كونه ... وكونه ...
عبدالله البصري
فيقولون مثلا :
• صرح بذلك الوزير كونَه المسؤول الأول في الوزارة .
• لا يستطيع قبول طلبه إلا مدير الفرع كونَه صاحب الصلاحية .
ونحو ذلك .
وقد أشار النحويون إلى أن من شروط نصب المصدر مفعولاً لأجله أن يكون قَلبِيًّا ؛ كالرغبة والرهبة ونحوها .
فلا يجوز مثلاً أن يقال : جلست قراءةً للكتاب . بمعنى : ( من أجل قراءة الكتاب )
وأوجبوا حينئذ أن يُجَرَّ المصدرُ باللام التي تفيد التَّعليل ، فيقال : جلست لِقِرَاءَةِ الكِتَابِ .
ومن هنا فإن الصواب أن يقال للصحفيين ومن سار سيرهم : يجب أن تجروا المصدر ( كونه ) باللام ؛ لأنه مصدر غير قلبي ، فتقولوا :
• صرح بذلك الوزير لكونه المسؤول الأول .
• لا يستطيع قبول طلبه إلا مدير الفرع لكونه صاحب الصلاحية .
وأدام الله الفصاحة وأهلها .
المشاهدات 5135 | التعليقات 11
أحسنت وبارك الله فيك .
وما أحسن أن يعتني الخطيب بلغته ، فمن العيب أن يلحن الخطيب .
حالة كونه -بالكسر- الوزير أي بصفته الوزارية
استعمال مصدر كان وهو كوْن
هل يجوز أم لا ؟
الجواب أنه جائز , فـ ( كان ) من الأفعال التي يستعمل مصدرها , ويعمل عملها .
قال الأشموني : وهي - أي كان وأخواتها - في ذلك - أي في التصرُّف وعدمه - على ثلاثة أقسام : قسم لا يتصرَّف بحال وهو( ليس) باتفاق ( ودام )على الصحيح، وقسم يتصرف تصرفاً ناقصاً وهو زال وأخواتها، فإنه لا يستعمل منها الأمر ولا المصدر، وقسم يتصرف تصرفاً تاماً وهو باقيها فالمضارع نحو: {ولم أك بغيا} (مريم: 20)، والأمر نحو: {قل كونوا حجارة أو حديداً} (الإسراء: 50)، والمصدر كقوله:
واسم الفاعل كقوله:
وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي الْبَشَاشَةَ كَائِناً *أَخَاكَ إذَا لَمْ تُلْفِهِ لَكَ مُنجِدَا
كتاب سيبويه ج1/ص233
خِيفَ منه أمرٌ أو شئٌ وقد قيل فى ذلك خَيْرٌ أو شَرٌّ
ومثل هذا فى المعنى كان منه كَوْنٌ أى كان من ذلك أمرٌ
فقد وضح بذلك فرق ما بين حالى المبتدأ والفاعل في وصف تعليل ارتفاعهما وانهما وإن اشتركا في كون كل واحد منهما مسندا إليه فإن هناك فرقا من حيث أرينا
كون الشىء فضلة لا يدل على أنه لا بد من أن يكون مفعولا به
وعن الفراء إنكار كون ييأس بمعنى يعلم .
شرح قطر الندى ج1/ص67
فأما النصب فشرطه كون الفعل مستقبلا بالنسبة إلى ما قبلها سواء كان مستقبلا بالنسبة إلى زمن التكلم أولا.
شرح قطر الندى ج1/ص98
وجب كون الثاني تابعا للأول في إعرابه.
مختار الصحاح ج1/ص53
و الحدوث بالضم كون الشيء بعد أن لم يكن وبابه دخل
لسان العرب / كون
كون الكون الحدث وقد كان كونا و كينونة عن اللحياني وكراع و الكينونة في مصدر كان يكون أحسن
اللامات ج1/ص139
إذا أردنا تكوين شيء تكون ليدل على تيسير كون الأشياء عليه وهذا مشهور في اللغة معروف
مغني اللبيب ج1/ص806
إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلا والباقي فاعلا وكونه مبتدأ والباقي خبرا فالثاني أولى
لأن المبتدأ عين الخبر
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب ج1/ص107
قال الدماميني وتبعه الشمني وتحتمل الغاية احتمالا مرجوحا بأن يكون المعنى أن انتفاء كون عطائك معدودا من السماحة ممتدا إلى زمن عطائك في حال قلة مالك فإذا أعطيت في تلك الحالة تثبت سماحتك انتهى
مسائل خلافية في النحو ج1/ص108
فأما كون الاسم فاعلا أو مفعولا فهو معنى مجرد عن علامة لفظية يجوز أن تدرك بغير لفظ كما يدرك الفرق بين المبنيات بالمعنى
المفصل ج1/ص349
وحال الاسم والخبر مثلهما في باب الابتداء من أن كون المعرفة اسما والنكرة خبرا حد الكلام
لا يكفي طالب العلم والخطيب أن يكون فصيحًا ، بل يحسن به أن يهتم بالأفصح والأجود .
وأما أن يتساهل في لغته حتى تصل به الحال إلى أن يبحث عن المعاذير ويتمحل التقدير ، فما لمريد الفصاحة معه حديث !! إذ الحديث ثمة سيكون من باب الجدل العقيم ؛ لأن التقدير كما يعرف ذلك من أنار الله بصيرته ليس بابًا مفتوحًا على مصراعيه ، يلجه من ضاقت به الحيل ليجعل من الخطأ صوابًا ، ولو كان كذلك لصعب على الإنس والجن إغلاقه ، ولجاز لكل من شاء أن يأتي بأضعف الأساليب وأدناها ، ويكتب ما شاء كيفما شاء ، فإذا حاول أحد رده للصواب لجأ للتقدير ، وهذا عين التعمية ، وبه تصبح اللغة في يوم ما مجموعة ألغاز غير مفهومة ، لعدم الاتفاق على قاعدة أصلاً .
وإذا كان الذين لا يفهمون التقدير من الحمير ، فإن الذين يبالغون فيه أبناء عم لهم ، والسلامة في التوسط ، والرجوع في كل علم إلى أهله العارفين بقواعده .
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
ولا يخفى أنه مع ما يقصد باللغة من الإفهام وإيصال المعاني التي في القلوب بما لا يدع للسامع مجالاً أن يشك ويحتار ، فإن للغة العربية شأنًا آخر ، إذ هي اللغة المقدسة ، التي رضي المولى أن ينزل بها كتابه وتكون لسان خاتم رسله ، ومن ثم فيجب أن تبقى غضة طرية صحيحة فصيحة كما نزل بها القرآن وجاءت بها السنة ، وأن يكتفى بما كان عليه من يستشهد بكلامهم من العرب ؛ ليبقى المسلمون على اتصال بهذين الوحيين ، وهذا ما لا يتم إلا بالمحافظة على الفصيح الجيد المتفق عليه ، ونبذ اللُّغَيَّاتِ الضعيفة واطراح الوجوه المرجوحة ، وحمل الناس على الفصيح أو الأفصح ، وعدم تلمس المخارج للفرار من تخطئة النفس أو المجتمع ، فكيف إذا كان هذا المجتمع مجموعة صحفيين لا يهمهم شأن اللغة أصلاً ، ولا يدري أحدهم لعله يأتي بما يظنه جديدًا وهو يقلب المعنى على رأسه من حيث لا يشعر .
وإنه لمما يؤسف له أن يحمل بعض علماء اللغة أو طلبة العلم في العصر الحاضر لواء التمييع للغة القرآن ، متأثرين في ذلك بالدعوات الغربية اليهودية الماكرة ، التي تزعم صعوبة النحو ، ووعورة الصرف ، والتواء مسالك البلاغة ، وتدعو إلى التسهيل بزعمها ، وما هو ـ ورب الكعبة ـ إلا التمييع للغة حتى تتلاشى ، ويصير كتاب الله وسنة رسوله على الأجيال كأنما كتبا بلغة أجنبية ، فيحتاجون إلى نخبة تفهمهم إياهما ، وتترجم لهم معانيهما ، وفي هذا وحده ما لا يخفى من إبعادهم عن مصدر عزتهم وضمان عدم تأثرهم بالوحيين .
وعودًا على موضوع ( كونه ) ونصب الصحفيين له ، دعنا نتفق أولاً ـ أخي الكريم ـ على أن الأصل في الكلام عدم التقدير ، وأنه لا يلجأ إليه إلا في أضيق الحدود ، كأن يروى عن الموثوق بفصاحتهم كلام لا نجد له وجهًا فيما قعدناه ، فنلجأ حينئذٍ إلى التقدير ، وليس إلى أي تقدير ، بل بشرط أن يساعده المعنى ، ويوافق الأصول المعتمدة ، ويقدره عالم بهذه الأصول ، هذا ما لا أراك تخالفني فيه .
وبعد ، فإني أراك ـ أخي ـ في مشاركتك الأولى قَدَّرتَ حالاً ، والمعنى لا يساعدك ، إذ هُؤلاء الذين ينصبون ( كونه ) لا يقصدون أن الوزير أمر بذلك حالة كونه وزيرًا ، بل بسبب كونه وزيرًا ، وهذا ما خَطَّأتُهُ أنا ، لما ذكرت لك من اشتراط النحويين بتتبعهم لكلام العرب أن يكون المصدر المراد نصبه مفعولا لأجله قلبيًّا .
وأما في مشاركتك الثانية فقد خرجت عما نحن فيه تمامًا ، وذهبت تجمع نقولات تؤيد إتيان العرب بالمصدر من ( كان ) الناقصة ، وهذا ما لم أناقشه أصلاً . إذ أنا لم أُخَطِّئ استعمال المصدر ( كون ) لكونه مصدرًا غير مستعمل ، وإنما ذكرت أنه مصدر غير قلبي ، مثله في ذلك مثل ( قراءة ) (أكل ) ( شرب ) ... ونحوها ، ومن ثم فلا يجوز نصبه مفعولاً لأجله ، وإنما يجر باللام المفيدة للتعليل ، وينتهي الأمر .
جزيت خيرًا على مشاركتك ، ووفقت للصواب .
لم أغضب ـ أخي الكريم ( صديقك من صدقك) ـ
لكن هذا باب من البلاغة ـ لا يخفى على كريم علمك ـ يسمونه ( المزاوجة ) :).
ولا شك أنك تعرف البصريين يتشددون في قواعدهم ويحتاطون حفاظًا على اللغة :mad:.
أسأل الله أن يغفر لي ولك ولوالدينا وللمسلمين جميعًا .
ما ذكره الشيخ البصري واضح لمن آثر الفصاحة ...
والأخ صديقك من صدقك اجتهد وشارك وأتى بفوائد ...
وما ذكره أبو عبدالرحمن جزاه الله خيرا باب وثغر يجب أن ينبري له فرقة من أهل الدين والفصاحة ...
لكن لا ينبغي أن يثرب على أمثال شيخنا البصري بأن نقول له : هذا الأمر أهم من هذا .
بل هو اجتهد في جانب ويشكر على اجتهاده وعلينا أن نجتهد نحن في الجوانب الأخرى حتى يسد كل منا ثغرة ويكتمل بناء الفصحى ... والله المستعان .
«يجب أن أقول إن الحسد يساورني. لو كنت أصغر قليلاً ولست موظفاً هنا، فأظن أنها ستكون تجربة رائعة، إذ تقف في الخطوط الأمامية لمساعدة هذه الديموقراطية الشابة على النجاح. إنها حتماً مثيرة لك... وفي بعض الجوانب رومانسية، وفي جوانب أخرى، كما تعلم، أنت تواجه الخطر. إنك تصنع التاريخ في حقيقة الأمر».
قال هذه العبارات الرئيس الأميركي جورج بوش في حديث له للقوات الأميركية في أفغانستان عبر مؤتمر فيديو في الثالث عشر من آذار (مارس) 2008.
لم يعد وصف الحرب بأنها «عادلة» كافياً لتسويغها وتسويقها. الحرب قد تكون تجربة رائعة، بل شاعرية أيضاً.
اللغة إذاً كما يقول محررا كتاب «اللغة الرديفة» COLLATERAL LANGUAGE جون كولنز وروس غلوفر ليست أكثر من «منظمة إرهابية». الدولة تستطيع عبر توظيف نسق من المفردات والتوصيفات إقناع مواطنيها بارتكاب أشد الأفعال فظاعةً.
وقد طورت النخب السياسية في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين مجموعة من الأدوات اللغوية تهدف إلى صناعة قبول عام داخلي وخارجي لسياساتها «manufacturing consent». ولأن هذه الأدوات لا تبلغ درجة الكمـــــال، كما أثبــــتت ذلك عــــــملياً الحـــرب الفيــــتنامية، فإنها تتعرض لتطوير مستمر. وقد تعلّم صناع السياسة الأميركية الكثير من فيتنام، وهذا هو السبب الذي أدّى إلى منع وسائل الإعلام من الوصول إلى حروب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان خلال السنوات الأخيرة. كلما ازدادت سيطرة الدولة على اللغة التي يسمعها شعبها وعلى الصور التي يشاهدها، أصبح من السهل عليها الحصول على قبول «ديموقراطي» وتوافق اجتماعي.
يخطئ من يــــظن أن الديمـــــوقراطيات الليبرالية لا تشهد ما يعرف في الدراسات الأكاديمية بالدعاية «propaganda». بيد أن الدعاية في هذه الديموقراطيات ليست فجة ومباشرة كما هي الحال في دول العالم الثالث، بل خفية ومستترة.
تبث وسائل الإعلام في المجتمعات الليبرالية وقائع الحملات الانتخابية وطقوسها وشعاراتها وأغنياتها وبرامج المرشحين وفضائحهم والتلاسن بينهم، كما تبث الإعلانات والمناظرات واحتفالات الترشيح ومراسم التنصيب، وكلها مشاهد تعتمد على الإبهار، وتعزز قناعة الرأي العام بالعملية السياسية القائمة ونجاعتها. وتتجلى سطوة الدعاية الرسمية في عدد من المجتمعات الغربية في التناغم بين المواقف الرسمية وبين صحافة النخبة السائدة لا سيما إزاء القضايا الكبرى للسياسة الخارجية. في الولايات المتحدة مثلاً يجمع الإعلام السائد على دعم إسرائيل في سياساتها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، كما يظهر أميركا بوصفها صانعة سلام، تشجع التفاوض بين الأطراف المتصارعة، وتدعم حقوق الإنسان، وتسعى لجعل العالم أكثر أماناً. تُمارس الدعاية، كما يشير نعوم تشومسكي، في الولايات المتحدة من خلال عملية سيطرة على التفكير THOUGHT CONTROL تهدف إلى تضليل الجماهير الغبية بـ «خدع ضرورية» NECESSARY ILLUSIONS.
وعندما تنكشف هذه الخدع وتظهر الممارسات غير القانونية أو تتسرب أنباء عمليات تدخل سرية يتم اللجوء إلى تكتيك دعائي آخر هو السيطرة على الضرر DAMAGE CONTROL، الذي يتمثل في جلسات الاستماع والتحقيق.
اللغة هي محور هذه الدعاية، ومفرداتها تشكل الواقع السياسي. إن مصطلحات مثل الحرية والعدالة والإرهاب والشر، تعد أمثلة ممتازة على كيفية استغلال اللغة من أجل تحقيق القبول وتجميل العنف. كلنا بالطبع يريد الحرية، وكلنا يمقت الشر والإرهاب، لكننا نادراً ما نضع دلالات هذه الألفاظ موضع التساؤل.
وبوسع أي سياسي يستخدم هذه اللغة تبرير أفعال شتى وهو آمن على مستقبله السياسي. يميل الناس إلى تأييد أعمال العنف التي يجري ارتكابها باسمهم إذا تم وصم ضحاياها «بالإرهاب»، أو إذا تم وصف تلك الأعمال بأنها دفاع عن «الحرية». طرح القضية على شكل ثنائيات «الخير والشر»، و«الحضارة والهمجية»، و«الشجاعة والجبن» يضيّق إلى درجة العدم أي مساحة للنقد والتشكيك، ويفرض جواً من «الإرهاب» الذي يسمح فقط بهذه النظرة الأحادية للواقع.
هذه اللّغة التي تشكل الرأي العام هي ذاتها اللغة التي تحرق القرى، وتحاصر شعوباً بأكملها، وتفرض عقوبات وحشية تقتل وتشوه الملايين من الناس. لن يكون بوسع السياسي تسويق العنف من دون استخدام اللّغة التجريدية من قبيل «الأمن القومـــي» «والضربات الجراحية» و«الضرر المرادف أو الجانبي» COLLATERAL DAMAGE (وهي العبارة التي تشير إلى قتل المدنيين)، إضافة إلى كلمات الإطراء مثل «الحضارة» و«العدالة».
اللغة تساعد على خلق مُناخ تبدو فيه الحاجة إلى العمل العسكري أمراً لا مفر منه. بعيد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، ردد صحافيون أميركيون أصداء المسؤولين في الإدارة الأميركية: «لا خيار أمام الولايات المتحدة سوى الرد» راسمين بذلك هالة من الحتمية على حرب لا نهاية لها.
وفي الوقت الذي شرع فيه الجيش الأميركي في قصف أفغانستان في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) 2001، كانت لغة الحرب قد مهّدت السبيل ولم تُسمع معارضة جماهيرية تذكر. الأمر نفسه ينطبق على العراق، فقد مهد خطاب «أسلحة الدمار الشامل» لغزو ذلك البلد وتدمير ما لم تفلح عقوبات أكثر من عقد في تدميره.
تهدف اللغة السياسية التي تسبق أي عمل عسكري إلى نزع الأنسنة عن العدو «DEHUMANIZATION»، أو شيطنته «DEMONIZATION»، وقصفه بوابل من النعوت السلبية بغية تمهيد الطريق لقصفه بالقاذفات والصواريخ. وهكذا في غمضة عين يصبح الصديق القديم «ديكتاتوراً» أو «نازيا» أو «خطراً» ينذر بتهديد الأمن والسلام على مستوى الكون. وعندما تشتعل الحرب تعمل اللغة، التي تضخها النخب الحاكمة ووسائل الإعلام المتحالفة معها، على تخفيف وطأة تأثير مشاهد العنف والمعاناة على المواطن العادي. في المشهد العراقي مثلاً يجري قصف أحياء مدنية.
ولكي يتم «هضم» الحدث يشار إلى وجود عناصر لتنظيم القاعدة في هذه الأحياء. وعندما تظهر صور ضحايا مدنيين بعيد عملية قصف يجري الحديث عن «خطأ» وإجراء «تحقيق». كما أن عبارات التلطيف مثل («العمليات العسكرية»، و«القنابل الذكية» و«النار الصديقة»)، والأسماء التي يتم إطلاقها على الغزوات («سلام الجليل»، «عناقيد الغضب»، «السور الواقي» «الشتاء الساخن») تجعل العنف أكثر استساغةً، وتجعل الجمهور أرحب صدراً وأسلس قياداً.
الكلمات لا تحمل دلالات كونية. قد يوصف عمل عسكري بأنه «تحرير»، وقد يوصف بأنه «عدوان».
ما وصفه بعض العرب بأنه «حرب إبادة» في غزة، وصفه الساسة الأميركيون والإسرائيليون بأنه «دفاع عن النفس». حتى هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، قد يصفها بعض من يخرج عن السياق العام بأنها «مبررة»، أو «بطولية».
اللغة ليست بريئة، بل انتقائية ومؤدلجة في معظم الأحيان، وقد درجت النخب السياسية والإعلامية على صياغة مفردات وترويج مصطلحات بهدف صناعة القبول، وقمع أية محاولة لسبر أغوار اللغة والنفاذ إلى ما بين السطور. في زمن الحرب مثلاً تتردد عبارة «عدم استهداف المدنيين»، وهو ما يحمل في طياته الإقرار بأن قتل غير المدنيين أمر مشروع ومقبول مهما كان وحشياً وواسع النطاق.
اللغة يمكن أن تــــدافع عن ما لا يمكن الدفـــــاع عـــــنه. قد يصبح ذلك لأول وهلة أمراً مقززاً وصادماً، ولكن «التكرار يعلم الشطار»، أو كما قال جوزيف غوبلز مهندس الدعاية النازية: «كلما كانت الكذبة كبيرة كان من السهل تصديقها». من كان يصدق أن قتل الفلسطينيين بشكل يومي واستباحة أرضهم «دفاع عن النفس»؟
من كان يصدق أن أرييل شارون «رجل سلام» كما أعلن بوش مرة إثر لقاء جمع الزعيمين في البيت الأبيض، وهو ما دفع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى القول إن شارون نفسه لم يصدق ذلك. يجب أن يتعلم المواطن العادي كيف يقاوم هذه اللغة المتوحشة التي تهمش قضايا مصيرية كالحياة والموت، والحرب والسلام، وتقلل من إنسانية الإنسان.
العالم ليس ببساطة اللونين الأبيض والأسود كما يردد دعاة الأحلام الإمبراطورية والصدام بين الحضارات، وتشكيل الصراع في قوالب «الخير ضد الشر»، و«الحرية ضد الخوف»، و»العدالة ضد الوحشية» يضفي الشرعية على حروب سرمدية لا يمكن حسمها (كيف يمكن مثلاً لإمبراطورية مهما علا شأنها أن تستأصل الشر من الأرض).
في مستهل «الحرب على الإرهاب»، وتحديداً في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 صرح الرئيس بوش أن «أفضل السبل للدفاع عن وطننا على المدى الطويل، أفضل السبل للتأكد من أن باستطاعة أطفالنا أن يعيشوا في سلام، هو نقل المعركة إلى العدو وإيقافه.» الحرب إذن هي أفضل سبيل لتحقيق السلام. وعندما بدأت الولايات المتحدة قصف أفغانستان في أواخر 2001 أعلن بوش: «نحن أمة مسالمة». ويعلق الأكاديمي الأميركي إرين مكارثي ساخراً على ذلك بالقول: «..ها نحن نعرف الآن، الخنازير خيول، البنات بنون، والحرب سلام».
· أكاديمي وصحافي سعودي.
بلال الفارس
[align=center]
جميل يا جميل
منهل عذب ذلك الذي وردناه أعلاه , سقى الله من سقانا
[/align]
تعديل التعليق