(كيف تخاف والله كافيك)
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى: أيها المسلمون:اليوم نعيش مع اسم من أسماءه الحسنى متى ما تدبرناه امتلأت قلوبنا يقيناً ونفوسنا رضىً وعظُمت ثقتنا بربنا
هذا الاسم العظيم لم يرد في القرآن إلا مرة واحدة في قَوْلِهِ تَعَالَى: “أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُۥ” وَوَرَدَ بِصِيغَةِ الفِعْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:” فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ” وَقَوْلِهِ تَعَالَى:” إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ” فَاللَّهُ كَافٍ عِبَادَهُ وَهُوَ رَازِقُهُمْ وَحَافِظُهُمْ وَمُصْلِحُ شُؤُونِهِم،ْوَهُوَ الْكَافِي الَّذِي يَكْفِي عِبَادَهُ آلَامَهُمْ،وَيَدْفَعُ عَنْهُمُ الْهُمُومَ والظُّلْمَ والشُّرُورَ.
وهُوَ الَّذِي يَكْفِي بِمَعُونَتِهِ عَنْ غَيْرِه،ِوَيَسْتَغْنِي بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ،فَاللَّهُ كَافٍ عِبَادَهُ بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُونَ،وَيُضْطَرُّونَ إِلَيْه،ِوَيَكْفِي عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ كِفَايَةً خَاصَّةً حِينَمَا يَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ،وَيَسْتَمِدُّونَ حَوَائِجَهُمْ مِنْهُ،فَلَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ،فَهُوَ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ،فَالْكِفَايَاتُ كُلُّهَا وَاقِعَةٌ بِهِ وَحْدَهُ،فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ،وَلَا الرَّغْبَةُ إِلَّا إِلَيْهِ،وَلَا الرَّجَاءُ إِلَّا مِنْهُ،فَاللَّهُ كَفَى عِبَادَهُ الرِّزْقَ والْمَعاشَ والنَّصْرَ والْعِزَّة.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى الَّذِي كَفَى بِأَلْطَافِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَوَفَّقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ،وَنَصَرَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ،وَعَلَى شَيْطَانِهِمْ،وَعَلَى أَعْدَائِهِمْ ،فَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يَكْفِيكَ الْهُمُومَ وَالشُّرُورَ،فَهُوَ قاضِي حَاجَاتِكَ،وَمُفَرِّجُ كُرْبَاتِكَ.
إِنَّ لِلْإِيمَانِ بِاسْمِ اللَّهِ الْكَافِي أَثَرًا عَظِيمًا فِي تَسْكِينِ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ،وَإِنَّ الْفَرَجَ آتٍ لَهُ لَا مَحَالَةَ.
إنَّ الْإِيمَانَ بِاسْمِ اللَّهِ الْكَافِي يَنْزِعُ مِنْ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ الْخَوْفَ مِنْ آثَارِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ،وَالْهَلَعِ مِنْ الْمَخْلُوقِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِأَمْنِكَ واسْتِقْرَارِكَ،أَوْ يَخْلُقُ سَبَبًا يُنْجِيكَ مِنْه،ُ فَعَلَيْكَ أَنْ تُقَوِّيَ إِيمَانَكَ بِاللَّهِ؛ لِتَنَالَ وِلَايَةَ اللَّهِ وَكِفَايَتَه،ُ فَلا كَافِيَ إلا هُوَ سُبْحَانَهُ،وَلَا حَافِظَ سِوَاهُ، فَتَأَمَّلْ هَذَا الدُّعَاءَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُ عِنْدَ نَوْمِهِ:” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ ”
عباد الله:إن من أعظم أسباب كفاية الله لعبده أن يتوكل عليه،قال الله: " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" أي:كافيه كلَّ أموره الدِّينيَّة والدنيويَّة ، والتوكُّل هو اعتماد القلْب على الله في حصول المطلوب،ودفْع المكروه،مع الثِّقة به،وفعْل الأسباب المأذون فيها شرعًا.
فَثِقُوا بِاللَّهِ فِي كُلِّ أُمُورِ حَيَاتِكِمُ،فَهُو كَافِيكُمْ وَحَامِيكُمْ،فَكَفَى بِهِ حَسِيبًا، وَكَفَى بِهِ وَكِيلًا،وَكَفَى بِهِ ظَهِيرًا وَنَصِيرًا.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
عِبَادَ اللَّهِ: إن كفاية الله تعالى للعباد لا يحدها حاد،ولا يمنعها مانع، رآها المسلمون رأيَ العين في مواطن كثيرة:
رأَوْها يوم الأحزاب،حين اجتمعت القبائل لاستئصال شأفة المسلمين،وبعد أن نفِدَت أسباب الأرض تدخلت أسباب السماء؛ فاندحر الكفار خزايا،ولم يمكِّنْهم الله تعالى من رقاب المؤمنين،ولم يجعَلْ لهم على المؤمنين سبيلًا؛قال تعالى:﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴾.
ورآها رسول الله لما أبطَأت قريش بالإسلام،قال:"اللهم اكفِنيهم بسبعٍ كسبعِ يوسفَ"،فأصابتهم سنةٌ حصَّت كل شيءٍ،حتى أكلوا العظام،حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدُّخَان،قال الله:﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾قال الله:﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ﴾أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟وقد مضى الدُّخَان، ومضت البَطْشة))؛(رواه البخاري).
قَالَ عون بن عبدالله:” كَانَ أَهْلُ الْخَيْرِ إِذَا الْتَقَوْا يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِثَلَاثٍ، وَإِذَا غَابُوا كَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِثَلَاثٍ كَلِمَاتٍ:"مَنْ عَمِلَ لِآخَرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ دُنْيَاهُ،وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ النَّاسَ،وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ.
فاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الرَّجَاء،ُوَهُوَ كَافِينَا مِنْ كُلِّ شَرّ،ٍفَنَسْأَلُهُ أَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ كُلِّ مَنْ بِهِ شَرٌّ،وَيحفَظَنَا بحِفْظِه،وَيَكْلأنَا بعِنَايَتِه.ثم صلوا،