كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ
هلال الهاجري
1438/02/10 - 2016/11/10 08:04AM
الحمدُ للهِ مُغيثِ المستغيثينَ، ومُجيبِ دَعوةِ المضطرينَ، ومُسبلِ النِّعمِ على الخلقِ أجمعينَ، عَظُمَ حِلمُه فسترَ، وبَسطَ يدَه بالعطاءِ فأكثرَ، نِعمَه تَتْرى، وفضلَه لا يُحصى، من أناخَ ببابِ كرمِه ظفرَ، وأزالَ ما أصابَه من الضَّررِ، وعفا عنه وجبرَ ما انكسرَ، إليه وحدَه تُرفعُ الشَّكوى، وهو المقصودُ في السِّرِ والنَّجوى، يجودُ بأعظمِ مطلوبٍ، ويعمُّ بفضلِه وإحسانِه كُلَّ مربوبٍ، سبحانَه أنشأَ السَّحابَ الثِّقالَ فأهطلَ دِيمَها ، فبلَّ الأرضَ بعد جفوفِها، وأخرجَ نبتَها بعد جدوبِها، سبحانَه وَسِعَ سمعُه ضجيجَ الأصواتِ، باختلافِ اللغاتِ، على تفننِ الحاجاتِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، مجيبُ الدعواتِ، وفارجُ الكُرباتِ، ومجزلُ النِّعمِ على البرياتِ، وأشهدُ أن سيدَنا ونبيَنا محمداً عبدُه ورسولُه، أصدقَ العبادِ قصداً، وأعظمَهم لربِّه ذِكراً، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه، وعلى آلِه الأتقياءِ وأصحابِه الأصفياءِ .. أما بعد:
(كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .. كلماتٌ قالَها الرَّءُوفُ بالمؤمنينَ .. الرَّحيمُ بالعاصينَ .. النَّاصحُ للنَّاسِ أجمعينَ .. عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من ربِّ العالمينَ.
وذلكَ لأنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، فمن كَتمَ ذُنوبَه وسترَ على نفسِه فإنَّه أقربُ إلى عافيةِ ربِّه عزَّ وجلَّ، من السِّترِ عليه وتوفيقِه إلى التَّوبةِ والإنابةِ في الدُّنيا، ومغفرةِ ذنبِه والتجاوزِ عنه في الآخرةِ، فعَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْوَى، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ يُدْنِيَ الْمُؤْمِنَ مِنْهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنْ اَلنَّاسِ، فَيَقُولُ: عَبْدِي، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا اَلْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُ يُنَادَى عَلَى رُؤُوسِ اَلْأَشْهَادِ: (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
ولا يزالُ المرءُ في عافيةٍ من كلامِ النَّاسِ، قَدْرُه مكنونٌ، وعِرْضُه مصونٌ، ما دام أنه مُستترٌ بسترِ اللهِ تعالى عليه، وأما إذا فضحَ أمرَه وجاهرَ بفُحشِه فلا يلومنَّ إلا نفسَه .. وصدقَ القائلُ:
فيا أيُّها المجتمعُ المسلمُ ..
إيَّاكمَ وعقابَ اللهِ تعالى فإنكم لا تُطيقونَه، فعدمِ الأخذِ بيدِ السُّفهاءِ، الذينَ يُجاهرونَ بأفعالِهم النَّكراءِ، سببٌ عظيمٌ من أسبابِ جلبِ البَلاءِ، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ).
اسمعْ إلى المثلِ الذي ضربَه النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ لمن أشاعَ الكلامَ .. والكلامَ فقط .. في ما حدثَ بينَه وبينَ زوجتِه في الحلالِ .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلْ مِنْكُم الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ، فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا)، قَالَ: فَسَكَتُوا .. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟، فَسَكَتْنَ، فَجَثَتْ فَتَاةٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا، وَتَطَاوَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرَاهَا وَيَسْمَعَ كَلامَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهُ، فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟) فَقَالَ: (إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ، لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ) .. سبحانَ اللهِ .. هذا زوجٌ أو زوجةٌ يُحدِّثُ صاحبَه أو صاحبتَها سِرَّاً بما وقعَ في الفِراشِ .. فكيفَ بمن ينشرُ المقاطعَ المرئيَّةَ الملونَّةَ عاليةَ الجودةِ .. في الخنا والزِّنا والمقاطعِ الخليعةِ والمجاهرةِ بالمعصيةِ للعالمِ جميعاً؟.
والبعضُ ممن سترَ اللهُ عليهم لا يزالُ به الشَّيطانُ حتى يُذيعَ منكرَه عن طريقِ تصويرِه .. أو الخروجُ به إلى مجامعِ النَّاسِ .. وإنكَ لتعجبُ أشدَّ العجبِ .. ممن يرى الأمرَ المنكرَ الخطيرَ .. وبدلَ أن يُبادرَ بالنَّكيرِ .. يشتغلُ بالتَّوثيقِ والتَّصويرِ .. ويظنُّ أنَّه فازَ بالسَّبقِ الإعلاميِّ الكبيرِ .. وما يدري أنَّه بنشرِ مقاطعِ الرَّذيلةِ .. قد أحزنَ أهلَ الخيرِ والفضيلةِ .. وأزاحَ عن الفَجرةِ الحواجزَ الثَّقيلةَ .. فعلموا أنَّ معهم في الطَّريقِ رُفقاءَ .. فأعلنوا ما كانوا يعملونَه بالخفاءِ .. فشاعتْ الفاحشةُ بينَ المؤمنينَ .. وأصبحَ من الذينَ قالَ اللهُ تعالى فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
وقَدْ لُعنِتْ أمَّةٌ من الأممِ على لسانِ أنبيائها الكِرامِ .. بسببِ تركِ الإنكارِ على أهلِ الفُجورِ والإجرامِ .. (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) .. وبعد أن كانتْ في أرفعِ وأعلى المقاماتِ .. (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) .. أصبحتْ ملعونةً مطرودةً من رحمةِ ربِّ الأرضِ والسماواتِ .. (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ).
وهذه الأمَّةُ كغيرِها من أممِ الأنبياءِ .. فلن تزالَ خيرَ الأممِ .. عزيزةً عظيمةً كريمةً .. مرحومةً معصومةً محفوظةً .. ما دامتْ أنها تأمرُ بالمعروفِ وتنهى عن المنكرِ .. (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
واعلموا أنَّه إذا جاءَ الهلاكُ عمَّ .. وتفاقمَ الأمرُ وطمَّ .. ولا أحدٌ من شرِّه يسلمُ .. ولمَّا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عِنْها: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصّالِحُونَ؟، قَالَ: (نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ) .. فاللهمَّ سلِّم سلِّم.
وأما أنتم أيُّها الجهاتُ الأمنيَّةُ ..
فجزاكم اللهُ خيراً .. جهودُكم مشكورةٌ .. وأعمالُكم مأجورةٌ .. فما إن نسمعُ بمن أظهر الشَّرَ وجاهرَ بالعصيانِ .. إلا ويأتينا خبرُ القبضِ عليه بعدَ أوانٍ .. فأنتم تدفعونَ عن الأرضِ الفسادِ .. بسدِّ الطريقِ على أهلِ البغيِّ والعنادِ .. كما قالَ تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) .. فمن النَّاسِ من لا ينفعُ معه المواعظُ والآياتِ .. ولكن ينفعُ معه السِّجنُ والعقوباتُ .. فلا تكلُّوا .. ولا تملُّوا .. فأنتم على ثَغرٍ عظيمِ .. وعملٍ فاضلٍ كريمٍ .. تُفرحونَ به أهلَ الغيرةِ والدِّينِ .. وتُغيضونَ به أعداءَ المسلمينَ .. ولعلنا نسمعُ بعقوباتٍ صادعةٍ .. وأحكامٍ رادعةٍ .. لتبقى شمسُ العفافِ على بلادِنا ساطعةٌ .. ونسألَ اللهَ تعالى أن لا يُدركُنا ذلكَ الزَّمانُ الذي قالَ فيه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَفْنَى هَذِهِ الأُمَّةُ، حَتَّى يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَيَفْتَرِشَهَا فِي الطَّرِيقِ، فَيَكُونُ خِيَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُولُ: لَوْ وَارَيْتَهَا وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ).
نفعني اللهُ وإياكم بالقرآنِ العظيمِ ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِالحكيمِ .. أقولُ ماتسمعون وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي قضى بالحقِّ وحكمَ بالعدلِ، وأمرَ بالتَّقوى وحثَّ على التعاونِ والبذلِ، ودعا إلى الإصلاحِ وندبَ إلى السترِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه .. أما بعد:
وأما أنتَ أيُّها المجاهرُ ..
فاسمعْ إلى كلامِ ابنِ القيِّمِ رحمَه اللهُ: (للعبدِ سترٌ بينه وبينَ اللهِ، وسترٌ بينَه وبينَ النَّاس، فمن هَتَكَ السِّترَ الذي بينَه وبينَ اللهِ؛ هَتَكَ اللهُ السِّترَ الذي بينَه وبينَ النَّاس)، فاعلمْ أنكَ لم تُجاهرْ وتُفضحْ إلا بشيءٍ وقعَ بينَك وبينَ ربِّكَ، كشفَ اللهُ به السِّترَ، وأذهبَ به المُعافاةَ،وحلَّتْ بكَ العُقوبةُ في الدُّنيا والآخرةِ، فكم عصيتَ في الخفاءِ وستركَ السَّميعُ البصيرُ، وكم تجاوزتْ الحدودَ وأمهلَك الحليمُ القديرُ .. فإلى متى؟ .. هل تريدُ أن تذهبَ بنفسِك ومجتمعِكَ وبلدِكَ إلى الهاويةِ؟.
أما آنَ لكَ أن تمدَّ في الصَّباحِ يدَك .. إلى من عصيتَه في اللِّيلِ وستركَ .. (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) .. اما آنَ لكَ أن تستجيبَ إلى ذلكَ النِّداءِ، من ربِّ الأرضِ والسَّماءِ، (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)، فلا زالَ ينادينا يا (عبادي) وهو الغنيُّ الحميدُ، ونحنُ قد ملأنا اللِّيلَ والنَّهارَ بالذُّنوبِ فبئسَ العبيدُ.
اللهمَّ اهدِنا فيمن هديتَ، وعافنا فيمن عافيتَ، وتولنا فيمن توليتَ، وبارك لنا فيما أعطيتَ، وقِنا شرَّ ما قضيتَ، اللهمَّ اغفر لنا ذنوبَنا كلَّها دِقَّها وجِلَّها أولَها وآخرَها، ما علمنا منها وما لم نعلم، اللهم ارحم موتانا، واهدِ ضالَنا، وردَّ غائبَنا، واشفِ مرضانا، واقضِ عنا دينَنا، ولا تؤاخذنا بما فعلَ السفهاءُ منَّا، اللهم آمنا في أوطانِنا ودورِنا وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعلْ ولايتَنا فيمن خافَك واتقاك واتبعَ رضاك يا أرحمَ الرَّاحمينَ، اللهمَّ أبرم لهذِه الأمةَ أمرَ رُشدٍ، يعزُّ فيه أهلُ طاعتِك ويُهدى فيه أهلُ معصيتِك، ويؤمرُ فيه بالمعروفِ ويُنهى فيه عن المنكرِ، اللهم اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ والمسلمينَ والمسلماتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنَّك يا ربَنا سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ..
(كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ) .. كلماتٌ قالَها الرَّءُوفُ بالمؤمنينَ .. الرَّحيمُ بالعاصينَ .. النَّاصحُ للنَّاسِ أجمعينَ .. عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من ربِّ العالمينَ.
وذلكَ لأنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، فمن كَتمَ ذُنوبَه وسترَ على نفسِه فإنَّه أقربُ إلى عافيةِ ربِّه عزَّ وجلَّ، من السِّترِ عليه وتوفيقِه إلى التَّوبةِ والإنابةِ في الدُّنيا، ومغفرةِ ذنبِه والتجاوزِ عنه في الآخرةِ، فعَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْوَى، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ يُدْنِيَ الْمُؤْمِنَ مِنْهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنْ اَلنَّاسِ، فَيَقُولُ: عَبْدِي، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا اَلْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُ يُنَادَى عَلَى رُؤُوسِ اَلْأَشْهَادِ: (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
ولا يزالُ المرءُ في عافيةٍ من كلامِ النَّاسِ، قَدْرُه مكنونٌ، وعِرْضُه مصونٌ، ما دام أنه مُستترٌ بسترِ اللهِ تعالى عليه، وأما إذا فضحَ أمرَه وجاهرَ بفُحشِه فلا يلومنَّ إلا نفسَه .. وصدقَ القائلُ:
إذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي *** وَلَمْ تَسْتَحِ فَـاصْنَعْ مَـا تَشَاءُ
فَلَا وَاَللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ *** وَلَا الدُّنْيَـا إذَا ذَهَـبَ الْحَيَـاءُ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ *** وَيَبْقَى الْعُـودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
فَلَا وَاَللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ *** وَلَا الدُّنْيَـا إذَا ذَهَـبَ الْحَيَـاءُ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ *** وَيَبْقَى الْعُـودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ
فيا أيُّها المجتمعُ المسلمُ ..
إيَّاكمَ وعقابَ اللهِ تعالى فإنكم لا تُطيقونَه، فعدمِ الأخذِ بيدِ السُّفهاءِ، الذينَ يُجاهرونَ بأفعالِهم النَّكراءِ، سببٌ عظيمٌ من أسبابِ جلبِ البَلاءِ، فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ).
اسمعْ إلى المثلِ الذي ضربَه النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ لمن أشاعَ الكلامَ .. والكلامَ فقط .. في ما حدثَ بينَه وبينَ زوجتِه في الحلالِ .. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (هَلْ مِنْكُم الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ، فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا فَعَلْتُ كَذَا)، قَالَ: فَسَكَتُوا .. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟، فَسَكَتْنَ، فَجَثَتْ فَتَاةٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا، وَتَطَاوَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرَاهَا وَيَسْمَعَ كَلامَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهُ، فَقَالَ: (هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟) فَقَالَ: (إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ، لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ) .. سبحانَ اللهِ .. هذا زوجٌ أو زوجةٌ يُحدِّثُ صاحبَه أو صاحبتَها سِرَّاً بما وقعَ في الفِراشِ .. فكيفَ بمن ينشرُ المقاطعَ المرئيَّةَ الملونَّةَ عاليةَ الجودةِ .. في الخنا والزِّنا والمقاطعِ الخليعةِ والمجاهرةِ بالمعصيةِ للعالمِ جميعاً؟.
والبعضُ ممن سترَ اللهُ عليهم لا يزالُ به الشَّيطانُ حتى يُذيعَ منكرَه عن طريقِ تصويرِه .. أو الخروجُ به إلى مجامعِ النَّاسِ .. وإنكَ لتعجبُ أشدَّ العجبِ .. ممن يرى الأمرَ المنكرَ الخطيرَ .. وبدلَ أن يُبادرَ بالنَّكيرِ .. يشتغلُ بالتَّوثيقِ والتَّصويرِ .. ويظنُّ أنَّه فازَ بالسَّبقِ الإعلاميِّ الكبيرِ .. وما يدري أنَّه بنشرِ مقاطعِ الرَّذيلةِ .. قد أحزنَ أهلَ الخيرِ والفضيلةِ .. وأزاحَ عن الفَجرةِ الحواجزَ الثَّقيلةَ .. فعلموا أنَّ معهم في الطَّريقِ رُفقاءَ .. فأعلنوا ما كانوا يعملونَه بالخفاءِ .. فشاعتْ الفاحشةُ بينَ المؤمنينَ .. وأصبحَ من الذينَ قالَ اللهُ تعالى فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
وقَدْ لُعنِتْ أمَّةٌ من الأممِ على لسانِ أنبيائها الكِرامِ .. بسببِ تركِ الإنكارِ على أهلِ الفُجورِ والإجرامِ .. (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) .. وبعد أن كانتْ في أرفعِ وأعلى المقاماتِ .. (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) .. أصبحتْ ملعونةً مطرودةً من رحمةِ ربِّ الأرضِ والسماواتِ .. (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ).
وهذه الأمَّةُ كغيرِها من أممِ الأنبياءِ .. فلن تزالَ خيرَ الأممِ .. عزيزةً عظيمةً كريمةً .. مرحومةً معصومةً محفوظةً .. ما دامتْ أنها تأمرُ بالمعروفِ وتنهى عن المنكرِ .. (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ).
أنتَ بالإسلامِ في روضٍ مَنيفٍ *** كلَّما لاحَ لهُ المُشتاقُ ضمَّهْ
عِزُّها في دينِها مهما رأيْنا *** حَوْلَها بَحْــرَ الدَّعاوَى وخِضَمَّهْ
ولها في الأمرِ بالمعروفِ حِرْزٌ ... إنْ أَلَمَّتْ من أعاديها مُلِمَّهْ
هكَذا الأُمَّةُ تبقى حينَ يبقى ... منْهَـجُ القرآنِ فيها "خَيْـرُ أُمَّهْ"
عِزُّها في دينِها مهما رأيْنا *** حَوْلَها بَحْــرَ الدَّعاوَى وخِضَمَّهْ
ولها في الأمرِ بالمعروفِ حِرْزٌ ... إنْ أَلَمَّتْ من أعاديها مُلِمَّهْ
هكَذا الأُمَّةُ تبقى حينَ يبقى ... منْهَـجُ القرآنِ فيها "خَيْـرُ أُمَّهْ"
واعلموا أنَّه إذا جاءَ الهلاكُ عمَّ .. وتفاقمَ الأمرُ وطمَّ .. ولا أحدٌ من شرِّه يسلمُ .. ولمَّا قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عِنْها: يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصّالِحُونَ؟، قَالَ: (نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ) .. فاللهمَّ سلِّم سلِّم.
وأما أنتم أيُّها الجهاتُ الأمنيَّةُ ..
فجزاكم اللهُ خيراً .. جهودُكم مشكورةٌ .. وأعمالُكم مأجورةٌ .. فما إن نسمعُ بمن أظهر الشَّرَ وجاهرَ بالعصيانِ .. إلا ويأتينا خبرُ القبضِ عليه بعدَ أوانٍ .. فأنتم تدفعونَ عن الأرضِ الفسادِ .. بسدِّ الطريقِ على أهلِ البغيِّ والعنادِ .. كما قالَ تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) .. فمن النَّاسِ من لا ينفعُ معه المواعظُ والآياتِ .. ولكن ينفعُ معه السِّجنُ والعقوباتُ .. فلا تكلُّوا .. ولا تملُّوا .. فأنتم على ثَغرٍ عظيمِ .. وعملٍ فاضلٍ كريمٍ .. تُفرحونَ به أهلَ الغيرةِ والدِّينِ .. وتُغيضونَ به أعداءَ المسلمينَ .. ولعلنا نسمعُ بعقوباتٍ صادعةٍ .. وأحكامٍ رادعةٍ .. لتبقى شمسُ العفافِ على بلادِنا ساطعةٌ .. ونسألَ اللهَ تعالى أن لا يُدركُنا ذلكَ الزَّمانُ الذي قالَ فيه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَفْنَى هَذِهِ الأُمَّةُ، حَتَّى يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ فَيَفْتَرِشَهَا فِي الطَّرِيقِ، فَيَكُونُ خِيَارُهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ يَقُولُ: لَوْ وَارَيْتَهَا وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ).
نفعني اللهُ وإياكم بالقرآنِ العظيمِ ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِالحكيمِ .. أقولُ ماتسمعون وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي قضى بالحقِّ وحكمَ بالعدلِ، وأمرَ بالتَّقوى وحثَّ على التعاونِ والبذلِ، ودعا إلى الإصلاحِ وندبَ إلى السترِ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه .. أما بعد:
وأما أنتَ أيُّها المجاهرُ ..
فاسمعْ إلى كلامِ ابنِ القيِّمِ رحمَه اللهُ: (للعبدِ سترٌ بينه وبينَ اللهِ، وسترٌ بينَه وبينَ النَّاس، فمن هَتَكَ السِّترَ الذي بينَه وبينَ اللهِ؛ هَتَكَ اللهُ السِّترَ الذي بينَه وبينَ النَّاس)، فاعلمْ أنكَ لم تُجاهرْ وتُفضحْ إلا بشيءٍ وقعَ بينَك وبينَ ربِّكَ، كشفَ اللهُ به السِّترَ، وأذهبَ به المُعافاةَ،وحلَّتْ بكَ العُقوبةُ في الدُّنيا والآخرةِ، فكم عصيتَ في الخفاءِ وستركَ السَّميعُ البصيرُ، وكم تجاوزتْ الحدودَ وأمهلَك الحليمُ القديرُ .. فإلى متى؟ .. هل تريدُ أن تذهبَ بنفسِك ومجتمعِكَ وبلدِكَ إلى الهاويةِ؟.
أما آنَ لكَ أن تمدَّ في الصَّباحِ يدَك .. إلى من عصيتَه في اللِّيلِ وستركَ .. (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) .. اما آنَ لكَ أن تستجيبَ إلى ذلكَ النِّداءِ، من ربِّ الأرضِ والسَّماءِ، (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)، فلا زالَ ينادينا يا (عبادي) وهو الغنيُّ الحميدُ، ونحنُ قد ملأنا اللِّيلَ والنَّهارَ بالذُّنوبِ فبئسَ العبيدُ.
الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ مِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ * * * وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَيْضٌ مِنْ عَطَايَاهُ
الطَّيْرُ سَبَّحَهُ وَالْوَحْشُ مَجَّدَهُ * * * وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ وَالْحُوتُ نَاجَاهُ
وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ * * * وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلايَاهُ
وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فَيَسْتُرُهُمْ * * * وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ
الطَّيْرُ سَبَّحَهُ وَالْوَحْشُ مَجَّدَهُ * * * وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ وَالْحُوتُ نَاجَاهُ
وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ * * * وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلايَاهُ
وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فَيَسْتُرُهُمْ * * * وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ
اللهمَّ اهدِنا فيمن هديتَ، وعافنا فيمن عافيتَ، وتولنا فيمن توليتَ، وبارك لنا فيما أعطيتَ، وقِنا شرَّ ما قضيتَ، اللهمَّ اغفر لنا ذنوبَنا كلَّها دِقَّها وجِلَّها أولَها وآخرَها، ما علمنا منها وما لم نعلم، اللهم ارحم موتانا، واهدِ ضالَنا، وردَّ غائبَنا، واشفِ مرضانا، واقضِ عنا دينَنا، ولا تؤاخذنا بما فعلَ السفهاءُ منَّا، اللهم آمنا في أوطانِنا ودورِنا وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعلْ ولايتَنا فيمن خافَك واتقاك واتبعَ رضاك يا أرحمَ الرَّاحمينَ، اللهمَّ أبرم لهذِه الأمةَ أمرَ رُشدٍ، يعزُّ فيه أهلُ طاعتِك ويُهدى فيه أهلُ معصيتِك، ويؤمرُ فيه بالمعروفِ ويُنهى فيه عن المنكرِ، اللهم اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ والمسلمينَ والمسلماتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ، إنَّك يا ربَنا سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدعواتِ..
المرفقات
كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ.docx
كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ.docx
المشاهدات 3021 | التعليقات 3
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
الله يجزاك الجنة ويعلي منزلتك ويجعل ما تقدمه في ميزان حسناتك
عبدالرزاق بن محمد النهيان
جزاك الله خيراً على هذا الجهد الطيب
تعديل التعليق