كَيْفَ تُوَاجِهُ هُمُومَكَ وَغُمُومَكَ 1 شعبان 1435 هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1435/07/29 - 2014/05/28 14:03PM
كَيْفَ تُوَاجِهُ هُمُومَكَ وَغُمُومَكَ 1 شعبان 1435 هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَاً وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير , وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي الأُلُوهِيَّةِ وَالْخَلْقِ وَالتَّدْبِير ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِير , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الْمَعَادِ وَالْمَصِير .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَاعْلَمُوا أَنَّ دُنْيَاكُمْ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْكَدَرِ وَعَدَمِ الصَّفَاءِ , فَمَنْ ذَا الذِي لَمْ يُصَبْ قَطُّ ؟ وَمَنِ الذِي لَيْسَ لَدَيْهِ هُمُومٌ أَوْ غُمُومٌ ؟
فَانْظُرْ حَوْلَكَ , تَجِدْ هَذَا مَرِيضَاً وَذَاكَ مَكْسُورَاً , وَالآخَرَ قَدِ احْتَرَقَ بَيْتُهُ وَثَالِثَاً مَظْلُومَاً , وَرَابِعَاً قَدْ تَكَدَّرَ بِالْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ وَجَارَهُ قَدْ ضَاقَ ذَرْعَاً بِالْهُمُومِ الْعَائِلِيَّةِ .
وَخَامِسَاً وَسَادِسَاً وَسَابِعَاً , فَكَمْ تَحْتَ سُقُوفِ الْبُيُوتِ مِنْ مُشْكِلَاتٍ ! وَكَمْ أُغْلِقَتِ الأَبْوَابُ عَلَى مُعْضِلَات !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِمَّا نُوَاجِهُ بِهِ مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَيُخِفُّ عَلَيْنَا وَقْعُهَا مَا يَلِي :
(أَوَّلاً) الإِيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ , فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُبَرِّدُ عَلَيْكَ حَرَارَةَ الْمُصْيبَةِ وَمِنْ أَنْفَعِ الأَدْوِيَةِ التِي تُعَالَجُ بِهَا الْبَلَايَا , وَتَدْفَعُ بِهَا الرَّزَايَا , فَأَيْقِنْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ , وَأَنَّ مَا يَقَعُ فَهُوَ أَمْرٌ عَلِمَهُ اللهُ وَشَاءَهُ أَزَلاً وَكَتَبَهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ , فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ , قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الإِيمَانُ : أَنْ تُؤمِنَ باللهِ ، وَمَلائِكَتِهِ ، وَكُتُبهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَاليَوْمِ الآخِر ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
(ثَانِيَاً) الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ , وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَدْوِيَةِ لِمُوَاجَهَةِ الْمِحَنِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ لُقْمَانَ حِينَ وَعَظَ ابْنَهُ (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور)
وَالصَّبْرُ فِي أَوَّلِهِ صَعْبٌ لَكِنْ إِذَا عَوَّدْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ هَانَ وَسَهُلَ , قَالَ الشَّاعِرُ :
الصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ
لَكِنْ عَوَاقِبُهُ أَحْلَي مِنَ الْعَسَلِ
عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَجَباً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ , إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِن , إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ ) رَوَاهُ مسلم .
(ثَالِثَاً) النَّظَرُ إِلَى مَا عِنْدَكَ مِنْ نِعْمَةٍ , فَإِيَّاكَ أَنْ تَنْظُرَ بِعَيْنٍ عَوْرَاءَ فَتَرَى الْمَصَائِبَ وَلا تَرَى الخَيْر وَالفَضْلَ مِنَ اللهِ , فَأَنْتَ مُسْلِمٌ وَأَنْتَ صَحِيحٌ مُبْصِرٌ تَسْمَعُ وَتَمْشِي , وَغَيْرُكَ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ أَصَمٌّ .
فَتَفَكَّرْ فِيمَا أَعْطَاكَ اللهُ وَحُرِمَ مِنْهُ غَيْرُكَ ! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ , وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ , فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَالْتَفِتْ يَمْنَةً وَيَسْرَةً , فَهَلْ تَرَىإِلَّا مُبْتَلَىً ؟ وَهَلْ تُشَاهِدْ إِلَّا مَنْكُوبَاً ؟ فَفِي كُلِّ دَارٍ نَائِحَةٌ ، وَعَلَى كُلِّ خَدٍّ دَمْعَةٌ !
فَكَمْ مِنْ مُصَابٍ ! وَكَمْ مِنْ صَابِرٍ ! فَلَسْتَ أَنْتَ وَحْدَكَ فِي الْمَيْدَان , بَلْ مُصَابُكَ أَنْتَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِكَ قَلِيلٌ !
فَكَمْ مِنْ مَرِيضٍ عَلَى سَرِيرِهِ لَهُ أَعْوَامٌ يَتَقَلَّبُ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِيَئِنُّ مِنَ الأَلَمِ وَيَصِيحُ مِنَ السَّقَمِ ! وَكَمْ مِنْ مَحْبُوسٍ مَرَّ بِهِ سَنَوَاتٌ مَا رَأَى الشَّمْسَ بِعَيْنِهِ ، وَمَاعَرَفَ غَيْرَ سِجْنَه ! وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَقَدَا فَلَذَاتِ أَكْبَادِهِمَا فِي مُقْتَبَلِ الشَّبَابِ وَرَيْعَانِالْعُمُرِ ! وَكَمْ مِنْ مَكْرُوبٍ وَمَدِينٍ وَمُصَابٍ وَمَنْكُوبٍ !
(رَابِعَاً) أَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ مَأْجُورٌ بِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ , فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصيبُهُ أذىً ، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بهَا سَيِّئَاتِهِ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(خَامِسَاً) الاسْتِغْفَارُ وَالنَّظُرُ فِي عُيُوبِكِ وَتَقْصِيرِكَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير) , فَإِذَا أَصَابَتْكَ مُصِيبَةٌ فُرُدَّ السَّبَبَ إِلَى نَفْسِكَ , وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ فَحِينَ يُصَابُ بِحَادِثٍ أَوْ يُخْفِقُ فِي امْتِحَانٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ حَسَدِ النَّاسِ لَهُ , وَرُبَّمَا قَاَل [هَذِهِ عَيْنٌ مَا صَلَّتْ عَلَى النَّبِيِّ !]
وَهَذَا مِنَ الْغَفْلَةِ فِي الْوَاقِعِ , فَرَاجِعْ نَفْسَكَ وَانْظُرْ تَقْصِيرَكَ , وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللهُ يَتَّهِمُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي ذَاتِ اللهِ وَيَمْقُتُونَهَا ! فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُيُمْسِكُ لِسَانَهُ وَيَقُولُ : هَذَا الذِي أَوْرَدَنِي الْمَهَالِكَ ! وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ : لَوْ كَانَ يُوجَدُ لِلذُّنُوبِ رِيحٌ مَا قَدِرْتُمْ أَنْ تَدْنُوا مِنِّي مِنْ نَتَنِ رِيحِي ! وَكَانَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ : إِنِّي لِأَعُدُّ مِائَةَ خَصْلِةٍ مِنْ خِصَالِ الْبِرِّ ، مَا فيَّ مِنْهَا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ .
فَاتَّهِمْ نَفْسَكَ يَا مُسْلِمُ وَرَاجِعْ أَعْمَالَكَ وَأَكْثِرْ مِنَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ , فَمَا وَقَعَ بَلاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ وَمَا ارْتَفَعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ !
عَنِ الأَغَرِّ بنِ يَسَارٍ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْم , أَقُولُ قَوْلِي هذا , وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنَا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجْمَعينَ .
أَمَّا بعدُ : فَإِنَّ (السَادِسَ) مِمَّا تُوَاجِهُ بِهِ الْمَصَائِبُ وَالْهُمُومُ : الدُّعَاءُ , فَالْجَأْ إِلَى رَبِّكَ وَاضْرَعْ إِلَيْهِ , وَتَوَسَّلْ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَنْ يُفَرِّجَ هَمَّكَ , وَأَنْ يُزِيلَ كَرْبَكَ , وَيَفْتَحَ لَكَ أَبْوَابَ الرِّزْقِ وَالْعَافِيَةِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
وَمِنَ الأَدْعِيَةِ النَّافِعَةِ لِإِزَالَةِ الْهَمِّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ , مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ , أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ , أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ , أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ , أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ بَصَرِي , وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي , إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ (أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
(السَّابِعُ) الاسْتِشَارَةُ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالنُّصْحِ , فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ ضَاقَ ذَرْعَاً بِحَالِهِ فَإِذَا شَاوَرَ النَّاصِحِينَ وَجَدَ عِنْدَهُمْ بِإِذْنِ اللهِ مَخْرَجَاً لِمَا هُوَ فِيهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى مَادِحَاً الْمُؤْمِنِينَ (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وَقَالَ آمِرَاً نَبِيَّهُ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسَدُّ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلَاً (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر)
فَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ اسْتَخْدَمَ عُقُولَهُمْ وَبَذَلُوا لَهُ خِبْرَتَهُمْ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : هَذِهُ جُمْلَةٌ مِنَ الأَسْبَابِ التِي تُوَاجَهُ بِهَا مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَهُمُومُهَا وَغُمُومُهَا نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ لَنَا جَمِيعَاً مِنْ كُلِّ بَلاءٍ .
وَنَخْتِمُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى شَهْرِ شَعْبَانَ وَنَحْنُ الْيَوْمِ فِي أَوَّلِه.
فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ أَفْطَرَهَا فَإِنَّهُ يُبَادِرُ بِقَضَائِهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ وَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ إِلَى مَا بَعْدَ رَمَضَانَ إِلَّا لُعُذْرٍ شَرْعِيٍّ .
ثُمَّ هُنَا خَصِيصَةٌ كَانَ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَيِّزُ شَهْرَ شَعْبَانَ بِهَا , حَيْثُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا القَلِيْلَ , وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ , وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ , وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ , وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ , وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
اللَّهُمَ إِنَّا نَسْأَلُكَ بَرَكَةً تُطَهِّرَ بِهَا قُلُوبَنَا ، وَتَكْشِفَ بِهَاكُرُوبَنَا ، وَتَغْفِرَبِهَا ذُنُوبَنَا ، وَتُصْلِحَ بِهَا أَمْرَنَا ، وَتُغْنِيَ بِهَا فَقْرَنَا ، وَتُذْهِبَ بِهَاحُزْنَنَا ، وَتَكْشِفَ بِهَا هُمُومَنَاوَغُمُومَنَا ، وَتَشْفِيَ بِهَا أَسْقَامَنَا ، وَتَقْضِيَ بِهَا دُيُونَنَا ، وَتَجْمَعَبِهَا شَمْلَنَا ، وَتُبَيِضَ بِهَا وُجُوهَنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا المُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِ مَكَانٍ , اللَّهُمَّ انْصُر أَهْلَ السُّنَةِ فِي سُورِيَا وَالعِرَاقَ يَا قَويُ يَاعَزِيزُ , اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ , وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ , والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَاً وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير , وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي الأُلُوهِيَّةِ وَالْخَلْقِ وَالتَّدْبِير ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِير , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الْمَعَادِ وَالْمَصِير .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَاعْلَمُوا أَنَّ دُنْيَاكُمْ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْكَدَرِ وَعَدَمِ الصَّفَاءِ , فَمَنْ ذَا الذِي لَمْ يُصَبْ قَطُّ ؟ وَمَنِ الذِي لَيْسَ لَدَيْهِ هُمُومٌ أَوْ غُمُومٌ ؟
فَانْظُرْ حَوْلَكَ , تَجِدْ هَذَا مَرِيضَاً وَذَاكَ مَكْسُورَاً , وَالآخَرَ قَدِ احْتَرَقَ بَيْتُهُ وَثَالِثَاً مَظْلُومَاً , وَرَابِعَاً قَدْ تَكَدَّرَ بِالْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ وَجَارَهُ قَدْ ضَاقَ ذَرْعَاً بِالْهُمُومِ الْعَائِلِيَّةِ .
وَخَامِسَاً وَسَادِسَاً وَسَابِعَاً , فَكَمْ تَحْتَ سُقُوفِ الْبُيُوتِ مِنْ مُشْكِلَاتٍ ! وَكَمْ أُغْلِقَتِ الأَبْوَابُ عَلَى مُعْضِلَات !
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّ مِمَّا نُوَاجِهُ بِهِ مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَيُخِفُّ عَلَيْنَا وَقْعُهَا مَا يَلِي :
(أَوَّلاً) الإِيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ , فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُبَرِّدُ عَلَيْكَ حَرَارَةَ الْمُصْيبَةِ وَمِنْ أَنْفَعِ الأَدْوِيَةِ التِي تُعَالَجُ بِهَا الْبَلَايَا , وَتَدْفَعُ بِهَا الرَّزَايَا , فَأَيْقِنْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ , وَأَنَّ مَا يَقَعُ فَهُوَ أَمْرٌ عَلِمَهُ اللهُ وَشَاءَهُ أَزَلاً وَكَتَبَهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ , فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ , قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الإِيمَانُ : أَنْ تُؤمِنَ باللهِ ، وَمَلائِكَتِهِ ، وَكُتُبهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَاليَوْمِ الآخِر ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
(ثَانِيَاً) الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ , وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأَدْوِيَةِ لِمُوَاجَهَةِ الْمِحَنِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ لُقْمَانَ حِينَ وَعَظَ ابْنَهُ (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور)
وَالصَّبْرُ فِي أَوَّلِهِ صَعْبٌ لَكِنْ إِذَا عَوَّدْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ هَانَ وَسَهُلَ , قَالَ الشَّاعِرُ :
الصَّبْرُ مِثْلُ اسْمِهِ مُرٌّ مَذَاقَتُهُ
لَكِنْ عَوَاقِبُهُ أَحْلَي مِنَ الْعَسَلِ
عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عَجَباً لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ , إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِن , إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَّاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ ) رَوَاهُ مسلم .
(ثَالِثَاً) النَّظَرُ إِلَى مَا عِنْدَكَ مِنْ نِعْمَةٍ , فَإِيَّاكَ أَنْ تَنْظُرَ بِعَيْنٍ عَوْرَاءَ فَتَرَى الْمَصَائِبَ وَلا تَرَى الخَيْر وَالفَضْلَ مِنَ اللهِ , فَأَنْتَ مُسْلِمٌ وَأَنْتَ صَحِيحٌ مُبْصِرٌ تَسْمَعُ وَتَمْشِي , وَغَيْرُكَ أَعْمَى أَوْ مُقْعَدٌ أَوْ أَصَمٌّ .
فَتَفَكَّرْ فِيمَا أَعْطَاكَ اللهُ وَحُرِمَ مِنْهُ غَيْرُكَ ! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ , وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ , فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
فَالْتَفِتْ يَمْنَةً وَيَسْرَةً , فَهَلْ تَرَىإِلَّا مُبْتَلَىً ؟ وَهَلْ تُشَاهِدْ إِلَّا مَنْكُوبَاً ؟ فَفِي كُلِّ دَارٍ نَائِحَةٌ ، وَعَلَى كُلِّ خَدٍّ دَمْعَةٌ !
فَكَمْ مِنْ مُصَابٍ ! وَكَمْ مِنْ صَابِرٍ ! فَلَسْتَ أَنْتَ وَحْدَكَ فِي الْمَيْدَان , بَلْ مُصَابُكَ أَنْتَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِكَ قَلِيلٌ !
فَكَمْ مِنْ مَرِيضٍ عَلَى سَرِيرِهِ لَهُ أَعْوَامٌ يَتَقَلَّبُ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِيَئِنُّ مِنَ الأَلَمِ وَيَصِيحُ مِنَ السَّقَمِ ! وَكَمْ مِنْ مَحْبُوسٍ مَرَّ بِهِ سَنَوَاتٌ مَا رَأَى الشَّمْسَ بِعَيْنِهِ ، وَمَاعَرَفَ غَيْرَ سِجْنَه ! وَكَمْ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فَقَدَا فَلَذَاتِ أَكْبَادِهِمَا فِي مُقْتَبَلِ الشَّبَابِ وَرَيْعَانِالْعُمُرِ ! وَكَمْ مِنْ مَكْرُوبٍ وَمَدِينٍ وَمُصَابٍ وَمَنْكُوبٍ !
(رَابِعَاً) أَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ مَأْجُورٌ بِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ , فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصيبُهُ أذىً ، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بهَا سَيِّئَاتِهِ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(خَامِسَاً) الاسْتِغْفَارُ وَالنَّظُرُ فِي عُيُوبِكِ وَتَقْصِيرِكَ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير) , فَإِذَا أَصَابَتْكَ مُصِيبَةٌ فُرُدَّ السَّبَبَ إِلَى نَفْسِكَ , وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ فَحِينَ يُصَابُ بِحَادِثٍ أَوْ يُخْفِقُ فِي امْتِحَانٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ حَسَدِ النَّاسِ لَهُ , وَرُبَّمَا قَاَل [هَذِهِ عَيْنٌ مَا صَلَّتْ عَلَى النَّبِيِّ !]
وَهَذَا مِنَ الْغَفْلَةِ فِي الْوَاقِعِ , فَرَاجِعْ نَفْسَكَ وَانْظُرْ تَقْصِيرَكَ , وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَحِمَهُمُ اللهُ يَتَّهِمُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي ذَاتِ اللهِ وَيَمْقُتُونَهَا ! فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُيُمْسِكُ لِسَانَهُ وَيَقُولُ : هَذَا الذِي أَوْرَدَنِي الْمَهَالِكَ ! وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ : لَوْ كَانَ يُوجَدُ لِلذُّنُوبِ رِيحٌ مَا قَدِرْتُمْ أَنْ تَدْنُوا مِنِّي مِنْ نَتَنِ رِيحِي ! وَكَانَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ : إِنِّي لِأَعُدُّ مِائَةَ خَصْلِةٍ مِنْ خِصَالِ الْبِرِّ ، مَا فيَّ مِنْهَا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ .
فَاتَّهِمْ نَفْسَكَ يَا مُسْلِمُ وَرَاجِعْ أَعْمَالَكَ وَأَكْثِرْ مِنَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ , فَمَا وَقَعَ بَلاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ وَمَا ارْتَفَعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ !
عَنِ الأَغَرِّ بنِ يَسَارٍ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ بَلَاءٍ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْم , أَقُولُ قَوْلِي هذا , وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنَا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجْمَعينَ .
أَمَّا بعدُ : فَإِنَّ (السَادِسَ) مِمَّا تُوَاجِهُ بِهِ الْمَصَائِبُ وَالْهُمُومُ : الدُّعَاءُ , فَالْجَأْ إِلَى رَبِّكَ وَاضْرَعْ إِلَيْهِ , وَتَوَسَّلْ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَنْ يُفَرِّجَ هَمَّكَ , وَأَنْ يُزِيلَ كَرْبَكَ , وَيَفْتَحَ لَكَ أَبْوَابَ الرِّزْقِ وَالْعَافِيَةِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
وَمِنَ الأَدْعِيَةِ النَّافِعَةِ لِإِزَالَةِ الْهَمِّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ , عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ , مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ , أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ , أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ , أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ , أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ بَصَرِي , وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي , إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ (أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
(السَّابِعُ) الاسْتِشَارَةُ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالنُّصْحِ , فَكَمْ مِنْ رَجُلٍ قَدْ ضَاقَ ذَرْعَاً بِحَالِهِ فَإِذَا شَاوَرَ النَّاصِحِينَ وَجَدَ عِنْدَهُمْ بِإِذْنِ اللهِ مَخْرَجَاً لِمَا هُوَ فِيهِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى مَادِحَاً الْمُؤْمِنِينَ (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وَقَالَ آمِرَاً نَبِيَّهُ مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسَدُّ الْخَلْقِ وَأَكْمَلُهُمْ عَقْلَاً (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر)
فَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ اسْتَخْدَمَ عُقُولَهُمْ وَبَذَلُوا لَهُ خِبْرَتَهُمْ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : هَذِهُ جُمْلَةٌ مِنَ الأَسْبَابِ التِي تُوَاجَهُ بِهَا مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَهُمُومُهَا وَغُمُومُهَا نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ لَنَا جَمِيعَاً مِنْ كُلِّ بَلاءٍ .
وَنَخْتِمُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى شَهْرِ شَعْبَانَ وَنَحْنُ الْيَوْمِ فِي أَوَّلِه.
فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ أَفْطَرَهَا فَإِنَّهُ يُبَادِرُ بِقَضَائِهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ وَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ إِلَى مَا بَعْدَ رَمَضَانَ إِلَّا لُعُذْرٍ شَرْعِيٍّ .
ثُمَّ هُنَا خَصِيصَةٌ كَانَ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَيِّزُ شَهْرَ شَعْبَانَ بِهَا , حَيْثُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا القَلِيْلَ , وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ , وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ , وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ , وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ , وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
اللَّهُمَ إِنَّا نَسْأَلُكَ بَرَكَةً تُطَهِّرَ بِهَا قُلُوبَنَا ، وَتَكْشِفَ بِهَاكُرُوبَنَا ، وَتَغْفِرَبِهَا ذُنُوبَنَا ، وَتُصْلِحَ بِهَا أَمْرَنَا ، وَتُغْنِيَ بِهَا فَقْرَنَا ، وَتُذْهِبَ بِهَاحُزْنَنَا ، وَتَكْشِفَ بِهَا هُمُومَنَاوَغُمُومَنَا ، وَتَشْفِيَ بِهَا أَسْقَامَنَا ، وَتَقْضِيَ بِهَا دُيُونَنَا ، وَتَجْمَعَبِهَا شَمْلَنَا ، وَتُبَيِضَ بِهَا وُجُوهَنَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا المُسْتَضْعَفِينَ فِي كُلِ مَكَانٍ , اللَّهُمَّ انْصُر أَهْلَ السُّنَةِ فِي سُورِيَا وَالعِرَاقَ يَا قَويُ يَاعَزِيزُ , اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ , وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ , والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
المرفقات
كَيْفَ تُوَاجِهُ هُمُومَكَ وَغُمُومَكَ 1 شعبان 1435 هـ ‫‬.doc
كَيْفَ تُوَاجِهُ هُمُومَكَ وَغُمُومَكَ 1 شعبان 1435 هـ ‫‬.doc
المشاهدات 4434 | التعليقات 4
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا ونفع بعلمك
الشيخ رشيد أبو عافية والشيخ شبيب القحطاني
جزاكم الله خيرا على مروركما على مشاركتي والتعليق عليها , وإن كنت لا أستحق , لكن مع ذلك ففيه تشجيع لأخيكم العبد الضعيف !
جعلني الله وإياكم من المقبولين عنده , ولا يجعل حظنا من عملنا مدح الناس والثناء منهم .
جزاك ربي الجنة شيخ محمد ونفع الله بك الإسلام والمسلمين اللهم آمين
رشيد بن ابراهيم بوعافية
بارك الله فيكم أستاذ محمد على هذه الصيدليّة العقديّة النفسيّة ، والله فيها الشفاء والخير والبركة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . جزاكم الله كل خير .
تعديل التعليق