كلنا مفتقرون لله
عبدالرزاق المضياني
الخطبة الأولى:(19/11/1441هـ)كلنا فقراء لله أيها الناس: حاجة الخلق إلى الله تعالى لا يحيط بها الوصف؛ إذ هم مفتقرون إليه في كل أحوالهم،محتاجون إلى عونه في كل شؤونهم،هو سبحانه موجدهم من العدم،ومربيهم بالنعم، وهاديهم إلى ما ينفعهم،وصارفهم عما يضرهم؛فما قيمة الخلق بلا خالقهم. إننا محتاجون ومفتقرون إلى الله تعالى في هدايتنا وإسلامنا وإيماننا، وإلى عبادته سبحانه وتعالى،فلولا الله تعالى لما كنا مسلمين ولا آمنا ولا صلينا ولا صمنا ولا عملنا صالحا،ولا جانبنا المحرمات،ولسنا أعلى البشر شأنا،ولا أوفرهم عقلا، ولا أشدهم بأسا،ولكن الله تعالى منَّ علينا بالهداية،وضلَّ عنها غيرنا ممن لم يهتدوا وقال سبحانه في الحديث القدسي:( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ). ولا زلنا مفتقرين إلى الله تعالى في الديمومة على إيماننا، والثبات على إسلامنا،فلا ثبات لنا إلا بالله تعالى وعونه وتوفيقه؛ولذا ذكر سبحانه عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾. ونحن مفتقرون إلى الله تعالى في رزقنا فمن ذا الذي يرزقنا غيرُ ربِّنا وخالقنا والمنعم علينا،والخلق مهما كانت عظمتهم، أو بلغت قوتهم،أو علت مكانتهم لا يرزقون أنفسهم فضلاً عن أن يرزقوا غيرهم،فكلهم عيال على الله تعالى،يسوق إليهم أرزاقهم حيث كانوا﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ولو حبس عنا رزقه فمن يرزقنا ﴿ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾. فالرزق إنما يطلب ممن يملكه ويقدر عليه، وربنا جل جلاله بيده خزائن السموات والأرض﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾. إننا مفتقرون إلى الله تعالى في طعامنا وشرابنا وكسائنا وصحتنا وعلاجنا وفي كل شئوننا، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي( يا بنى آدم كلكم كان ضالا إلا من هديت، وكلكم كان عاريا إلا من كسوت، وكلكم كان جائعا إلا من أطعمت، وكلكم كان ظمآن إلا من سقيت، فاستهدونى أهدكم، واستكسوني أكسكم، واستطعموني أطعمكم، واستسقوني أسقكم ) رواه أحمد بإسناد على شرط مسلم. وفقرنا إلى الله تعالى دائم معنا، ملازم لنا، فكل حركاتنا وسكناتنا بتقدير الله تعالى وتدبيره، أقر بذلك من أقر به؛ فخضع لعبادة مولاه جل جلاله، فكان من الناجين الفائزين، وأنكره من أنكره، فاستكبر عن عبادته سبحانه، فكان من الهالكين المعذبين. بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية: عباد الله:اعرفوا لله تعالى حقه، وأقروا بفضله،وافتقروا إلى عفوه وكرمه،وانطرحوا بين يديه،واعترفوا له بالعجز والفاقة، والضعف والحاجة،وتبرئوا من كل حول وقوة إلا بالله تعالى؛ فإنها دأب الرسل إليكم،وسبيل الصالحين قبلكم،فنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس فقراً إلى الله تعالى،واعترافاً بفضله، وتعداداً لنعمه،وتعلقاً بجنابه،وإلحاحاً في دعائه،وكان عليه الصلاة والسلام يربي ذريته وأمته على دوام الافتقار إلى الله تعالى، والإقرار بالحاجة إليه سبحانه في كل شيء، روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة رضي الله عنها:(ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت:يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)رواه الحاكم وصححه. فكم نحن بحاجة إلى إحياء هذا الافتقار في القلوب،بعد أن قست بالذنوب.