كيف نجح الصحابة رضي الله عنهم(1)؟؟ الدعوة وحمل هم الدين
مريزيق بن فليح السواط
1435/04/14 - 2014/02/14 06:18AM
إن الحمد لله...
فإن الله تعالى اختار لرسوله صلى الله عليه وسلم، أفضل الصحب، وخير الرجال، أعظمُ الناس إيمانا، وأكملهم دينا وأخلاقا، وأقدرهم على حمل رسالة الإسلام، ودراسةُ سيرتهم، ومعرفةُ عوامل النجاح في دعوتهم، وكيف تمكنوا من نشر الدين في أصقاع المعمورة، واسعاد البشرية بنور الكتاب والسنة؟؟ من أعظم الواجباتِ التي على الأمة معرفتها، وتطبيقِ منهج الصحابة الكرام فيها.
عباد الله:
لم يكن نجاح الصحابة في تحقيق هدفهم، وبلوغ غايتهم بالأمر السهل، بل قدموا لأجل ذلك النفس والنفيس، والغالي والعزيز من أموالهم وأنفسهم، قدموا لأجل دينهم تضحيات كبيرة، وأعمال جليلة، نذكر منها عملا شريفا، ووظيفة عظيمة وهي: حمل هم هذا الدين، والدعوة إليه، ونشره بين الناس.
أسلم أبو بكر رضي الله عنه ومنذ إسلامه تحرك لنشر الدين، ودعوة الآخرين فكان ثمرة عمله العظيم، إسلام خمسة من العشرة المبشرين بالجنة.
قد يقول قائل: هذا أبو بكر أعظم رجال الإسلام، فتأمل مشهد ذلك الأعرابي, يوم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا ابن عبد المطلب, أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك, قال: "نعم" قال الله أمرك أن نصلي خمس مرات في اليوم والليلة ؟ قال : "نعم" قال الله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال :"نعم" , قال الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة فتدفعها للفقراء والمساكين, قال : "نعم", قال الأعرابي آمنت بك يا محمد و بما جئت به, وأنا ضُمامُ ابنُ ثعلبة, وإني رسول من ورائي من قومي".
لقد أعلن ضمام إسلامه في الحال, و أعلن على الفور بأنه سيكون داعية الإسلام في قومه, فلم تكن ثمت مسافةٌ زمنية تذكر بين تعلم ضُمامَ مبادئ الإسلام, وبين انطلاقته داعياً إلى تلك المبادئ, فلم يتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم أمراً بأهمية الدعوة، أو توجيهاً بضرورة العمل للدين, إذ أن ذلك أمرٌ بديهي في حس المؤمن, ومسألة محسومة في حس الصحابة لا تحتاج إلى تأكيد أوإلحاح.
كان سعدُ بن معاذ، وأُسيدُ بن حضير، مشركين على دين قومهما، فلما سمعا بمصعب بن عمير ونشاطه في الدعوة إلى الإسلام قال سعد لأُسيد: لا أبالك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين أتيا دارنا ليُسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما، فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، فهو ابن خالتي ولا أجد عليه مُقَدّمًا ، فأخذ أسيد حربته ثم أقبل عليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إنْ يجلس أُكلمُه، فوقف عليهما شاتما. فقال: ما جاء بكما تسفِّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب بلسان المؤمن الهادئ الواثق من سماحة دعوته:أو تجلسُ فتسمع،فإن رضيت أمراً قبلتَه وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره!!
قال أسيد: أنصفت، ثم ركز حربته، وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن،فأسلم في الحال، ثم حمل هم الدعوة فقال لهما: إن ورائي رجلاً إن يتبعكم لا يتخلف عنه أحدٌ من قومه وسأرسله إليكم.
فذهب أُسيد لسعد بن معاذ واحتال عليه بأن بني حارثة خرجوا يُريدون قتل ابن خالتك أسعد بن زرارة، فقام سعد مُغضباً من أمر بني حارثة، خائفا على ابن خالته، وأخذ حربة بيده، ثم خرج إليهما فوجدهما مطمئنين، فعرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف شاتما، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمْتَ هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره!! فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ماتكره، فقال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام، وقرأ القرآن، فأسلم رضي الله عنه، وتوجه في الحال حاملا هم دعوة قومه للإسلام حتى وقف عليهم فقال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدُنا وأفضلُنا رأياً وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة.
قد لا يكون بين إسلام سعد ودعوة قومه الا ساعة واحدة فلا تأخر في الخير، ولا تأني في طريق الدعوة، فاستحق عند موته أن يهتز له العرش، ويشيعه سبعون ألف ملَك، ولما أُهدي لنبي صلى الله عليه وسلم جُبّة من حرير فكان الصحابة يتعجبون من نعومتها!! فقال لهم عليه الصلاة والسلام: "أتعجبون من لينها؟ لمناديل سعد في الجنة خيرٌ منها وألين".
الصحابة كانوا يعرفون أن الاسلام تكليف كما هو تشريف، دين علم وعمل ودعوة، "والعصر أن الانسان لفي خسر...." فكانوا يتسابقون للدعوة للدين، ونشره بين الناس، ابتغاء الأجر من الله "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء" فلم يشغلهم عن الدعوة شاغل، ولم يحل دونها حائل، فهي خير من المال وأن كثر"فلئن يهديَّ الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من حُمُر النعم". أما اليوم فصارت الدعوة مخصوصة بأناس قلة من المسلمين والبقية الباقية لا دخل لها فيها، ولا هم لها بها، اللهم إلّا إن كانت عاطفة لا تتجاوز الحديث عن الدعوة وأهميتها، والمسلمين وأحوالهم، وكيفية دخول غير المسلمين للإسلام.
رجل غربي أسلم فكان كلما دخل مكانا، أو حضر مناسبة قال له الناس: أَسْلمت؟؟ كيف أسلمت؟؟ وفي أحدى المناسبة أراد أن يُلقن هؤلاء الناس الذين يهتمون بكيفية إسلام الأشخاص أكثر من اهتمامهم بالعمل والدعوة للإسلام!! فلما قيل له: ما شاء الله أسلمت. كيف أسلمت؟؟ قال يا جماعة: في إحدى القرى حصل حريق كبير، وأتى على البيوت والمزارع، وحاصرت النيران أهل القرية، فاتصلوا على المطافي، فخرجت فرق الإنقاذ، وسيارات الإطفاء، وفي الطريق المؤدي للقرية، حديقة غناء، فيها زروع جميلة، وفاكهة نضجية، وأنعام وحرث، فقال قائد الإطفاء للأفراد: دعونا نقف في هذه الحديقة، نتنزه فيها، ونستمتع بهوائها، ونأكل من خيراتها!! فقيل له: والقرية التي ستحرق النار أهلها؟؟ فقال: نلحق عليهم!! فتوقفوا في الحديقة، يلعبون ويلهون ويأكلون ويشربون، وبينما هم كذلك إذ رجل من أهل القرية قد أشرف عليهم، وقد أَلهبت النار وجهه، وكادت أن تحرق جسده!! فلما رآه رجال الإنقاذ قالوا له: سَلِمْت؟؟ "من النار" كيف سَلِمْت؟؟ فقال لهم: تبا لكم. تسئلوني سلمت!!كيف سلمت؟؟ وأهل القرية يحترقون!! انطلقوا فانقذوهم من النار فليس المهم كيف سلمت بل كيف يَسْلم بقية أهل القرية!! خذ من هذه القصة فليس المهم كيف أسلمت بل كيف يُسلم الناس في مشارق الأرض ومغاربها قبل أن يموتوا فيدخلون النار. كم على الأرض من غير المسلمين فماذا قدمنا لهم؟؟ كم يقدم إلى بلادنا من عمالة لا تدين بالإسلام فهل دعوناهم إلى ديننا؟؟ والله تعالى يقول: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعملا صالحا وقال إنني من المسلمين".
الحمد لله على إحسانه....
عباد الله:
الدعوة وظيفة الرسل عليهم السلام وسبيلهم الذي أمرنا باتباعه "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" ولقد كانت الأمم قبلنا تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، ولما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء "ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسولَ الله وخاتم النبيين" كانت وظيفته التي تحمل المشقة والأذى في سبيل بلاغها لنا، هي وظيفة أتباعه من أمته إلى يوم القيامة، فهي أشرف وظيفة، وأعظم مهمة، وأسمى رسالة، "فالدال على الخير كفاعله" يموت الداعي، ويبلى جسده، وحسناته تجري عليه في قبره.
الدعوة كالغيث حيثما وقعت نفعت، تسعد بها المجتمعات، وتصلح بها أحوال الأمم والحكومات، دخل مصعب ابن عمير إلى المدينة فأسلم أهلها فنالوا شرف النصرة للدين، وذهب بها الطُّفيل إلى قومه فأسلموا وأتوا إلى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وقام بها جعفرُ ابن أبي طالب في أرض الغرباء البعداء فأسلم النجاشي، وبقي الصحابة تحت حمايته يعبدون الله، لا يستطيع أحد أن يمسهم بسوء، أسلم النجاشي بعباراة قليلة، وكلمات بسيطة سمعها من جعفر كان فيها الصدق والوضوح، وعدم المحاباة والتنازل.
تأمل هدهد سليمان عليه السلام حين غاب في جولة من جولاته، فرأى منكرا من أعظم المنكرات، وغواية من أضل الغوايات: أُناس "يسجدون للشمس من دون الله وزينَ لهم الشيطانُ أعمالَهُم فصدَّهُم عن السبيلِ فهُم لا يهتدون". فتحرك ليعمل للدين وهو من العجموات، وفي مملكة على رأسها نبي، فألقى بالنبأ إلى سليمان فطرة لا اكتسابا، وبداهة لا تعلما، فكان من بركة دعوته دخول أمة كاملة في الإسلام، فاستحق كرامة عظيمة، النهي عن قتل الهدهد.
عباد الله:
إننا نعيش في زمن أنتفش فيه الباطل، وصار له خططه وبرامجه وقنواته، ولأصحابه الصوت والصورة، تزيينا للباطل وإغراء به، وتلبيسا للحق وصدا عنه، امتلك أهل الشر البر والبحر والجو فأضحى إفسادهم إصلاحا، وضلالهم رشادا، وظلمتهم نورا، حتى إنه ليهول المسلم ما يبذله أهل الباطل لنشر باطلهم، واقناع الناس به، فالمنظمات التنصيرية المنتشرة في العالم تجاوزت ال (25 ألف) منظمة وما يجمع في العام الواحد أكثر من (200) مليار دولار!! تملك أكثر من (3000) إذاعة ومحطة تلفزة جُلّها تتركز في البلاد الفقيرة، والشعوب المنكوبة، والتي وللآسف أكثر أهلها من المسلمين!! فإن سلم المسلمون من التنصير لم يسلموا من العقائد الباطلة كالرفض والتصوف، التي انتشر دعاتها في بلاد المسلمين، ومن سلم من هذه وتلك أصابته سهام والشبهات والشهوات فأصبح أبنائنا ما بين ضحية للإلحاد، وغارق في حمأة الجنس والمخدرات عن طريق الأفلام والبرامج والأغاني والمسلسلات!!!
حاجة الناس إلى الدعوة أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وكل بحسب وسعه وطاقته "ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" تدعوا قرابتك وجيرانك إلى الخير، وتعظيم أوامر الله تعالى ونواهيه، وتذكرهم بأمر التوحيد وفضله، والشرك وخطره، وأهمية الصلاة والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، وإصلاح ذات البين، وتحذيرهم من الوقوع في الذنوب ومقارفة المعاصي، بالكلمة الطيبة، والرسالة الهادفة، والتوجيه السديد، فليس للدعوة نصاب من العلم لا تصلح ألا به وإنما تدعوا بما تعلم، وتمسك عما لا تعلم "بلغوا عني ولو آية".
الدعوة أعظم نصرة لنبينا صلى الله عليه وسلم، ودليل على محبته، وأتباع أمره، ولا ينبغي للمسلم أن يمنعه عن الدعوة احتقار الناس له، وهل أذل وأحقر وأدنى من إمرأة على فراش الزنا تدعوا رجلا محبا لها، مترصدا لها من سنوات طويلة، وليس عنده أحد حتى إذا قعد بين رجليها قالت:"اتق الله ولا تفض الخاتم ألا بحقه"!! مثل هذه كلامها يرد ولا يسمع فكيف به يؤثر في الرجل فيقوم عنها ويدع المال الذي أعطاها؟؟
بالدعوة نجح الصحابة، وبلغوا دين الله في مشارق الأرض ومغاربها، ولا سبيل لنا الا بسلوك طريقهم، والسير على منوالهم، وكذلك محبة الدعاة إلى الله وموالتهم، والذب عن أعراضهم، وعدم سماع كلام أهل النفاق فيهم، فعادة المنافقين الطعن في الدعاة، وتنقصهم في وسائل الإعلام، ومحاربتهم بنشر الإشاعات وقالة السوء فيهم، ليصدوا الناس عنهم، ويحولوا بينهم وبين ما يدعون إليه من العلم النافع، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
فإن الله تعالى اختار لرسوله صلى الله عليه وسلم، أفضل الصحب، وخير الرجال، أعظمُ الناس إيمانا، وأكملهم دينا وأخلاقا، وأقدرهم على حمل رسالة الإسلام، ودراسةُ سيرتهم، ومعرفةُ عوامل النجاح في دعوتهم، وكيف تمكنوا من نشر الدين في أصقاع المعمورة، واسعاد البشرية بنور الكتاب والسنة؟؟ من أعظم الواجباتِ التي على الأمة معرفتها، وتطبيقِ منهج الصحابة الكرام فيها.
عباد الله:
لم يكن نجاح الصحابة في تحقيق هدفهم، وبلوغ غايتهم بالأمر السهل، بل قدموا لأجل ذلك النفس والنفيس، والغالي والعزيز من أموالهم وأنفسهم، قدموا لأجل دينهم تضحيات كبيرة، وأعمال جليلة، نذكر منها عملا شريفا، ووظيفة عظيمة وهي: حمل هم هذا الدين، والدعوة إليه، ونشره بين الناس.
أسلم أبو بكر رضي الله عنه ومنذ إسلامه تحرك لنشر الدين، ودعوة الآخرين فكان ثمرة عمله العظيم، إسلام خمسة من العشرة المبشرين بالجنة.
قد يقول قائل: هذا أبو بكر أعظم رجال الإسلام، فتأمل مشهد ذلك الأعرابي, يوم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا ابن عبد المطلب, أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك, قال: "نعم" قال الله أمرك أن نصلي خمس مرات في اليوم والليلة ؟ قال : "نعم" قال الله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال :"نعم" , قال الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة فتدفعها للفقراء والمساكين, قال : "نعم", قال الأعرابي آمنت بك يا محمد و بما جئت به, وأنا ضُمامُ ابنُ ثعلبة, وإني رسول من ورائي من قومي".
لقد أعلن ضمام إسلامه في الحال, و أعلن على الفور بأنه سيكون داعية الإسلام في قومه, فلم تكن ثمت مسافةٌ زمنية تذكر بين تعلم ضُمامَ مبادئ الإسلام, وبين انطلاقته داعياً إلى تلك المبادئ, فلم يتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم أمراً بأهمية الدعوة، أو توجيهاً بضرورة العمل للدين, إذ أن ذلك أمرٌ بديهي في حس المؤمن, ومسألة محسومة في حس الصحابة لا تحتاج إلى تأكيد أوإلحاح.
كان سعدُ بن معاذ، وأُسيدُ بن حضير، مشركين على دين قومهما، فلما سمعا بمصعب بن عمير ونشاطه في الدعوة إلى الإسلام قال سعد لأُسيد: لا أبالك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين أتيا دارنا ليُسفها ضعفاءنا فازجرهما، وانههما، فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، فهو ابن خالتي ولا أجد عليه مُقَدّمًا ، فأخذ أسيد حربته ثم أقبل عليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه، قال مصعب: إنْ يجلس أُكلمُه، فوقف عليهما شاتما. فقال: ما جاء بكما تسفِّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب بلسان المؤمن الهادئ الواثق من سماحة دعوته:أو تجلسُ فتسمع،فإن رضيت أمراً قبلتَه وإن كرهته كُفّ عنك ما تكره!!
قال أسيد: أنصفت، ثم ركز حربته، وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن،فأسلم في الحال، ثم حمل هم الدعوة فقال لهما: إن ورائي رجلاً إن يتبعكم لا يتخلف عنه أحدٌ من قومه وسأرسله إليكم.
فذهب أُسيد لسعد بن معاذ واحتال عليه بأن بني حارثة خرجوا يُريدون قتل ابن خالتك أسعد بن زرارة، فقام سعد مُغضباً من أمر بني حارثة، خائفا على ابن خالته، وأخذ حربة بيده، ثم خرج إليهما فوجدهما مطمئنين، فعرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف شاتما، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمْتَ هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره!! فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ماتكره، فقال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام، وقرأ القرآن، فأسلم رضي الله عنه، وتوجه في الحال حاملا هم دعوة قومه للإسلام حتى وقف عليهم فقال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدُنا وأفضلُنا رأياً وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فو الله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجلٌ ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة.
قد لا يكون بين إسلام سعد ودعوة قومه الا ساعة واحدة فلا تأخر في الخير، ولا تأني في طريق الدعوة، فاستحق عند موته أن يهتز له العرش، ويشيعه سبعون ألف ملَك، ولما أُهدي لنبي صلى الله عليه وسلم جُبّة من حرير فكان الصحابة يتعجبون من نعومتها!! فقال لهم عليه الصلاة والسلام: "أتعجبون من لينها؟ لمناديل سعد في الجنة خيرٌ منها وألين".
الصحابة كانوا يعرفون أن الاسلام تكليف كما هو تشريف، دين علم وعمل ودعوة، "والعصر أن الانسان لفي خسر...." فكانوا يتسابقون للدعوة للدين، ونشره بين الناس، ابتغاء الأجر من الله "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء" فلم يشغلهم عن الدعوة شاغل، ولم يحل دونها حائل، فهي خير من المال وأن كثر"فلئن يهديَّ الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من حُمُر النعم". أما اليوم فصارت الدعوة مخصوصة بأناس قلة من المسلمين والبقية الباقية لا دخل لها فيها، ولا هم لها بها، اللهم إلّا إن كانت عاطفة لا تتجاوز الحديث عن الدعوة وأهميتها، والمسلمين وأحوالهم، وكيفية دخول غير المسلمين للإسلام.
رجل غربي أسلم فكان كلما دخل مكانا، أو حضر مناسبة قال له الناس: أَسْلمت؟؟ كيف أسلمت؟؟ وفي أحدى المناسبة أراد أن يُلقن هؤلاء الناس الذين يهتمون بكيفية إسلام الأشخاص أكثر من اهتمامهم بالعمل والدعوة للإسلام!! فلما قيل له: ما شاء الله أسلمت. كيف أسلمت؟؟ قال يا جماعة: في إحدى القرى حصل حريق كبير، وأتى على البيوت والمزارع، وحاصرت النيران أهل القرية، فاتصلوا على المطافي، فخرجت فرق الإنقاذ، وسيارات الإطفاء، وفي الطريق المؤدي للقرية، حديقة غناء، فيها زروع جميلة، وفاكهة نضجية، وأنعام وحرث، فقال قائد الإطفاء للأفراد: دعونا نقف في هذه الحديقة، نتنزه فيها، ونستمتع بهوائها، ونأكل من خيراتها!! فقيل له: والقرية التي ستحرق النار أهلها؟؟ فقال: نلحق عليهم!! فتوقفوا في الحديقة، يلعبون ويلهون ويأكلون ويشربون، وبينما هم كذلك إذ رجل من أهل القرية قد أشرف عليهم، وقد أَلهبت النار وجهه، وكادت أن تحرق جسده!! فلما رآه رجال الإنقاذ قالوا له: سَلِمْت؟؟ "من النار" كيف سَلِمْت؟؟ فقال لهم: تبا لكم. تسئلوني سلمت!!كيف سلمت؟؟ وأهل القرية يحترقون!! انطلقوا فانقذوهم من النار فليس المهم كيف سلمت بل كيف يَسْلم بقية أهل القرية!! خذ من هذه القصة فليس المهم كيف أسلمت بل كيف يُسلم الناس في مشارق الأرض ومغاربها قبل أن يموتوا فيدخلون النار. كم على الأرض من غير المسلمين فماذا قدمنا لهم؟؟ كم يقدم إلى بلادنا من عمالة لا تدين بالإسلام فهل دعوناهم إلى ديننا؟؟ والله تعالى يقول: "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعملا صالحا وقال إنني من المسلمين".
الحمد لله على إحسانه....
عباد الله:
الدعوة وظيفة الرسل عليهم السلام وسبيلهم الذي أمرنا باتباعه "قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني" ولقد كانت الأمم قبلنا تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، ولما كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء "ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسولَ الله وخاتم النبيين" كانت وظيفته التي تحمل المشقة والأذى في سبيل بلاغها لنا، هي وظيفة أتباعه من أمته إلى يوم القيامة، فهي أشرف وظيفة، وأعظم مهمة، وأسمى رسالة، "فالدال على الخير كفاعله" يموت الداعي، ويبلى جسده، وحسناته تجري عليه في قبره.
الدعوة كالغيث حيثما وقعت نفعت، تسعد بها المجتمعات، وتصلح بها أحوال الأمم والحكومات، دخل مصعب ابن عمير إلى المدينة فأسلم أهلها فنالوا شرف النصرة للدين، وذهب بها الطُّفيل إلى قومه فأسلموا وأتوا إلى النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وقام بها جعفرُ ابن أبي طالب في أرض الغرباء البعداء فأسلم النجاشي، وبقي الصحابة تحت حمايته يعبدون الله، لا يستطيع أحد أن يمسهم بسوء، أسلم النجاشي بعباراة قليلة، وكلمات بسيطة سمعها من جعفر كان فيها الصدق والوضوح، وعدم المحاباة والتنازل.
تأمل هدهد سليمان عليه السلام حين غاب في جولة من جولاته، فرأى منكرا من أعظم المنكرات، وغواية من أضل الغوايات: أُناس "يسجدون للشمس من دون الله وزينَ لهم الشيطانُ أعمالَهُم فصدَّهُم عن السبيلِ فهُم لا يهتدون". فتحرك ليعمل للدين وهو من العجموات، وفي مملكة على رأسها نبي، فألقى بالنبأ إلى سليمان فطرة لا اكتسابا، وبداهة لا تعلما، فكان من بركة دعوته دخول أمة كاملة في الإسلام، فاستحق كرامة عظيمة، النهي عن قتل الهدهد.
عباد الله:
إننا نعيش في زمن أنتفش فيه الباطل، وصار له خططه وبرامجه وقنواته، ولأصحابه الصوت والصورة، تزيينا للباطل وإغراء به، وتلبيسا للحق وصدا عنه، امتلك أهل الشر البر والبحر والجو فأضحى إفسادهم إصلاحا، وضلالهم رشادا، وظلمتهم نورا، حتى إنه ليهول المسلم ما يبذله أهل الباطل لنشر باطلهم، واقناع الناس به، فالمنظمات التنصيرية المنتشرة في العالم تجاوزت ال (25 ألف) منظمة وما يجمع في العام الواحد أكثر من (200) مليار دولار!! تملك أكثر من (3000) إذاعة ومحطة تلفزة جُلّها تتركز في البلاد الفقيرة، والشعوب المنكوبة، والتي وللآسف أكثر أهلها من المسلمين!! فإن سلم المسلمون من التنصير لم يسلموا من العقائد الباطلة كالرفض والتصوف، التي انتشر دعاتها في بلاد المسلمين، ومن سلم من هذه وتلك أصابته سهام والشبهات والشهوات فأصبح أبنائنا ما بين ضحية للإلحاد، وغارق في حمأة الجنس والمخدرات عن طريق الأفلام والبرامج والأغاني والمسلسلات!!!
حاجة الناس إلى الدعوة أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وكل بحسب وسعه وطاقته "ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" تدعوا قرابتك وجيرانك إلى الخير، وتعظيم أوامر الله تعالى ونواهيه، وتذكرهم بأمر التوحيد وفضله، والشرك وخطره، وأهمية الصلاة والصدقة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، وإصلاح ذات البين، وتحذيرهم من الوقوع في الذنوب ومقارفة المعاصي، بالكلمة الطيبة، والرسالة الهادفة، والتوجيه السديد، فليس للدعوة نصاب من العلم لا تصلح ألا به وإنما تدعوا بما تعلم، وتمسك عما لا تعلم "بلغوا عني ولو آية".
الدعوة أعظم نصرة لنبينا صلى الله عليه وسلم، ودليل على محبته، وأتباع أمره، ولا ينبغي للمسلم أن يمنعه عن الدعوة احتقار الناس له، وهل أذل وأحقر وأدنى من إمرأة على فراش الزنا تدعوا رجلا محبا لها، مترصدا لها من سنوات طويلة، وليس عنده أحد حتى إذا قعد بين رجليها قالت:"اتق الله ولا تفض الخاتم ألا بحقه"!! مثل هذه كلامها يرد ولا يسمع فكيف به يؤثر في الرجل فيقوم عنها ويدع المال الذي أعطاها؟؟
بالدعوة نجح الصحابة، وبلغوا دين الله في مشارق الأرض ومغاربها، ولا سبيل لنا الا بسلوك طريقهم، والسير على منوالهم، وكذلك محبة الدعاة إلى الله وموالتهم، والذب عن أعراضهم، وعدم سماع كلام أهل النفاق فيهم، فعادة المنافقين الطعن في الدعاة، وتنقصهم في وسائل الإعلام، ومحاربتهم بنشر الإشاعات وقالة السوء فيهم، ليصدوا الناس عنهم، ويحولوا بينهم وبين ما يدعون إليه من العلم النافع، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
المشاهدات 4777 | التعليقات 4
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
أحبتي الفارس الأول، وشبيب القحطاني، تقبل الله منا ومنكم والجميل هو مروركم وتعليقكم نفعني الله بأخوتكم في الدنيا والأخرة.
همم عوالي ناطحت السحاب بذلت الأسباب فجاءت بالبشرى أفلحوا في دنياهم فسادوا وفي آخرتهم فتنعموا لكن للأسف هممنا لم تتعدى البطون والفروج إلا ما رحم ربك فرأينا ما قدر رأينا من الذل والهوان.
خطبة قيمة وذكرى بينة فشكرنا الخالص لك أيها الفاضل مريزيق ولكل المشاركين والمعلقين.
د. ماجد بلال
جميلة جدا جزاك الله خيرا
تعديل التعليق