كيف نتعامل مع المشكلات الأخلاقية ؟..

[font="] كيف [/font]نعالج المشكلات الأخلاقيّة ؟..
[font="]إنّ الحمد لله نحمده، و نستعينه، و نستغفره، و نستهديه، و نتوب إليه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له.. و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله، اللهمّ فصلّ و سلّم و زد و بارك عليه و على آله و صحبه، و كلّ من اهتدى بهديه و استنّ بسنّته و اقتفى أثره إلى يوم الدّين[/font][font="].. أمّا بعد:[/font]
[font="]لقد[/font][font="] أدى انتشار وسائل الإثارة والإغراء وغياب التوجيه[/font][font="] وقلة ما ينمّي الإيمان[/font][font="] ويقويه، أدّى ذلك كلّه إلى انتشار الفساد الخلقي في مجتمعات[/font][font="] المسلمين.. وبما[/font][font="] أنّ مرحلة الشباب تمثّل بداية البلوغ الجنسي،[/font][font="] ويصاحبها ضعف القدرة على ضبط[/font][font="] النّفس والتحكّم بغرائزها صار الشباب من أكثر فئات[/font][font="] المجتمع وقوعاً في[/font][font="] الانحرافات الأخلاقية..[/font]
[font="]والدعاة[/font][font="] إلى الله، والمصلحون من المربّين يتعاملون مع [/font][font="]فئات غير معزولة عن المجتمع[/font][font="] تتأثّر بما فيه، ويصيبها ما يصيبه، ومن هنا بدأت المحاضن[/font][font="] التربوية تعاني من[/font][font="] المشكلات الأخلاقية وتنوّعت صورها ونماذجها[/font][font="]..[/font][font="]وهذا [/font][font="]يدعو إلى الاعتناء بهذه المشكلة الخطيرة..[/font]
[font="]ومهما[/font][font="] رأينا من مشكلات فهي تبقى محدودة وخطورتها في[/font][font="]عظم شأنها أكثر من انتشارها،[/font][font="] ولا يسوغ أن يدفعنا شعورنا بخطر المشكلة إلى المبالغة[/font][font="] في الحديث عن[/font][font="] حجمها، كما أن مطالبتنا بإعطائها حجمها الطبيعي لا ينبغي أن يدفعنا[/font][font="] إلى[/font][font="] التهوين من خطورتها.. وكثير[/font][font="]من صور الخلل والانحراف التي تحدث هي نتاج[/font][font="] عوامل خارجية، فالشباب جزء من[/font][font="] المجتمع لا يستطيعون الانفكاك عنه ولا التخلص من [/font][font="]تأثيره..[/font]

كيف نتخلص من المشكلات الأخلاقية ؟..
[font="]يتمثل العمل في[/font][font="] مواجهة هذه المشكلات[/font][font="] في مسارين[/font][font="]:[/font]

المسار الأول: الوقايــة:
[font="]وذلك بحماية الأشخاص والبيئة[/font][font="] التربوية من الوقوع فيها،[/font][font="] و تتمثل أبرز وسائل الوقاية فيما يلي[/font][font="]:[/font]

[font="] أ - تربية الإيمان والتقوى[/font]:
[font="]الإيمان[/font][font="] هو الذي يحول بين الشخص وبين الوقوع فيما حرم[/font][font="] الله تعالى، قال صلّى الله [/font][font="]عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن "..[/font]
[font="]والإيمان[/font][font="] والتقوى له أثره في كف النفس عن الوقوع في[/font][font="] الحرام ابتداءً، قال تبارك و تعالى: " وَأُزْلِفَتِ[/font][font="] الْجَنَّةُ[/font][font="] لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ[/font][font="] حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ". [/font][font="]( سورة ق الآيات: 31/33 )[/font][font="].. [/font][font="]وفي حديث[/font][font="] السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: " رجل دعته امرأة ذات[/font][font="] منصب وجمال فقال إني أخاف الله [/font][font="]". كما أنّ له أثره في الإفاقة بعد[/font][font="] الكبوة[/font][font="] والتوبة بعد المعصية [/font][font="]قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ[/font][font="] اتَّقَواْ إِذَا[/font][font="]مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ[/font][font="] فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ". [/font][font="]( سورة الأعراف الآية: 201 )[/font][font="]..[/font]
[font="]والإيمان [/font][font="]والتقوى المقصود هو ما يستقر في القلب ويترك[/font][font="] أثره على صاحبه، وليس[/font][font="] المقصود به هو طول السجود والركوع وكثرة التنفل، أو البكاء[/font][font="] و النحيب عند[/font][font="] سماع آيات الوعيد..[/font]

ب - التربية على الورع والبعد عن مواطن الفتنة:
[font="]تتسم[/font][font="] هذه الشهوة بقوّة تأثيرها على الشاب، وعظم ضغطها[/font][font="] عليه، ومن ثمّ فهو بحاجة[/font][font="] إلى حاجز يحميه، إلى حاجز بين الحلال و الحرام يقيه الوقوع[/font][font="] في الحرام.. والذين[/font][font="] يتورّعون عن الشبهات و يبتعدون عن الحمى هم أكثر[/font][font="]الناس تورّعاً عن الحرام[/font][font="] المحض وبعداً عنه..[/font]

ت - سدّ الذرائع وإغلاق باب الفتنة:
[font="]من [/font][font="]يتأمل في أحكام الشريعة يجد أنّه ما من حكم بعد[/font][font="] الشرك اعتنت الشريعة بسدّ[/font][font="] ذرائعه مثل الفاحشة، ومن يقرأ سورة النّور يجد مصداق ذلك[/font][font="] واضحاً.. ومن ثم[/font][font="]ّ[/font][font="] فلا بدّ من الاعتناء بهذا الجانب بتربية الشباب[/font][font="] عليه، والبعد بالمؤسّسات[/font][font="] التربوية عن الوقوع في الذرائع التي يمكن أن تقود إلى[/font][font="] الفواحش ومقدماتها..[/font]
[font="]من [/font][font="]ذلك ضبط ما يجري من المزاح بين الشباب وخاصة ما[/font][font="] يكون بالأبدان كالمصارعة[/font][font="] والسباحة[/font][font="].. [/font]
[font="]ومن[/font][font="] ذلك الاعتناء بالتوجيه النبوي القائل: " وفرّقوا [/font][font="]بينهم في المضاجع[/font][font="] ". يقصد أثناء[/font][font="] النوم..[/font]

ج - الاعتدال بين الثقة وسدّ الذرائع:
[font="]أمرت[/font][font="] الشريعة بسدّ الذرائع والبعد عن أبواب المعصية، [/font][font="]لكنّها في ذلك أمرت بحسن[/font][font="] الظنّ ونهت عن الغيرة في غير ريبة، قال صلّى الله عليه وسلم: " غيرتان [/font][font="]يحبّهما الله ورسوله...[/font][font="] "..[/font]
[font="]ومن[/font][font="] ذلك أنّه صلّى الله عليه وسلم نهى أن يطرق[/font][font="] الرجل أهله ليلاً يتخوّنهم أو[/font][font="] يلتمس عثراتهم ". [/font][font="]( أخرجه مسلم )[/font][font="].. فلا [/font][font="]ينبغي أن يؤدي حرص المربي على سد الذرائع إلى [/font][font="]غياب الثقة وإلى الشك[/font][font="] والاتّهام[/font][font="].. [/font]
[font="]كما لا[/font][font="]يسوغ التهاون بسدّ الذرائع بحجّة الثّقة والبعد[/font][font="]عن اتّهام النّاس..[/font]

د - الاعتناء بتقوية الإرادة:
[font="]كثير [/font][font="]من الذين يقعون في المعصية يدركون قبحها[/font][font="] وشناعتها، لكنهم يقعون فيها نتيجة [/font][font="]ضعف إيمان، أو نتيجة فشلهم في منع أنفسهم عنها.. ومن ثم[/font][font="] فالشاب بحاجة إلى أن تغرس لديه قوّة الإرادة[/font][font="] والعزيمة حتى يستطيع السيطرة[/font][font="]على نفسه وضبط تصرفاته..[/font]

هـ - غرس الاهتمامات الجادة:
[font="]إنّ غرس[/font][font="] الاهتمامات الجادة لدى الشاب أثره في إشغال [/font][font="]تفكيره بها، وفي إشغال وقته، فهو حين يجد وقت فراغ سيصرفه في هذه الأنشطة وهي[/font][font="] تستهوي نفسه وتفرغ[/font][font="] طاقته، كما أنّها تعلي همّته وتسمو بها..[/font]
[font="]وهي[/font][font="] أيضاً تجعله يميل مجالسة من يشاركونه هذه[/font][font="] الاهتمامات، والعكس حين تسيطر[/font][font="]عليه الاهتمامات التافهة وينشغل بها..[/font]

و - إشغال الفراغ:
[font="]الفراغ[/font][font="] يدعو الشاب إلى التفكير في الشهوة، ويدعوه إلى[/font][font="] التطلع والفضول في مواقع[/font][font="] الإنترنت أو القنوات أو المجلات أو الذهاب إلى الأسواق[/font][font="] والأماكن العامّة التي تنتشر فيها المنكرات، لذا كان إشغال وقت فراغه يسهم في حمايته[/font][font="] من [/font][font="]الوقوع في الشهوة المحرّمة.. ومن[/font][font="] أهمّ ما يعين على ذلك تعويده على الأنشطة التي [/font][font="]يقضي فيها الفراغ ومن أبرزها[/font][font="] القراءة والإطلاع، وكذا تكوين الاهتمامات الجادة لديه..[/font]

[font="]المسار الثاني:[/font][font="] العلاج بعد الوقوع في المشكلة[/font][font="]:[/font]
[font="]حين يقع أحد الشباب في مشكلة خلقية[/font][font="] لابدّ من الاعتناء [/font][font="]بعلاجها ومواجهة آثارها، وممّا ينبغي مراعاته في العلاج ما يأتي[/font][font="]:[/font]

1) المبادرة :
[font="]تزداد[/font][font="] هذه المشكلات تعقيداً مع مرور الوقت، ومن ثم [/font][font="]فالمبادرة في علاجه ضرورية[/font][font="] حتى لا تطول وتستفحل، فطولها يؤدّي إلى تأصيلها لدى الشخص،[/font][font="] وضعف استقباحه [/font][font="]لها وشعوره بالإحباط في الخلاص منها، كما أنّ ذلك يؤدي إلى اتّساع [/font][font="]دائرة[/font][font="] انتشارها بين أفراد المجموعة..[/font]

2) التأنّي والتروّي:
[font="]ومع[/font][font="] المبادرة لابد من التأنّي والتروّي في التعامل معها، [/font][font="]والتأنّي المطلوب ليس هو[/font][font="] الذي يضيع الوقت ويؤخره، إنّما يحسب الحساب لكلّ خطوة ولا[/font][font="] يستعجل النتائج.. إنّ[/font][font="] اكتشاف المربّي للمشكلة كثيرا ما يولّد لديه صدمة،[/font][font="] وقد تؤدّي هذه الصدمة إلى [/font][font="]فقدان التوازن في التعامل مع الموضوع، فتأخذ العاطفة أكثر[/font][font="]من حجمها[/font][font="] الطبيعي.. وقد[/font][font="] يتّخذ قرارات متسرّعة استجابة للضغط النّفسي الذي[/font][font="] تولّد لديه..[/font]
[font="]إن[/font][font="]ّ حالة الاضطراب والقلق تؤثّر على تفكير الإنسان [/font][font="]وتعوقه عن الوصول إلى ما[/font][font="] يمكن أن يصل إليه في حال الاستقرار والاطمئنان.. ولهذا[/font][font="] نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أن يقضي[/font][font="] القاضي وهو غضبان.. و قال [/font][font="]أهل العلم أنّ الحكمة في ذلك هي تشويش الذهن الذي يعوقه[/font][font="] عن الوصول للحق..[/font]

3) التفريق بين أنواع المشكلات:
[font="]لا [/font][font="]يسوغ أن تدرج المشكلات الأخلاقية في إطار واحد، بل [/font][font="]ينبغي أن يتعامل مع كلّ[/font][font="] حالة بما يتناسب معها، ومن الأمور التي تختلف المشكلات على[/font][font="] أساسها[/font][font="]:[/font]
[font="]أ‌-[/font][font="] تأصّل [/font][font="]المشكلة لدى الشاب وتأريخها، فالمشكلة[/font][font="] المتأصّلة التي لها جذور طويلة ليست[/font][font="] كالمشكلة الطارئة، فالأولى تحتاج جهداً أكبر[/font][font="] و وقتاً أطول في علاجها..[/font]
[font="]ب‌-[/font][font="] نوع[/font][font="] الخطأ الذي يحصل، فالاحتكاك على سبيل المثال [/font][font="]في مناسبة معيّنة ليس مثل [/font][font="]الجرأة على المراودة، والشرع لم يجعل المعاصي باباً واحداً[/font][font="] فمنها ما هو [/font][font="]صغائر ومنها ما هو كبائر، والكبائر درجات متفاوتة..[/font]
[font="]ت‌- [/font][font="]الحياء [/font][font="]والجرأة لها اعتبار وأثر، ففرق بين من[/font][font="] يتجرأ على الحديث وإبداء الرغبة مع [/font][font="]الآخرين، وبين من تبدو منه هفوات يستنبطها [/font][font="]الآخرون منه استنباطا..[/font]
[font="]ج -[/font][font="] القصد [/font][font="]و المصادقة، ففرق بين من يثيره موقف فيقع في[/font][font="] الزلة، وبين من يخطط ويرتب[/font][font="] الأمور..[/font]
[font="]د - [/font][font="] الانتشار[/font][font="] و المحدودية، فما ينتشر في المجموعة[/font][font="] و يتداول بينها يحتاج إلى حزم أكثر مما[/font][font="] يصير بين اثنين من أفرادها..[/font]

4) التدرج في المعالجة:
[font="]يحتاج[/font][font="] المربي في التعامل مع هذه المشكلات إلى التدرج[/font][font="] في الخطوات:[/font]
[font="]الخطوة الأولى: [/font][font="]العلاج غير المباشر، وهو الذي يعنى [/font][font="]بالتركيز على تقوية[/font][font="] الإيمان والتقوى في نفس الشاب، دون التصريح أو التلميح بالمشكلة،[/font][font="] ولا شك أن[/font][font="]ّ الإيمان سيدعوه إلى مفارقة المشكلة والتوبة والإقلاع، ومتى ما أمكن هذا [/font][font="]الأسلوب فلا يعدل عنه إلى ما بعده فهو أنجع في العلاج، وأقل في العواقب..[/font]
الخطوة الثانية:[font="] الحديث والتوجيه العام للمجموعة من [/font][font="]خلال الحديث عن شؤم[/font][font="] المعاصي وأثرها، أو عن الفواحش ومخاطرها، ولا بدّ من التركيز على[/font][font="] استثارة[/font][font="] الإيمان والتأثر القلبي هنا..[/font]
الخطوة الثالثة:[font="] التصريح والمناصحة المباشرة للمعني،[/font][font="] وهذا ينبغي أن لا [/font][font="]يلجا إليه إلا حين لا يجدي غيره فقد يترتب عليه اضطرار الشخص لترك[/font][font="] الصالحين، وهذا يقوده إلى ما هو أكبر، أو يترتب عليه العيش بنفسية متوترة[/font][font="] بينه وبين [/font][font="]المربي فسوف يفسر كل ما يسمعه فيما بعد من مربيه على انه يقصده،[/font][font="] والمربي سيتعامل[/font][font="] معه بحساسية خشية تفسير قصده..[/font]
[font="]والغالب على الظنّ أن الشاب لا ينسى ذلك ولو طال الوقت وكثيراً ما يفترض أنه إلى[/font][font="] الآن محلّ [/font][font="]تهمة.. لكن[/font][font="] حين لا ينفع سواه فهو أولى من ترك الشاب يستمرئ[/font][font="] طريق الفساد والمعصية..[/font]
[font="]وحين[/font][font="] يناصح فلا بدّ من التوازن بين المبالغة في تعظيم[/font][font="] الذنب التي تؤدي إلى اليأس،[/font][font="] أو المبالغة في الرجاء الذي يؤدي إلى الاستهانة بالذنب [/font][font="]و احتقاره..[/font]
الخطوة الرابعة:[font="] حين لا تنفع هذه الحلول مع الشاب[/font][font="] ويظل مستمرا ًعلى ما هو[/font][font="]عليه فينبغي إبعاده خاصة إذا كان ضرره متعدياً.. [/font]
[font="]نسأل الله الكريم ربّ العرش العظيم أن يهدينا إلى صالح الأعمال، و أن يرشدنا إلى صالح الأخلاق، فإنّه لا هادي إلاّ هو، و لا راشد إلاّ هو سبحانه، إنّه وليّ ذلك و القادر عليه.. وصلّى الله على نبينا محمد، وآله[/font][font="] وصحبه وسلم تسليما كثيرا، آمين..

[font="] الشّيْخ محمّد الشّاذلي شلبي
[font="] الإمام الخطيب
[font="] جامع التّوبة برادس - الجمهورية التّونسيّة[/font]

[/font][/font][/font]
المشاهدات 2091 | التعليقات 0