كيف تفوز بالشفاعة يوم القيامة؟ (3)

محمد بن إبراهيم النعيم
1441/11/22 - 2020/07/13 22:20PM

إن من عقيدة أهل السنة والجماعة إيمانهم بشفاعة النبي محمد يوم القيامة، وقد ذكرنا في خطبتين سابقتين أن للنبي شفاعات كثيرة يوم القيامة، أولها الشفاعة لبدء الحساب، والشفاعة لاستفتاح أبواب الجنان، والشفاعة لأطفال المشركين بدخول الجنة، والشفاعة  لتخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، والشفاعة عند الصراط وعند الميزان لمن خفت موازينه أو تساوت حسناته مع سيئاته، والشفاعة لأهل الكبائر، والشفاعة لرفع درجات بعض المؤمنين في الجنة.

والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نحظى بأحد شفاعات النبي ؟ لقد رغب النبي بأقوال وأعمال وبيَّن أن من التزمها سيشفع له النبي ، ومن أهم هذه المُشفِعات:

(أولاً) سؤال الوسيلة لرسول الله

فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسول الله  قال: (سلوا الله لي الوسيلة، فإنه لا يسألها لي عبد في الدنيا ، إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة) رواه الطبراني.

فمن أراد أنْ يحظى بإحدى شفاعات رسول الله  فليسأل له الوسيلة، وهي أعلى درجة في الجنة.

ولكن متى نسأل الله تعالى هذه الوسيلة لرسول الله  ؟ وما هي الكيفية والصيغة المرغوبة في ذلك؟

روى جابر أنَّ رسول الله  قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمداً الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة) رواه البخاري.

ويشير حديث آخر إلى إضافة هامة يغفل عنها كثير من الناس وهي الصلاة على النبي قبل سؤال الوسيلة لرسول الله ، جاء ذلك عن عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي  يقول: (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) رواه مسلم.

إن المتأمل في هذا الدعاء يجد أنه يستحث المؤمنين كل يوم خمس مرات بتذكر المقام المحمود الذي سيقفهُ رسول الله ، مما يجدر بالمسلم التعرف على هذا المقام المحمود وعلى أنواع الشفاعات التي نسألها خمس مرات كل يوم . كما إن هذا الدعاء كفيل أن يجعلك تستحضر بعض مشاهد يوم القيامة في ذاكرتك، ومتى فعلت ذلك ظهرت آثارها على جوارحك واستقام أمرك وحسن حالك. 

ولا يعني سؤالنا درجة الوسيلة لرسول الله أننا نشفع له عند الله تعالى ، وإنما حثنا رسول الله  على ذلك ليؤجرنا على ذلك لأنه مبلغ عن الله تعالى . 

إنَّ الذي سيحرص على قول هذا الدعاء، لا شك أنه سيحرص على سماع المؤذنين طيلة الصلوات الخمس ومتابعتهم، مما يضيف إلى رصيده مزيداً من الحسنات الهائلة. 

فياله من أجر عظيم مقابل عمل قليل يغفل عنه كثير من الناس. فهذا الدعاء لا يحتاج منك إلى طهارة، ولا استقبال قِبلة، ولا بذل مال، ولا جهد عضلي، ولا يكلفك شيئاً سوى أنْ تحرِّك لسانك بهذه الدعوات بعد الإصغاء إلى المؤذن ومتابعته.

(ثانياً) الإكثار من الصلاة على النبي محمد :

فقد روى عبدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: (أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً) رواه الترمذي.

فلا شك أنَّ الصلاة على النبي من السنن المرغوب الإكثار منها ، فهي من أفضل الطاعات وأعظم القربات. فإن الصلاة على النبي تكفر السيئات ، وتكثر الحسنات ، وترفع الدرجات، وتستجاب بها الدعوات. وبلغ التحذير مِنْ تَرْك الصلاة على النبي أنه من لم يذكر الله تعالى ، ولم يُصلِّ على النبي  في كل مجلس يجلسه ، تحسَّر على ذلك المجلس يوم القيامة ، ولو دخل الجنة ، لِما يرى من الثواب الذي فاته. فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله قال: (مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ) رواه أحمد. 

وتشرع الصلاة على النبي في أوقات مطلقة ومقيدة، فمن جعل له ورداً في الصلاة على النبي محمد عشر مرات حين يصبح ، ومثلها حين يمسي ، فاز بإحدى شفاعات النبي   ، عدا الشفاعة لبدء الحساب وشفاعته في عمه أبي طالب ، لما رواه أبو الدرداء أنَّ النبي  قال :(من صلىَّ عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً ، أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني. 

فاجعل هذه الصلاة مع وردك اليومي الذي تقوله بكرة وعشيا ، ولا تغفل عنها لتدرك أحد شفاعات النبي  . قال المناوي في شرح هذا الحديث: أي تدركه شفاعة خاصة غير العامة أهـ. 

نسأل الله تعالى برحمته أن لا يحرمنا شفاعة نبينا ، وأن لا يعاملنا بما نحن أهله. 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيان والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الشافع المشفع يوم الدين، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صلى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى ولنحرص على نيل شفاعة النبي  يوم القيامة ولا يأتي ذلك إلا بالتزام سنته والحرص على الأعمال التي أكد أنه سيشفع لأصحابها وقد ذكرنا عملين اثنين هما سؤال الوسيلة لرسول الله ، والإكثار من الصلاة على النبي .

(ثالثاً) الإكثار من النوافل 

لقد رَغَّب رسول الله  أمته في الإكثار من النوافل لما فيها من ثواب عظيم عند الله عَزَّ وَجَلَّ. فالإكثار من النوافل يضفي للعبد محبة الله له ، وإجابة دعائه ، وحمايته، ويرتفع بكل سجدة درجة عند الله إضافة إلى أنَّ لكثرة السجود شأن آخر في أمر الشفاعة.

فعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ عَنْ خَادِمٍ لِلنَّبِيِّ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ  مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ: (أَلَكَ حَاجَةٌ)؟ قَالَ: حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَاجَتِي، قَالَ: (وَمَا حَاجَتُكَ)؟ قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: (وَمَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا)؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: إِمَّا لا - أي إنْ كان لا بُد - فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ) رواه أحمد.

فتأملوا رحمكم الله تعالى، كيف أنَّ رسول الله لم يقل له سأشفع لك، وإنما كلَّفه بعمل يتقرب به إلى الله عَزَّ وَجَلَّ لينال شفاعته ، لندرك بأن الشفاعة لا تنال بالأماني ولا تأتي من فراغ، وإنما تكون بأعمال صالحة قولية وفعليه ارتضاها لنا المُشرعُ جَلَّ في عُلاه.

(رابعاً)  الموت في المدينة المنورة

إنَّ سُكنى المدينة المنورة أمنية الكثير من المسلمين في شتى أقطار العالم ، خاصة أولئك الذين يقطنون خارج الجزيرة العربية، نظراً لما حباها الله من فضائل. فبعد أنْ هاجر رسول الله من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، استقر فيها حتى بعد فتح مكة إلى أنْ توفاه أرحم الراحمين. وقد منح رسول الله  لِسُكَّان المدينة المنورة مزايا وفضائل لا توجد لأهل مدينة أخرى.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله قال : (مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا) رواه أحمد والترمذي.

أي من استطاع أنْ يقيم في المدينة المنورة حتى يدركه الموت فليفعل، فهو حث للإقامة في المدينة المنورة ، لأن رسول الله  سيخصه بشفاعة خاصة غير العامة، زيادة في الكرامة. 

قال المناوي -رحمه الله تعالى-: قال بعض أهل العلم: إنَّ الحديث فيه بشرى للساكن بالمدينة بالموت على الإسلام، لاختصاص الشفاعة بالمسلمين، وكفى بها مزية ، فكل من مات فيها فهو مُبَشر بذلك إنْ شاء  الله أهـ.  

ثم اعلموا بأن هذا الفضل خاص للمسلمين من أهل السنة والجماعة فقط، دون غيرهم من المتمسلمين، وذلك لاشتراط رسول الله ذلك في الرواية التي جاءت عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله يقول: (لا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلاَّ كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم. 

إنَّ بعض المترفين من المسلمين، لتراه إذا كَبُر سِنه ، بحث عن مستقر ليقضي فيه ما تَبقَّى من عُمره، فتراه يُولِّي وجهه غالباًشطر منتجعات الدول الأوروبية ، يبحث عن جمال الطبيعة ولطف المناخ ، فيعيش بين ظهراني المشركين عياذا بالله ، غافلاً عن نهي رسول الله  عن ذلك حيث قال: (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله ولم ؟ قال : لا ترى نارهما) رواه أبو داود والنسائي.

وكان الأولى له أنْ يقترب من الديار المقدسة ليودع الدنيا وهو قريب من حرم الله ، وبالأخص مدينة رسول الله ليحظى بحسن الختام وشفاعة خير الأنام  .

اللهم إنا نرفع إليك أكف الضراعة، فافتح لدعائنا أبواب القبول والإجابة، واجعلنا من أهل الحوض والشفاعة، وآمن روعنا يوم تقوم الساعة.

اللهم آمنا في أوطاننا واهد ولاة أمورنا، وادم نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا، والف بين قلوبنا، واصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، 

اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، 

اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا 

اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، 

المشاهدات 597 | التعليقات 0