كيف نعيش أسعد حياة؟

كيف نعيش أسعدحياة؟
خطبة جمعة.
الحمد لله إيماناً بكماله وجلاله، ويقيناً بعلمه وحكمته، ورضى وطمأنينة بعدله ورحمته، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، أحمده تعالى وأشكره حمدا وشكرا كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله -تعالى- بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ما من خير إلا دل أمته عليه، وما من شر إلا حذرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
عباد الله: الحياة الطيبة والسعادة، والعيشة الهنية الرضية؛ مطلب مهم، ومقصد أسمى، يسعى إلى تحقيقه البشر، وتشرئب إلى سماعه النفوس، وتطمح إلى تحقيقه وبلوغه الأفئدة.
السعادة هدف سامي ينشده كل الناس، ويبحثون عنه، بدءًا من المثقف إلى العامي، ومن السلطان إلى الصعلوك، ما منهم من أحد إلا يكره حياة النكد والشقاء، ويرنو إلى حياة السعد والهناء، ولهذا تعددت مشارب الناس ووسائلهم، وتنوعت أساليبهم وأفهامهم في البحث عن السعادة، والعيش في ظلالها.
فكيف نحصل السعادة!؟
بالإيمان وطاعة الرحمن فإن ذلك جوهر السعادة إي والله فكلما زاد إيمانك؛ زادت سعادتك في الدنيا والآخرة. والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وإن العبد ليجد والله أثر الإيمان في قلبه من الراحة والطمأنينة والاستبشار والتفاؤل والبهجة والفرح والسرور.
قال تعالى : " {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}
عبد الله! والله إنك تسعد عندما ترضا بقضاء ربك فإنك إن ترضى يرضيك الله ويعافيك؛ وفي الحديث " ومن رضي فإن له الرضى"
عبد الله! هل تريد السعادة!؟
" تفائل، أحسن، أنفق، بادر، كن تاليا، ذاكرا، شاكرا، داعيا، منيبا"
هل تريد السعادة!؟ " أسعد غيرك؛ يسعدك ربك"
هل تريد السعادة!؟ " فرج هما؛ يفرج الله همك"
هل تريد السعادة!؟ " اجعل للقرآن حظُ في يومك
فذلك موعد لك مع السعادة والبركة "
( ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)
هل تريد السعادة!؟ بر والديك سواء أحياءً أو أمواتا
قال تعالى عن عيسى عليه السلام
" وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا"
هل تريد السعادة!؟ كن كثير الدعاء؛ فوالله إن الدعاء
نعمة عظيمة تعلمنا التفاؤل وحسن الظن بالله والتوكل عليه
ويعني أن الله يسمعك فاطمئن وارتاح وفوض له أمرك وارفع له شكواك
الدعاء يقين وروح وتفاؤل؛ يصل الله به الأسباب، ويُبارك به العمر، ويكشف به البلاء ولن تأخذ من الدعاء ثمرته حتى تعيش روح الدعاء وعبوديته وحلاوته.
فكن كثير الدعاء؛ تكن كثير السعادة.
أسعدكم الله في الدنيا والآخرة
وهيء لي ولكم أسباب السعادة
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى وصحبه، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: لا بد أن يعرف المؤمن حقيقة السعادة، وأن تكون نظرته للحياة نظرة صحيحة سوية؛ لأن بعض الناس ينظر للدنيا نظرة غير سوية، أو ينظر للمال نظرة غير سوية، وبسبب هذه النظرة تتأثر تصرفاته في هذه الحياة، وربما تصرَف تصرفات غريبة، والسبب في ذلك: سوء النظرة، والفهم غير الصحيح للسعادة، والفهم غير الصحيح للحياة الدنيا.
هذه الحياة الدنيا لابد أن يستحضر المؤمن أنها دار ممر وعبور، وأنه لن يخلد فيها إلى أبد الآباد، وأنه مهما أعطي فيها من متع الدنيا فإنه لابد من لقاء الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [الإنشقاق: 6]، (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء: 205 - 207].
هذه الدنيا لا تصفو لأحد، لكن لو افتُرض أنها صفت لأحد من المكدِرات والمنغصات فإنها زائلة وفانية، ولا بد من لقاء الله -عز وجل-، ولا بد بعد ذلك من بعث وجزاء وحساب ونشور: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
والمؤمن السعيد هو الذي يرضى بما يقدره الله له وينظر أن أمره كل خير في عاجله أو آجله
فإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
- الحزن الذي يقودك إلى الله نعمة.
- الهمُّ الذي يسير بك إلى الله نعمة.
- الغمُّ الذي تنطرح جوارحك فيه لله نعمة.
- المصيبة التي لا تفارق بها الدعاء نعمة.
- الدموع والبكاء بين يدي الله نعمة.
- ذهاب شيء من دنياك وبقاء دينك نعمة.
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}
ومن يحمد الله على كل حال والله يسعد أيما سعادة! فالحمد لله على كل حال.
ومن السعادة أن ننظر النظرة السوية للمال، فإن بعض الناس ينظر للمال نظرة غير صحيحة، يتشبث بهذا المال وكأنه مخلد أبد الآباد، ألسنا نرى في المجتمع -أيها الإخوة- من هو محروم من ماله، بل هو في الحقيقة كالحارس القوي الأمين على هذه الثروة، يحرسها للورثة بعده، حرم نفسه من أن يتمتع بها في دنياه وفي آخرته، وإنما يحرسها طيلة حياته إلى أن تنتقل غنيمة باردة للورثة بعده، وربما لا يحمده الورثة على هذه الثروة التي جمعها طيلة حياته، والقصص في هذا كثيرة مشهورة.
فلذلك فإن من السعادة أن تتلذذ بما وهبك الله من الخير وأن يرى الله أثر نعمته عليك وذلك من شكر النعم. نعوذ بالله من البخل.
عباد الله! تأملوا هذا الحديث!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق، والمركب السوء.
رزقنا الله أربعة السعادة، وأعاذنا من أربعة الشقاوة.
وجعلنا في خير وعافية.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم أسعدنا ووالدينا وأهلينا وذرياتنا وأرحامنا وأحبابنا في الدنيا والآخرة.
اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لكل خير. واجعل فيهم السعادة للبلاد والعباد.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وارض علينا.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد.

المرفقات

1721280345_كيف نعيش أسعد حياة؟ .pdf

المشاهدات 1137 | التعليقات 0