَيْرٌ , فَفِيهِ بَيَانٌ لِنِعْمَةِ الصِّحَّةِ التِي طَالَمَا غَفَلْنَا عَنْهَا , فَالصِّحَّةُ تَاجٌّ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لا يَرَاهُ إِلَّا الْمَرْضَى , وَفِي الْمَرَضِ يَلْجَأُ الْمَرِيضُ إِلَى رَبِّهِ وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَاءِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَافِلاً وَمُنْكِبَّاً عَلَى دُنْيَاه , وَفِي الْمَرَضِ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ , فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ , فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَا يُصيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلاَ وَصَبٍ [أَيْ : مَرَضٍ]، وَلاَ هَمٍّ ، وَلاَ حُزَنٍ ، وَلاَ أذَىً ، وَلاَ غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللهَ مَا أَنْزَلَ مَرَضَاً إِلَّا جَعَلَ لَهُ عِلَاجَاً , فَالتَّطَبُّبُ وَالتَّدَاوِي جَائِزٌ وَلَيْسَ فِيهِ اعْتَرَاضٌ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ , فَعَنْ أُسَامَةَ بَنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَتِ الأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ (نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ الْهَرَم) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ . فَيَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلاجَ عِنْدَ الأَطِبَّاءِ وَأَهْلِ الاخْتِصَاصِ , وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلَاجَ بِالرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالدُّعَاءِ , وَالأَفْضَلُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرُّقْيَةِ وَالْعِلاجِ الطِّبِيِّ , وَلَوْ أَنَّهُ بَدَأَ بِالرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوَّلاً كَانَ أَفْضَل , فَكَمْ مِنَ الأَوْجَاعِ تَزُولُ مُبَاشَرَةً بِالرُّقْيَةِ فَلا يَحْتَاجُ بَعْدَهَا الْمَرِيضُ لِعِيَادَةِ الطَّبِيب .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَإِنَّ مِمَّا يُؤَكَّدُ عَلَيْهِ جِدَّاً فِي حَالِ الصِّحَةِ وَفِي حَالِ الْمَرَضِ الالْتَزَامُ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ , وَإِنَّ مِنَ الْخُذْلَانِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا مَرِضَ تَرَكَ الطَّاعَةَ وَخَاصَّةً الصَّلاةَ وَرُبَّمَا سَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ وَقَالَ إِذَا تَعَافَيْتَ فَصَلِّ مَا مَضَى , وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَكُونُ عَلَى مَشَارِفِ الْمَوْتِ فَكَيْفَ يَتَخَلَّى عَنِ الْعِبَادَةِ التِي مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ , وَيَتْرُكُ الطَّاعَةَ التِي هِيَ زَادُهُ إِلَى الآخِرَةِ ؟
وَلِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَجْهَلُ كَيْفَ يَتَطَهَّرُ الْمَرِيضَ أَوْ كَيْفَ يُصَلِّي فَنُبَيِّنُ بِإِذْنِ اللهِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْضَ الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعِبَادَةِ الْمَرِيضِ مِنَ الطَهَارَةِ وَالصَّلَاة .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأَ مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ وَيَغْتَسِلَ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ , فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لِعَجْزِهِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْئِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ , وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ : أَنْ يَضْرِبَ الأَرْضَ الطَّاهِرَةَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً يَمْسَحُ بِهِمَا جَمِيعَ وَجْهِهِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ كَفَّيْهِ بَعْضَهُمَا بِبَعْض .
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُوَضِّئُهُ أَوْ يُيَمِّمُهُ شَخْصٌ آخَر , وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ جُرْحٌ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ مَسَحَهُ مَسْحَاً , فَيَبَلُّ يَدَهُ بِالْمَاءِ وَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ أَيْضَاً فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَنْهُ , وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ كَسْرٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ أَوْ جِبْسٌ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ بَدَلاً عَنْ غَسْلِهِ وَلا يَحْتَاجُ لِلتَيَمُّمِ , لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنِ الْغَسْلِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَلَى الْجِدَارِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ طَاهِرٌ لَهُ غُبَارٌ ، فَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مَمْسُوحاً بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَرْضِ كَالْبُويَةِ فَلا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَيَمَّمُ عَلَى الأَرْضِ أَوِ الْجِدَارِ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ لَهُ غُبَارٌ فَلا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ تُرَابٌ فِي إِنَاءٍ أَوْ مِنْدِيلٍ وَيُتَيَمَّمَ مِنْهُ , وَجَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ حَاوِيَاتٌ صَغِيرَةٌ يُوجَدُ فِيهَا تُرَابٌ وَعَلَيْهِ اسْفِنْجٌ فِإِذَا وُجِدَ الْغُبَارُ وَتَيَمَّمَ مِنْهَا أَجْزَأَ .
وَإِذَا تَيَمَّمَ لِصَلاةٍ وبَقِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ الأُخْرَى فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ الأَوَّلِ ، وَلا يُعِيدُ التَيَّمُّمَ لِلصَّلاةِ الثَّانِيَةِ , لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهَا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُطَهِّرَ بَدَنَهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ صَلَّى عَلَى حَالِهِ , وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ , وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِثِيَابٍ طَاهِرَةٍ فَإِنْ تَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ ، وَجَبَ غَسْلُهَا أَوْ إِبْدَالُهَا بِثِيَابٍ طَاهَرِةٍ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ , وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شَيْءٍ طَاهِرٍ فَإِنَّ تَنَجَّسَ مَكَانُهُ , وَجَبَ غَسْلُهُ أَوْ إِبْدَالُهُ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ أَوْ يَفْرِشَ عَلَيْهِ شَيْئاً طَاهِراً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ .
وَلا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ أَجْلِ الْعَجْزِ عَنِ الطَّهَارَةِ بَلْ يَتَطَهَّرُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلاةَ فِي وَقْتِهَا وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ نَجَاسَةً يَعْجِزُ عَنْهَا .
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ وَأَنَّ يُعَافِيَ كُلَّ مُبْتَلَى , أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ , الْحَلِيمِ الْعَظِيم , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم , وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ , وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَنُورِ الْقَلْبِ , وَإِنَّ الْمَرِيضَ كَغَيْرِه مُطَالَبٌ بِأداء الصَّلَاةِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَاءُ وَالْمِلَّةُ الغَرَّاء , وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ فَهِيَ كَمَا يَلِي :
يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ قَائِمَاً وَلَوْ مُنْحَنِيَاً أَوْ مُعْتَمِدَاً عَلَى جِدَارٍ أَوْ عَصَا , لِعُمُومِ قَوْلِ اللهِ تَعَالىَ (وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) , فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ صَلَّى جَالِسَاً , وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَبِّعَاً فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ .
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ جَالِسَاً صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ مُتَوَجِّهَاً إِلَى الْقِبْلَةِ , وَالْجَنْبُ الأَيْمَنُ أَفْضَلُ , فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ اتِّجَاهُهُ , وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ , وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ .
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ عَلَى جَنْبِهِ صَلَّى مُسْتَلْقِيَاً رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ , وَالأَفْضَلُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلاً لِيَتَّجِهَ إِلَى الْقِبْلَةِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ تَكُونَ رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَتْ , وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ فِي صَلاتِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْمَأَ بِهَمَا بِرَأْسِهِ , وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ , فَإِنِ اسْتَطَاعَ الرُّكُوعَ دُونَ السُّجُودِ رَكَعَ حَالَ الرُّكُوعِ , وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ , وَإِنِ اسْتَطَاعَ السُّجُودَ دُونَ الرُّكُوعِ سَجَدَ حَالَ السُّجُودِ , وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ , فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَشَارَ فِي السُّجُودِ بِعَيْنِهِ , فَيُغْمِضُ قَلِيلاً لِلرُّكُوعِ , وَيُغْمِضُ تَغْمِيضَاً لِلسُّجُودِ , وَأَمَّا الإِشَارَةُ بِالإِصْبِعِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَرْضَى فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَ لا أَصْلَ لَهَا مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ وَلا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ بِالرَّأْسِ , وَلا الإِشَارَةَ بِالْعَيْنِ صَلَّى بِقَلْبِهِ فَيُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ وَيَنْوِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالْقِيَامَ وَالْقُعُودَ بِقَلْبِهِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى .
وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا وَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ فِيهَا , فَإِنَّ شَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ , إِمَّا جَمْعُ تَقْدِيمٍ , وَإِمَّا جَمْعُ تَأْخِيرٍ , حَسْبَمَا يَكُونُ أَيْسَرَ لَهُ , أَمَّا الْفَجْرُ فَلا تُجْمَعُ لِمَا قَبْلَهَا وَلا لِمَا بَعْدَهَا .
وَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ مُسَافِرَاً يُعَالَجُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ سَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ سَفَرِهِ أَمْ قَصُرَتْ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا , وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ , اللَّهُمَّ كُنْ لإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الشَّامِ وَفِي اليَمَنِ , اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْ عِنْدِكَ تُغْنِيهِمْ بِهَا عَمَّنْ سِوَاكَ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ آذَاهُمْ وَعَذَّبَهُمْ , اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ , اللَّهُمَّ أَشْغِلْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَاجْعَلْ بَأَسَهَمْ بَيْنَهُمْ , اللَّهُمَّ أَنْقِذْ إِخْوَانَنَا فِي مِصْرَ مِمَّنْ يُرِيدُ بِهِمْ سُوءاً , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَهُمْ , وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ يَا قَدِيرُ يَاحَكِيمُ ! اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ , والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
14 ربيع الثاني 1435هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَمَّلَ ضَمَائِرَنَا بِشَرَائِعِ الإِيمَانِ ، وَزَيَّنَ ظَوَاهِرَنَا بِشَعَائِرِ الإِسْلامِ , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، شَرَعَ لَنَا طَهَارَةَ الْقُلُوبِ وَالأَبْدَان ، فَبَيَّنَ الأَسْبَابَ وَالْوَسَائِلَ وَالطُّرُقَ أَتَمَّ بَيَان ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مِنْ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ الإِيمَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ , فَلا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلا مُعَقِّبَ لِقَضَائِهِ .
وَإِنَّ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ حَقَّا أَنَّهُ إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ شَكَرَ اللهَ وَحَمِدَهُ وَإِذَا أَصَابَهُ مَكْرُوهٌ صَبَرَ وَلَجَأَ إِلَى رَبِّهِ فِي كَشْفِ ضُرِّهِ , فَعَنْ صُهَيْبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَإِنَّ الْمَرَضَ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِهِ شَرٌّ وَأَلَمٌ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ خَيْرٌ , فَفِيهِ بَيَانٌ لِنِعْمَةِ الصِّحَّةِ التِي طَالَمَا غَفَلْنَا عَنْهَا , فَالصِّحَّةُ تَاجٌّ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لا يَرَاهُ إِلَّا الْمَرْضَى , وَفِي الْمَرَضِ يَلْجَأُ الْمَرِيضُ إِلَى رَبِّهِ وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَاءِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ غَافِلاً وَمُنْكِبَّاً عَلَى دُنْيَاه , وَفِي الْمَرَضِ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ , فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ , فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَا يُصيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلاَ وَصَبٍ [أَيْ : مَرَضٍ]، وَلاَ هَمٍّ ، وَلاَ حُزَنٍ ، وَلاَ أذَىً ، وَلاَ غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللهَ مَا أَنْزَلَ مَرَضَاً إِلَّا جَعَلَ لَهُ عِلَاجَاً , فَالتَّطَبُّبُ وَالتَّدَاوِي جَائِزٌ وَلَيْسَ فِيهِ اعْتَرَاضٌ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ , فَعَنْ أُسَامَةَ بَنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَتِ الأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ (نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ) قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ الْهَرَم) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ . فَيَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلاجَ عِنْدَ الأَطِبَّاءِ وَأَهْلِ الاخْتِصَاصِ , وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْعِلَاجَ بِالرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالدُّعَاءِ , وَالأَفْضَلُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرُّقْيَةِ وَالْعِلاجِ الطِّبِيِّ , وَلَوْ أَنَّهُ بَدَأَ بِالرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَوَّلاً كَانَ أَفْضَل , فَكَمْ مِنَ الأَوْجَاعِ تَزُولُ مُبَاشَرَةً بِالرُّقْيَةِ فَلا يَحْتَاجُ بَعْدَهَا الْمَرِيضُ لِعِيَادَةِ الطَّبِيب .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَإِنَّ مِمَّا يُؤَكَّدُ عَلَيْهِ جِدَّاً فِي حَالِ الصِّحَةِ وَفِي حَالِ الْمَرَضِ الالْتَزَامُ بِطَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ , وَإِنَّ مِنَ الْخُذْلَانِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا مَرِضَ تَرَكَ الطَّاعَةَ وَخَاصَّةً الصَّلاةَ وَرُبَّمَا سَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ وَقَالَ إِذَا تَعَافَيْتَ فَصَلِّ مَا مَضَى , وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَكُونُ عَلَى مَشَارِفِ الْمَوْتِ فَكَيْفَ يَتَخَلَّى عَنِ الْعِبَادَةِ التِي مِنْ أَجْلِهَا خُلِقَ , وَيَتْرُكُ الطَّاعَةَ التِي هِيَ زَادُهُ إِلَى الآخِرَةِ ؟
وَلِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَجْهَلُ كَيْفَ يَتَطَهَّرُ الْمَرِيضَ أَوْ كَيْفَ يُصَلِّي فَنُبَيِّنُ بِإِذْنِ اللهِ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْضَ الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعِبَادَةِ الْمَرِيضِ مِنَ الطَهَارَةِ وَالصَّلَاة .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأَ مِنَ الْحَدَثِ الأَصْغَرِ وَيَغْتَسِلَ مِنَ الْحَدَثِ الأَكْبَرِ , فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ لِعَجْزِهِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ تَأَخُّرِ بُرْئِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ , وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ : أَنْ يَضْرِبَ الأَرْضَ الطَّاهِرَةَ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً يَمْسَحُ بِهِمَا جَمِيعَ وَجْهِهِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ كَفَّيْهِ بَعْضَهُمَا بِبَعْض .
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُوَضِّئُهُ أَوْ يُيَمِّمُهُ شَخْصٌ آخَر , وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ جُرْحٌ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ مَسَحَهُ مَسْحَاً , فَيَبَلُّ يَدَهُ بِالْمَاءِ وَيُمِرُّهَا عَلَيْهِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْحُ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِ أَيْضَاً فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَنْهُ , وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ كَسْرٌ مَشْدُودٌ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ أَوْ جِبْسٌ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ بَدَلاً عَنْ غَسْلِهِ وَلا يَحْتَاجُ لِلتَيَمُّمِ , لِأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَنِ الْغَسْلِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَلَى الْجِدَارِ أَوْ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ طَاهِرٌ لَهُ غُبَارٌ ، فَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ مَمْسُوحاً بِشَيْءٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الأَرْضِ كَالْبُويَةِ فَلا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَيَمَّمُ عَلَى الأَرْضِ أَوِ الْجِدَارِ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ لَهُ غُبَارٌ فَلا بَأْسَ أَنْ يُوضَعَ تُرَابٌ فِي إِنَاءٍ أَوْ مِنْدِيلٍ وَيُتَيَمَّمَ مِنْهُ , وَجَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَشْفَيَاتِ حَاوِيَاتٌ صَغِيرَةٌ يُوجَدُ فِيهَا تُرَابٌ وَعَلَيْهِ اسْفِنْجٌ فِإِذَا وُجِدَ الْغُبَارُ وَتَيَمَّمَ مِنْهَا أَجْزَأَ .
وَإِذَا تَيَمَّمَ لِصَلاةٍ وبَقِيَ عَلَى طَهَارَتِهِ إِلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ الأُخْرَى فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ الأَوَّلِ ، وَلا يُعِيدُ التَيَّمُّمَ لِلصَّلاةِ الثَّانِيَةِ , لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُهَا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُطَهِّرَ بَدَنَهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ ، فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ صَلَّى عَلَى حَالِهِ , وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ , وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِثِيَابٍ طَاهِرَةٍ فَإِنْ تَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ ، وَجَبَ غَسْلُهَا أَوْ إِبْدَالُهَا بِثِيَابٍ طَاهَرِةٍ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ , وَيَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى شَيْءٍ طَاهِرٍ فَإِنَّ تَنَجَّسَ مَكَانُهُ , وَجَبَ غَسْلُهُ أَوْ إِبْدَالُهُ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ أَوْ يَفْرِشَ عَلَيْهِ شَيْئاً طَاهِراً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَى حَالِهِ وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ .
وَلا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ أَجْلِ الْعَجْزِ عَنِ الطَّهَارَةِ بَلْ يَتَطَهَّرُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ ، ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلاةَ فِي وَقْتِهَا وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ نَجَاسَةً يَعْجِزُ عَنْهَا .
أَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ وَأَنَّ يُعَافِيَ كُلَّ مُبْتَلَى , أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ , الْحَلِيمِ الْعَظِيم , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم , وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ صِلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ , وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ وَنُورِ الْقَلْبِ , وَإِنَّ الْمَرِيضَ كَغَيْرِه مُطَالَبٌ بِأداء الصَّلَاةِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَاءُ وَالْمِلَّةُ الغَرَّاء , وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ فَهِيَ كَمَا يَلِي :
يَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ قَائِمَاً وَلَوْ مُنْحَنِيَاً أَوْ مُعْتَمِدَاً عَلَى جِدَارٍ أَوْ عَصَا , لِعُمُومِ قَوْلِ اللهِ تَعَالىَ (وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) , فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ صَلَّى جَالِسَاً , وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَرَبِّعَاً فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ .
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ جَالِسَاً صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ مُتَوَجِّهَاً إِلَى الْقِبْلَةِ , وَالْجَنْبُ الأَيْمَنُ أَفْضَلُ , فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ اتِّجَاهُهُ , وَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ , وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ .
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الصَّلاةَ عَلَى جَنْبِهِ صَلَّى مُسْتَلْقِيَاً رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ , وَالأَفْضَلُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلاً لِيَتَّجِهَ إِلَى الْقِبْلَةِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ تَكُونَ رِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَتْ , وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ فِي صَلاتِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْمَأَ بِهَمَا بِرَأْسِهِ , وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ , فَإِنِ اسْتَطَاعَ الرُّكُوعَ دُونَ السُّجُودِ رَكَعَ حَالَ الرُّكُوعِ , وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ , وَإِنِ اسْتَطَاعَ السُّجُودَ دُونَ الرُّكُوعِ سَجَدَ حَالَ السُّجُودِ , وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ , فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَشَارَ فِي السُّجُودِ بِعَيْنِهِ , فَيُغْمِضُ قَلِيلاً لِلرُّكُوعِ , وَيُغْمِضُ تَغْمِيضَاً لِلسُّجُودِ , وَأَمَّا الإِشَارَةُ بِالإِصْبِعِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَرْضَى فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَ لا أَصْلَ لَهَا مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ وَلا مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
فَإِنْ كَانَ لا يَسْتَطِيعُ الإِيمَاءَ بِالرَّأْسِ , وَلا الإِشَارَةَ بِالْعَيْنِ صَلَّى بِقَلْبِهِ فَيُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ وَيَنْوِي الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَالْقِيَامَ وَالْقُعُودَ بِقَلْبِهِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى .
وَيَجِبُ عَلَى الْمَرِيضِ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا وَيَفْعَلُ كُلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ فِيهَا , فَإِنَّ شَقَّ عَلَيْهِ فِعْلُ كُلِّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ , إِمَّا جَمْعُ تَقْدِيمٍ , وَإِمَّا جَمْعُ تَأْخِيرٍ , حَسْبَمَا يَكُونُ أَيْسَرَ لَهُ , أَمَّا الْفَجْرُ فَلا تُجْمَعُ لِمَا قَبْلَهَا وَلا لِمَا بَعْدَهَا .
وَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ مُسَافِرَاً يُعَالَجُ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ سَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ سَفَرِهِ أَمْ قَصُرَتْ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ , اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةَ أُمُورِنَا , وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ , اللَّهُمَّ كُنْ لإِخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الشَّامِ وَفِي اليَمَنِ , اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْ عِنْدِكَ تُغْنِيهِمْ بِهَا عَمَّنْ سِوَاكَ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِمَنْ آذَاهُمْ وَعَذَّبَهُمْ , اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ , اللَّهُمَّ أَشْغِلْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَاجْعَلْ بَأَسَهَمْ بَيْنَهُمْ , اللَّهُمَّ أَنْقِذْ إِخْوَانَنَا فِي مِصْرَ مِمَّنْ يُرِيدُ بِهِمْ سُوءاً , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَأْنَهُمْ , وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ يَا قَدِيرُ يَاحَكِيمُ ! اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ , والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المرفقات
كَيْفَ يَتَطَهَّرُ الْمَرِيضُ وَيُصَلِّي 14 ربيع الثاني 1435هـ ‫‬.doc
كَيْفَ يَتَطَهَّرُ الْمَرِيضُ وَيُصَلِّي 14 ربيع الثاني 1435هـ ‫‬.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
تعديل التعليق