كونوا مع الصادقين(1)-10-2-1438هـ-منصور الصقعوب-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1438/02/10 - 2016/11/10 20:17PM
[align=justify]
أما بعدُ: فيُروى أن َّالعالمَ سليمانَ بنَ يسارٍ دخلَ على أحدِ الخلفاءِ، فقالَ الخليفةُ: يا سليمانُ، من الذي تولى كِبْرَ الإفكِ؟-والإفكُ البهتانُ والكذبُ العظيمُ، وهو رميُ أُمِّنا عائشةُ-رضيَ اللهُ عنـها-بالفاحشةِ والزنا-، فقالَ سليمانُ: هو عبدُ الله ِبنُ أبيِ ابنُ سلولٍ. فقالَ: كذبتَ، هو عليُ بنُ أبي طالبٍ, فسكتَ سليمانُ حياءً أو خوفًا.
ثمَّ دخلَ بعدَهُ محمدُ بنُ شهابٍ الزُهريُ أحدُ العلماءِ الكبارِ، فسألَه الخليفةُ السؤالَ نفسَهُ فقال الزُهريُ: هو عبدُ اللهِ بنُ أبيِ ابنُ سلولٍ, قالَ: كذبتَ، هو عليُ بنُ أبي طالبٍ, فانتفضَ الزُهريُ وتغيرَّ لونُهُ وقالَ: أنا أكذبُ لا أبا لكَ! فو اللهِ الذي لا إلهَ غيرُه لو نادى مُنادٍ منَ السماءِ: إنَّ اللهَ أحلَّ الكذبَ ما كذبتُ، فما زالَ الخليفةُ يُجِلُّهُ-يُعَظِّمُهُ ويحترمه-بعدَ ذلك الكلامِ.
الصدقُ، ما أحسنَهُ مِنْ خَصلةٍ!, وما أروعَهُ مِنْ خُلُقٍ!, مَنْ تَحَلَّى به نجى, ومن اتصفَ بخلافِهِ هَلَكَ, بالصدقِ تميزَ المؤمنونَ عنِ المنافقينَ, مَنْ صالَ به لم تُرَدَّ صولتُهُ، ومَنْ نطقَ به علتْ كلمتُهُ، هو روحُ الأعمالِ، ومحكُّ الأحوالِ, وأساسُ الحسناتِ وأصلُها، والكذبُ أساسُ السيئاتِ وأصلُها, الصادقُ ما يزالُ به صدقُهُ حتى يوصلَه إلى الجنةِ, والكاذبُ ما يزالُ به كذبُهُ حتى يهديَهُ إلى النارِ.
لا يستوي امرؤٌ كاذبٌ في أقوالِهِ وأفعالِه؛ حديثُهُ كذبٌ، ووعدُهُ إخلافٌ، وأمانتُهُ خيانةٌ، وعهدُهُ غَدْرٌ، وخِصامُهُ فُجْرٌ، مبغوضٌ من اللهِ-تعالى-وخلقِهِ.
وآخرُ موفقٌ كريمٌ, وصالحٌ نبيلٌ, لا يَعرفُ الكذبُ لأقوالِهِ وأفعالِهِ طريقًا, يَصدُقُ وإنْ علمَ أنَّ في الصِدقِ هلاكه وموته في الدنيا, لأنَّ فيه نجاتَه وفوزَه عندَ ربِه في الآخرةِ, فمثلُ هذا كمْ له منَ الحسناتِ؟!, وكمْ سينالُ من الكراماتِ؟!.
بالصدقِ يَنالُ المسلمُ الجناتِ, ويُهدى للبرِ والخيراتِ, قالَ-عليهِ وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-: "عليكم بالصدقِ، فإنَّ الصّدقَ يهدي إلى البِرَّ، وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنّةِ، وإنَّ الرّجلَ ليصدقَ حتى يُكتَبَ عندَ اللهِ صدّيقًا، وإنَّ الكذبَ يهدي إلى الفُجورِ، وإنَّ الفُجورَ يهدي إلى النّارِ، وإنَّ الرّجلَ ليَكْذِبَ حتّى يُكتَبَ عندَ اللهِ كذّابا".
في الصدقِ طُمأنينةُ البالِ، وراحةُ النفسِ, قالَ-عليهِ وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-: "إنّ الصّدقَ طُمأنينةٌ، والكذبَ ريبةٌ".
بالصدقِ يحلُّ رضوانُ اللهِ على الصادقِ، [قَالَ اللهُ هَذَا يَوْم يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ].
بالصدقِ يُباركُ اللهُ البيعَ والمالَ، قالَ-عليهِ وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-:"فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".
أنتَ بالصدقِ من أفضلِ الناسِ, سُئِلَ نبيُّنا-عليهِ وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-: "أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ-طاهرِ القلبِ-صَدُوقِ اللِّسَانِ".
إذا كُنتَ صادقًا فلا يضيرُكَ ما فاتَكَ من الدنيا, قالَ-عليهِ وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-: "أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليكَ ما فاتكَ منَ الدّنيا: حِفْظُ أمانةٍ، وصِدْقُ حديثٍ، وحُسْنُ خَليقَةٍ، وعِفَّةٌ في طُعمةٍ".
الخطبة الثانية
أما بعدُ: فلأجلِ فضلِ الصدقِ وثوابِهِ وعظمتهِ ضربَ الصالحونَ المثلَ في الصِدقِ للخَلقِ, تُجَلِّيهِ مواقفُهُم، وتُتَرْجِمُهُ كلماتُهُم.
لما تَخَلَّفُ كعبُ بنُ مالكٍ-رضيَ اللهُ عنهُ-عن غزوةِ تبوكَ، ورجعَ النبيُ-عليهِ وآلهِ الصلاةُ والسلامُ-منَها جاءَ كعبٌ إليه, فسـألَه: "يا كعبُ ما الذي خَلَّفَكَ, فقالَ: يا رسولَ اللهِ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إِنِّى لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ"، فقالَ: أمَّا هذا فقدْ صدقَ"، وبصدقِهِ أنجاهُ اللهُ وتابَ عليهِ.
قالَ أحدُ السلفِ-رحمَهم اللهُ-: "ما يسرُني أني كذبتُ كِذبةً، وأنَّ لي الدنيا وما فيها", وقالَ آخرُ: "واللهِ ما كذبتُ كِذبةً قطُ منذُ بلغتُ".
وأوصى أحدُهم بنيهِ-عندَ موتِهِ-قائلًا: "يا بَنِيَّ عليكم بالصدقِ حتى لو قَتلَ أحدُكم قتيلًا ثم سُئِل عنه أقرَّ بِهِ, واللهِ ما كذبت ُكِذبةً منذُ قرأتُ القرآنَ".
وقالَ عمرُ بنُ الخطابِ-رضيَ اللهُ عنهُ-: "عليك بالصّدقِ حيثُ تخافُ أنَّهُ يضرُّكَ، فإنَّهُ ينفعُكَ، ودعِ الكذبَ حيثُ ترى أنَّهُ ينفعُك فإنَّهُ يضرُّ بك"، وقالَ: "لا تنظروا إلى صيامِ أحدٍ ولا صلاتِهِ، ولكنِ انظُروا إلى صدقِ حديثِهِ إذا حَدَّثَ، وأمانتِهِ إذا اِئْتُمِنَ..."
وإذا الأمورُ تَفاضلتْ*فالصدقُ أكرمُها نِتَاجَا
الصدقُ يَعْقِدُ فوقَ رأسِ*حليفِهِ بالصدقِ تاجَا
والصدقُ يقدحُ زَندُهُ*في كلِّ ناحيةٍ سِراجَا
وقيلَ للقمانَ الحكيمِ: "ما بلغَ بك ما نرىَ"-يعني ما الذي أوصلكَ إلى هذه المكانةِ العاليةِ-؟ قال: "صدقُ الحديثِ، وأداءُ الأمانةِ، وتركي مالا يَعنيني".
وأما رِبْعِيُ بنُ حِراشٍ فإنَّه لم يكذبْ منذُ علمَ الكذبَ حرامًا, ولما طلبَ الحجاجُ ولديْ رِبْعِيٍ ليُعاقِبَهما أو يَقْتُلَهما اختبئا, فقيلَ للحجاجِ: إنَّ ربعيًا لم يكذبْ، فسلْهُ عن ابنيهِ, فدعاه، وقالَ له ما فعل ابناكَ يا رِبْعِيُ؟ فصدقَهُ القولَ وقالَ: هما في البيتِ مختبئينِ, فقالَ الحجاجُ: وهبْناكَهُما لصدقِك، وعفى عن ابنيهِ".
فرحمَ اللهُ أولئكَ القومَ, صدقتْ ألسنتُهم, وأَعدوا لكلماتِهم عندَ ربِهم جوابًا, قالَ ابنُ دقيقِ: "ما تكلمتُ كلمةً، ولا فعلتُ فِعلًا إلا وأعددت له جوابًا بينَ يديِ اللهِ-عزَّ وجلَّ-".
[/align]
المرفقات

كونوا مع الصادقين(1)-10-2-1438هـ-منصور الصقعوب-الملتقى-بتصرف.pdf

كونوا مع الصادقين(1)-10-2-1438هـ-منصور الصقعوب-الملتقى-بتصرف.pdf

كونوا مع الصادقين(1)-10-2-1438هـ-منصور الصقعوب-الملتقى-بتصرف.docx

كونوا مع الصادقين(1)-10-2-1438هـ-منصور الصقعوب-الملتقى-بتصرف.docx

المشاهدات 1780 | التعليقات 3

https://drive.google.com/file/d/0Bxr5qjchmeJzRjMzT3llSDgxZHc/view?usp=sharing


الله يجزاك خير يا شيخ محمد على التشكيل والتعديل
وجزا الله الشيخ منصور على هذه الخطبة الرائعة .


رابط الخطبة صوتيا

https://drive.google.com/file/d/0Bxr5qjchmeJzRjMzT3llSDgxZHc/view?usp=sharing