كيف نتهيأ لرمضان ؟ في الجانب النفسي والعبادي والمعيشي
عبدالإله بن سعود الجدوع
1434/08/10 - 2013/06/19 19:03PM
أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى العليم الخبير ف(الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ )
ثم يا أيها الكرام : إليكم قصة قصيرة عجيبة ، قالها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه من أن رجلين قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما معاً ، وكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر في الطاعات فغزا هذا المجتهد فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي ، قال طلحة : فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن لمن توفي ثانياً ثم خرج هذا الخارج بعد مدة فأذن للذي استشهد وهو من توفي أولاً ، فأصبح طلحة يحدث بها الناس فعجبوا لذلك – عجبوا كيف أن الذي استشهد دخل الجنة ثانياً - فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوه الحديث فقال: من أي ذلك تعجبون فقالوا يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادا واستشهد ودخل الآخر قبله إلى الجنة ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم – مجيباً على هذا التعجب - أليس قد مكث هذا بعده سنة؟! قالوا بلى ، قال وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟! قالوا بلى ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض . رواه ابن ماجه وصححه الألباني
من هذا الحديث أيها الفضلاء : ندرك عظيم المنة والنعمة التي ينعمها الله سبحانه على العبد بأن يمد عمره على الطاعة ويبلغه رمضان ، وإذا تأملت أيها الكريم ستجد أن هناك من تعرف من صام معنا في رمضان الفائت ، أما اليوم فهو رهين قبره ويتمنى أن لو يدرك رمضاناً واحداً فقط لينكب فيه على الطاعات ، فإذا بلّغك ربك رمضان ، فأنت في نعمة عظيمة لاتعرف قدرها إلا إذا كنت رهين قبرك ، وحينها تقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت . وهيهات !
أيها المباركون :
قد يقول قائل : تبقى على رمضان أيام وسنلحق على خير ، فنقول لمثل أولئك : هذا قول النفوس الضعيفة ، وهذا قول النفوس التي ما إن يبدأ شهر رمضان حتى تندفع بالطاعات ، وإذا اقترب نصف رمضان إذا بها تَكلّ وتَملّ ! وهكذا كلَّ سنة ولايبحث عن أسباب ذلك !! بل وقد لايهمه البحث عن الأسباب والله المستعان ،
ولو تأمل المتأمل أن في كل المسابقات الثقافية والرياضية والعسكرية وغيرها ، أنه لا بدَّ من فترة كافية للتدريب ، ومن نافس بلا تدريب فإنه عادةً يخسر ولا يربح، ويفشل ولا ينجح .
فنحن هنا أيها الفضلاء وانطلاقاً من إستعداد النبي صلى الله عليه وسلم لصيام رمضان بكثرة الصيام في شعبان نؤكد على أهمية الاستعداد لرمضان من الآن في الجانب العبادي وفي الجانب المعيشي وفي الجانب النفسي .
فمما يُتهيأ له لرمضان في الجانب النفسي إزالة ما يشغل النفس، ويقلق الفكر من أمور الدنيا ، فإن كان لا بد منه فليؤجل إلى ما بعد رمضان .
وأيضاً مما يتهيأ له لرمضان في الجانب النفسي ، الإحساس بأهمية رمضان، وخشية فوات فضله، كيف لا ؟! والنبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال : رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيهِ رَمَضَانُ ثمَّ انْسَلَخَ قَبلَ أَنْ يُغْفَرَ لَه،رواه الترمذي.
ومما يتهيأ له في الجانب العبادي كثرة الصيام في شعبان ، لاسيما وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين كما قال رسول الله ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)) [رواه النسائي وصححه الألباني]
ومن الاستعداد لرمضان في الجانب العبادي : الإعتياد على قيام الليل ، وذلك بأن توتر وأقلّه ركعة واحدة ، ثم تزيد من صلاة الليل ركعتين فأربع فست وهكذا حتى يدخل رمضان ، وفي جانب قراءة القرءان يكون لك ورد يومي ولو قل ، ثم تزيدَه شيئاً فشيئاً ، حتى إن دخل رمضان وإذا بنفسك قد اشرئبت وتروّضت على الطاعة وبالإعتياد عليها ولكأنها من البرنامج اليومي .
- أيضاً في الجانب العبادي وهو من حِكَم الصيام في شهر رمضان تحقيق التقوى ،ولذا يقول الله(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) فقوله ( لعلكم تتقون ) إشارة لأهمية أن يحقق الصيام التقوى ليكون زاداً للأيام القادمة ، ولذلك من الخطأ عند عدد من الناس ، أنه يرتكب بعض المعاصي حتى إذا دخل شهرُ رمضان فإذا به يقلع عنها ، وإذا انتهى رمضان إذا به يعود لمعصيته كما كان ، ويكون رمضان بالنسبة له هو وقت تأجيل الذنوب فقط ، وهذا مفهوم مغلوط ، فرمضان هو وقت التوبة من الذنوب وليس هو وقت تأجيل الذنوب .
- أيضاً من الاستعداد في الجانب العبادي : هو ما تُعده وتهيئه لزوجتك وأبنائك في شهر رمضان ، لأنه من المؤسف والله أن تهيئ لهم الشاشات وما يملاً بطونهم ، وتنسى الأهم من ذلك وهو أن تهيئ لهم ما يملأ عقولهم وأرواحهم ،
وأنا هنا لن أضرب أمثلة لأن كل ربّ أسرة هو أدرى بجوانب الخلل في بيته ، وبما يناسبه من برامج وخطوات عملية لعلاج ذلك الخلل ولتقوية جوانب العبادة واستغلال الأوقات داخل البيت . [FONT="][/FONT]
[FONT="][/FONT]
أيها المباركون : أما عن الاستعداد لرمضان والعيد في الجانب المعيشي : فكلنا يعرف أن عيد الفطر بعد نحو شهرين ، ولكن المؤسف أن لا نتحرك إلا إذا اقترب العيد ، والمؤسف أكثر أنه في ليالي العشر الأواخر من رمضان التي ينبغي فيها التفرغ والإعتكاف على طاعة الله ، تجد مظاهر الإعتكاف تنقلب من المساجد إلى اعتكاف في الأسواق وقضاء الحاجيات وربما تفصيل الثياب وما إلى ذلك ،وأنا أقول نصيحة من الأخ لإخوانه ، ما المانع أيها الأخوة من إنهاء ذلك كله في شهر شعبان ، حتى إن دخل شهر رمضان وإذا بك متهيئ ومتفرغ للنهم من كل ما في رمضان من الفضائل . وليبتعد الإنسان عن الأسواق ولغطها ومنكراتها طيلة رمضان .
- أيضاً من الإستعداد المعيشي لرمضان والعيد ، استغلال فرصة وفرة المعروض وتنوع الألوان والمقاسات ، وثبات الأسعار مقارنة بأسعار ماقبل العيد ، ناهيك عن الإزدحام وقلة المعروض التي تكون قبل العيد .
- أيضاً من الإستعداد المعيشي لرمضان والعيد : توزيع مصروفاتك المالية على ثلاثة أشهر بدلاً من الضغـظ على راتب شهر واحد ، بمعنى أن إذا أنهيت بعضاً من الحاجيات الآن من راتب شهر رجب ، وبعضها من راتب شهر شعبان ، وبعضها من راتب شهر رمضان ، لكان ذلك أقل وَطئاً وحِملاً عليك من أن لو جعلت حاجيات العيد كِلِّها من راتب شهر رمضان ، ولذلك تجد من المؤسف والله ، أن تكون العشر الأواخر من رمضان كل سنة ترتفع بها نسبة الطلاق ، وهذه التي حدث فيها طلاق أما عدد المشكلات التي وقعت بدون طلاق فهذه عدد آخر ، وإذا بحثت عن الأسباب وجدت كثيراً منها: الخلاف على مصاريف العيد ، ولو أن العائلة استعدت من قبل ووزعت مصروفاتها بشكل أفضل ، لما كان ماكان والله المستعان .
أيها الفضلاء :
مضى رجب وما أحسنت فيـه *** وهذا شهر شـعبان المبـارك
فيـا من ضيع الأوقـات جهلاً *** بقيمتها أفق واحـذر بوارك
فسـوف تفـارق اللذات قهـرًا *** ويخلي الموت قهرًا منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا *** بتوبة مخلص واجعل مـدارك
على طلب السـلامة من جحيم *** فخير ذوي الفضائل من تدارك
اللهم بلغنا رمضان ، واجعلنا فيه من المقبولين المرحومين الفائزين ، واجعلنا اللهم فيه من الصائمين القائمين الطائعين ..
رشيد بن ابراهيم بوعافية
بارك الله فيك فضيلة الشيخ منهجية استعداد متكامل .
تعديل التعليق