كنز الليالي ! 1445/9/19ه

يوسف العوض
1445/09/15 - 2024/03/25 15:14PM

 

الخطبة الأول

عبادَ اللهِ : مازالَ شهرنا تتصرمُ أيامُه وتنقضي ساعاتُه سريعاً وهو يرتقي بنا نحوَ المعالي ويسوقُنا إلى الفضائلِ ، فرمضانُ تصاعدي في الفضلِ والأجرِ ونحنُ على مشارفِ الليالي الختاميةِ منه وفيها ما لذَّ وطابَ من الفتوحاتِ الربانيةِ والبركات الإلهيةِ ، ولذا تأتي العشرُ الأواخرُ من شهرِ رمضانَ لتذكرنا ببعضِ الأمورِ التي منها: قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ » وبقولهِ تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ » وبقولهِ جلَّ جلالُه: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ  وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ » بالأمسِ القريبِ كنا ننتظرُ شهرَ رمضانَ وها نحنُ في العشرِ الأواخرِ منه فهل من متعظٍ ومدكرٍ؟!  قال الحسنُ البصري رحمه اللهُ: يا ابنَ آدمَ إنما أنت أيامٌ إذا ذهب يومٌ ذهب بعضُك!! وأخبرَ صلى اللهُ عليه وسلم عن نفسهِ والدنيا فَقَالَ: « مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

عبادَ اللهِ : وجاءت العشرُ لتذكرنا بالإحسانِ قال صلى اللهُ عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» رواه مسلم.

والإحسان: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» رواه البخاري. هكذا عرّفه صلى اللهُ عليه وسلم، فعليك بمراقبةِ اللهِ في السرِّ والعلنِ وفي القولِ والعملِ وفعلِ الخيراتِ على أكملِ وجهٍ وابتغاءَ مرضاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومن إحسانك لنفسك أن تبعدها عن الحرامِ، ولا تفعل إلا ما يرضي اللهَ ، وبذلك تطهِّر نفسك وتزكيها، وتريحها من الضلالِ والحيرةِ في الدنيا، ومن الشقاءِ والعذابِ في الآخرةِ، قال تعالى: «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ».

عبادَ اللهِ : وجاءت العشرُ لتذكرنا بأنَّ الحسناتِ يُذهبن السيئاتِ «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفا مِنَ اللَّيْل إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ) ، ويقول عز وجل: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) ويقول صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

ويقول صلى اللهُ عليه وسلم: « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ » رواه مسلم.

وجاءت العشرُ لتذكرنا بهدي النّبي صلى اللهُ عليه وسلم فيها قالت عَائِشَةُ رضي للهُ عنها: "كَانَ النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" رواه البخاري وهذا دليلٌ على اجتهاده صلى اللهُ عليه وسلم في العبادةِ واعتزالِه للنساء ودعوتِه لأهله لعبادةِ اللهِ تعالى متمثلاً قولَ اللهُ عزَّ وجلَّ: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ).

وكان صلى اللهُ عليه وسلم يقول: « أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ » رواه البخاري أي كاسيةٌ بنعمِ اللهِ عزَّ وجلَّ في الدنيا عاريةٌ من شكرهِ والإيمانِ به فهي عاريةٌ يومَ القيامةِ من رحمته والعياذُ باللهِ ومن هديهِ صلى اللهُ عليه وسلم أنّه كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ" رواه البخاري ، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت:" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ" رواه مسلم.

عبادَ اللهِ : وكان من هديه صلى اللهُ عليه وسلم أنّه يتحرى ليلةَ القدرِ ويقولُ: « فَالْتَمِسُوهَا في الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» رواه البخاري، أي أنذها تكونُ في الوترِ من العشرِ الأواخرِ فيا سعادةَ من نالَ بركتَها وحظي بخيرها فالمحرومُ من حُرمَ خيرها، قَالَ صلى اللهُ عليه وسلم في فضائلِ شهرِ رمضانَ: « فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ».

الخطبة الثانية

عبادَ اللهِ : ويستحبُ الإكثارُ من الدعاءِ في ليلة القدرِ  قالت عَائِشَةَ رضي الله عنها:" قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا، قَالَ: « قُولِى اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى» رواه الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وقد تكونُ في ليلةِ السابعِ والعشرين وقد تكونُ في غيرها من ليالي الوترش من العشرِ الأواخرِ فاحرص على كلِّ الليالي ياعبدَاللهِ ولاتكن ممن يأتي فقط في ليلةِ سبعٍ وعشرين ويترك باقي الليالي!!!

عبادَ اللهِ : قال ابنُ رجبٍ رحمه الله: العفوُ من أسماءِ اللهِ تعالى، وهو يتجاوزُ عن سيئاتِ عبادهِ، الماحي لآثارها عنهم، وهو يُحبُ العفوَ ؛ فيحب أن يعفو عن عبادهِ، ويحبُ من عبادهِ أن يعفو بعضهم عن بعضٍ، فإذا عفا بعضُهم عن بعضٍ عاملهم بعفوهِ، وعفوه أحبُّ إليه من عقوبتِه، وكان النّبي صلى اللهُ عليه وسلم يقول « أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ » رواه مسلم، قال يحيى بن معاذ: لو لم يكن العفوُ أحبَّ الأشياءِ إليه لم يبتلِ بالذنبِ أكرمَ النّاس عليه.. وإنّما أمرَ بسؤالِ العفوِ في ليلةِ القدرِ بعدَ الاجتهادِ في الأعمالِ فيها وفي ليالي العشرِ لأنّ العارفين يجتهدون في الأعمالِ، ثمّ لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً، فيرجعون إلى سؤالِ العفوِ كحالِ المذنبِ المقصرِ أ.هـ عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا ». .

المشاهدات 1057 | التعليقات 0