كيف نربي أبناءنا؟ ((خطبة مختصرة وشاملة)) عيد العنزي

عيد العنزي
1436/02/20 - 2014/12/12 04:29AM
الخطبة الأولى: أما بعد: عباد الله:
الولد غرس أبيه ، والأبوان يجنيان ثمرة غرسهما إذا كان الغرس صحيحا وعلى أصول راسخة متينة .
قال ابن عباس قال : ضمني رسول اللّه وقال : " اللّهم علمه الحكمة "
ودعا خليل الرحمن إبراهيم " رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء "
ومن دعاء عباد الرحمن " ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما "
فالولد الصالح والذرية الصالحة من أجَلِّ وأعظم نعم الله على الإنسان وهي النافذة المفتوحة لاستقبال الأجر والثواب بعد الممات ، " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له "
أم مريم كان اسمها حنا وكانت لا تلد فرأت يوما طائرا يطعم صغاره فتحركت فيها عاطفة الأمومة وأحبت أن يكون لها ولد ، فأخبرت زوجها عمران فقال لها : إذا دعوت الله يستجب لك ، فحملت من يومها وما لبث زوجها أن مات ، ولما تحقق حملها نذرت أن تجعل ما في بطنها
متفرغا لخدمة بيت المقدس في طاعة الله : " إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " .
ولم تكن تعلم أنها تحمل أنثى ، فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى أي في خدمة بيت المقدس ولكن الأم الصالحة حينما وضعت وليدتها علمتنا ثلاثة أشياء هامة.
1-حسن التسمية واختيار الاسم الحسن فهذا من حق الولد على أبيه ، " وإني سميتها مريم " ومريم تعني المرأة الصالحة أو العابدة.
2- الدعاء لها بالحفظ من الشيطان وهو سبب كل معصية وبلاء ، فلم تطلب الاستعاذة من المرض أو الفقر وإنما عوذتها بالله من الشيطان الرجيم.
3- أحسنت النية في هذه المولودة قبل ولادتها فنذرت هذا المولود لطاعة الله : " إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم " ، محررا أي فارغا من كل عمل إلا من طاعة الله .
وهذا زكريا عندما رأي صلاح مريم وتقواها وما خصها الله به من كرامة ظاهرة في مجيء الرزق بغير أسباب تحركت فيه عاطفة الأبوة والرغبة في الولد رغم أنه شيخ كبير وامرأته عجوز عقيم ، ولكنه ما قطع حبل الرجاء والأمل فقال : " رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ".
فأين جاءته البشرى ؟ " فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيي " . هكذا تُقضى الحوائج وهكذا يُستجاب الدعاء ، قصص القرآن هو قصص الحق الذي يعلمنا النية في إنجاب الذرية ويعلمنا كيفية الدعاء لها بالخير ، ويعلمنا سنن الهدى التي يُنشئون عليها ليعرفوا حق
ربهم وحق آبائهم وغاية وجودهم في الحياة .

عباد الله: وجانب الأبوة في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم استغرق جانبا كبيرا من عمره قبل البعثة وبعدها ، فترى فيه الأب المحب الحاني العطوف الشفيق الناصح الموجه المعلم ، يحب بناته وأبناءه ويرحب
بهم ويهش لهم ويقبلهم ويوسع لهم في مجلسه وتدمع عيناه ويحزن قلبه علي فراقهم :
جاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله . فقال : " مرحبا بابنتي" فأجلسها عن يمينه أو عن شماله . وقال : " فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني " .
وكان يقبل ولداها الحسن والحسين ويجلسهما على حجره ويقول : " هما ريحانتي من الدنيا "
وصلى رسول الله يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله وهي صبية يحملها على عاتقه ، يضعها إذا ركع ، ويعيدها إذا قام ، حتى قضى صلاته ،يفعل ذلك بها.
ولما مرض إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية
جاء رسول الله فدعا بالصبي. فضمه إليه . وقال ما شاء الله أن يقول . فقال أنس :
لقد رأيته وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله . فدمعت عينا رسول الله فقال : " تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا . والله يا إبراهيم ! إنا بك لمحزونون " .
هل هناك أرق وأرحم من قلب الرحمة المهداة.. صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: من لا يرحم لا يرحم, الذي لا يرحم أهله وولده كيف يكون رحيما بالناس ؟ الذي لا خير فيه لأهله فهل يكون فيه خيرا لغيره ؟؟!!!
صغار اليوم هم رجال الغد ، والصغير لن يظل صغيرا أبد الدهر ، والولد في مقتبل عمره أحوج ما يكون إلى الحنان والرحمة والشفقة ، حتى لو أخطأ فيحتاج إلى الصبر والحكمة ، ورحم الله والدا ووالدة أعانا ولدهما على برهما .

أيها المؤمنون: نرى أن السنة راعت ثلاثة أمور هامة في التعامل مع الأبناء:
أولا : الرحمة :فكان رسول الله أرحم الناس بالصبيان والصغار ، وإذا سمع بكاء الطفل خفف الصلاة رحمة بأمه وشفقة عليه
وكان أولاد عمر يلعبون علي بطنه وهو مستلق علي ظهره فدخل عليه أحد وزرائه فكأنه استنكر ما رأى فقال له عمر : وكيف أنت مع أهلك وولدك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إذا دخلت بيتي سكت الناطق ، فقال له : اعتزل عنا إذا كنت لا ترحم أهلك وولدك فكيف ترحم أمة محمد؟

ثانيا : التعليم :عقل الولد فارغ للبناء وصفحة بيضاء للكتابة فيها ، والولد يشيب علي ما شبَّ عليه والمراحل الأولي هي التي يستقبل فيها علومه وفهومه ، والتعليم بالقدوة له أبلغ الأثر من ألف مقال. " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها أي ابدأ بنفسك فأحسنها وأتقنها وداوم عليها لتكون لهم قدوة.
فلا يكتفي بإعطاء الأوامر فما أيسر هذا ، بل يبدأ بنفسه فيكون
لهم نعم القدوة الحسنة ، ولا يطالبهم بالكمال وفيه النقصان.

ثالثا : الصبر :التربية تحتاج إلي صبر وحكمة دون ضجر وعجلة ، فالمربي حقيقة هو الله ونحن سبب .الولد يحتاج إلي احترام عقله وفكره وتقديره مع الصبر ، والمؤمن في بيته عليه بالصبر علي أهله وولده ، فالنفس البشرية عنيدة ماردة شاردة لا تنقاد بالأوامر بقدر ما تنقاد بالترغيب والمثابرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة.

بارك الله .....

***************************************
الخطبة الثانية:
قال رسول الله : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه " .فالإنسان يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها شاء أم أبى فأبناؤنا أمانة في أعناقنا ورعية يُسأل عنها الراعي يوم القيامة هل حفظ الأمانة أم ضيعها ؟ " وكفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.
أولادنا لهم علينا حقوق مادية يسألنا الله عنها يوم القيامة من طعام وشراب وكسوة ، كما لهم علينا حقوق إيمانية
أبناؤنا بحاجة للرحمة الحانية والأحضان الدافئة وسعة الصدر والحكمة
وكم من أطفال صغار آباؤهم وأمهاتهم أحياء ولكنهم يعيشون كاليتامى ؟ ليس اليتيم من انتهى أبواه * من هم الحياة وخلفاه ذليلا
ان اليتيم هو الذي تلقى له * أما تخلت أو أبا مشغولا
اللهم بارك لنا في ذرياتنا واجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين ، اللهم من كان له ولدا صالحا فزد في صلاحه وتقواه ، ومن كان له ولد غير صالح فخذ بناصيته إلي الخير وحبب إليه الإيمان والطاعة وكَرِّه إليه الفسوق والعصيان اللهم اصلح لنا نياتنا وذرياتنا..
هذا وصلوا....
المشاهدات 2614 | التعليقات 0