كيف نحب الرسول صلى الله عليه وسلم

عبدالله محمد الطوالة
1434/03/13 - 2013/01/25 08:10AM
أما بعد : فإن لكل رسالة من الرسالات ولكل حضارة من الحضارات ، أمجاد ومآثر ، تتشرف بها وتفاخر ، وإن لهذه الأمة مقاماً خاصاً , وشرفاً رفيعاً ، ومناقب متميزة ، ذلك أنها توفي يوم القيامة سبعين أمة هي خيرها وأحبها وأكرمها على الله ، وإن أعظم ما تتميز وتتشرف به هذه الأمة قرآنها العظيم ورسولها الكريم {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} ، {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ..
ومما زادني شرفاً وتيها .. وكدت بأخمصي أطأ الثريا .. دخولي تحت قولك ياعبادي .. وأن صيرت أحمد لي نبيا ..
أحبتي في الله : ويحلو الحديث عن العظماء من الناس، ولكن الحديث عن أعظمِهم هو الأحلى ولا شك .. كيف لا وقد سطرت الأقلام سيرته فكانت أروع ما كتبت ، وتكلمت الألسن عن مناقبه فكان أجمل ما نطقت ، وتناقلت الأجيال أخباره فكان أمتع ما علمت ، وحفظ التاريخ أحداثه فكان أروع ما سجل .. هدى الله به من الضلالة، وأرشد به من الغواية ، وبصّر به من العمى ، وفتح به قلوبًا غلفا وآذانا صماً ، فحُقّ لأهل التوحيد أن يفخروا بهذه النعمة العظمى ..
إنه محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي اختصه الله من بين إخوانه المرسلين بخصائص تفوق العدّ ، فله الوسيلة والفضيلة، وله المقام المحمود ولواء الحمد ، وله الشفاعة العظمى وله الكوثر ، وهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ، وأول من يُفتح له باب الجنة ، وهو أول شافعٍ وأول مُشفّع ، وهو سيّدِ ولد آدم أجمعين .. محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي زكَّاهُ ربه تزكيةً ما عُرِفت لأحدٍ غيره من المخلوقين ، فلقد زكّى الله عقله فقال: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىْ} ، وزكّى لسانه فقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى} ، وزكّى شرعه فقال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ، وزكّى قلبه فقال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} ، وزكّى بصره فقال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} وزكّى معلِّمه فقال: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} ، وزكّى أصحابه فقال: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ، وزكّى أخلاقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ، وزكّى دعوته فقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي} .. نعته بالرسالة: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} ، وناداه بالنبوة : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} ، وشرفه بالعبودية فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} ، وشهِد له بالقيام بها فقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} .. فنحن أمام رجلٍ عظيمٍ ما عرف التاريخ مثله في العظمة ..
صلى عليك الله يا علم الهدى *** ما لاح في فلكيهما القمران
محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي لا تحصَى فضائله، ولا تعدّ مزاياه ، فما من صفة كمالٍ إلا واتّصف بها ، ولا خِصلة خيرٍ إلا وتحلى بها .. جمع الله له أجلَّ المقامات وأسمى المراتب وأكمل المناقب ، فإذا ذكر العبّاد فهو إمامهم ، وإذا أشير إلى العلماء فهو مُعلمهم ، وإذا أُشيد بالشجعان فهو قائدهم ، وإذا مُدح الدعاة فهو قدوتهم .. بلغ في يوم المعراج مبلغًا ما بلغه مخلوق غيره ، وخصّهُ الله بالمقام المحمود يوم القيامة، مقامٌ وموقفٌ تحمده عليه كلّ الخلائق ، وأعطاه الوسيلة في الجنة، وهي أعظم منزلة فيها، ولا تنبغي إلا له .. أرسله الله شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا ، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ، شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره ، ورفع له ذكره، وأعلى في العالمين قدره ، وقرن اسمهُ باسمه ، يرفعان للنداء بالصلاة، لاينقطعان لحظة من الزمن ، كلما سكت مؤذن بدأ الآخر .. أتمّ أمره ، وأكمل دينه ، وبرّ يمينه .. ما ودّعه ربه وما قلاه ، بل وجده ضالاً فهداه ، وفقيرًا فأغناه ، ويتيمًا فآواه .. وخيّره بين الخلد في الدنيا وبين لِقاه ، فاختار لقاء مولاه ، وقال: "بل الرفيق الأعلى" .. وعده ربه بالمزيد حتى يرضى ، وولاّه قبلةً يرضاها ، من أطاعه فقد أطاع الله ، ومن بايَعَه فإنما يبايع الله ، لا قدْرَ لأحدٍ من البشر يُداني قدْرَه ، صفوةُ خلقِ الله ، وأكرم الأكرمين على الله ، فحينما قال موسى الكليم عليه السلام: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىٰ} .. قال الله لخليله محمدٍ صلى الله عليه وسلم : {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} ، وحين سأله الكليم : {قَالَ رَبّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى} .. قال الله للمصطفى صلى الله عليه وسلم : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} .. فرضَ على المؤمنين محبته، فلا يؤمن مؤمنٌ حتى يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم أحبّ إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين .. تفضل عليه بالوحي والرسالة ، واصطفاه من بين خلقه ليكون خاتمَ النبيين ، وكان فضل الله عليه عظيمًا، ما رآه أحدٌ إلا هابه، وغضّ الطرف إجلالاً له وإكبارًا ، ولا عاشره أحدٌ إلا أحبّه حباً جماً ، صاحب الوجه الوضاء ، والطُهر والصفاء ، دائم الابتسامة ، مليح الوجه ، أكحل العينين ، كأنه سبيكة فضة ، كالقمر ليلة البدر استنارةً وضِياءً ، أشدُّ حياءً من العذراء ، يقول أنس رضي الله عنه : "ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف الرسول صلى الله عليه وسلم" .. كان يُعرف بريح الطيب إذا أقبل ، أحسنُ الناس خَلقاً وخُلقًا ، وأتقاهم لله وأخشاهم وأكرمُهم ، وأعظم الناس تواضعًا ، يُخالط الفقير والمسكين ، ويمشي معهم ، وينطلق مع الجارية الصغيرة تأخذ بيده حيث شاءت، ولا يتميز عن أصحابه بمظهر ، يزور الأنصار ويسلّم على صبيانهم ، ويأتي ضعفاءهم ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم .. يجلس على الأرض ويأكل عليها ، يعقِل الشاة ويحلبها ، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويخدم أهله .. يبيت الليالي طاويًا بلا عشاء ، يعصب الحجر والحجرين على بطنه من شدة الجوع ، يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة ، أشجع الناس وأصدق الناس وأرحم الناس ..، وصدق الله {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} .. أوفر الناس عقلاً، وأسدّهم رأيًا ، وأصحهم فكرة ، وأسخاهم يدًا ، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر .. أرحب الناس صدرًا ، وأوسعهم حُلمًا، لا يزيده جهل الجاهلين عليه إلا سماحة وعفواً ، يمسك بغرة النصر ، وينادي أسّراه بلطف : "اذهبوا فأنتم الطلقاء" .. ألين الناس عريكةً ، وأسهلهم طبعًا .. ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مُحرمًا ، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب ، وأشدهم مع الحق .. لا يغضب لنفسه ، وإذا انتُهِكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء ، كأنما يُفقأ في وجهه حبُّ الرمان من شدة الغضب ؛ تعظيمًا لحرمات الله وغضبًا له .. أشجعُ الناس قلبًا، وأقواهم إرادة .. يخوض الغمار قائلاً: "أنا النبي لا كذب، أنا أبن عبد المطلب" .. أعفُّ الناس لسانًا ، وأوضحهم بيانًا ، أوتي جوامع الكلم ، واختُصر له الكلام اختصارا ، يسوق الألفاظ مُفصلةً كالدّر، مشرقةً كالنور، طاهرةً كالفضيلة ، في أسمى مراتب العفة وصدق اللهجة ، أعدلهم في الحكومة ، وأنصفهم في الخصومة .. يَقِيدُ من نفسه ، ويقضي لخصمه ، يقيم الحدود ولو على أقرب الناس ، ويُقسِمُ بالذي نفسُه بيده : "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" .. أسمى الخليقة رُوحًا ، وأعلاهم نفسًا ، وأزكاهم أخلاقاً .. أعرف الناس بربه ، وأشدُّهم صلابة وقيامًا بحقه، وأقومهم بفروض العبادة ولوازم الطاعة ، مع تناسقٍ عجيبٍ في أداء الواجبات ، واستيعابٍ دقيقٍ لقضاء الحقوق ، وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقه ، أزهد الناس في الدنيا ، ولو شاء لكان أكثرهم فيها عرَضا .. يَطَعَمُ ما تيسر، لا يُردُّ موجودًا ، ولا يتكلّف مفقوداً ، ينام على الحصير والأدم المحشو بالليف ، أرفق الناس بالمحتاجين ، وأعظمهم رحمة بالمساكين ، شملت رحمته وعطفه الإنسان والحيوان .. وصدق حسان وأحسن أيّما إحسان .. وأجملُ منك لم ترَ قطُّ عينٌ ، وأفضل منك لم تلد النساء .. خُلِقت مبرّأً من كل عيبٍ ، كأنّك قد خُلِقتَ كما تَشاء ..
ولو لم يكن للنبيّ صلى الله عليه وسلم من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض ، وإيصال هذا القرآن الكريم إلى العالمين ، لكان فضلاً لا يستقلّ العالم بشكره ، ولا يُوفي الناس حامله بعض جزائه .. إنه محمدٌ صلى الله عليه وسلم وكفى ، أنموذجُ الإنسانية الكاملة، وملتقى الأخلاق الفاضلة .. بلغ الرسالة أحسن بلاغ ، وأدى الأمانة أحسن أداء ، ونصح الأمة ، وجاهد في الله حق جهاده .. آذاه قومه فصبر ، وعذبوا أصحابه بألوان العذاب فثبت ، وأخرجوه من بلاده، فخرج وهو يقول: "والله إنك لأحب البقاع إلى الله ، ووالله إنك لأحب البقاع إليّ ، ولولا أنّ قومك أخرجوني منك ما خرجت" .. ذهب إلى الطائف على قدميه فطردوه وأدموه ، واستؤذن في إهلاكهم فتأنى بهم ، يعرض نفسَه على القبائل قبيلةً قبيلة ، فيقابل بأسوأ مقابلة ، ويُردُّ عليه بأقبح الردود ، وهو صابرٌ في سبيل تبليغ دعوة ربه ، يُشجُّ رأسهُ يوم أحد ، وتُكسر رُباعيته ، ويُقتل عمُّهُ وخواص أصحابه بين يديه ، ويتكالب الأعداء على قتله يوم الخندق ، فيحزّبون الأحزاب طلبا لرأسه ، ويَدسُّ اليهود له السمّ في الطعام ، ويحاولون قتله أكثر من مرّة ، كلُّ ذلك وغيره كثير لا يثني من عزيمته لتبليغ دعوة ربه .. محمدٌ بن عبد الله صلوات الله عليه وسلامه عليه : أعزُّ الناس نسبًا ، وأشرفُهم مكانة .. ولد تحت النور ، الكلُّ يتحدث عنه ويبشر بقدومه ، نأىَ في طفولته عن ملاعب الصبيان ، ومحافل المجون ، فإذا دُعي لشيءٍ من ذلك قال: إني لم أُخلق لهذا ، شبابه ورجولته, بل حياته كلّها ملء السمع والبصر .. فإذا الطهر والعفاف ، والصدق والأمانة ، حتى لقَّبه قومهُ بالصادق الأمين .. لكأن الله جلَّت قدرته يقول للعالمين ، هذا رسولي إليكم .. وتلك تفاصيل حياتهِ كلها مكشوفةً أمامكم ، فافحصوها جيداً ، ودققوا فيها طويلاً .. فهل ترون من خلل أو زلل ، هل كذب مرة أو خان .. هل ظلم إنسان! أي إنسان ، هل قطع رِحماً , هل استقبل صنماً ... فيا عقلاء العالم !! رجلٌ بهذه الصفات العظيمة .. يظل أربعين عاماً لم يكذب قط على أحد من العالمين ، ثم تزعمون أنه يكذب على رب العالمين .. ألا إن الذين يمارون فيه لفي ظلال مبين، رجلٌ تدين له جزيرة العرب كلها، وتُفتحُ عليه الغنائم ، وتأتيه الأموال أرتالاً ، فإذا هو هو لا يزداد إلا زهداً وورعاً .. ويلقى ربه حين يلقاه وقد أثرَ في جنبه الحصير ، ودرعه مرهونة عند يهودي في كومة من شعير .. رجلٌ يعيش حياته كلها وإلى اللحظة الأخيرة كما بدأها .. أوهٌ .. أوابٌ .. متبتلٌ .. لم يتخلف عن نافلة، ولم تتغير فيه خُلة .. ثم يكون كاذباً ، فلم يكذب إذن .. ألا إن الذين يمارون فيه لفي ظلال مبين ..
أظهر الله على يديه من المعجزات ما يبهر العقول ، ففلق له القمر فلقتين، وتكلمت الحيوانات بحضرته ، وسّح الطعام بين يديه ، وسلَّم عليه الحجر والشجر ، وتكاثر له الطعام والشراب كرامة وبركة ، وأُخبر بالمغيبات ، فما زالت تتحقق في حياته ومن بعد وفاته ..
ومهما قيل .. ومهما قلنا .. ومهما سيقال .. فسنظل جميعاً كأن لم نقل شيئاً ..
وعلى تفنن واصفيه بوصفه .. يفنى الزمان وفيه مالم يوصف ..
{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .. بارك الله ....
الحمد لله وكفى ...
ما إن مدحت محمد بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمدِ
أيها المسلمون ، ومع حبِّ المسلمين لنبيّهم عليه الصلاة والسلام وتعظيمِهم له ، وتوقيرهم لجنابه الكريم ، فإنّ عقيدتهم فيه أنه بشرٌ رسول، عبدٌ لا يعبَد ، ورسول لا يكذَّب ، بل يُطاع ويُحبّ ، ويوقَّر ويُتّبع .. ولقد علَّمنا ربّنا موقعَ نبيّنا منّا فقال عز شأنه: {النَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، فهو أقربُ إلى قلوبنا من قلوبِنا ، وأحبّ إلى نفوسنا من نفوسنا ، وهو المقدَّم على أعزّ ما لدينا من نفسٍ أو مال أو ولد أو حبيب، ولن يذوقَ المسلم حلاوةَ الإيمان في قلبه وشعوره ووجدانه ، إذا لم يكن حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده فوقَ كلّ حبيب ، ففي الحديث الصحيح: "ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما" ، بل يترقّى ذلك إلى حدّ نفيِ الإيمان كما في الحديث الصحيح الآخر: "لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" ، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام .. ما من مسلم إلا وفي مكنون قلبه حب النبي صلى الله عليه وسلم ولسانه يلهج بذلك .. ولولا ذلك لما صار مسلمًا ، فالقلوب مجمعة مجتمعة على حبِّ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولكن كيف نعبر عن حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف نحول هذا الحب إلى واقع ملموس في حياتنا.
نعم احبتي في الله : لا يكفي أن ندعي محبة رسول الله ومحبة ما جاء به دون أن يكون لذلك حقيقة في حياتنا .. ولكم أن تتساءلوا معي : كيف تكون دعوانا صادقة وحياتنا في أغلب مظاهرها عصيان تام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتمرد على ما جاء به من شريعة عادلة وآداب رفيعة وعقيدة صافية .. أي محبة هذه لمحبوب ألسنتنا معه وحياتنا ليست معه .. أي محبة !! لمحبوب نجتمع زرافات ووحدانا لنترنم بمناقبه وسيرته ونشدو بها وتشتغل بها ألسنتنا ووسائل إعلامنا ردحاً من الزمن .. حتى إذا عدنا إلى شئون حياتنا فإذا بنا في بيوتنا وأسواقنا ومكاتبنا ومتنزهاتنا وفي فكرنا وثقافتنا وفي شكلنا وهيئتنا وفي سلوكنا وعلاقاتنا وفي تجارتنا ومصالحنا في ذلك كله وغيره لا نعيش معه صلى الله عليه وسلم ، ولا نلتزم بمبادئه وآدابه الرفيعة .. وإذا رأينا هذه المبادئ والآداب النبوية تهان وتنتهك فلا تأخذنا الحمية ولا نغضب ، ولا ننتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لسنته الشريفة فأين الدليل العملي على صدق المحبة إذن ؟ .. هذه سنته قد بلغها إلينا أصحابه من بعده كاملة غير منقوصة .. فكم منا نحن المسلمون اليوم من قرأ صحيح البخاري ومسلم ولو لمرة واحدة ، وكم منا من قرأ مختصر صحيح البخاري ومسلم بل ومختصر المختصر وفيهما سنته صلى الله عليه وسلم موثقة بالأسانيد الصحيحة ، بل أذهب إلى أقل من ذلك فكم منا من قرأ الأربعين النووية ففقها وحرص على تطبيق ما فيها .. وفي المقابل فكم من سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم نعلمها ونفقهها ولكننا لا نطبقها ولا ننشرها ولا نعلمها لأقرب الناس لنا .. وإذا فتشت عن حقيقة الحال وجدت أننا مشغولون عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بمحاب أخرى نعكف عليها كل ليلة الساعات الطوال .. أعني تلك الشاشات الفاتنة .. التي نجلس أمامها بكل إعجاب .. لنتابع ونقلد كثيراً مما يعرض فيها ولو كان فيه معصية لمن نزعم حبه وإتباعه .. ألا أيها المحب للمصطفى صلى الله عليه وسلم: أهلك وأولادك مشغولون بذلك وأنت إن لم تكن معهم فمشغول عنهم .. وإن لم تكن مُقر لهم فأنت ساكت عنهم ، فأين حب المصطفى صلى الله عليه وسلم في قلبك .. وأين أثره على حياتك وحياة أُسرتك وأولادك.
يا مدع حب طه لا تخالفه ** الخلف يحرم في دنيا المحبين .. لو كان حبك صادقاً لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع ..
أيها المسلمون فلنتعلم كيف نحب الله ورسوله .. لنتعلم من الصحابة الكرام معنى حب النبي صلى الله عليه وسلم وحقيقة حب النبي صلى الله عليه وسلم .. فحب النبي صلى الله عليه وسلم في حياة الصحابة الكرام يعني ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الوعي التام الكامل بما جاء به الحبيب صلى الله عليه وسلم والفهم الصحيح للأهداف التي بُعث بها عليه الصلاة والسلام ..
الأمر الثاني: سرعة الاستجابة فبمجرد تلقي الأوامر من الله ورسوله يبادرون إلى التنفيذ والتطبيق {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} بينما أكثر المسلمين اليوم يسمع كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وفيه الأمر والنهي حتى إذا خرج من المسجد نسي ما سمع وكأنه لم يسمع شيئًا ..
الأمر الثالث: إذا تعارضت سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم مع أهوائنا ورغباتنا فأي شيء نقدم؟ هذه هي القضية وهذا هو الاختبار الحاسم الذي يفترق الناس عنده فريقين صادق في حبه لله ورسوله ، وآخر مسكين يعيش أحلام اليقضة ، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" . فتعلموا يا مسلمين كيف تحبون رسولكم صلى الله عليه وسلم .. تعلموا من الصحابة الكرام كيف تحبون الرسول صلى الله عليه وسلم .. تعلموا منهم المعنى الحقيقي لحب الله ورسوله .. تعلموا منهم أن أصدق وسيلة للتعبير عن حب المصطفى صلى الله عليه وسلم هو تعلم سنته وتطبقيها وتقديمها على ما سواها .. ثم نشرها والدعوة إليها .. والذب عنها والصبر فيها .. {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيل الله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} ..
اللهم اجعل حُبّك وحبّ رسولك محمد أحبّ إلينا من أنفسنا وأبنائنا ومن الماء البارد على الظمأ، اللهم ارزقنا اتباعه، وأكرمنا بشفاعته، وأَوْرِدْنا حوضه، وارزقنا مُرافَقته في الجنة..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، البر لا يبلى والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، وكما تدين تدان ..  

اللهم صل ..

المرفقات

كيف نحب الرسول صلى الله عليه وسلم.doc

كيف نحب الرسول صلى الله عليه وسلم.doc

المشاهدات 6427 | التعليقات 0