كيف تحذر غضب الله؟ (5) الجدال في الباطل-التعاظم في المشي
محمد بن إبراهيم النعيم
لقد أخبرنا رسولنا عن أعمال وأقوال تغضب الله عز وجل وتسخطه ويحذرنا من الوقوع فيها، فمتى ما حل على العبد غضب الله فقد هوى، قال تعالى:)َومَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى(.
أيها الإخوة في الله
كنت قد ذكرت في خطب سابقة عن بعض الأعمال التي تغضب الله عز وجل، ولا يزال هناك العديد من تلك الأقوال والأفعال التي تغضب الله عز وجل والتي منها: الجدال في الباطل والدفاع عنه، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: (ومن خاصم في باطل وهو يعلمه؛ لم يزل في سخط الله حتى ينزع) رواه أبو داود، أي من جادل أحدا على أمر أو في قضية وهو موقن أنه مخطئ فيها، وخصمه على الحق، واستمر في الجدال، وأصر على رأيه لم يزل في سخط الله تعالى، لذلك أعد الإمام الذهبي هذا العمل أحد كبائر الذنوب ودونه في كتابه الكبائر.
و لو يعلم المتخاصمون في المحاكم خطر هذا الحديث لارتاح القضاة وارتاح الخصوم، فبعض الناس لا يقبل النقاش ويرى رأيه هو الصواب دائما ورأي غيره هو الخطأ دائما، وهو يعلم في قرارة نفسه خطأ رأيه، فلا شك أن هذا على خطر عظيم.
لقد حث الإسلام أتباعه على عدم الإصرار على الرأي؛ إذا علم الفرد خطأ رأيه وصواب رأي المقابل له، وهذا ما يقع كثيرا بين الأزواج، فترى الزوج يصر على رأيه وهو يعلم أن الصواب في خلافه، ولكنه لا يريد التنازل لرأي زوجته أو أولاده، كبرا وتماديا في الرأي، وكذلك يفعل بعض المدراء والمسئولين مع مرؤوسيهم، مع علم هؤلاء جميعا أن الاعتراف بالحق فضيلة.
لقد أمرنا المصطفى بالتراجع عن آرائنا إذا علمنا أننا جانبنا الصواب، وأن لا نتمادى فيها ولو كنا قد حلفنا على ذلك، حيث أمرنا بالتكفير عن اليمين وإتيان الذي هو خير، جاء ذلك صريحا عن أبي هريرة حيث قال: أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -أي تأخر جلوسه عند النبي حتى المساء- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا، فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ، فَحَلَفَ لا يَأْكُلُ مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) رواه مسلم.
فالمطلوب من المسلم أن لا يصر على رأيه إذا علم أن رأيه غير صحيح، ورأي غيره هو الأصوب.
ومن صور ذلك أيضا ما نسمعه من بعض الناس الذين يكتبون في الصحف، يدافعون عن فكرة قد لا تكون مشروعه ويعلمون مفاسدها وخطرها على المجتمع، ولكنهم يصرون عليها ويحاولون البحث عن أي مبررات ومزايا لها لأغراض في نفوسهم، كالذين يدعون ليل نهار إلى الاختلاط في العمل والدراسة ويحاولون تبرير آرائهم اقتصاديا وهم يعلمون يقينا الأضرار الدينية والاجتماعية والأخلاقية التي ستحل بالمجتمع إذا وقع ذلك، ولا يعتبرون بما وقعت فيه كثير من الدول العربية والإسلامية من مآس اجتماعية وأخلاقية، فالحذر كل الحذر من الجدال أو الدفاع عن الباطل وأنت تعلم حرمته، وأن ذلك يدخل صاحبه في غضب الله عز وجل وقد قال (ومن خاصم في باطل وهو يعلمه؛ لم يزل في سخط الله حتى ينزع).
فالحذر كل الحذر من غضب الله عز وجل، ومن كل عمل يودي بصاحبه إلى غضب الله؛ لأن الله تعالى قال )َومَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى(، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واحذروا غضب الله عز وجل، ويكون ذلك باتقاء كل الأعمال التي تسخط الله عز وجل وهي كثيرة، وها نحن نستعرض بعضها بين فينة وأخرى.
فمن هذه الأعمال التي تسخط الله عز وجل: الكبر والخيلاء.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: (مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ، أَوْ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) رواه أحمد والطبراني. فمعنى (مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ، أَوْ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ) أي تكبر وتبختر وأعجب بنفسه، لقي الله وهو عليه غضبان، ومن التكبر الترفع في المجالس والإصرار على التقدم والبروز، والغضب إذا لم يُبدأ بالسلام أو القيام له، وجحد الحق إذا ناظر أحدا، والنظر إلى العامة كأنه ينظر إلى البهائم وغير ذلك.
ومن أكثر الأشياء التي تؤدي بصاحبها إلى الاختيال في المشي إطالة الثياب، فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلاءِ، خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، ولذلك حذر النبي من إطالة الثياب، حيث روى أبو هريرة عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: (مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الإِزَارِ فَفِي النَّارِ) رواه البخاري. وعندما سمع النساء مثل هذا الحديث ظنن أنهن معنيات في الخطاب، فماذا قلن للنبي ؟
روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قَالَ: (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: (يُرْخِينَ شِبْرًا)، فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ، قَالَ: (فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْهِ) رواه الترمذي.
فتأملوا كيف أن النبي أمر النساء بإطالة ثيابهن حتى لا تنكشف أقدامهن، وأمر الرجال بتقصير ثيابهم، وانظروا كيف انقلبت الموازين عند كثير من الناس، فبات النساء هن اللاتي يقصرن ملابسهن باسم الموضة والرجال أصبحوا يطيلون ثيابهم.
وتأملوا أيضا كيف أن نساء الصحابة كن يخشين أن تنكشف أقدامهن، فطالبن النبي بإطالة ثيابهن، واليوم خرج من خرج يطالب أن تخلع المرأة حجابها.
فلنتق الله تعالى حق التقوى، ولنجتنب غضب الله عز وجل كي نسعد في الدنيا والآخرة. ولولا خشية الإطالة لعرضت لكم مزيدا من الأعمال التي توقع في سخط الله عز وجل نسأل الله عز وجل أن يعيننا على كشفها في خطب قادمة إن شاء الله.
اللهم أعزنا بالإسلام، وأعزز الإسلام بنا.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا واغفر لنا ما مضى من ذنوبنا وارزقنا عملاً زاكياً ترضى به عنا، وخذ إلى الخير نواصينا، واختم لنا بخير، واجعل عواقب أمورنا إلى خير، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وآمنا في بلادنا، وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان واشف مرضانا وارحم موتانا وعليك بمن عادانا وبلغنا بما يرضيك آمالنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا أنت. اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. ....., ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.