كيف تحظى بدعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- (2)

محمد بن إبراهيم النعيم
1438/03/09 - 2016/12/08 10:14AM
خطبة د. محمد بن إبراهيم النعيم-رحمه الله- 7/5/1425هـ

الحمد لله ....

أيها الأخوة في الله:
لقد بعث الله فينا رسولا من أنفسنا حريص علينا بالمؤمنين رؤوف رحيم، هو محمد –صلى الله عليه وسلم- وكان من شفقته –صلى الله عليه وسلم- بأمته أنه كان يكثر الدعاء للناس بالهداية، ويخص صحابته بمزيد من الدعاء في أمور دينهم ودنياهم، وقد حقق الله عز وجل لنبيه ما دعاه لهم رضي الله عنهم، كما حقق الله له ما دعاه بالهداية للكفار، فها هو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يدعو الله أن يعز الإسلام بأحب الرجلين إليه عمر بن الخطاب أو أبو جهل فيعلن عمر بن الخطاب إسلامه ويُعز الإسلام بعمر، ودعا لأنس بن مالك –رضي الله عنه- بطول العمر وكثرة المال والولد فتحقق له جميع ذلك، فعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يدخل علينا أهل البيت فدخل يوما فدعا لنا فقالت أم سليم خويدمك ألا تدعو له؟ قال: " اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له " فدعا لي بثلاث: فدفنت مائة وثلاثة وإن ثمرتي تطعم في السنة مرتين وطالت حياتي حتى استحييت من الناس وأرجو المغفرة" رواه البخاري في الأدب المفرد.

ودعا النبي –صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب –رضي الله عنه- أن يعافى من مرض ألم به فما اشتكى منه حتى مات، فعن علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- قال مرَّ بي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأنا وجع وأنا أقول: اللهم إن كان أجلي قد حضر فأرحني، وإن كان آجلا فارفعني، وإن كان بلاءً فصبرني، قال: ما قلت؟ فأعدت عليه فضربني برجله فقال: ما قلت؟ قال: فأعدت عليه، فقال: "اللهم عافه أو اشفه"، قال: ما اشتكيت ذلك الوجع بعد"
رواه أحمد والترمذي.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان أبو ليلى يسمر مع علي –رضي الله عنه- فكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف فقلنا لو سألته فقال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر قلت: يا رسول الله إني أرمد العين فتفل في عيني ثم قال: " اللهم أذهب عنه الحر والبرد"، قال: فما وجدت حرا ولا بردا بعد يومئذ، رواه البخاري وابن ماجه. والأحاديث في دعائه –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه كثيرة.

ولقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يعتقدون ببركة دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- ويوقنون بإجابة الله لدعائه، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :"اللهم اهد أم أبي هريرة"، فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله –صلى الله عليه وسلم- فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا" رواه مسلم.

هذا بعض ما دعاه المصطفى –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه -رضي الله عنهم-، فماذا للأجيال التي لم تر النبي –صلى الله عليه وسلم- ؟ هل دعا لهم؟ وهل يمكن أن نحظى جميعا بدعائه –صلى الله عليه وسلم- ؟ وقد علمنا أن دعائه مستجاب عند الله -عز وجل-.
إن من فضل الله علينا أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-دعا بدعوات عابرة للزمن والقرون وغير مقيدة بأشخاص، وإنما ربطها –صلى الله عليه وسلم- بأعمال صالحة، فكل من تحلى بهذه الأعمال؛ نال هذه الدعوات المباركات المستجابة بإذن الله تعالى.
فما الأعمال التي يمكن بها أن نحظى على دعاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ؟ أو كيف ندخل في دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- ؟
هناك أعمال عديدة دعا النبي –صلى الله عليه وسلم- لأصحابها، وقد ذكرت واحدا منها في الخطبة الماضية: هو المحافظة على أربع ركعات قبل صلاة العصر حيث دعا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالرحمة لمن فعل ذلك فقال: –صلى الله عليه وسلم- " رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا".
ومن الأعمال الأخرى: رد المظالم وإرجاع حقوق الناس التي عليك.
فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: " رحم الله عبدا كانت له عند أخيه مظلمة في عرض أو مال فجاءه فاستحله قبل أن يؤخذ وليس ثم دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حملوا عليه من سيئاتهم " رواه الترمذي.

إن من رحمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وشفقته بنا، أن دلنا على ما ينجينا من عذاب الله عز وجل وذلك بحثه إلى المبادرة إلى رد المظالم وطلب الاستحلال من أهلها قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، بل ودعا بالرحمة لمن بادر إلى ذلك.
فقال "رحم الله عبدا كانت له عند أخيه مظلمة في عرض أو مال فجاءه فاستحله، قبل أن يؤخذ وليس ثم دينار ولا درهم"، قوله –صلى الله عليه وسلم- "رحم الله": جملة دُعائية بمعنى الطلب، جاءت بصيغة الماضي الذي يدل على تحقق القبول ترغيبا في هذا العمل.
فينبغي عليك محاسبة نفسك يا عبد الله، والمبادرة إلى رد مظالم العباد إن كان عليك شيء منها، قبل أن ينقضي أجلك وأنت لا تدري، لتنال بركة دعاء الرسول –صلى الله عليه وسلم-، فتفوز بخيري الدنيا والآخرة، ومن لم يفعل ذلك كان من المفلسين يوم القيامة، إذ روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال" أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم.

كم من صاحب مؤسسة أو شركة استغنى من أموال لا تحل له، فتراه يتاجر برواتب عماله المغلوب على أمرهم ويؤخرها الشهور العديدة، وكم من إنسان أكل أموال الناس بالمماطلة وعدم سداد الديون التي عليه، أو بالتوقيع على شيكات دون رصيد، وما علم هؤلاء ما رواه البيهقي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: من مات وعليه دينارٌ أو درهم قضي من حسناته، ليس ثم دينار ولا درهم".

فليتق الله كل مسلم ربه، ولا يأكل أموالا لا تحل له، وليحذر بخس الناس حقوقهم، فإن الحساب غدا عسير والناقد بصير.
وعندما علم الصحابة -رضي الله عنهم- أن الحقوق ستؤدى إلى أهلها يوم القيامة؛ حتى الشاة الجماء سيقتص لها من الشاة القرناء التي نطحتها؛ بلغ خوف أحدهم أن أعتق كل عبيده الذين أساءوا طاعته ولم ينصحوا له، خشية معاملتهم بالمثل فيظلمهم، فيكون من المفلسين يوم القيامة.
روت عائشة -رضي الله عنها-: أن رجلا قعد بين يدي النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأشتمهم وأضربهم فكيف أنا منهم؟
قال: "يُحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل"، قال: فتنحى الرجل فجعل يبكي ويهتف، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "أما تقرأ كتاب الله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين؟" فقال الرجل: والله يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء شيئا خيرا من مفارقتهم، أشهدكم أنهم أحرار كلهم" رواه الإمام أحمد والترمذي.

إن من الناس من يحتج بحديث " إن المفلس من أمتي" سابق الذكر بأهمية أداء حقوق الناس ويغلبها على حقوق الله عز وجل، فإذا نصحوا بأداء الواجبات وترك المنهيات، قالوا أهم شيء أن لا تظلم أحدا ولا تبخسه حقوقه، -وهي كلمة حق أرادوا بها باطلا وتهربا من أداء حقوق الله عز وجل- وما علم هؤلاء المقصرون أن الذي يلقى الله عز وجل وهو محسن إلى الناس ومؤد حقوقهم، ولكنه مقصر في حقوق الله فيضيع الصلاة ويفرط في الزكاة، فهو أشد من أولئك المفاليس الذين ذكروا في الحديث، لأن هذه الكبائر كفيلة بأن تردي صاحبها في النار عند مروره على الصراط، إذ ليس فيها قصاص مع أحد من البشر، لأن القصاص بالحسنات لا يكون إلا بعد اجتياز الصراط، فينبغي للمسلم أن يعمل بأوامر الإسلام جميعها ولا يأخذ جانب ويترك آخر، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله على عباده محرما، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد، أرسله ربه ليتمم به مكارم الأخلاق ويخرج العباد من جور الأديان إلى عدل الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واتقوا ظلم العباد، ولا تنظر أخي المسلم إلى قوتك اليوم على عمالك أو على موظفيك أو غيرهم ممن تتعامل معهم، فتأكل حقوقهم وتظلمهم، ولكن انظر إلى ضعفك وهوانك أمام الله -جلا وعلا- يوم القيامة الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الذي سيُنطق جوارحك بما اقترفت، ويختم على لسانك، لذلك خذ بوصية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- التي رواها لنا أبو هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من كانت لأخيه مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم، قبل أن يؤخذ منه، يومَ لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمل، أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه" رواه البخاري. فمن فعل ذلك فقد تحلل مما وجب عليه ونال فوق ذلك دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- له بالرحمة،
أيها الأخوة الكرام:
لا تزال هناك أعمال دعا النبي –صلى الله عليه وسلم- لأصحابها لعلنا نذكرها في خطب قادمة إن شاء الله، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن لا يحرمنا من دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- وأن لا يحرمنا أجره ولا يفتنا بعده، وأن يحشرنا في زمرته، اللهم اهدنا لليسرى وجنبنا العسرى، اللهم لا تجعلنا من المفاليس يوم القيامة، اللهم ارفع الظلم عن عبادك المسلمين في كل مكان، اللهم قنا شر أنفسنا وبصرنا بعيوبنا، اللهم ارفع عن أمتنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم انصرنا على أعدائنا وانصرنا على أهوائنا، اللهم أشهدنا عز الإسلام وذل الكافرين، اللهم دمر أعداء الدين.... اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين....


المشاهدات 1052 | التعليقات 0