كيف تحقق السعادة؟
حسن الحربي
الحمد لله الذي خلق الكائنات، وتفضل علينا بجوده والرحمات، والذي أرسل رسوله بالهدى والبينات، وعضده لمن أنكره بالمعجزات، أنزل التوراة والإنجيل والزبور، وأتمها بالآيات علام الخفيات، قاضي الحاجات لَا يَعْزُبُ عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماوات ، مجيب الدعوات ، فالق الإصباح، ومبدد الظلمات، والنظر إلى وجهه الكريم نهاية الغايات، يسمع دبيب النمل وخافي الهمسات، لا تختلط عليه اللغات، يسمع ضجيج الأصوات على إختلاف اللهجات وتعدد العبارات على تفنن الحاجات، أحمده سبحانه على أفضاله المباركات، وخيراته الكثيرات وأصلي وأسلم على إمام الدعاة، وسيد السادات وعلى آله وأصحابه البررة الثقات ،،،
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
تشرق الشمس، فنمشي في دروب الحياة بحثًا عن السعادة في أعمالنا، ونقصدها في حلنا وترحالنا ، نخطب ودّها، لنذوق حلاوتها، وننعم بقربها.
تتعد الطموحات، وتختلف الاتجاهات لتحقيقها. لكن السعادةَ عزيزةُ المنال، وآرفة الظلال، عذبةُ كالزلازل، لا تشترى بالمال، فهي منحة وهبة من ذي الجلال.
فليس كل من تراه سعيدا، حتى وإن ظهرت عليه مظاهر الرفاهية والثراء.
وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ وَلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ وتـــــقوى الله خير الزاد ذخراً، وعنـد الله للأتقى مزيد وليس كل من تراه تعيسا، حتى وإن ظهر بمظهر الفقر والحاجة. فرُبَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره.
قال أحد السلف : ” مساكينُ أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا، وما ذاقوا أطيب ما فيها .قيل : وما أطيبُ ما فيها ؟قال: محبة الله ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، والتنعم بذكره وطاعته.
وحتى نحقق السعادة،، لابد من أمور منها:
أولًا. الإيمانُ بالله، والعملُ الصالح. قال تعالى ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ضمان ربّاني، لمن آمن بالله ربا، فتوكل عليه، وأخلص العمل له، ولجا اليه في جميع حاجاته ورغباته. واعتقد بأنه رازقَهُ ومعينهُ وهاديهِ ومجيبُ دعائه.
ترجم كل ذلك بالعمل الصالح الموافق لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فله الحياة الطبية في الدنيا ، والفوز في الآخرة وكان من اسعد خلق الله قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ، من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهُما، وأنْ يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلَّا للهِ، وأنْ يكرهَ أنْ يعودَ في الكفرِ بعد أنْ أنقذَه اللهُ منه، كما يكرهُ أنْ يُقذَفَ في النَّارِ.
ثانيًا: ومن الأسباب الجالبة للسعادة الشارحة للصدور.
ترك الذنوب والمعاصي، والتوبة منها حين اقترافها فقد امتن الله على نبيه عليه الصلاة والسلام بأن شرح صدره، ووضع عنه وزره، الذي أثقل ظهره، ورفع ذكره.
فالذنوب تثقل كاهلَ الإنسان (ذنوبه تعذبه) فهو يشعر بعدم الراحة والسعادة في الحياة، حتى لو شعر بها فهي مؤقتة.
أن الذنوب لتثقل خطى الانسان عن فعل الطاعات، وتأخره عن المسارعة الى القربات ، وبسببها قد نحرم لذة الخشوع والمناجاة، وقد نؤدي الطاعات أداء تخلص وعادة، لا أداء تقرب وعبادة. فلا نتنج حينها نور الايمان، والبركة في الأعمال.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ” إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق.
وحتى نجد حلاوة الإيمان، لابد من الاعتذار الى الله بعد اقتراف الزلات، ونستغفره ونتوب اليه في كل الحالات.
من ذا الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط
ولا نجعل للشيطان فرصة للانتصار (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا.. )* يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – أن لسعادة العبد ثلاثة مقومات : «إذا أُنعم عليه شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر.
ثالثا: الإكثار من ذكر الله فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدور، وطمأنينة القلوب، وزوال الهموم والغموم قال تعالى: ” أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ “ومن أعظم الذكر قراءة القران فلابد أن يكون لك منه أوفر الحظ والنصيب في يومك وليلتك. (طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى).
(يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ ﴿٥٧﴾ قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ)
رابعا: النظر في أمور الدنيا إلى من هو أسفل منك كما قال عليه الصلاة والسلام: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ, وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ, فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ).
فبهذه النظرة الإيجابية يرى ذلك القنوع أنه يفوقُ كثيرًا من الخلق في الرزق والعافية فيزول قلقه وهمُه وغمُه، ويزدادَ سرورُه، واغتباطُه بنعم الله عليه).
وإن من اسباب التعاسة ! تململِ النعم يقول عمرو بن العاص: “لا أملُّ ثوبي ما وسعني، ولا أملّ زوجتي ما أحسنت عشرتي، ولا أملّ دابتي ما حملتني، إن الملالَ من سيءِ الأخلاق”.
فقد تجد من يزدري نفسه، أو وظيفته، أو بيته، أو سيارة أو بلاده، لأن غيره افضل منه وينسى أن الله فضله على كثيرٍ من خلقه بل كثير من البشر يتمنون نصف ما تملك.
وكما يقال اليوم : بأنّ أكثر من نصف سكان العالم مهدّدون بأن يصبحوا تحت خط الفقر عند انتهاء هذه الجائحة سلمنا الله منها.
خُذِ القَناعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها *** لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ
خامسا: الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل، والصبرُ على اذاهم.
قال عليه الصلاة والسلام ( أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنه جوعًا ،ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ شهرًا"، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه ؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا ، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ)
نسال لنا ولكم السعادة، وأن يهبا لنا من كل خير زيادة، ويجعل النعم علينا عادة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعى ، وسلاما على عباده الذين اصطفى .. أما بعد
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى فتقواه سبحانه من أسباب السعادة قال تعالى: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب)، ( ومن يتق الله يجعل له من امره يسراً )
عباد الله: إنّ الحياة الدنيا دار عبورٍ للوصول إلى دار الخلود، التي لا موت فيها ولا فناء. فالواجب على المسلم أن يعمل ويجتهد في طاعة الله ليحصد ثمار جهده وتعبه في الآخرة،
فالله تعالى خلق الإنسان واستخلفه على الأرض لغايةٍ عظيمةٍ وهدفٍ سامٍ، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
فالغاية من خلق الإنسان تتمثّل في عبادة الله تعالى، وإقامة أوامره واجتناب نواهييه، وقد صرّح الله تعالى بذلك عندما قال لآدم -عليه السّلام- ولإبليس: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)
فالسعيد هو من لا ينسى نصيبه من الدنيا ولا ينسى النصيب الاكبر من الآخرة حيث لا افراط ولا تفريط لأن مكوث الانسان في حياة القبر، ثم الحياة الآخرة اكبر من مكوثه في هذه الحياة القصيرة، فمن الغبن ان نعطي الدنيا اكبر من حجمها، ونحن نشاهد قوافل الموتى تعبر الى الآخرة! ونحن على الدرب سائرون حيث لايبقى على هذه البسيطة إلا وجهك ربك ذو الجلال والاكرام.
لا تَأْسَفَنَّ على الدُّنْيَا وما فِيْهَا *** فَالْمَوْتُ لاَ شَكَّ يُفْنِيْنَا ويُفْنِيْهَا
ومَنْ يَكُنْ هَمُّهُ الدُّنْيَا لِيَجْمَعَهَا *** فَسَوْفَ يَوْمًا على رَغْمٍ يُخَلِّيْهَا
إِعْمَلْ لِدَارِ الْبَقَا رِضْوَانُ خَازِنُهَا *** الْجَارُ أحمَدُ والرَّحْمنُ بَانِيْهَا
أَرْضٌ لَهَا ذَهَبٌ والمِسْكُ طِيْنَتُهَا *** والزَّعْفَرانُ حَشِيْشٌ نَّابِتٌ فِيْهَا
أَنْهَارُهَا لَبَنٌ مَّحْضٌ ومِنْ عَسَلٍ *** والخَمْرُ يَجْرِي رَحِيْقًا في مَجَارِيْهَا
والطَّيْرُ تَجْرِي على الأَغْصَانِ عَاكِفَةً *** تُسَبِّحُ الله جَهْرًا في مَغَانِيْهَا
مَنْ يَشْتَرِي قُبَّةً في العَدْنِ عَالِيةً *** في ظِلِّ طُوْبَى رَفِيْعَاتٍ مَبَانِيْها
دَلاَّلُها المُصْطَفَى والله بَائِعُها *** وجُبْرَئِيْلُ يُنَادِي في نَوَاحِيْهَا
مَنْ يَشْتَرِيْ الدّارَ في الفِرْدَوْسِ *** يَعْمُرَهابِرَكْعَةٍ في ظَلاَمِ اللّيْلِ يُخْفِيْهَا
أَوْ سَدَّ جَوْعَةِ مِسْكِينٍ بِشِبْعَتِهِ *** في يَوْمِ مَسْغَبَةٍ عَمَّ الغَلاَ فِيْهَا
النَّفْسُ تَطْمَعُ في الدُّنْيَا وقَدْ عَلِمَتْ *** أَنْ السَّلاَمَةَ مِنْهَا تَرْكُ مَا فِيْهَا
اللهم فاشرح صدورنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، اللهم أسعد قلوبنا بذكرك وشكرك وحسن عبادتك (اللهم إني نسألك: عيشَ السعداء وموتَ الشهداء والحشرَ مع الأتقياء ومرافقةَ الأنبياء اللهم يالله ازل عنا الوباء، وانزل الشفاء، وارفع البلاء،. وانصرنا على الاعداء انصر جنودنا، واحمي حدودنا، ووفق بالحق امامننا،. وولي أمرنا.
عباد الله: صلوا وسلموا على خير خلق الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، فقد أمركم الله بذلك (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللهم صلّ وسلم وبارك وأنعم على خير خلقك، وأفضل رسلك، سيدنا ونبينا محمد، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. .