كَيْفَ نَخْتَارُ الزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ 15 جُمَادَ الأُوْلَى 1436هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1436/05/13 - 2015/03/04 19:01PM
كَيْفَ نَخْتَارُ الزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ 15 جُمَادَ الأُوْلَى 1436هـ
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَنا مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ! الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَقَدَّرَ فَهَدَى , وَخَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ! أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الرِّجَالُ وَاقْدُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِمَا جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الزَّوْجَاتِ , وَأَحَلَّهُنَّ لَكُمْ بِالزَّوَاجِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون)
فَالزَّوْجَةُ سَكَنٌ لِلرَّجُلِ وَرَاحَةٌ لَهُ وَهِيَ مَحَلُّ قَضَاءِ وَطَرِهِ , وَهِيَ شَرِيكَةُ حَيَاتِهِ , وَصَاحِبَتُهُ فِي دُنْيَاهُ وَرُبَّمَا فِي أُخْرَاهُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ! وَالزَّوَاجُ سَبَبٌ لِعِفَّةِ الرَّجُلِ وَتَحْصِينٌ لِفَرْجِهِ , فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ , مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ , فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَلَمَّا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَهَذِهِ الأَهَمِّيَّةِ جَاءَتِ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ فِي تَنْظِيمِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيِّةِ , فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِحْسَانِ الاخْتِيَارِ , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا , وَلِحَسَبِهَا , وَلِجَمَالِهَا , وَلِدِينِهَا , فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه . فَالدِّينُ هُوَ الْخَصْلَةُ الأُولَى التِي يَجِبُ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهَا مَنْ يُرِيدُ الزَّوَاجَ , وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَةَ الدِّينِ تَخَافُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ تَخَافَكَ أَنْتَ أَيُّهَا الزَّوْجُ , وَصَاحِبَةُ الدِّينِ تَحْفَظُ عِرْضَكَ وَشَرَفَكَ , وَصَاحِبَةُ الدِّينِ تُرَبِّى أَوْلَادَكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ , وَصَاحِبَةُ الدِّينِ تَكُونُ عَوْنَاً لَكَ عَلَى الاسْتِقَامَةِ وَالإِيمَانِ ! فَكَمْ مِنْ خَيِّرَةٍ صَارَتْ سَبَبَاً فِي اسْتِقَامَةِ زَوْجِهَا , بَلْ وَحَتَّى اسْتِقَامَةِ أَهْلِ زَوْجِهَا !
وَمَنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ وَلَمْ تَتَوَفَّرْ صِفَاتُ الاسْتِقَامَةِ فِي زَوْجَتِهِ فَلْيَسْعَ إِلَى إِصْلاحِهِا بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ! وَمِنْ وَسَائِلِ صَلاحِ الزَّوْجَةِ صَلاحُ الزَّوْجِ نَفْسِهُ , فَأَنْتَ قُدْوَتُهَا وَأَنْتَ سَيِّدُهَا فَهِيَ تَقْتَدِي بِكَ وَتُقَلِّدُكَ !
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) فَكُنْ طَيِّبَاً تَكُنْ زَوْجَتُكَ طَيِّبَةً , وَلا تَكُنْ خَبِيثَاً فَتَكُونَ زَوْجَتُكَ مِثْلَكَ !
أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأَوْلِيَاءُ : وَمِمَّا تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ فِي الزَّوْجِ هُوَ الصَّلاحُ فِي دِينِهِ , وَالاسْتِقَامَةُ فِي خُلُقِهِ , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ , إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَاحْرِصْ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَنْ تَخْتَارَ لابْنَتِكَ رَجُلاً صَالِحَاً ذَا دِينٍ وَخُلُقٍ وَمُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ قَدْرَ الاسْتِطَاعَةِ ! وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنْ نَنْتَظِرَ حَتَّى يَأْتِيَنَا شَابٌ كَامِلُ الصِّفَاتِ ! لِأَنَّ هَذَا قَلِيلٌ , وَلَكِنْ إِذَا أَتَى مَنْ صِفَاتُهُ طَيِّبَةٌ بِقَدْرِ الإِمْكَانِ فَاقْبَلْهُ وَزَوِّجْهُ , وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ بَعْضُ الْقُصُورِ !
وَلَكِنْ : إِيَّاكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنْ تُزَوِّجَ الْفَاسِقَ الْفَاسِدَ , بِحُجَّةِ أَنَّهُ قَرِيبُكَ أَوِ ابْنُ أَخِيكَ , وَأَنَّهُ يُمْكِنُ بَعْدَ الزَّوَاجِ أَنْ تَصْلُحَ حَالُهُ ! فَهَذَا خَطَأٌ ! لِأَنَّهُ قَدْ يُفْسِدُ ابْنَتَكَ ! وَرُبَّمَا لا تَحِلُّ لَهُ أَصْلاً , كَمَنْ يُزَوِّجُ تَارِكَ الصَّلاةِ ! فَالْعَقْدُ هُنَا بَاطِلٌ لا تَحِلُّ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لِهَذَا الرَّجُلِ , وَلَوْ جَامَعَهَا بِهَذَا الْعَقْدِ فُهَوَ زِنَا وَالْعِيَاذُ بِاللهِ !
وَكَمْ مِنَ الْوَيْلاتِ حَصَلَتْ بِسَبَبِ تَزْوِيجِ الْفَاسِدِينَ , فَجَرَّ الْمَصَائِبَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَعَلَى أَهْلِهَا ! فَكَمْ مِنَ النِّسَاءِ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَهُوَ سَكْرَانُ ! وَكَمْ مِنَ النِّسَاءِ بَاعَ زَوْجُهَا ذَهَبَهَا وَأَغْرَاضَ بَيْتِهَا لِيَشْتَرِيَ الْحُبُوبَ الْمُنَبِّهَةَ أَوِ الْخَمْرَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ ! وَكَمْ مِنَ النِّسَاءِ كَانَتْ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَخَيْرٍ فَلَمَّا تَزَوَّجَتْ تَغَيَّرَتْ حَالُهَا , وَسَاءَ دِينُهَا لِأَنَّ زَوْجُهَا أَثَّرَ فِيهَا !
وَالسَّبَبُ الأَوَّلُ هُوَ وَلِيُّهَا الذِي زَوَّجَهَا لِهَذَا الرَّجُلِ الْفَاسِدِ ! فَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ فَاحْفَظُوهَا أَوَ ضَيُّعُوهَا وَالمَوْعِدُ عِنْدَ اللهِ , وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَنْبَغِي التَيْسِيرُ فِيهِ , والاقْتِصَادُ قَدْرَ الإِمْكَانِ , فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ والأَلْبَانِيُّ , وَأَمَّا الْمُغَالاةُ فِي الْمَهْرِ فَخِلافُ السُّنَّةِ النَّبَوِيِّةِ , وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ لِيُعْلَمَ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْمُغَالاةِ فِي الْمَهْرِ أَنَّ الْوَلِيَّ يَأْخُذُ جُزْءَاً مِنْهُ , وَهَذَا خَطَأٌ بَلْ قَدْ يَكُونُ حَرَامَاً , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ حَقٌ خَالِصٌ لِلْمَرْأَةِ لاحَظَّ لِأَبِيهَا أَوْ لأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهَا فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا التَّامِّ , فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْرِفُوا هَذَا وَإِيَّاكُمْ وَأَكْلَ الْمُهُورِ أَوِ الْمُغَالاةِ فِيهَا !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِنَ الْمَسَائِلِ الْجَيِّدَةِ بِشَأْنِ الْمَهْرِ , أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَعْضِ الْمَهْرِ مُؤَخَّرَاً عِنْدَ الطَّلاقِ – لا قَدَّرَ اللهُ – وَهَذَا فِيهِ فَائِدَتَانِ (الأُولَى) أَنَّهُ يُخَفِّفُ الْمَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ . (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ يَحُدُّ مِنْ كَثْرَة ِالطَّلاقِ لا سِيَّمَا الشَّبَابُ حَيْثُ صَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُطَلِّقُ لِأَدْنَي سَبَبٍ وَلَوْ كَانَ تَافِهَاً , فَإِذَا عَرَفَ أَنَّهُ سَيَدْفَعُ مَالاً عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ تَأَنَّى فِي الطَّلاقِ , وَلَمْ يُقْدِمْ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوِ الْحَاجَةِ الظَّاهِرَةِ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَبْغَضُ الْحَلَالِ عِنْدَ اللَّهِ الطَّلَاقُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ , وَابْنُ مَاجَهْ , وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ : بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ , وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ , وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَعْصُوا اللهَ رَبَّكُمْ فِي هَذِهِ النِّعْمَةِ التِي هِيَ النِّكَاحُ !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَصُوَرُ مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى فِي النِّكَاحِ كَثِيرَةٌ , فَمِنْهَا تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ بِمَنْ لَيْسَ كُفْأً -كَمَا تَقَدَّمَ- إِمَّا فِي دِينِهِ أَوْ خُلُقِهِ , أَوْ تَزْوِيجُهُا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَ كُفْأً , كَمَنْ يَحْبِسُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَتَزَوَّجَهَا ابْنُ أَخِيهِ أَوِ ابْنُ عَمِّهِ , فَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ, وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَكَيْفَ إِذْنُهَا ? قَالَ (أَنْ تَسْكُتَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ فِي الزَّوَاجِ : اخْتِلاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي حَفْلَةِ الزَّوَاجِ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ مُجْتَمِعِينَ بِحُجَّةِ أَنَّهُ فَرَحٌ , وَهَذَا حَرَامٌ وَفِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ وَخَطَرٌ جَسِيمٌ , وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ فَاحِشَةِ الزِّنَا , وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)
فَيَجِبُ عَلَى العُقَلاءِ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَمْنَعُوا مِثْلَ هَذَا وَأَنْ يُحَذِّرُوا السُّفَهَاءَ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَيَقِفُوا بِحَزْمٍ وَقُوَّةٍ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الأُمُورِ الْمَذْمُومَةِ : الْمُبَالَغَةُ فِي تَكَالِيفِ حَفَلاتِ الزَّوَاجِ , سَوَاءً فِي قُصُورِ الأَفْرَاحِ أَوْ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ أَوْ مَا صَاحَبَ ذَلِكَ , ثُمَّ قَدْ حَدَثَتْ ظَاهِرَةٌ فِي بَعْضِ الأَمَاكِنِ حَيْثُ يَجْعَلُونَ وَلِيمَةً كَبِيرَةً عِنْدَ عَقْدِ الْقِرَانِ (الْمُلْكَة) , ثُمَّ أُخْرَى فِي لَيْلَةِ الزَّوَاجِ ! وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الإسْرَافِ الذِي لا دَاعِيَ لَهُ , وَيُحَمَّلُ الزَّوْجَ وَأَهْلَهُ وَكَذَلِكَ أَهْلَ الزَّوْجَةِ مَا لا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ ! قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَمِنَ الظَّوَاهِرِ الْحَسَنَةِ التِي تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ وَتُعْرَفُ فَتُظْهَرُ : الزَّوَاجُ الْجَمَاعِيُّ , حَيْثُ يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ زَوَاجٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي مَكَانٍ وَاحِدٍ , وَهَذَا أَمْرٌ طَيَّبٌ وَجَيَّدٌ , يَنْبَغِي تَشْجِيعُهُ وَالتَّوَاصِي بِهِ , لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ مِنِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَتَقْلِيلِ التَّكَالِيفِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَى النَّاسِ وَحِفْظِ أَوْقَاتِهِمْ !
وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَسَابَقُوا فِي جَمْعِ أَكْبَرِ عَدَدٍ مِنَ الْزَّوَاجَاتِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ , وَلَوْ أَنَّ الْمَسْؤُولِينَ الْكِبَارَ فِي الْمَنْطِقَةِ - وَفَّقَهُمُ اللهُ – شَجَّعُوا هَذِهِ البَادِرَةَ بِحُضُورِهَا وَالإِشَادَةِ بِأَهْلِهَا لَكَانَ هَذَا أَمْرَاً طَيِّبَاً مَحْمُودَاً وَعَمَلاً حَسَنَاً !
وَمِنَ الأُمُورِ الجَيْدَةِ : مَا تَعْقِدُهُ بَعْضُ الجَمْعِيَاتِ الخَيْرِيَّةِ مِنْ بَرَامِجَ تَدْرِيْبِيَّةٍ لِتَثْقِيفِ الشَّبَابِ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الزَّوَاجِ , فَيَسْتَفِيدُونَ آدَاباً نَافِعَةً فِي حَيَاتِهِمُ الزَّوْجِيَةِ , وَتَكُونُ بِإِذْنِ اللهِ مِنْ أَسْبَابِ اسْتِقَامَةِ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ .
اللَّهُمَّ وَفِّقِ الْجَمِيعَ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ , وَوَفِّقْ الْمُتَزَوِّجِينَ فِي حَيَاتِهِمْ وَسَهِّلِ الزَّوَاجَ لِمَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُورَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ,والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ !
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الرِّجَالُ وَاقْدُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِمَا جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الزَّوْجَاتِ , وَأَحَلَّهُنَّ لَكُمْ بِالزَّوَاجِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون)
فَالزَّوْجَةُ سَكَنٌ لِلرَّجُلِ وَرَاحَةٌ لَهُ وَهِيَ مَحَلُّ قَضَاءِ وَطَرِهِ , وَهِيَ شَرِيكَةُ حَيَاتِهِ , وَصَاحِبَتُهُ فِي دُنْيَاهُ وَرُبَّمَا فِي أُخْرَاهُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ! وَالزَّوَاجُ سَبَبٌ لِعِفَّةِ الرَّجُلِ وَتَحْصِينٌ لِفَرْجِهِ , فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ , مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ , فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ , وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَلَمَّا كَانَتِ الْمَرْأَةُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَهَذِهِ الأَهَمِّيَّةِ جَاءَتِ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ فِي تَنْظِيمِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيِّةِ , فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِحْسَانِ الاخْتِيَارِ , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا , وَلِحَسَبِهَا , وَلِجَمَالِهَا , وَلِدِينِهَا , فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه . فَالدِّينُ هُوَ الْخَصْلَةُ الأُولَى التِي يَجِبُ أَنْ يَبْحَثَ عَنْهَا مَنْ يُرِيدُ الزَّوَاجَ , وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَةَ الدِّينِ تَخَافُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ تَخَافَكَ أَنْتَ أَيُّهَا الزَّوْجُ , وَصَاحِبَةُ الدِّينِ تَحْفَظُ عِرْضَكَ وَشَرَفَكَ , وَصَاحِبَةُ الدِّينِ تُرَبِّى أَوْلَادَكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ , وَصَاحِبَةُ الدِّينِ تَكُونُ عَوْنَاً لَكَ عَلَى الاسْتِقَامَةِ وَالإِيمَانِ ! فَكَمْ مِنْ خَيِّرَةٍ صَارَتْ سَبَبَاً فِي اسْتِقَامَةِ زَوْجِهَا , بَلْ وَحَتَّى اسْتِقَامَةِ أَهْلِ زَوْجِهَا !
وَمَنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ وَلَمْ تَتَوَفَّرْ صِفَاتُ الاسْتِقَامَةِ فِي زَوْجَتِهِ فَلْيَسْعَ إِلَى إِصْلاحِهِا بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ! وَمِنْ وَسَائِلِ صَلاحِ الزَّوْجَةِ صَلاحُ الزَّوْجِ نَفْسِهُ , فَأَنْتَ قُدْوَتُهَا وَأَنْتَ سَيِّدُهَا فَهِيَ تَقْتَدِي بِكَ وَتُقَلِّدُكَ !
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) فَكُنْ طَيِّبَاً تَكُنْ زَوْجَتُكَ طَيِّبَةً , وَلا تَكُنْ خَبِيثَاً فَتَكُونَ زَوْجَتُكَ مِثْلَكَ !
أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأَوْلِيَاءُ : وَمِمَّا تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ فِي الزَّوْجِ هُوَ الصَّلاحُ فِي دِينِهِ , وَالاسْتِقَامَةُ فِي خُلُقِهِ , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ , إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَاحْرِصْ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَنْ تَخْتَارَ لابْنَتِكَ رَجُلاً صَالِحَاً ذَا دِينٍ وَخُلُقٍ وَمُعَامَلَةٍ حَسَنَةٍ قَدْرَ الاسْتِطَاعَةِ ! وَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنْ نَنْتَظِرَ حَتَّى يَأْتِيَنَا شَابٌ كَامِلُ الصِّفَاتِ ! لِأَنَّ هَذَا قَلِيلٌ , وَلَكِنْ إِذَا أَتَى مَنْ صِفَاتُهُ طَيِّبَةٌ بِقَدْرِ الإِمْكَانِ فَاقْبَلْهُ وَزَوِّجْهُ , وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ بَعْضُ الْقُصُورِ !
وَلَكِنْ : إِيَّاكَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنْ تُزَوِّجَ الْفَاسِقَ الْفَاسِدَ , بِحُجَّةِ أَنَّهُ قَرِيبُكَ أَوِ ابْنُ أَخِيكَ , وَأَنَّهُ يُمْكِنُ بَعْدَ الزَّوَاجِ أَنْ تَصْلُحَ حَالُهُ ! فَهَذَا خَطَأٌ ! لِأَنَّهُ قَدْ يُفْسِدُ ابْنَتَكَ ! وَرُبَّمَا لا تَحِلُّ لَهُ أَصْلاً , كَمَنْ يُزَوِّجُ تَارِكَ الصَّلاةِ ! فَالْعَقْدُ هُنَا بَاطِلٌ لا تَحِلُّ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لِهَذَا الرَّجُلِ , وَلَوْ جَامَعَهَا بِهَذَا الْعَقْدِ فُهَوَ زِنَا وَالْعِيَاذُ بِاللهِ !
وَكَمْ مِنَ الْوَيْلاتِ حَصَلَتْ بِسَبَبِ تَزْوِيجِ الْفَاسِدِينَ , فَجَرَّ الْمَصَائِبَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَعَلَى أَهْلِهَا ! فَكَمْ مِنَ النِّسَاءِ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَهُوَ سَكْرَانُ ! وَكَمْ مِنَ النِّسَاءِ بَاعَ زَوْجُهَا ذَهَبَهَا وَأَغْرَاضَ بَيْتِهَا لِيَشْتَرِيَ الْحُبُوبَ الْمُنَبِّهَةَ أَوِ الْخَمْرَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ ! وَكَمْ مِنَ النِّسَاءِ كَانَتْ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَخَيْرٍ فَلَمَّا تَزَوَّجَتْ تَغَيَّرَتْ حَالُهَا , وَسَاءَ دِينُهَا لِأَنَّ زَوْجُهَا أَثَّرَ فِيهَا !
وَالسَّبَبُ الأَوَّلُ هُوَ وَلِيُّهَا الذِي زَوَّجَهَا لِهَذَا الرَّجُلِ الْفَاسِدِ ! فَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ فَاحْفَظُوهَا أَوَ ضَيُّعُوهَا وَالمَوْعِدُ عِنْدَ اللهِ , وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا الْمَهْرُ فَيَنْبَغِي التَيْسِيرُ فِيهِ , والاقْتِصَادُ قَدْرَ الإِمْكَانِ , فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ والأَلْبَانِيُّ , وَأَمَّا الْمُغَالاةُ فِي الْمَهْرِ فَخِلافُ السُّنَّةِ النَّبَوِيِّةِ , وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ لِيُعْلَمَ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْمُغَالاةِ فِي الْمَهْرِ أَنَّ الْوَلِيَّ يَأْخُذُ جُزْءَاً مِنْهُ , وَهَذَا خَطَأٌ بَلْ قَدْ يَكُونُ حَرَامَاً , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ حَقٌ خَالِصٌ لِلْمَرْأَةِ لاحَظَّ لِأَبِيهَا أَوْ لأَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهَا فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا التَّامِّ , فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْرِفُوا هَذَا وَإِيَّاكُمْ وَأَكْلَ الْمُهُورِ أَوِ الْمُغَالاةِ فِيهَا !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِنَ الْمَسَائِلِ الْجَيِّدَةِ بِشَأْنِ الْمَهْرِ , أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَعْضِ الْمَهْرِ مُؤَخَّرَاً عِنْدَ الطَّلاقِ – لا قَدَّرَ اللهُ – وَهَذَا فِيهِ فَائِدَتَانِ (الأُولَى) أَنَّهُ يُخَفِّفُ الْمَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ . (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُ يَحُدُّ مِنْ كَثْرَة ِالطَّلاقِ لا سِيَّمَا الشَّبَابُ حَيْثُ صَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يُطَلِّقُ لِأَدْنَي سَبَبٍ وَلَوْ كَانَ تَافِهَاً , فَإِذَا عَرَفَ أَنَّهُ سَيَدْفَعُ مَالاً عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ تَأَنَّى فِي الطَّلاقِ , وَلَمْ يُقْدِمْ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوِ الْحَاجَةِ الظَّاهِرَةِ , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَبْغَضُ الْحَلَالِ عِنْدَ اللَّهِ الطَّلَاقُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ , وَابْنُ مَاجَهْ , وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ : بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ , وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ , وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ , وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَعْصُوا اللهَ رَبَّكُمْ فِي هَذِهِ النِّعْمَةِ التِي هِيَ النِّكَاحُ !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَصُوَرُ مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى فِي النِّكَاحِ كَثِيرَةٌ , فَمِنْهَا تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ بِمَنْ لَيْسَ كُفْأً -كَمَا تَقَدَّمَ- إِمَّا فِي دِينِهِ أَوْ خُلُقِهِ , أَوْ تَزْوِيجُهُا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا حَتَّى لَوْ كَانَ كُفْأً , كَمَنْ يَحْبِسُ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ لِيَتَزَوَّجَهَا ابْنُ أَخِيهِ أَوِ ابْنُ عَمِّهِ , فَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ, وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَكَيْفَ إِذْنُهَا ? قَالَ (أَنْ تَسْكُتَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَمِنْ صُوَرِ الظُّلْمِ فِي الزَّوَاجِ : اخْتِلاطُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ فِي حَفْلَةِ الزَّوَاجِ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ مُجْتَمِعِينَ بِحُجَّةِ أَنَّهُ فَرَحٌ , وَهَذَا حَرَامٌ وَفِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ وَخَطَرٌ جَسِيمٌ , وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ وُقُوعِ فَاحِشَةِ الزِّنَا , وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)
فَيَجِبُ عَلَى العُقَلاءِ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَمْنَعُوا مِثْلَ هَذَا وَأَنْ يُحَذِّرُوا السُّفَهَاءَ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَيَقِفُوا بِحَزْمٍ وَقُوَّةٍ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِنَ الأُمُورِ الْمَذْمُومَةِ : الْمُبَالَغَةُ فِي تَكَالِيفِ حَفَلاتِ الزَّوَاجِ , سَوَاءً فِي قُصُورِ الأَفْرَاحِ أَوْ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ أَوْ مَا صَاحَبَ ذَلِكَ , ثُمَّ قَدْ حَدَثَتْ ظَاهِرَةٌ فِي بَعْضِ الأَمَاكِنِ حَيْثُ يَجْعَلُونَ وَلِيمَةً كَبِيرَةً عِنْدَ عَقْدِ الْقِرَانِ (الْمُلْكَة) , ثُمَّ أُخْرَى فِي لَيْلَةِ الزَّوَاجِ ! وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الإسْرَافِ الذِي لا دَاعِيَ لَهُ , وَيُحَمَّلُ الزَّوْجَ وَأَهْلَهُ وَكَذَلِكَ أَهْلَ الزَّوْجَةِ مَا لا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ ! قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَمِنَ الظَّوَاهِرِ الْحَسَنَةِ التِي تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ وَتُعْرَفُ فَتُظْهَرُ : الزَّوَاجُ الْجَمَاعِيُّ , حَيْثُ يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ زَوَاجٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي مَكَانٍ وَاحِدٍ , وَهَذَا أَمْرٌ طَيَّبٌ وَجَيَّدٌ , يَنْبَغِي تَشْجِيعُهُ وَالتَّوَاصِي بِهِ , لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ مِنِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَاتِّحَادِ الْكَلِمَةِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَتَقْلِيلِ التَّكَالِيفِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَى النَّاسِ وَحِفْظِ أَوْقَاتِهِمْ !
وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَتَسَابَقُوا فِي جَمْعِ أَكْبَرِ عَدَدٍ مِنَ الْزَّوَاجَاتِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ , وَلَوْ أَنَّ الْمَسْؤُولِينَ الْكِبَارَ فِي الْمَنْطِقَةِ - وَفَّقَهُمُ اللهُ – شَجَّعُوا هَذِهِ البَادِرَةَ بِحُضُورِهَا وَالإِشَادَةِ بِأَهْلِهَا لَكَانَ هَذَا أَمْرَاً طَيِّبَاً مَحْمُودَاً وَعَمَلاً حَسَنَاً !
وَمِنَ الأُمُورِ الجَيْدَةِ : مَا تَعْقِدُهُ بَعْضُ الجَمْعِيَاتِ الخَيْرِيَّةِ مِنْ بَرَامِجَ تَدْرِيْبِيَّةٍ لِتَثْقِيفِ الشَّبَابِ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الزَّوَاجِ , فَيَسْتَفِيدُونَ آدَاباً نَافِعَةً فِي حَيَاتِهِمُ الزَّوْجِيَةِ , وَتَكُونُ بِإِذْنِ اللهِ مِنْ أَسْبَابِ اسْتِقَامَةِ حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ .
اللَّهُمَّ وَفِّقِ الْجَمِيعَ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ , وَوَفِّقْ الْمُتَزَوِّجِينَ فِي حَيَاتِهِمْ وَسَهِّلِ الزَّوَاجَ لِمَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُورَهُمْ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنا دِينَنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ,والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ !
المرفقات
كَيْفَ نَخْتَارُ الزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ 15 جُمَادَ الأُوْلَى 1436هـ.doc
كَيْفَ نَخْتَارُ الزَّوْجَةَ وَالزَّوْجَ 15 جُمَادَ الأُوْلَى 1436هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
تعديل التعليق