كن مميزا
عبدالله البرح - عضو الفريق العلمي
عناصر الخطبة:
1/حقيقة التميز وأهميته في حياة المسلم 2/بعض المجالات التي تميز المسلم 3/المتميز الأول بعد خير الأنام.
اقتباس
التميز يتجلى في مجالات واسعة وميادين كثيرة؛ فمن ذلك: التميز بصفاء العقيدة وصحة الإيمان والمنافسة على طاعة الواحد الديان وقوة التمسك بهذا الدين والعمل به والدعوة إليه..
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:
معاشر المسلمين: لقد كان ميزان التميز في حياة الناس في الجاهلية الأولى مجرد الانتساب إلى القبيلة العريقة والتفاخر بها والتباهي بما تملكه القَبيلة من المنعة والقوة؛ فجاء الإسلام بشريعة سامية المقاصد صححت الموازين الخاطئة وأرشدت إلى معيار التميز الحقيقي المتمثل بالعقيدة الصحيحة والأخلاق الحميدة والقيم الكريمة التي جاء بها الدين الذي ارتضاه الله لعباده وأتم به عليهم نعمته؛ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3].
ومن هنا يمكن القول بأن حقيقة التميز؛ تميز المسلم بإيمانه ومبادئه وأخلاق الإسلام الفاضلة وتمسكه بقيمه الراسخة.
عباد الله: وللتميز في حياة المسلم أهمية بالغة ومنزلة سامقة؛ ففي الوقت الذي يتخبط كثير من العالَمين في ظلام الباطل الدامس، يستضيء أهل الإسلام بشرع الكريم اللطيف ودينه الحنيف؛ (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام:122].
ولا أدل على أهمية التميز من قوله -صلى الله عليه وسلم-؛ كما ورد في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: “إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ؛ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ، قَالَ: بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ“(متفق عليه).
ومع تلك المنزلة للتميز؛ إلا أن أهله قلة قليلة؛ وصدق الصادق المصدوق في الحديث المنطوق؛ “تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ، لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً“(رواه مسلم)؛ فمن للأمة إن تكاثرت الإبل وغابت الراحلة؟
ورغم قلة أهل التميز الحقيقي؛ إلا أن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه لا يخلو قرن من المتميزين؛ فقال: “لِكُلِّ قَرْنٍ مِنْ أُمَّتِي سَابِقُونَ“(صححه الألباني).
ولابد أن يكون المسلم متميزا ورقما يُرى أثره حيث حل، وصدق القائل:
فلا تحتقر عالَمًا أنت فيه *** ولا تجْحَد الآخر الْمَنتظَرْ
وكنْ رجلًا إن أَتَوا بَعْدَهُ *** يقولون مَرَّ وهذا الأثرْ
ولسائل أن يسأل كيف أكون متميزا؟
والجواب: التميز يتجلى في مجالات واسعة وميادين كثيرة؛ فمن ذلك:
التميز بصفاء العقيدة وصحة الإيمان والمنافسة على طاعة الواحد الديان وقوة التمسك بهذا الدين والعمل به والدعوة إليه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ)[الجمعة:3]، قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ، حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَوَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ”(متفق عليه).
وكان أبو مسلم الخولاني -رحمه الله-؛ يقوم الليل فإذا كلَّتْ قدماه ضربهما وقال: “أنتما أحق بالضرب من دابتي“، وكان يقول: “أيظن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يستأثروا به دوننا؛ فوالله لنزاحمنهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم رجالًا“.
ومن مجالات التميز: تميز المسلم بأخلاقه ومعاملاته، ولباسه ومظهره، وحديثه وعاداته؛ كما كان حال خير الأنام -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتسع المقام لسرد مواقف من سيرته العطرة وحسبه أن الله زكى أخلاقه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4]؛ كما أن نبينا الكريم أفضل الخلق في تعامله مع أهله وجيرانه وأصحابه؛ بل حتى مع أعدائه.
وكان -صلى الله عليه وسلم- عفيف اللسان لا ينطق إلا بالكلام الطيب، حسن المظهر، وكان يوصي أصحابه بكل ذلك؛ فعن أبي الدَّرداءِ قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- يقولُ: “إنَّكم قادِمونَ على إخوانِكم فأصلِحوا حالَكم وأصلِحوا لباسَكم حتَّى تَكونوا كأنَّكم شَامةٌ في النَّاسِ فإنَّ اللَّهَ لا يحبُّ الفُحشَ ولا التَّفحُّشَ“.
ومن المجالات التي تميز المسلم: صدق حديثه؛ فلا يجتمع كمال الإيمان مع الكذب والزور والبهتان؛ فعن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: “علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرّى الصِّدْقَ حتّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا”(أخرجه البخاري ومسلم).
كما تتميز شخصية المسلم بالأمانة: حيث يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له“(صحيح الجامع).
ومن المجالات التي تميز المسلم عن غيره: إتقان المسلم لما يكلف به من الأعمال؛ امتثالا لأمر إمام أهل التميز والأسوة الحسنة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-:”إن الله يحبُ إذا عملَ أحدكُم عملا أن يتقنهُ”(رواه الطبراني)
ومن المجالات التي تميز المسلم: تميز المسلم بتحية الإسلام المباركة؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)[النساء: 86]، وتحية الإسلام هي السلام؛ يقول السعدي -رحمه الله-: “وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردًّا“.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)[المؤمنون: 1 – 4]، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)[الأنفال:2- 4].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أمّا بعد:
عباد الله: لقد كان التميز جليا في حياة أصحاب النبي -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-؛ فقد كانوا أحسن الناس أخلاقا بعد رسول الله وأطهرهم قلوبا وأصدقهم حديثا وأتقنهم عملا، وحسبنا أن نقف مع مثال من حياة المتميز الأول من أصحابه؛ ألا وهو الصديق -رضي الله عنه-؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: “من أصبح منكم اليومَ صائمًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا. فقال: من أطعم منكم اليومَ مِسكينًا. قال أبو بكرٍ: أنا قال: من عاد منكم اليومَ مريضًا؟ فقال أبو بكرٍ: أنا فقال: من تبِع منكم اليومَ جِنازةً؟ قال أبو بكرٍ: أنا، فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ-: “ما اجتمعت هذه الخِصالُ قطُّ في رجلٍ إلّا دخل الجنَّةَ“
ولقد كان السر في تميز الصديق -رضي الله عنه- بكثرة فعله للخير وبما وقر في قلبه من الإيمان واليقين بالملك الديان.
أيها المسلمون: لنتميز في تمسكنا بعقيدتنا وفي التزامنا بأخلاق ديننا وفي تعاملنا مع الخلق كافة؛ متأسيين بنبينا -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام والسلف الأعلام ومن سار على نهجهم واستقام؛ فيا سعادة من تميز في طاعة ربه ومولاه وتمسك بهدي من أنقذه الله بشريعته وهداه.
اللهم أعزنا بالإسلام وثبتنا على هدى خير الأنام وأدخلنا برحمتك دار السلام.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين.
وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
أبو عبدالرحمن الدوسري
خطبة موفقة كتب الله أجركم , لكن أمل منكم تقليب النظر في بعض الأحاديث المذكورة , فبعضها إما مرسل كحديث صفوان بن سليم فهو لم يلقَ النبي صلى الله عليه وسلم , وبعضها حديث باطل كحديث ليس الإيمان بالتحلي .. فقد أخرجه ابن عدي في الكامل وغيره , و للحسن البصري رحمه الله قريب من هذا المعنى.
وشكر الله لكم .
تعديل التعليق