كيف نستفيد من خطبة الجمعة ؟
ناصر بن علي القطامي
1438/03/22 - 2016/12/21 07:01AM
كيف نستفيد من خطبة الجمعة ؟
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون:
خلق الله الأيام والدهور، والأزمنة والشهور، وخص منها ساعات وأياما، جعل لها مراتب عليّة، وخصائص عظيمة، ومن تلكم الأيام يوم الجمعة، إذ ميزه الله بمكانة عظيمة في الإسلام، فقد أمر "جل وعلا" بالسعي لصلاتها، والاستماع لخطبتها، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على حسن الإنصات لها، وعدم اللهو أو العبث في وقتها، مع أخذ الزينة والطيب وحسن السّمت، ونبذ الّلغو، مما يُهيِّئ للاستفادة والرغبة في الاستماع،كما قال سبحانه: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9].
قال الإمام الرازي: "قوله: { إلى ذِكْرِ الله} الذكر هو: الخطبة عند الأكثر من أهل التفسير.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية الاستماع إلى الخطبة، وبين فضل الإنصات إليها، فقد جاء في صحيح البخاري عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طُهر، ويدَّهن من دُهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يُصلي ما كتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)[صحيح البخاري].
وروى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدري ما يوم الجمعة؟) قلت: هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم. قال: (ولكني أدري ما يوم الجمعة، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره، ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته، إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة المُقبلة ما اجتنبت المَقتلة)[مسند الإمام أحمد].
ولأهمية خطبة الجمعة، جعلها الله تعالى شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، تتكرر أسبوعيا، جمعًا لقلوبهم، وتوحيدًا لكلمتهم، وتعليمًا لجاهلهم، وتنبيهًا لغافلهم، وردًّا لشاردهم، وإيقاظا للهمم، وشحذًا للعزائم، وتبصيرًا للمسلمين بحقائق دينهم وعقيدتهم، ومكايد عدوهم، ومما يجب عليهم، وما لا يسعهم جهله؛ وتثبيتًا لهم جميعًا على تعظيم حرمات الله.
ولذا اعتنى بها النبي صلى الله عليه وسلم أيما عناية، ووظّفها في سبيل إعلاء ذكر الله، والدعوة إلى سبيله، وإرشاد الأمة وتوجيهها إلى أقوم الطرق، وتحذيرها من مغبّة اتّباع الهوى.
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة كما أورد ذلك الإمام ابن القيم أنه كان :" يُعلّم أصحابه في خُطبته قَواعد الإسلَام وشرائعه، ويَأمُرُهُم وينهَاهم في خُطبته إذا عَرَضَ له أَمْرٌ أو نَهْيٌ، كما أمر الداخِل وهو يَخْطُب أن يُصَلّيَ ركعتين؛ ونهى المتخَطّيَ رقاب الناس عن ذلك وأَمَرَهُ بالجلوس" [زاد المعاد، لابن القيم].
أيها المؤمنون:
ولأجل ذلك كله كان لزاما على كل مسلم أن يستثمر خطبة الجمعة وموعظتها، لتتحقق ثمرتها، وتؤتي أُكُلها، وإن مما يعين على ذلك أموراً عدة، نورد بعضاً منها على سبيل المثال:
أولًا: تعظيم شأن الخطبة كتعظيم الصلاة: فحال المسلم عند خطبة الجمعة كحاله في الصلاة لا يتكلم ولا يكلم غيره، ولا يتشاغل بما يلهيه عن استماع الخطبة والإنصات لها، ومن أدلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا)).
فالواجب تعظيم شأن الخطبة في نفس المؤمن، فهي أمر من أوامر الله، وعدم الاستخفاف بها، أو التهوين من دورها، تبعاً لواقع معين عند الناس ألفوه، حتى تتحول من عادة إلى عبادة.
ثانيا: حسن الاستماع والإنصات:
فالإنصات وحسن الاستماع إلى الخطبة من تمام الصلاة، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن حسن الاستماع جزاؤه أن يغفر الله تعالى له ما بين الجمعتين.
وقد جاء التّحذير من الانشغال عن الاستماع لخطبة الجمعة، ولو كان أمرا بمعروف أو نهي عن منكر؛ قال صلى اللهعليه وسلم : ((من مسّ الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)). وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت)).
ولقد شرع الإسلام الحنيف ما يعين المسلم على الإنصات وحسن الاستماع، فأمر الإسلام بالاغتسال قبلها، والتّطيب لها، ولبس نظيف الثياب عند السّعي إليها، والقرب من الإمام، فإن ذلك مما يعين على الإنصات والتدبر.
ثالثا: إخلاص النية لله والعزم على العمل بالعلم .
كما قال الإمام ابن حزم – رحمه الله-: "إذا حضرت مجلس علم فلا يكن حضورك إلّا حضور مستزيد علما وأجرا لا حضور مستغن بما عندك ، طالبا عثرة تشِيعها، أو غريبة تشنّعها فهذه أفعال الأرذال الذين لا يفلحون في العلم أبدا فإذا حضرتها على هذه النية فقد حصلت خيرا على كل حال".
رابعا: عدم التشاغل قبل الجمعة بأمور الدنيا التي تشغل الفكر، كالبيع والشراء، وأنواع العقود، واللّهو بمتابعة أجهزة التواصل الاجتماعي قبل الجمعة مما يشتت الذهن، وقد جاء النهي عن البيع بعد النداء ويُلحق به أنواع العقود، ولعل الأذان الذي يسبق أذان الجمعة في السوق للتذكير بهذا الأمر كما جاء الأمر بالتبكير إلى الجمعة، والانشغال بأمور الآخرة كقراءة سورة الكهف والصلاة قبلها تطوّعاً. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْـجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
خامسا: التأدب بآداب الجلوس أثناء الاستماع للخطبة، فـلا يضطـجع أو يحتبي أو يمدّ رجليه إلا لعذر، فقد ورد النهي عن الاحتباء يوم الجمعة. فعن سهل بن معاذ رضي الله عنهما عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب" رواه الترمذي.
وجلسة الاحتباء هي: أن يُقِيم الجالس ركبتيه ويقيم رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشد عليهما، ويكون أليتاه على الأرض، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب.
سادسًا: الحرص على أخذ قسط من الراحة ليلة الجمعة وصبيحتها، لما في ذلك من الإعانة على البكور لشهود صلاة الجمعة، كما أن من المعينات سد حاجة الجسد من الطعام، حتى يتمكن المسلم من حسن الإنصات، وعدم الشعور بإرهاق البدن.
وقد جاءت الشريعة حاثة على ذلك، داعية لتحقيقه فقد جاء النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام، فعن أبي هريرة -رضيالله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم" [رواه مسلم].
قال الإمام النووي -رحمه الله-: "والحكمة في النهي عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة فاستحبّ الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها، والتلذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة".
وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نَقيل، ولا نتغذى إلا بعد الجمعة".
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء، والقائلة بالتهيّؤ للجمعة، ثم بالصلاة، وينصرفون فيتداركون ذلك". أخرجه البخاري
سابعا: استقبال الموعظة، والحث على التقوى بقلوب واعية، وآذان صاغية، وعقول تفكر فيما تستمع بإيجـابية، وإنـزال تلك الموعظة على الـواقـع، فـإذا سمع الآيـات القـرآنـية والأحـاديـث النبوية، ـتفـكّـر في معـانيها، وعلِم أنه المخاطب بها، واتهام نفسه بالتقصير لتدارك أخطائه .
بارك اهسم لي ولكم ..
الخطبة الثانية
أما بعد: فثامن هذه الوسائل المعينة على الاستفادة من خطبة الجمعة :
اختيار مكان مناسب داخل المسجد ليدنو من الإمام، والسعي إلى أن لا يستند إلى السواري والأعمدة والجدران إلا لعذر ليكون أكثر انتباها وتيقّظا للخطبة، وعليه أن لا يقابل الناس بوجهه فينشغل بالاهتمام بهم أويُشغلهم؛ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحوّل من مجلسه ذلك" [رواه أبو داود بسند صحيح].
تاسعا: أن يتوجّه بوجهه إلى الخطيب، فإنه أدعى للاستيعاب والفهم لاشتراك أكثر من حاسّة في الإصغاء؛ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا" [رواه الترمذي].
عاشرا: نقل ما استمع إليه المسلم أثناء الخطبة إلى أهل بيته لمناقشتهم فيه، وتبادل الأفكار والمقترحات والآراء حولها، والواجبات العملية المستفادة لتطبيقها، ولا مانع أن يرصد لأولاده جوائز لتحفيزهم على هذا الأمر .
الحادي عشر: تسجيل الخطبة ونشرها عبر الشبكات الالكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة .
وأخيرا.. فلابد أن يُعلم ا أن صلاة الجمعة لها أثر عظيم في حياة المسلمين، وأن خطبة الجمعة كانت ولا تزال وستستمر إن شاء الله تعالى مصدر تعليم وتثقيف وإصلاح، وطريق هداية للناس، وعلاج لمشكلاتهم، ولن يقوم مقامها برنامج فضائي، أو مقال صحفي، بل هي على أهميتها وسائل مساندة، وعوامل رافدة، فاللهَ اللهَ بتعظيم شأنها، وحُسن استثمارها .
ثم صلوا ..
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون:
خلق الله الأيام والدهور، والأزمنة والشهور، وخص منها ساعات وأياما، جعل لها مراتب عليّة، وخصائص عظيمة، ومن تلكم الأيام يوم الجمعة، إذ ميزه الله بمكانة عظيمة في الإسلام، فقد أمر "جل وعلا" بالسعي لصلاتها، والاستماع لخطبتها، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على حسن الإنصات لها، وعدم اللهو أو العبث في وقتها، مع أخذ الزينة والطيب وحسن السّمت، ونبذ الّلغو، مما يُهيِّئ للاستفادة والرغبة في الاستماع،كما قال سبحانه: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9].
قال الإمام الرازي: "قوله: { إلى ذِكْرِ الله} الذكر هو: الخطبة عند الأكثر من أهل التفسير.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أهمية الاستماع إلى الخطبة، وبين فضل الإنصات إليها، فقد جاء في صحيح البخاري عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طُهر، ويدَّهن من دُهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يُصلي ما كتب له، ثم يُنصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)[صحيح البخاري].
وروى الإمام أحمد في مسنده عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدري ما يوم الجمعة؟) قلت: هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم. قال: (ولكني أدري ما يوم الجمعة، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره، ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته، إلا كانت كفارة لما بينه وبين الجمعة المُقبلة ما اجتنبت المَقتلة)[مسند الإمام أحمد].
ولأهمية خطبة الجمعة، جعلها الله تعالى شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، تتكرر أسبوعيا، جمعًا لقلوبهم، وتوحيدًا لكلمتهم، وتعليمًا لجاهلهم، وتنبيهًا لغافلهم، وردًّا لشاردهم، وإيقاظا للهمم، وشحذًا للعزائم، وتبصيرًا للمسلمين بحقائق دينهم وعقيدتهم، ومكايد عدوهم، ومما يجب عليهم، وما لا يسعهم جهله؛ وتثبيتًا لهم جميعًا على تعظيم حرمات الله.
ولذا اعتنى بها النبي صلى الله عليه وسلم أيما عناية، ووظّفها في سبيل إعلاء ذكر الله، والدعوة إلى سبيله، وإرشاد الأمة وتوجيهها إلى أقوم الطرق، وتحذيرها من مغبّة اتّباع الهوى.
وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة كما أورد ذلك الإمام ابن القيم أنه كان :" يُعلّم أصحابه في خُطبته قَواعد الإسلَام وشرائعه، ويَأمُرُهُم وينهَاهم في خُطبته إذا عَرَضَ له أَمْرٌ أو نَهْيٌ، كما أمر الداخِل وهو يَخْطُب أن يُصَلّيَ ركعتين؛ ونهى المتخَطّيَ رقاب الناس عن ذلك وأَمَرَهُ بالجلوس" [زاد المعاد، لابن القيم].
أيها المؤمنون:
ولأجل ذلك كله كان لزاما على كل مسلم أن يستثمر خطبة الجمعة وموعظتها، لتتحقق ثمرتها، وتؤتي أُكُلها، وإن مما يعين على ذلك أموراً عدة، نورد بعضاً منها على سبيل المثال:
أولًا: تعظيم شأن الخطبة كتعظيم الصلاة: فحال المسلم عند خطبة الجمعة كحاله في الصلاة لا يتكلم ولا يكلم غيره، ولا يتشاغل بما يلهيه عن استماع الخطبة والإنصات لها، ومن أدلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا)).
فالواجب تعظيم شأن الخطبة في نفس المؤمن، فهي أمر من أوامر الله، وعدم الاستخفاف بها، أو التهوين من دورها، تبعاً لواقع معين عند الناس ألفوه، حتى تتحول من عادة إلى عبادة.
ثانيا: حسن الاستماع والإنصات:
فالإنصات وحسن الاستماع إلى الخطبة من تمام الصلاة، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن حسن الاستماع جزاؤه أن يغفر الله تعالى له ما بين الجمعتين.
وقد جاء التّحذير من الانشغال عن الاستماع لخطبة الجمعة، ولو كان أمرا بمعروف أو نهي عن منكر؛ قال صلى اللهعليه وسلم : ((من مسّ الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)). وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب أنصت فقد لغوت)).
ولقد شرع الإسلام الحنيف ما يعين المسلم على الإنصات وحسن الاستماع، فأمر الإسلام بالاغتسال قبلها، والتّطيب لها، ولبس نظيف الثياب عند السّعي إليها، والقرب من الإمام، فإن ذلك مما يعين على الإنصات والتدبر.
ثالثا: إخلاص النية لله والعزم على العمل بالعلم .
كما قال الإمام ابن حزم – رحمه الله-: "إذا حضرت مجلس علم فلا يكن حضورك إلّا حضور مستزيد علما وأجرا لا حضور مستغن بما عندك ، طالبا عثرة تشِيعها، أو غريبة تشنّعها فهذه أفعال الأرذال الذين لا يفلحون في العلم أبدا فإذا حضرتها على هذه النية فقد حصلت خيرا على كل حال".
رابعا: عدم التشاغل قبل الجمعة بأمور الدنيا التي تشغل الفكر، كالبيع والشراء، وأنواع العقود، واللّهو بمتابعة أجهزة التواصل الاجتماعي قبل الجمعة مما يشتت الذهن، وقد جاء النهي عن البيع بعد النداء ويُلحق به أنواع العقود، ولعل الأذان الذي يسبق أذان الجمعة في السوق للتذكير بهذا الأمر كما جاء الأمر بالتبكير إلى الجمعة، والانشغال بأمور الآخرة كقراءة سورة الكهف والصلاة قبلها تطوّعاً. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْـجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
خامسا: التأدب بآداب الجلوس أثناء الاستماع للخطبة، فـلا يضطـجع أو يحتبي أو يمدّ رجليه إلا لعذر، فقد ورد النهي عن الاحتباء يوم الجمعة. فعن سهل بن معاذ رضي الله عنهما عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب" رواه الترمذي.
وجلسة الاحتباء هي: أن يُقِيم الجالس ركبتيه ويقيم رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشد عليهما، ويكون أليتاه على الأرض، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب.
سادسًا: الحرص على أخذ قسط من الراحة ليلة الجمعة وصبيحتها، لما في ذلك من الإعانة على البكور لشهود صلاة الجمعة، كما أن من المعينات سد حاجة الجسد من الطعام، حتى يتمكن المسلم من حسن الإنصات، وعدم الشعور بإرهاق البدن.
وقد جاءت الشريعة حاثة على ذلك، داعية لتحقيقه فقد جاء النهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام، فعن أبي هريرة -رضيالله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم" [رواه مسلم].
قال الإمام النووي -رحمه الله-: "والحكمة في النهي عنه أن يوم الجمعة يوم دعاء وذكر وعبادة فاستحبّ الفطر فيه، فيكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها، والتلذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة".
وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نَقيل، ولا نتغذى إلا بعد الجمعة".
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء، والقائلة بالتهيّؤ للجمعة، ثم بالصلاة، وينصرفون فيتداركون ذلك". أخرجه البخاري
سابعا: استقبال الموعظة، والحث على التقوى بقلوب واعية، وآذان صاغية، وعقول تفكر فيما تستمع بإيجـابية، وإنـزال تلك الموعظة على الـواقـع، فـإذا سمع الآيـات القـرآنـية والأحـاديـث النبوية، ـتفـكّـر في معـانيها، وعلِم أنه المخاطب بها، واتهام نفسه بالتقصير لتدارك أخطائه .
بارك اهسم لي ولكم ..
الخطبة الثانية
أما بعد: فثامن هذه الوسائل المعينة على الاستفادة من خطبة الجمعة :
اختيار مكان مناسب داخل المسجد ليدنو من الإمام، والسعي إلى أن لا يستند إلى السواري والأعمدة والجدران إلا لعذر ليكون أكثر انتباها وتيقّظا للخطبة، وعليه أن لا يقابل الناس بوجهه فينشغل بالاهتمام بهم أويُشغلهم؛ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة في مجلسه فليتحوّل من مجلسه ذلك" [رواه أبو داود بسند صحيح].
تاسعا: أن يتوجّه بوجهه إلى الخطيب، فإنه أدعى للاستيعاب والفهم لاشتراك أكثر من حاسّة في الإصغاء؛ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا" [رواه الترمذي].
عاشرا: نقل ما استمع إليه المسلم أثناء الخطبة إلى أهل بيته لمناقشتهم فيه، وتبادل الأفكار والمقترحات والآراء حولها، والواجبات العملية المستفادة لتطبيقها، ولا مانع أن يرصد لأولاده جوائز لتحفيزهم على هذا الأمر .
الحادي عشر: تسجيل الخطبة ونشرها عبر الشبكات الالكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة .
وأخيرا.. فلابد أن يُعلم ا أن صلاة الجمعة لها أثر عظيم في حياة المسلمين، وأن خطبة الجمعة كانت ولا تزال وستستمر إن شاء الله تعالى مصدر تعليم وتثقيف وإصلاح، وطريق هداية للناس، وعلاج لمشكلاتهم، ولن يقوم مقامها برنامج فضائي، أو مقال صحفي، بل هي على أهميتها وسائل مساندة، وعوامل رافدة، فاللهَ اللهَ بتعظيم شأنها، وحُسن استثمارها .
ثم صلوا ..
المرفقات
كيف نستفيد من خطبة الجمعة.doc
كيف نستفيد من خطبة الجمعة.doc