كيفَ أتلَذَّذُ بصيَامِي وتَرَاوِيحي؟
راشد بن عبد الرحمن البداح
5 رمضان 1440هـ. الحمدُ للهِ المبتدئِ بحمدِ نفسِه قبل أن يَحمدَه حامد، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، المتكلمُ بالقرآن، والخالقُ للإنسان، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، المبعوثُ بالهدى والفرقان، فصلى اللهُ وسلم عليه ما اختلف الملَوَان، وعلى آلهِ وصحبِه والتابعين لهم بإحسان، أما بعد: فاتقوا ربَّكم؛ فتقواه خيرُ ما اخترتُم وادخرتُم.
سؤالٌ مهمٌ ومؤرقٌ: أصومُ وأصلي التراويحَ كلَّ يوم، لكني لا أجدُ لهما لذة!! فكيف أتلذذُ بصيامي وتراويحي؟!
فيقال: أما الصومُ فيتحصَّل فيه الالتذاذُ أن تَشعر بصدق أن الصومَ لله. كما قال تعالى في الحديث القدسي: "الصومُ لي وأنا أجزيْ به" وقال: "تَرَكَ طعامَه وشهوتَه من أجلي". فبينما هو يتلوَّى من جوعِ البطن، إذ به يُطأطئُ منكسرًا، خائفًا ألاّ يقبلَ الله منه، فيُفيضُ عليه من جميلِ لطفهِ وإنعامهِ، وينقلبُ الألم حلاوةً غامرة، ولذةً عامرة؛ لتتمَّ فرحتُه التي أخبر عنها النبي: وفرحَةٍ عند لقاء ربه.
فيا أيها الطالب لذتَه في صومه: لا تَغفلْ عن ديوانِ العتقاءِ والمقبولين الذي يفتحه الرب جل وعلا في هذا الشهر، ولا تنسَ المردودين الذين حظُّهم الجوع والسهر، ولْتعصرِْ عينيك لتَفيضَ بالدمع حُزنًا، وندمًا، وشوقًا. بل حتى اقشعرارُ جِلدكَ عظيمٌ أجرُه عند ربك. وفي حديثٍ صححه ابن حجر: إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَرَقُهَا. وبنظرةٍ عابرةٍ إلى جمهور التائبين تجدُ بداياتِهم كانت بعبراتٍ هاطلةٍ في سكون ليلةٍ ذات نفحاتٍ من ليالي رمضان( ).
أما كيف أحصل لذة الصلاة في الفرض والتراويح:
فإن أهلَ العلم يقولون: (قِفْ بصفةِ الحياءِ من الله، بأن تَشهَدَ أن المِنة لله سبحانه كونَه أقامَك في هذا المقام يومَ حُرم آخرون:
واللهِ لولا اللهِ ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
قال الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
وإذا عِشتَ هذا الشعورَ فإنه يَحولُ بين قلبك وبين العُجب والمَنِّ بالعمل، بل يجعلُنا نُكثرُ الحمدَ إلى وليِّنا ومُولينا، وحينها يثمرُ لنا من المحبة، والأنسِ بالله، والشوقِ إلى لقائه، والتنعمِ بذكره وطاعتِه، ما لا نسبةَ بينه وبين أعلى نعيم الدنيا.
ثم هل نستشعرُ أن عبادَتنا لربنا مطلوبةٌ منا؛ لأننا عبيدُه، فإذا أثابنا على عملنا كان ذلك مجردَ فضلٍ ومنةٍ وإحسانٍ منه، لا يجبُ ذلك على الله.
وتأملْ هذا القولَ العجيبَ العميقَ عن أنسِ بنِ مالك – وهو ثابتٌ كما قال ابن القيم -. قال رضي الله عنه: يُخرَجُ للعبدِ يومَ القيامةِ ثلاثةُ دواوين؛ ديوانٌ فيه حسناتُه، وديوانٌ فيه سيئاته، وديوانُ النعمِ التي أنعمَ اللهُ عليه بها. فيقول الربُّ تعالى لنعمِه: خذي حقَّكِ من حسناتِ عبدي. فيقومُ أصغرُها، فتَستنفِدُ حسناتِه، ثم تقول: وعزتِكَ ما استوفيتُ حقيْ بعدُ. فإذا أراد اللهُ أن يرحمَ عبدَه وهبَه نعمَه عليه، وغَفر له سيئاتِه، وضاعَف له حسناتِه) ( ).
وسؤال ثالثٌ: كيف أُحصِّل لذةَ التلاوة وقراءةِ القرآن؟:
فيقال: بفهمِ عظمةِ هذا الكلام وعزتِه، وعظمةِ المتكلِّم به -سبحانه- ولطفِه بخلقه في إنزاله ما يَهدينا ويرحمنا. بأن يَشهدَ بقلبِه كأن اللهَ يراه، ويخاطبُه بإنعامِه وإحسانِه، ويزجرُه بمواعظِ كلامِه ويحذِّرُه نفسَه.
وسؤال رابع : كيف أذوقُ حلاوةَ الذكرِ والدعاءِ، ولذةَ المناجاة؟!
فيقال: استشعِرْ واستحضِرْ معنى حديثِ: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي، وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ( ). وحينَها ستجدُ لذةَ عند مناجاةِ ربِّك، وأنسًا به، وقُربًا منه، حتى تصيرَ كأنك تخاطبُه؛ تعتذرُ إليه تارة، وتتملقُه تارة، وتثنيْ عليه تارة، فتزدادُ لهجًا بالدعاء؛ تذللاً لله الغنيِ الكريمِ سبحانه.
_____________2___________
فقد بقيَ سؤالانِ عظيمانِ خطيرانِ:
هل اشتقتَ للقاءِ اللهِ؟ هل تسألُ ربَّك كثيرًا بأن ترى وجهَه في الآخرة؟
ألا فلتعلمْ أنه من دعاء نبيك في صلاته: وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ. رواه النسائيُّ بسندٍ صحيح( ).
ألا فلتحدِّث نفسَك قائلاً: هل سأنالُ شرفَ رؤيةِ ربي؟ وهل سأكونُ ممن قال عنهم حبيبُنا : إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ . رواه مسلم.
وإذا أردتَ أن تُشعِل في نفسِك جذوةَ هذا الشوقِ إلى ربِّك ومولاك، فعليك بمطالعةِ أسمائِه الحسنى وصفاتِه العلى، من خلالِ قراءة القرآن، وسماعِه في التراويحِ وغيرِها؛ لتتحركَ كوامنُ التعظيمِ والعلمِ بالله، ويأتي عندئذٍ المددُ الطيب.
• فاللهم إن الصلاةَ والصومَ والذكرَ لك وحدَك. وكلُّنا وما ملكْنا ملكُك لا شريكَ لك.
• اللهم تقبلْ بفضلِك صومَنا بل ونومَنا، وصلواتِنا وصدقاتِنا وسائرَ ما قدمنا لأنفسنا من خير. فأنت –سبحانك– الذي أعنتنا عليها، ثم تجزينا عليها الجزاءَ الأوفى فضلاً منك ورحمة.
• اللهم وفي هذه الأيام المباركة ارزق الأمةَ الإسلاميةَ عزةً وكرامةً، ونصرًا وتمكينًا.
• اللهم واكفنا كيد من كاد بنا. واحفظ أمننا وإيماننا وأعراضنا وحرماتنا ومجاهدينا ومرابطينا، وشبابَنا وبناتِنا وثوابتَنا، ودينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، ودنيانا وأخرانا.
• اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين، ووليَ عهده لما فيه عزُّ الإسلام وصلاح المسلمين.
المرفقات
أتلذذ-بصيامي-وتراويحي؟
أتلذذ-بصيامي-وتراويحي؟
أتلذذ-بصيامي-وتراويحي
أتلذذ-بصيامي-وتراويحي